بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

الرؤيا الأربعون

          الرؤيا الأربعون
          كأن سيّدنا صلعم دخل منزل عبد الله بن أبي جمرة، ومعه الخلفاء، وجمع من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، فينظر في الشرح فيقول له بعض الحاضرين: يا رسول الله، إلى كم تنظر في هذا الشرح؟ فيقول صلعم : كل مرة أنظر فيه يزداد عندي حسناً، وهذا أيضاً من بركته.
          ثم ينظر في (حديث إذا أحب الله عبداً)(1) وفي (حديث أتى ◙ عليًّا وفاطمة طُروقاً)(2) فيعجبه. ثم إن عليّاً☺، ينظر في (حديث طروقاً) ويقول: سبحان الله، ما أعرفه بمعاني كلامنا! فيقول بعض الحاضرين: لعلمه بالعربية. فيقول ☺: بالتوفيق، فإن غيره يعرف العربية ولا يقدر أن يفهم من كلامنا ما يفهم هو.
          ثم إن النبيّ صلعم يقول لعبد الله: قم نصلي وندعو، وحينئذ نصعد بك ونريك ثواب هذين الحديثين. فيقوم صلعم ويصلي بهم اثنتي عشرة ركعة. في كل ركعة يقرأ بالفاتحة ومعها في الأولى (بأول البقرة) حتى {وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5].
          والثانية (بآية الكرسي) حتى {وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:255-256]، ويزيد عليها إلى قوله تعالى {أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] (3).
          والثالثة {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة:285-286] إل آخر السورة.
          والرابعة (بأول آل عمران) إلى قوله {إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:1-8] و{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران:18].
          والخامسة {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}[آل عمران:26-27] / و{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} إلى قوله تعالى {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آل عمران:190-194] الذي في آخر آل عمران.
          والسادسة {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}[الأنعام:59].
          والسابعة {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[الأعراف:54] التي في الأعراف.
          والثامنة {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [التوبة:128-129] إلى آخر الآيات {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء:82].
          والتاسعة {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى قوله تعالى {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:78-89].
          والعاشرة {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ}[الحشر:21-24] إلى آخر السورة.
          والحادية عشرة {إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}[النصر:1] و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}.
          الثانية عشرة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.
          وكان يسلّم من كل ركعتين، ويدعو بينهما بهذا الدعاء:
          «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم لا مضلّ لمن هديته، ولا هادي لمن أضللته، ولا مشقي لمن أسعدته، ولا مسعد لمن أشقيته، ولا معزّ لمن ذللته، ولا مذلّ لمن عززته، ولا رافع لمن خفضته، ولا خافض لمن رفعته.
          اللهم اهدنا لما أمرتنا، ووفّ لنا بما ضمنت لنا من خير الدنيا والآخرة، وقوِّ يقيننا فيما رجّيتنا، وانصرنا على أعدائنا في الباطن والظاهر.
          وأسألك اللهم ما سألك به خليلك إبراهيم ◙ ، من النور واليقين، وما سألك به محمد نبيك من النصر والتوفيق، إنك حميد مجيد، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم».
          ثم يصعد صلعم إلى السماء الثالثة ويصعد معه عبد الله / وحده، ويترك الخلفاء والصحابة في منزل عبد الله، فيريه هناك جملة بساتين وجملة قصور، وجملة دور، وجملة جنّات مزروعة زرعاً حسناً، ويكون واحد من تلك البساتين لثمره حسن زائد. فيسأل عبد الله له صلعم عن تلك الثمار ما هي؟ فيقول: هي من المسك.
          ثم إنه صلعم يقول لعبد الله: هذا ثواب ذينك. ويعيّن له الذي لكل حديث على حدة، فيكون الذي (لحديث طروقاً) أكثر من الآخر.
          ثم يعود صلعم إلى المنزل كما كان أولاً، فيقول عبد الله: يا رسول الله، أراك لا تريني ثواب حديث حتى تقف عليه؟ فيقول صلعم : قبل أن أقف عليه لا أعرف ما لَكَ فيه، فإذا وقفت عليه أخبرت بالذي لك فيه، وأنا حي وميت لا أفعل شيئاً إلا بعد الإذن. وفي هذا تعليم أنه لا يفعل أحد شيئاً حتى يعرف الأمر فيه.
          ثم يعطيه خيراً كثيراً، ومن جملته ثياب، ويقول له: هذا ثواب ذلك النسخ الذي تنسخ. فيقول عبد الله: الثياب اليوم إيمان، وكيف تعطيني في الجزاء ثياباً؟ فيقول صلعم : إن إيمانك يقوى ببعض تلك الأحاديث أكثر من الآخر، فلذلك أعطيك الثياب. ثم يقول عبد الله: ولمَ علّمْتَنِي هذه الصلاة في هذا الوقت؟ فيقول صلعم : فبها اثنان وأربعون وجهاً من الحكمة، وإذا نظرتها تعرفها منها، لكون الوقت محتاجاً إليها، ومنها من أجل الحوائج التي طلبتها في الأمس، ومنها أنه من صلّى هذه الصلاة، ودعا بهذا الدعاء، كما فعلتُها أنا، مصدّقاً لقولي، وممثلاً لأمري، فأي شيء دعا به أستجيب له: / فيقول عبد الله لا أدعو بهذا الدعاء إلا في هذه الصلاة ليس إلا؟ فيقول صلعم : ادع به إذا شئت، وتقدِّمه في أول دعائك، ثم تدعو بعده بما شئت يستجاب لك. ومن الفوائد التي فيه: أن الإيمان قد ضعف، ومن يقف على هذا ويدعو به يقوى إيمانه، وإذا قوي إيمانه يكون لك أنت الأجر في ذلك. واجتهد في الدعاء، فإن الخير في إقبال، كالزرع إذا بدأ خيره.


[1] رقمه 293.
[2] رقمه 292.
[3] البقرة، 255-257.