بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة

          178- قوله صلعم : (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ...) الحديث. [خ¦3277]
          ظاهر الحديث الإخبار بهذه الثلاثة الأحكام وهي: فتح أبواب السماء، وغلق أبواب النار، وتسلسل الشياطين عند دخول رمضان، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: الدليل على(1) فضل هذا الشهر، يؤخذ ذلك مِن كونه خُص بهذه الأشياء على غيره، / وقد جاءت زيادة في حديث آخر: «وَزُخْرِفَت(2) الجِنَان».
          وفيه دليل: على أنَّ ذلك العالم له بقدرة الله تعالى تأثير في هذا العالم، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕: (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ) فلولا أنَّ(3) ذلك العالم له تأثير بمقتضى الحكمة في هذا(4) العالم لَمَا غُلِّقت أبواب جهنم.
          وهنا بحث، وهو أنْ يقال: لِمَ قال: (جَهَنَّمَ) ولم يقل غيرها مِن أسماء النار، لأنَّ النَّار لها سبعة أسماء أوَّلها جهنم؟
          فالجواب: أنَّه لَمَّا كانت هذه خاصة للمؤمنين مِن جميع طبقات النيران خُصَّت بالغلقِ والكَفِّ عَن المؤمنين، لأنَّهم الذين خُصُّوا بصوم هذا الشهر دون غيرهم.
          وفيه دليل: على عظيم القدرة أيضًا، يؤخذ ذلك مِن إخباره ╕: «إنَّ(5) السماء لها أبواب تفتح وتغلق».
          وفيه دليل: على أنَّ(6) كثرة فتح أبواب السماء دالة على خير أهل الأرض، وقد أخبر ╡ بما يدلُّ على ذلك في كتابه حيث قال: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف:40] ولا تفتح أبواب السَّماء إلا لمن يُرحَم ويُدخَل الجنة، ومَن غُلِّقت دونه فلا يُرحَم ولا يُدخَل الجنة(7).
          وهنا بحث: هل ذلك لكل الصائمين أو ذلك خصوص؟
          ظاهر اللفظ يقتضي(8) العموم والأخبار تخصِّصه(9) منها قوله ╕: «رُبَّ صَائمٍ ليس له مِن صيامه إلا الجوع والعطش» فمَن / ليس له مِن صومه(10) إلا هذا الشقاء ولا يقبل منه، كيف تفتح(11) له أبواب السماء؟.
          وفيه دليل على أنَّ إثبات الشيء نفيٌّ لضدِّهِ، يُؤخذ ذلك مِن قوله ╕ بعد ذكره فتح السماء التي هي دالة على فتح أبواب الجنان، ثمَّ قال: (غُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ)، كما أنْ فُتحت له أبواب جهنم، كذلك غُلِّقت عنه أبواب السماء(12).
          وهنا بحث في قوله ╕: (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ) هل ذلك حسًا أو معنى؟
          ومعنى (حِسًّا): غلقها في ذاتها، والمعنى:(13) أي منع ببركة الصوم عن الطريق التي تبلغه إلى جهنم أو (لمجموعهما) وهو الأظهر بدليل أنَّه قد جاء: «يا مالك: أَغْلِق أبواب جهنم»، فهذا حِسًّا، وقد جاء في الصوم أنَّه «وِجَاء(14)»، أي أنَّه يمنع مِن الفاحشة وهي(15) الزِّنا وقد قال جلَّ جلاله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة}[البقرة:45] فذكر(16) العلماءُ أنَّ الصبر هو الصوم لأنَّه عَون على العبادة، فصحَّ ما قلنا(17) أنَّ مجموعهما(18) هو الأظهر.
          وقوله ╕: (وَسُلْسِلَت الشَّيَاطِينُ) هل هو على عمومه أم لا؟
          أمَّا اللفظ فعامٌّ وقد جاء مخصَّصًا في حديث آخر: «وصُفِّدت مردةُ الشياطين».
          وهل هذا عن كل النَّاس عمومًا أم لا؟
          الظاهر العموم وليس كذلك بدليل قول مولانا جلَّ جلاله: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112] فمَن هو شيطانٌ في نفسه كيف يُمنَعُ منه شَيطان؟ ولذلك إذا دخل / رمضان مَن كان مثلًا مَكَّاسًا وبقي(19) على مَكْسِه، أو ظالمًا بقي على ظلمه لم يدخل في هؤلاء بل هو مِن جملة الشياطين، أليس قد قال صلعم : «فإن(20) شتمك أو سبَّك فقل: إني صائم» أو كما قال ╕، فمَن لم يَحتَرِم لا يُحتَرم.
          فمِن أجل إطلاق بعض النَّاس هذه الأحاديث على عمومها وقع لهم الاغترار عند بعضهم، ولكن(21) ينبغي أنْ يقيم الشخص لسان العلم على نفسه حتى يعرف مِن أيِّ الفريقين هو؟
          وفيه دليل: على أنَّ شيطان الإنس ملازم لا يزول لأنَّه لا يُسَلْسَل(22).
          وفيه دليل: على أنَّ الشياطين لهم أبدان محسوسة يؤخذ ذلك مِن قوله ╕: (وَسُلْسِلَتْ(23)) فإن السلسلة لا تكون إلا في جسم.
          وفيه دليل: على أنَّ الأعمال هي التي تَرفَع(24) صاحبَها أو تَضَعُه، يؤخذ ذلك مِن كون أهل الصوم يُعتَنَى بهم هذا الاعتناء العظيم، وقد جاء أنه مَنْ أكثر الصوم ضُيِّقت عليه النَّار أي: أنه لا يدخلها وقد قال: إن أردتِ عزًّا يا نفسُ فبالتُّقى(25) فاعتَزِّي، وإلاَّ فأيقني بحقيقة الذلِّ، ولذلك كان أهل المعاملات الحميدة حالهم في الدارين حميدة.


[1] قوله: ((الدليل على)) ليس في (ج).
[2] في (ج) و (م): ((وزخرف)).
[3] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[4] قوله: ((هذا)) ليس في (ج).
[5] في المطبوع: ((وإن)).
[6] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[7] قوله: ((ومن غلقت دونه فلا يرحم ولا يدخل الجنة)) ليس في (م).
[8] في (ج): ((بمقتضى)).
[9] في (ج): ((ويخصصه)).
[10] في (ج): ((صيامه)).
[11] في (ج): ((تضج)).
[12] قوله: ((وفيه دليل على أن إثبات الشيء...عنه أبواب السماء)) ليس في (ج) و (م).
[13] في (ط): ((وبمعنى)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (ج): ((قد جاء)).
[15] في (ط) و(ج): ((وهو)) والمثبت من (م).
[16] في (ج): ((قالت)).
[17] قوله: ((ما قلنا)) ليس في (ج).
[18] في (م): ((بمجموعهما)).
[19] في (ج) و (م): ((بقي)).
[20] في (ج): ((وإن)).
[21] في (م) و (ج): ((الاغترار لكن)).
[22] قوله: ((وفيه دليل: على أنَّ شيطان الإنس ملازم لا يزول لأنَّه لا يسلسل)) ليس في (ج).
[23] في (ج): (وتسلسلت)).
[24] في (ج): ((وقع)).
[25] في (ج): ((يا نفسي فالتقى)).