بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.

          265- قوله صلعم : (لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ...) الحديثَ(1). [خ¦6516]
          ظاهر الحديث النَّهي عن سبِّ الأموات. والكلام عليه مِن وجوه:
          منها(2): أن يُقال: هل هذا النهي على عمومه في المؤمن والكافر، أو في المؤمن خاصَّة؟
          والجواب(3): أنَّ ظاهر اللَّفظ يعطي العموم، وما يُفهم مِن قواعد الشَّريعة تخصيصه(4) بالمؤمنين؛ لأنَّ الكافر لا حُرمة له في حياته، فكيف بعد مماته؟ والمؤمن لَمَّا كانت غِيبتُهُ(5) في الحياة ممنوعة أَمَر(6) الشَّارع صلعم باستصحاب تلك(7) الحرمة بعد الموت، وزاد ذلك بياناً(8) بتعليله ╕ النَّهي بقوله: (فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا). وفي تعليل النَّهي الَّذي نهى عنه ╕، دليل على تبيين تعليل الأحكام لمن تُلقى إليه، ليكون في أحكام الله ╡ عَلى بصيرة.
          وفيه دليل على فضيلة الإيمان وحُرْمة أهله، يُؤخذ ذلك مِن نهيه ╕ عن سبِّ الميِّت مِن أهل الإيمان، وإن كان مجرماً.
          وفيه دليل على جواز ذِكْر الموتى بخير(9)، لأنَّ النهيَ عن الشيء دليلٌ على جواز ضدِّه، على أظهر الأقاويل.
          وفيه دليل على أنَّه حين خروج الميت مِن هذه الدَّار يَلقى عمله، والمجازاة عليه خيراً كَان أو ضدَّه. يُؤخذ ذلك مِن قوله صلعم : (إِنَّهُمْ(10) قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) كما نبَّهنا عَليه في الحديث قبل.
          وفيه دليل على أنْ(11) ليس للمرء في تلك / الدار إلَّا مَا قدَّمه(12) مِن هذه، كما أشرنا إليه في الحديث قبل، يُؤخذ ذلك مِن قوله صلعم : (أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا)، يشهد(13) لذلك قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:39-40]. وفي قوله ╕: (فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) تنبيهٌ لمن بلغه هذا النهي أن ينظر في عمله خيفةَ أن يكون سيئاً، فيُقدم عليه، ولا بدَّ له مِن الجزاء عليه، فيكون فيه اجتماع أمرين: أمر بإبقاء حرمة المسلم(14) بعد موته، وإن كان مسيئاً يستحق السبَّ، وتنبيهٌ لِلْحَيِّ(15) أن ينظر في صلاح عمله، بينما هو في دار المهلة خيفة أن يكون فيه(16) ما يَسُوؤهُ، فيغفل حتَّى يَقْدُم عليه، فلا يقدر لخلاص نفسه(17)، ومَن تبصَّر انتفع، وَإلَّا فالأمر جِدٌّ، والحاكم عدل، ولات حين مَناص(18).


[1] في (ب): ((عن عائشة ╦ قالت: قال رسول الله صلعم : لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)).
[2] قوله :((منها)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[3] في (ب): ((فالجواب)).
[4] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((يخصصه)).
[5] في (ج): ((هيبته)).
[6] في (ج): ((من)).
[7] في (ج): ((كل)).
[8] في (م): ((حياة))، وفي (ت): ((حياتا)). وفي (ج): ((وزاد لك بياناً))، والمثبت من (ب).
[9] في (ت): ((بالخير)).
[10] في (ج) و(ب): ((فإنهم)).
[11] في (ج): ((أنه)).
[12] في (ج) و(ب): ((قدم)).
[13] في (ب): ((ويشهد)).
[14] في (م): ((الإسلام)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[15] في (م) و(ت): ((الخير)) والمثبت من (ج).
[16] في (م): ((فيها))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[17] زاد في (ب): ((بحيلة من الحيل)).
[18] في (ب): ((ولا مناص)).