بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: أنَّ عائشة كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه

          15- (عَن عَائشةَ زوْجِ النبيِّ صلعم كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ...) الحديث(1). [خ¦103]
          ظاهر الحديث يدلُّ على أنَّ الهلاكَ مع(2) المُناقشة، والكلامُ عليهِ مِن وجوهٍ:
          الأولُ(3): قولُه ◙ : (مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ) هل هو على عمومِه أو على الخصوصِ؟ فالظاهرُ أنه خاصٌّ لكونِه خصَّصه بعدَ المُناقشةِ(4)، وعلى مُقتضى الآثارِ باختلافها ينقسمُ الحسابُ على أقسامٍ.
          فمنه عَرْضٌ كما أَخبرَ في باقي الحديثِ، وقد جاءَ ما يُبيِّن كيفيةَ هذا العرضِ في حديثِ ثانٍ حيثُ(5) قالَ: «إنَّ اللهَ ╡ يُحاسِبُ عَبدَه المُؤمِنَ سِرًا، فيُلقِي كَنَفَهُ عليهِ ويقولُ: يا عَبدي، فعلتَ كذا في يومِ كذا، فعلتَ كذا في ساعةِ كذا، فلا يُمكِنُهُ إلا الاعترافُ حتَّى يَظُنَّ أنهُ هالِكٌ، فيقولُ: يا عبدي، أنا سَتَرتُها عليكَ في الدنيا وأنا أَغفِرُها لك(6) اليومَ، اذهبوا بعبدي / إلى الجنةِ، فإذا رَآهُ(7) أهلُ المَحشَرِ(8) يقولونَ: طُوبَى لهذا العبدِ لم يَعْصِ الله قطُّ»، فهذا هو بيانُ العَرضِ المُجمَلِ هُنا؛ لأنه عَرْضٌ ولا عِقَابَ فيه(9).
          ومنه نوعٌ آخرُ: وهم الذينَ لهم وعليهم، فيُؤخَذُ منهم فيُعطى فيما عليهم، فتكونُ حسناتُهم بالسَّويَّةِ مع سيئاتِهم، فيَبقى لهم الإيمانُ يدخلون به الجنَّةَ، وهذا نوع مِن العَرضِ.
          وآخرونَ قد تَبقَى عليهم التَّبِعاتُ فيُسبِّبُ الله ╡ لهم مَن يَشفع فيهم(10)، وهؤلاءِ مِن نَوعِ المَلطُوفِ بهم.
          وآخرونَ تَفْضُل عليهمْ صغائرُ فيُلطَفُ بهم ويُعفَى عنهم لمتضمَّن ِالوَعدِ الجميلِ، وهو قوله ╡ (11): {إِنْ تَجْتَنِبُوا(12) كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31].
          وآخرونَ لهم سيئاتٌ كبائرُ وصغائرُ، فيأمر اللهُ ╡ المَلائكةَ(13) أن يُبدِّلوا لهم صغائرَهم حَسناتٍ(14)، فإذا رأَوها قالوا: يا(15) ربَّنا، كانتْ(16) لنا كبائرُ ولمْ(17) نرَها هنا(18)، طمعًا أن تُبدَّلَ لهم الكَبائرُ بالحسناتِ، فأُولئكَ كما أَخبرَ ╡ عنهم(19) بقولِهِ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]، وهؤلاءِ ممَّن تفضَّلَ الله عليهم(20).
          وآخرونَ تَرجَحُ حسناتُهم سيئاتِهم(21)، أولئكَ همُ المفلحونَ.
          وآخرونَ لم يُحاسَبوا البتَّةَ إلا مِن قبورِهم إلى قُصورِهم كما جاءَت بذلكَ الآثارُ، مثلُ الشهداءِ وغيرهم.
