بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل

          91- قولُه(1): (سَأَلْتُ رسولَ اللهِ صلعم، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي(2)...) الحديثُ. [خ¦2054]
          ظَاهرُ الحديثِ يُفيدُ بأنَّ(3) التسميةَ على الصيدِ واجبةٌ، وإنْ تُرِكَت فلا سبيلَ إلى أكلِ الصيدِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم حينَ(4) سألَهُ السائلُ لا يدري أيَّ الكلابِ أخذَه هلِ الْمُسَمَّى عليهِ أخذَهُ(5) أو غيرُه هوَ الذي أخذَهُ(6)، ثم أمرَه بالتركِ معَ وجودِ الشكِّ، فمِن بابِ أولى أنْ يتركَ المقطوعَ بهِ، وهوَ الذي تُرِكَتِ التسميةُ عليهِ عَمدًا.
          وفي هذا دليلٌ على أنَّ الأدلةَ إذا تعارضَت بالجوازِ والمنعِ أنْ يعملَ على ما هوَ الأشدُّ ومَا يُبرِئُ(7) الذِّمَّةَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم أمرَه أنْ يتركَ الصيدَ معْ أنَّهُ شكَّ هلِ المُسمَّى عليه أخذه(8) أو غيرُه؟ فأفتاهُ بما هو أشدُّ(9) يُبرِئُ الذمَّةَ بيقينٍ.
          وفيهِ دليلٌ لمذهبِ مالكٍ ☼ لِقَولِهِ بسدِّ الذرائعِ؛ لأنَّهُ ◙ أمرَهُ بتركِ أكلِ الصيدِ سدًّا للذريعةِ لئلَّا يكونَ الكلبُ غيرَ المسمَّى عليهِ أخذَهُ(10).
          وفيهِ دليلٌ على جوازِ الاصطيادِ(11) وهو على خمسةِ أقسامٍ، وقد ذكرَهُ أهلُ الفقهِ.
          وفيهِ دليلٌ على جوازِ أكلِ الصَّيدِ وإنْ قتلَهُ الكلبُ؛ لأنَّ السائلَ سألَه: هل يأكلُه أم لا؟ ولا يسألُه في ذلكَ إلا أنَّ الكلبَ هو الذي قتلَ الصيدَ، وأمَّا لو أدركَه قبلَ القتلِ لم يكنْ لهُ(12) في ذلكَ على ما يسألُ؛ لأنَّهُ أدركَ ذَكاتَه بيدِهِ، فلمَّا(13) أنْ عَلِمَ هذا مِن قرينةِ الحالِ وأجازَ لهُ النَّبِيُّ صلعم أكلَ(14) ما أخذَ المُسمَّى عليهِ علمَ أنَّهُ أجازَ أكلَ(15) ما قتلَه الكلبُ، وبهذا استدلَّ مالكٌ ☼ على طهارةِ الكلبِ، ولا انفكاكَ للخصمِ عنهُ؛ لأنَّهُ إذا أخذَ الصيدَ لابدَّ وأنْ يؤثِّرَ / فيهِ؛ لأنَّهُ هوَ الذي يُنفِذُ مَقاتِلَه وقدْ يأكلُ منهُ فكيفَ يُكرَهُ لعابُه؟ وإنما الأمرُ بغسلِ الإناءِ مِن وُلوغِه سبعًا تَعَبُّدٌ(16) لا غيرُ.
          وقدِ اختلفَ العلماءُ في تاركِ التسميةِ مُتعمِّدًا هل تؤكلُ الذبيحةُ(17) أو لا تؤكلُ، وكذلكَ الصيدُ؟
          وقد ذكرَ ذلكَ في كتبِ الفقِه، وقيلَ(18): ذلكَ مِن أجلِ أنْ يكونَ الكلبُ كَلوبًا(19)، فهوَ مِن بابِ التداوِي(20).
          وفيهِ دليلٌ على العملِ بسدِّ الذريعةِ، وقيلَ: تشدُّدًا مِن أجلِ ألا(21) يتَّخذوا الكلابَ، والخلافُ في الطعامِ والماءِ واللبنِ، هلِ الحكمُ(22) سواءٌ أم لا؟ الخلافُ مذكورٌ في كتبِ الفروعِ.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّهُ لا يجوزُ الصيدُ بالجارحِ إلا مع إرسالِ صاحبهِ لهُ على الصيدِ وتعيُّنِ الصيدِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ: (أُرْسِلُ كَلْبِي).
          وفيهِ دليلٌ على جوازِ أكلِ الصيدِ وإنْ غابَ عنِ العينِ إذا وُجدَ مع الجارحِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ: (فَأَجِدُ مَعَهُ) فلفظة(23) (أجدُ)(24)، لا يُعبَّرُ بها(25) إلا عن شيءٍ قد عُدِمَتْ رؤيتُه ثم وُجِدتْ(26) وإلا كانَ يقولُ: (فأراهُ قد شاركَه غيرُه)(27).
