بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

باب: إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص

          83- البخاري: عَنْ عَطَاءٍ ☺(1) (إِذَا لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ(2) جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شيءَ(3) عَلَيْهِ). [خ¦28/19-2894]
          هذا مذهبُ عطاءٍ وليسَ / بمتَّفقٍ عليهِ، أمَّا النسيانُ فالشافعيُّ وافقَه على ذلكَ لقولِ رسولِ اللهِ صلعم : «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ»(4).
          وأمَّا مالكٌ فلم يعذُرْهُ(5)، وقَالَ: إنَّهُ مثل سجودِ السهوِ في الصلاةِ شُرِعَ؛ لأنْ يُجبرَ بهِ(6) خللٌ وقعَ في العبادةِ(7)، وفي الصلاةِ هو مشروطُ السجودِ فيها بالسهوِ لا بالعمدِ، وهنا مُطلقًا، فينبغي أن يكونَ الحكمُ في السهوِ والعمدِ سواءٌ، وهوَ الأظهرُ واللهُ أعلمُ.
          وأمَّا الجهلُ فلا أعرفُ في الوقتِ وافقَهُ عليهِ أحدٌ منَ العلماءِ، ودليلُ القرآنِ يردُّ عليهِ بِقَولِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، فلمْ يَعْذُرْ أحدًا بجهلٍ، ولو كانَ الجهلُ عُذرًا لكانَ أرفعَ مِن العلمِ، ولا قائلَ بهِ.
          ويُؤخَذُ منهُ مِنَ الفقهِ أنَّه مَن تحقَّقَ عندَه حكمٌ مِن أحكامِ اللهِ ╡ لهُ أنْ يُطلِقَ اللفظَ بعمومِ الحكمِ(8) ولا يلزمُه خلافُ المُخالِفُ.
          ومثلُ ذلكَ جرى لعمرَ بنِ الخطابِ حينَ سمعَ شَخْصًا يَتْلُو سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى خِلَافِ ما كانَ هُو(9) يَعْرِفُ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ، وأَتَى بهِ رسولَ الله صلعم وقَالَ: سَمِعْتُ هذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فقَالَ: «أَرْسِلْهُ»، فأرسلَهُ فقَالَ: «اقْرَأْ»، فقرأَ مثلَ مَا كَانَ عُمَر سَمِعَ منْهُ، فقَالَ صلعم : «هَكَذَا أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»، فقرأَ عمرُ ما كانَ يَعرِفُ وهو مخالفٌ لقراءةِ صَاحِبِهِ، فقَالَ(10) صلعم : «هَكَذَا / أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ(11)» [خ¦2419].
          ولم(12) ينكرْ صلعم على عمرَ أخذَ ذلكَ بالعنفِ وزجْرَه لهُ، وهو كانَ على الحقِّ وعمرُ لم يكنْ لهُ علمٌ بذلكَ الوجهِ الذي كانَ ذلكَ يعرفُه، كما أنَّه لم يكنْ لهُ علمٌ بما كانَ عمرُ يعرفُهُ، ومِن أجلِ الغفلةِ عن هذا الوجهِ ضاعَ كثيرٌ من النهيِ عنِ المَناكرِ(13)؛ لأنَّ بعضَ الناسِ يقولُ: لعلَّ هذا الذي أُنْكرُه أنا يُجيزِهُ غيرِي.
          ويترتَّبُ أيضًا(14) عليهِ منَ الفقهِ أنَّه لا يجوزُ الحكمُ بمجرَّدِ النقلِ بما يُرَى(15) في الكتبِ إلَّا لأهلِه الذينَ(16) يعرفونَ مقاطعَ الكلامِ، وعلى ماذا يدلُّ، يُؤخَذُ ذلكَ من أنَّه إذا رأى هذا النصَّ مَن لا يعرفُ المذهبَ وهو ينتسبُ(17) بدعواهُ لأحدِ المذاهبِ يبقى يعملُ عليهِ ويظنُّه مما يُجيزُهُ صاحبُ مذهبِه فيكونُ يقعُ في الكذبِ على إمامِه ويُدلي الناسَ(18) بغرورٍ، وقد أخبرني جماعةٌ عمَّن ينتسبُ(19) في مذهبِهِ إلى أنَّه مُتبِعٌ لمالكٍ ☺، وهو ممَّن يُستَفتى كانَ يُفتي في مذهبِ مالكٍ ما(20) نصَّ عن عطاءٍ هنا، وقد(21) ذكرنا مذهبَ مالكٍ قبلُ في ذلكَ وما(22) هوَ عليهِ، فنسألُ اللهَ الإِرشادَ(23) لمعرفةِ العلمِ على ما هو علمٌ على وجهِه والعملِ(24) به ابتغاءَ مرضاتِه، لا ربَّ سواهُ.


[1] في (ج): ((قوله))، وفي (م): ((قوله: قالعطاء))، وفي (ل): ((قوله: عن عطاء)) بدل قوله: ((البخاري عن عطاء ☺)).
[2] في (م): ((إذا تطيَّب أو لبس)).
[3] في (ج) و(م) و(ل): ((كفارة)).
[4] أخرجه ابن ماجه ░2045▒، وابن حبان ░7219▒ من حديث ابن عباس.
[5] في (م) و(ل): ((يعْذُر به)).
[6] في (ج): ((يجبره)) بدل: ((لأن يجبر به)).
[7] في (م): ((الصلاة)).
[8] في (م): ((اللفظ)).
[9] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[10] زاد في (ج): ((النبي)).
[11] في (ل): ((منه ماتيسر)).
[12] في (ج): ((فلم)).
[13] في (م): ((المناكير)).
[14] قوله: ((أيضًا)) ليس في (م)، وفي (ل): ((ويترتب عليه أيضًا)).
[15] في (ج): ((العقل بما يراه))، وفي (م): ((النَّقل بما نراه)).
[16] في (ج): ((لأهل الدين)).
[17] في (ل): ((ينسب)).
[18] في (م): ((ويدل الناس)). قوله: ((المذاهب يبقى يعمل... الناس)) ليس في (ج).
[19] في (ج) و(م) و(ل): ((ينسب)).
[20] في (ج) و(م): ((بما)).
[21] في (ل): ((فقد)).
[22] في (ط): ((على)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[23] في (ج): ((فنسأل الرشاد)).
[24] في (ج): ((والعلم)).