          وآخرونَ يُناقَشون الحسابَ، فأولئكَ الذينَ يَهلِكونَ، أي: يُعذَّبونَ؛ لأن الهلاكَ الذي(22) هو كنايةٌ عن العَدَمِ ليسَ بموجودٍ هناكَ، وهذا مثلُ قولِه تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17]، أي: يأتيهِ أن لو كانَ يأتيهِ(23) مثلُهُ في دارِ الدُّنيا لكانَ يَموتُ، فهنا يُقاسِي مثلَ الموتِ مِن كلِّ / جهةٍ(24) وليس بميِّتٍ، وفي هذا الهلاكِ يأتيهِ مِن الأُمورِ المُهلِكةِ أنْ لو كانَ في دارِ الفَناءِ كانَ(25) يَهلَكُ بها، وهنا(26) يُقاسِي مثلَ الهلاكِ وليسَ بهالكٍ، والهالكونَ هُنا _أي: المُعذَّبونَ_ على أحوالٍ مُختلفةٍ بقَدْرِ أحوالِهم كلُّ شخصٍ بِقَدْرِ حالِهِ.
          وفيه دليلٌ على أنَّ مِنَ السنَّةِ أنَّ مَن سمعَ شيئًا لا يعرفُه فَلْيُراجِعْ فيه حتى يَعرفَه، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِهِ: (كَانَتْ لَا تَسَمَعُ شَيْئًا لا تَعرِفُه إلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعرِفَه) فلو لم يكنْ ذلكَ مِن سُنَنِ الإسلامِ لَمَا أَقَرَّها ◙ على ذلكَ، وهي التي قالَ ◙ في حقِّها: «خُذُوا عَنْهَا شَطرَ دِينِكُمْ»، لكن هذا ليسَ على العُمومِ، وإنما(27) ذلكَ لمن فيه أهليَّةٌ، وإنما(28) العوامُّ وظيفَتُهم(29) السؤالُ كما تقدَّم في الأحاديثِ قبلُ.
          ومنها: أنْ تكونَ المُراجعةُ بحُسْنِ أدبٍ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِها: (أوَليسَ يقولُ اللهُ تعالَى(30): {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:8] ؟) فلمْ تُظْهِر صورةَ الإِنكارِ، ولكنْ عَرَّضَتْ بالآيةِ(31) ليَجتمِعَ لها في ذلكَ وجوهٌ مِن الفقهِ:
          منها تفسيرُ الآيةِ ممَّن يَعرِفُها حقًّا.
          ومنها: معرفةُ كيفيَّةِ الجَمعِ بينها وبين متنِ الحديثِ، فاجتمعَ(32) في ذلكَ ما أرادتْ، وهوَ كونُهُ ◙ بيَّنَ لها مَعنى الآيِ(33) وكَيفيَّةَ الجمعِ(34) بينَ الآيِ(35) والحديثِ.
          وفيه دليلٌ على تَخصيصِ الكتابِ بالسنَّة(36) ؛ لأنَّ هذا الحديثَ خصَّصَ تلكَ الآيةِ لوجهٍ ما، لقولِهِ ◙ : (إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ).ويُؤخَذُ منهُ الدليلُ لمذهبِ مَالكٍ ☼(37) حيثُ يرى بأنَّ جَمْعَ الآثارِ أَولى مِن نَسخِها؛ لأن الجَمعَ يقتضي زيادة حُكْمٍ، والنَّسخُ يَقتضِي نَفْيَ حُكمِ هذا ما لم يُعلَم النَّسخ؛ لأنه إذا عُلِمِ النَّسخُ فلا جمعَ، وذلكَ مثل ما(38) فَعلَ في الحديثَينِ: «إنَّما الماءُ مِنَ الماءِ»، و«إذا جَاوزَ الخِتانُ / الخِتَانَ فقدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، فحَمَلَ قولَه ◙ : «إذا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ..» عَلى الجِماعِ، وحَمَلَ قولَه ◙ : «إِنَّمَا المَاءُ مِنَ الماءِ» على الاحتلام، وما أشبَهَهُ، وما نحنُ بسبيلهِ مثلُه.
          ويُؤخَذُ منهُ أنَّ الاستبدادَ مع حضورِ المُعلِّمِ(39) ممنوعٌ، وإِنَّما الاستبدادُ بالتأويلِ مع الغيبةِ عنه، يُؤخَذُ ذلكَ مِن استدلالها بالآيةِ حينَ سمعتْ ما ذَكَرَ ◙ ، فلم تَستبِدَّ برأيِها مع حُضورِه ◙ ، لأنه هوَ المُشرِّعُ والمعلِّمُ فالتشريعُ خاصٌ بهِ والتعليمُ مَوروثٌ عنه(40).