          وهنا بحثٌ، وهو: كونُ النَّبِيِّ صلعم نهاهُ لكونِه وجدَ مع جارحهِ غيرَه ولم يُسَمِّ عليهِ أنْ يأكلَ(28) لاحتمالِ(29) أنْ يكونَ أعانَ على قتلِه هل نقصرُ هذا النهيَ على الجارحِ أو نعدِّيهِ إذا وجدَ مع صيدِه حالةٌ يُمكِنُ إنْ كانَت عونًا(30) على قتلِه مثلُ أنْ يتردَّى مِن جبلٍ أو يكونَ في ماءٍ أو يجدَ دوابَّ الأرضِ قد انتشرتْ(31) عليهِ؟.
          فقد عَدَّى(32) الفقهاءُ الحُكمَ في ذلكَ، / فقَالوا: إنَّهُ(33) كلُّ ما كانَ عونًا على قتلِ الصيدِ مِن هذهِ الأنواعِ فلا يُؤكلُ الصيدُ(34).
          واختلف بعضُهم إذا كانَ الجارحُ قدْ أنفذَ مَقاتِلَهُ هل يكونُ ذلكَ سببًا يمنعُ مِن أكلِهِ؟ على قولينِ، وبالتفرقةِ أنْ يبيتَ عنهُ(35) أو لا يبيتَ، فمنعَ بعضُهم مع وجودِ المَبيتِ.
          وفيهِ دليلٌ على جوازِ طلبِ الصائدِ(36) الصيدَ واتِّباعُه بعدَ إرسالِ الجارحِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ: (فَأَجِدُ) فإنَّهُ(37) يتضمَّنُ الطلبَ.
          ويُؤخَذُ منهُ إنْ كانَ الآخرُ قد سَمَّى عليه غيرُه وأرسلَه مثلَ ما فعلَ هوَ أنَّهُ يُؤكَلُ الصيدُ، ولمن يكونُ الصيدُ(38)؟ الكلامُ عليهِ في كتبِ الفروعِ، وإنَّما المقصودُ هنا تَبيينُ ما يَحلُّ منهُ ويَحرُمُ.


[1] زاد في (ل): ((عن عدي بن حاتم قال)).
[2] في (ل): ((وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ: لاَ تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ)).
[3] في (ج) و(م): ((أن)).
[4] زاد في (ج): ((من حين))، وفي (م): ((لمَّا)).
[5] قوله: ((أخذه)) ليس في (ج) و(م).
[6] قوله: ((هو الذي أخذه)) ليس في (ج) و(م).
[7] في (ج): ((وهل يبرئ)).
[8] في (م): ((أخذَ))، وفي (ج): ((المسمى آخر)).
[9] قوله: ((هو أشد)) ليس في (ج) و(م).
[10] قوله: ((وفيه دليل لمذهب مالك.... أخذه)) ليس في (ج).
[11] في (ج): ((الاصطبار)).
[12] قوله: ((لهُ)) ليس في (م).
[13] في (ج): ((فأما)).
[14] في (ج): ((كل)).
[15] قوله: ((أكل)) ليس في (م).
[16] في (م): ((تعبدٌ)).
[17] في (ج) و(م): ((ذبيحته)).
[18] زاد في (ج) و(م): ((إن)).
[19] في (ج) و(م): ((كلبا)).
[20] في (ج): ((الفداوى)).
[21] في (م): ((أنَّه لا)).
[22] زاد في (ج) و(م): ((فيها)).
[23] قوله: ((فلفظة)) ليس في الأصل (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[24] وردت في (ل): ((فأجد)).
[25] في الأصل (ط) و(ل): ((لا يكون يعبر به)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[26] في (ج) و(م): ((وجدته)).
[27] زاد في (ج) و(م): ((فيه)).
[28] في النسخ: ((أن لا يأكل)) ولعل المثبت هو الصواب، وهو مطابق للمطبوع.
[29] وردت في (ل): ((احتمالًا)).
[30] في (ج) و(م): ((تعين)) بدل قول: ((كانت عونًا)).
[31] في (ج): ((انكسرت)).
[32] في (ج): ((أتعدا)).
[33] في (ج) و(م): ((إن)).
[34] قوله: ((الصيد)) ليس في (ج) و(م).
[35] زاد في (ل): ((أولًا)).
[36] قوله: ((الصائد)) ليس في (ج).
[37] في (ج): ((فأخذ)) بدل قوله: ((فأجد فإنه)).
[38] قوله: ((ولمن يكون الصيد)) ليس في (ج).