          وفيهِ دليلٌ على أن التَّفرِقَةَ بين اللَّفظينِ(41) لافتراقِ الحُكمِ جَائِزةٌ بقرينةٍ ما، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ)، وقولِه تعالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:8]، فاللفظُ واحدٌ في الحسابِ ووقعتِ التَّفرِقَةُ بينهما بالصِّفَةِ لأنهُ ◙ قالَ في الواحدِ: يَسير(42)، فوصفَهُ بالتيسير، وفي الآخرِ أضافَ إليهِ الهلاك، فليسَ مَن تيسَّرَ(43) عليهِ يَهْلِكُ(44).
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ بساطَ الحالِ يُستدلُّ بهِ على حقيقةِ المعنى؛ لأنهُ قالَ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7-8]، فدلَّ بذلكَ أنَّ مَن لم يُؤتَ كتابَه بيمينِه فليسَ يُحاسبُ حِسابًا يسيرًا(45).
          وفيهِ دليلٌ لمَن يقولُ بأنَّ الأمرَ بالشيءِ نهيٌ عن ضدِّه، يُؤخَذُ ذلكَ مِن إِخبارِه ◙ بأنَّ أمرَ اللهِ ╡ قد نَفِذَ أنَّ مَن أُوتِيَ كتابَه باليمينِ(46) يُحاسَب حِسابًا(47) يَسيرًا، وأخبرَ ◙ بنفوذِ(48) الأمرِ فيمَن لم يُؤتَ كتابَه بيمينِه بالمناقشةِ.
          ويَرِدُ هنا(49) سؤالٌ على قولِهِ: (شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ)، هل(50) هو على العمومِ فيما يكونُ مِن أُمور(51) الدنيا والآخرةِ، أو هوَ خاصٌّ بمعنى / أُمورِ(52) الآخرةِ ليسَ إلَّا؟ والجوابُ: أنَّ هذا على العمومِ؛ لأنَّه مِن الشِّيَمِ العاليةِ والسُّؤْدُدِ المُنِيفَةِ، وتلك السيدةُ كانتْ ممَّن لها السُّؤدُدُ(53) والرُّتْبَةُ السَّنِيَّةُ، وقد قيلَ: قيمةُ المرءِ(54) ما يُحْسِن، وقد قالَ عليٌّ ☺ لمَّا لَقِيَ أَعرابيًّا فأعجبَهُ حالُهُ، فقال له: بمَ نِلْتَ هذهِ الحالةَ؟ فقالَ: لم أسمعْ شيئًا لا أعرفُه إلا بَحثْتُ فيه حتى أَعرفَه، ولم أعرفْ شيئًا فامتنعتُ أن أُعلِّمهُ مَن لا يعرفَه، فقال له: بهذا سُدْتَ.
          وقد قالوا: مَن دَرَسَ رَأَسَ ومَن عَرَفَ ارْتَفَعَ.
          وهنا بحثٌ في قولِه: (لَا تَعرِفُهُ إلا رَاجَعَتْ(55)) ولمْ تقلْ: أنكرَتْ(56)؟.
          والجوابُ: أنَّ المُراجعةَ تَرَدُّدُ الأمرِ ليَتبِيَّنَ(57) حقُّه مِن باطلِهِ، والإنكارُ دَفعُهُ مرةً واحدةً، ومَن له عَقلٌ لا يَنفي شيئًا لا يعرفُه حتى يُراجِعَ فيه ويَعرِفَ حقَّه مِن باطلِه(58) لِئَلَّا يكونَ فيهِ حقٌّ أو منفعةٌ، فإنْ كانَ فيهِ حقٌّ أو منفعةٌ قَبِلَهُ وإلَّا ردَّهُ على بصيرةٍ(59).
          ومِن علاماتِ الجهلِ: ردُّ الشيءِ عندَ الجهلِ؛ لأنه قد يكونُ فيه(60) مصلحةٌ لا يعرفُها، فكانَ(61) ردُّه وجهلُه سببًا لحرمانِه مِن تلكَ المنفعةِ، ولذلك قالَ السادةُ العلماءُ: مَن جَهِل شيئًا عادَاهُ، هذا إذا كانَ الأمرُ مِن خِلافِ كلامِ النبوَّةِ، وأمَّا فيما يكونُ مِن كلامِ النبوَّةِ فالمراجعةُ فيهِ ليتبيَّن ما فيهِ مِن الأنوارِ والحِكَمِ والفوائدِ؛ لأنه خيرٌ كلُّه.
          وفي هذا دليلٌ على منعِ بعضِ البحوثِ التي لبعضِ النَّاسِ في زمانِنا هذا؛ لأنَّ ما قصدَ بعضُهم(62) إلا قطعَ خَصْمِهم(63)، فيكونُ جوابُه: ممنوعٌ ولا أُسَلِّم، وهو لا يعلمُ حقيقة ما قالَ صاحبُه، فحُرِمَ الفائدةَ لجهلِهِ بأَدَبِ البحثِ، وقدْ قالَ الشافعيُّ ☼ والسادَةُ العُلماءُ: ما باحثتُ / أحدًا فاخْترتُ أن يكونَ الحقُّ يَجري على لساني ليس إلَّا، وإنما قَصدِي أن يُظهِرَ اللهُ الحقَّ على لسانِ مَن شاءَ(64) مِنْ أَلسنَتِنا؛ لأنَّ الحِكمَةَ ضالَّةُ المؤمنِ، فمَن أَتَى(65) بها فرحَ لها(66).
          ويترتَّبُ مِنَ الفقهِ على مَن يَرُدُّ(67) قبلَ أنْ يعرفَ مَقالةَ(68) خصمِه وجهان؛ لأنه لا يخلو أنْ يكونَ ما قالَه المُتكلِّمُ حقٌّ(69) فيُراجِعُه بقولِه: (ممنوعٌ)، و(لا أُسلِّمُ). فيدخُلُ بذلكَ في عمومِ قولِه تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة:32]، فهذا حرامٌ ممنوعٌ، أو يكونَ ما قالَهُ(70) خصمُه مُنكَرًا(71) لا يجوزُ فيرُدُّهُ قبلَ أنْ يعرفَهُ، وتغيير المُنكَرِ لا يجوزُ إلا بعدَ المعرفةِ بأنَّه مُنْكرٌ، وهذهِ المسألةُ بإجماعٍ، وهو: أنَّه لا يَجوزُ تغييرُ المُنكَرِ حتى يُعلَمَ أنَّه مُنكَرٌ، فكيفَ يُقدِّمُ هذا المُنْكِرُ على هذينِ الوجهينِ وفيهما مِن الخطرِ ما فيهما؟ لاسيما إذا انضافَ لذلك حُظوظُ النفسِ وطلبُ الظهورِ والفَخْرُ، فشقاوَةٌ على شَقاوةٍ، أعاذنا الله مِن ذلك بِمَنِّهِ.
          وممَّا يَقرُبُ مِن هذا الوجهِ مِنَ القُبْح، وهو عندَ بعضِ أهلِ الوقتِ مِن(72) النُبْلِ والكَيْسِ وتَبيينِ(73) الحال، وهو: أنْ يَسمعَ(74) ممَّن مَنَّ اللهُ عليهِ بالعلمِ وَجهًا مِن العلومِ لا يَعرفُه هو، فيأتي إليهِ يَسألُه أن يَبحَثَ معهُ في ذلك الوجهِ لكي يُشعِرَهُ أنه يعرفُهُ، ولا يُريدُ أن يَتنازَلَ إليهِ، أنْ(75) يقولَ لهُ: علِّمْني تلكَ المسألةَ، فهذا فيه وجوهٌ مَحذورَةٌ(76)، منها: الكذبُ؛ لأنه يُخبِرُ بلسانِ حالِه أنه يَعرفُ ذلكَ الشيءَ، وليسَ كذلكَ، وفيه استنقاصٌ بمَن هو أعلمُ منهُ في ذلكَ الحالِ أو تلكَ المسألةِ، وقد قالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ☺: لاتَحْقِرَنَّ أحدًا آتاه الله عِلمًا، فإنَّ اللهَ لم يَحْقِرهُ حينَ آتاهُ العلمَ.
          وقد قالَ أئمة الدِّينِ: وأن / تتواضَعوا لمن تعلِّمُونَه، وتتواضعوا(77) لمنْ تتعلَّمُونَ منهُ، فإنَّ التواضُعَ مِن أدبِ العلمِ، ومَن تركَ أدبَ العِلمِ قلَّ أن يَحظَى به أو ينالَهُ على وجهِهِ، بل يُحرَمُهُ.
          فانظرْ إلى حُسنِ العِبارةِ في قوله: (لا تَعْرِفُه(78))، فدلَّ على أنَّ المُراجعةَ تَعلُّمٌ لا إنكارٌ، فلما راجعَتْ وعَرفَتْ أَمسكَتْ، فتلكَ الفائدةُ التي قُصِدت، والفائدةُ عندَ أصحابِ البحثِ المُتَقدِّمِ ذكرُهم قَطْعَ الخَصْمِ (بلا أُسَلِّم)، (وممنوع)؛ لأَنْ يُقالَ: فلانٌ قطعَ فُلانًا، أو أسكتَ(79) فُلانًا، فإِنَّا للهِ وإِنَّا إليهِ راجعونَ على قَلبِ الحَقائقِ وردِّ المعروفِ مُنكرًا والمنكَرِ(80) مَعروفًا.
          وفيه دليلٌ على أنَّ زيادةَ البحثِ إذا كانَ بأَدَبِهِ زادت(81) الفائدةَ، يؤخذُ(82) ذلكَ مِن أنَّها لمَّا سمعتْ قولَه ◙ رَاجَعَتْ بالأَدَبِ كما تقدَّم، فازدادَ لها بذلكَ فائدةٌ، إذ(83) خَصَّصَ لها ذلكَ العامَّ بقولِه ◙ : (مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِك)، ثم خصِّصَ لها ذلكَ العمومَ بقولِه ◙ : (إِنَّما ذَلِكَ العَرْضُ).
          وفي الحديثِ إشارةٌ صُوفِيَّة؛ لأنَّ تلكَ المناقشةَ هي التي حملتهمْ على الزُّهدِ في متاعِ الدنيا، وقد أشارَ ◙ إليه في حديثٍ آخرَ حينَ قالَ لهُ رجلٌ: أَوْصِني ولا تُشطِطْ، فقالَ لهُ ◙ : «لا تَقُلْ شَيئًا تَسْتَعذِرُ عنهُ في القِيَامَةِ»، فعملُوا في القولِ على هذهِ الوصيَّةِ ليكونَ قولُهم صِدقًا، ويكونَ حِسابُهم تَجاوزًا وعَرضًا، جعلنا اللهُ مِمَّن تجاوزَ عنهُ وسلكَ بهِ مَسْلَكَهمُ الرشيدَ وسَنَنَهم السَّديدَ، إنه وليٌّ حميدٌ(84).


[1] زاد في (ج) و(ل): ((قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الإنشقاق:8]، قَالَتْ: فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ))، وليس في (ج) قوله: ((الحديث)).
[2] في (م): ((الكلام من)).
[3] في (م): ((الوجه الأول)).
[4] في (ل): ((بالمناقشة)).
[5] قوله: ((حيث)) ليس في (م) و(ل).
[6] في (ل) و(ف): ((وأنا أسترها عليك)).
[7] في (ط) و(م) و(ف) و(ل): ((رأوه)).
[8] في (م): ((الجنة)).
[9] في (م) و(ل) و(ف): ((عليه)).
[10] في (ف): ((لهم)). وبعدها في (ج): ((هؤلاء)) بدون الواو.
[11] في (ل) و(ف): ((قوله تعالى)).
[12] في (م): ((تجتنبون)).
[13] في (ط) و(ل): ((للملائكة)).
[14] في (ل): ((بحسنات)).
[15] قوله: ((يا)) ليس في (م).
[16] في (ج): ((إنَّ)).
[17] في (ل): ((فلم)).
[18] قوله: ((هنا)) ليس في (ج).
[19] زاد في (م) و(ل) و(ف): ((في كتابه)).
[20] في (ج): ((وهؤلاء ممن تفضل عليهم))، وفي (ل) و(ف): ((وهؤلاء من المفضول عليهم)).
[21] في (ل): ((بسيئاتهم)).
[22] في النسخ: ((لأن الهلاك هناك الذي)) وفي (المطبوع): ((لأن الهلاك هنا الذي)) والمثبت من (ف).
[23] قوله: ((أن لو كان يأتيه)) ليس في (ل).
[24] في (ف): ((مكان)).
[25] في (ج): ((وكان))، وفي (ل): ((لكان)).
[26] في (ج): ((وهذا)).
[27] في (م): ((ولكن)).
[28] في (ف): ((وأما)).
[29] في (ج) و(ف): ((وأما العوام فوظيفتهم))، وفي (م): ((فوظيفتهم))، وفي (ل): ((وضيفتهم))، و قوله بعدها: ((السؤال)) ليس في (م) و(ل).
[30] قوله: ((تعالى)) ليس في (ف).
[31] في (ل) و(ف): ((بالآي)).
[32] زاد في (ج) و(ل): ((لها)).
[33] في (ج): ((الآية)) في هذا الموضع والذي يليه.
[34] قوله: ((بينها وبين متنِ الحديثِ، فاجتمعَ في ذلكَ ما أرادتْ، وهوَ كونُهُ ◙ بيَّنَ لها مَعنى الآيِّ وكَيفيَّة الجمعِ)) ليس في (م).
[35] في (م): ((الآية))، وقوله: ((وكيفية الجمع بين الأي)) ليس في (ف).
[36] في (ف): ((والسنة)).
[37] قوله: ((☼)) ليس في (ف).
[38] قوله: ((ما)) ليس في (م).
[39] في (ج): ((العلم)).
[40] قوله: ((لأنه هو المشرع... موروث عنه)) ليس في (ج).
[41] في (م): ((اللفظتين)).
[42] في (المطبوع): ((قال في الواحد لو لم يُيَسَّر عليهِ لهلكَ فوصفه)).
[43] في (ج) و(ل): ((يُيَسَّرُ)).
[44] في (ج): ((يُيَسَّرُ)).في (ل): ((يُيَسَّرُ عليه بهالك)).
[45] قوله: ((فدلَّ بذلكَ أنَّ من لم يُؤتَ كتابَه بيمينِه فليسَ يُحاسبُ حِساباً يسيراً.)) ليس في (م).
[46] في (ف): ((بيمينه)).
[47] قوله: ((حساباً)) ليس في (ل).
[48] في (ل) و(ف): ((في نفوذ)).
[49] في (ف): ((هاهنا)).
[50] في (م): ((بل)).
[51] في (م): ((أمر)).
[52] في (م): ((بأمور)).
[53] في (ل): ((كانت ممن له السؤدد العلية)) وزاد في (ف): ((العلية)).
[54] قوله: ((المرء)) زيادة من (ج) و(ل) و(ف) على (ط)، وفي (م): ((المؤمن)).
[55] زاد في (م) و(ل) و(ف): ((فيه)).
[56] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((راجعت فيه. ولِمَ لَمْ يقل: أنكرته)).
[57] في (ج) و(م) و(ل): ((ليبين)).
[58] قوله: ((والإنكار دفعه مرة واحدة.... باطله)) ليس في (ج).
[59] في (ج): ((بصيرته)).
[60] زاد في (ج): ((معرفة أو)).
[61] في (ج): ((فيكون)).
[62] في (ل) و(ف): ((لأن ما قصدهم)).
[63] في (م): ((خصمه)).
[64] في (ل) و(ف): ((يشاء)).
[65] في (ل) و(ج): ((أُتِيَ)).
[66] قوله: ((لها)) ليس في (ل)، وفي (ف): ((بها)).
[67] في (ط): ((رد)).
[68] في (ف): ((مقالته)).
[69] في (ط): ((حق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[70] في (ج): ((ما له)).
[71] في النسخ: ((منكر)) والمثبت من (ج).
[72] في (ل): ((مثل)).
[73] في (ج) و(ف) و(ل): ((وبئس)).
[74] في (م): ((يستمع)).
[75] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[76] في (ج): ((محظورة)).
[77] في (ج) و(ف): ((وتتواضعون))، وفي (م): ((وتواضعوا)).
[78] في (ف): ((لايعرفه)).
[79] في (م): ((سكت)).
[80] في (م): ((أو المنكر)).
[81] في (ط): ((زاده)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[82] في (ف): ((تؤخذ)).
[83] في (م) و(ل) و(ح): ((إن)).
[84] قوله: ((إنه ولي حميد)) ليس في (ل) و(ف).