بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده

          93- قولُه: (عنِ النبيِّ صلعم : مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ(1)...) الحديثُ. [خ¦2072]
          ظاهرُه يدلُّ على أنَّ خيرَ طعامٍ يأكلُه المرءُ ما كانَ(2) مِن كَسْبِ يدِه، ويدلُّ بِضِمْنِه على التحضيضِ على التكسُّبِ ولهُ شروطٌ، والكلامُ عليهِ مِن وجوهٍ:
          منها: ما معنى هذهِ الخيريَّةِ؟ وهل قَولُهُ: (أَحَدٌ) عمومًا في كلِّ بني آدمَ؟ أو أنَّ هذا في المؤمنينَ؟ ولِمَ ضربَ المثلَ بداودَ ◙ مِن بينِ الأنبياءِ ‰، وقدْ كانَ كثيرٌ مِنَ الأنبياءِ ‰ يعملونَ بأيديهم؟
          فاحتملَ(3) أنْ تكونَ الخيريَّةُ في التكسُّبِ مِن أجلِ الغِنى عنِ الناسِ والتعزُّزِ بالكسبِ / على الغيرِ؛ لأنَّه مَنِ احْتَجْتَ إليهِ كانَ أميرَكَ، ومَنِ اسْتَغْنَيْتَ عنهُ(4) كنتَ أميرَه، فإنْ كانَ المقصودُ بالخيريةِ هذا فيدخلُ فيهِ المؤمنُ والكافرُ ويكونُ ما أشرنا إليهِ مِن أنَّه يقتضي الحضَّ على التكسُّبِ صحيحًا لكنْ بشروطٍ:
          وهوَ(5): أن يكونَ السبَبُ(6) مما أجازَتْهُ الشريعة.
          وأنْ يكونَ عملُه(7) فيهِ على الوجهِ المشروعِ؛ لأنَّ مِنَ الأسباب ما يكونُ جائزًا على لسانِ العلمِ في أصلِه وعندَ محاولتِه تُخالَفُ(8) فيهِ المشروعيةُ فهذا ممنوعُ.
          واحْتُمِلَ أن تكونَ الخيريةُ فيهِ مِن أجلِ ما جاءَ في عملِ السببِ مِنَ الثوابِ؛ لأنَّه قد جاءَ: «مَنْ بَاتَ تَعْبَانًا مِنْ طَلَبِ الحَلَالِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ، وأَصْبَحَ واللهُ راضٍ عَنْهُ»(9)، ولكونهِ فيه خيرٌ متعدٍّ(10).
          فإنْ كانَت هذهِ الخيريَّةُ(11) فيكونُ معنى(12) قَوله: (أَحَدٌ) خاصًا(13) بالمؤمنينَ، ويكونُ التحضيضُ بهذا المعنى على التصرُّفِ في المكاسبِ بلسانِ العلمِ وإلا كانَ أَنحَسَ طعامٍ(14).
          واحتملَ أن تكونَ الخيريَّةُ هنا معنًى(15) لكونِه منَ الكونِ بواسطةِ(16) العملِ باليدِ ويكونُ هذا خاصًا بالصنعةِ التي تكونُ باليدِ دونَ غيرِها مِنَ التكسُّباتِ، ولهذهِ الفائدةِ مَثَّل ◙ بداودَ ◙ مِنْ بينِ ما(17) عداهُ مِنَ الأنبياءِ ‰.
          وقد جاءَ: «إنَّ الصَّنْعَةَ كَنْزٌ مِنْ كنوزِ الله ╡ ينفقُ مِنْهُ صَاحِبُهُ»، فيكونُ معنى الحديثِ على هذا(18) التحضيضُ على تعليمِ الصنعةِ وأنَّها مِنَ السنَّةِ ولا عارَ فيها؛ لأنَّ(19) / ما فعلهُ نبيٌّ مِنَ الأنبياءِ فلا عارَ فيهِ.
          وقد تكونُ (الخيريَّةُ) هنا(20) لكونِها ليسَ فيها حقٌّ مترتَّبٌ للهِ؛ لأنَّ ما فيهِ حقٌّ للهِ فقدْ يوفى جميعُه أو يعجزُ عن(21) بعضِه بالقصدِ(22) أو بغيرِ قصدٍ، مثالُه: إسلامُ الكافرِ، وتوبةُ العاصي، فإسلامُ الكافرِ عندَهم إنْ ماتَ صاحبُه في وقتِه دخلَ الجنَّةَ إذا كانتْ نيَّتُه خالصةً(23) بلا خلافٍ بينَ أحدِ(24) العلماءِ في ذلكَ، والعاصي إذا ماتَ حينَ توبتِه وإنْ كانتْ نيَّتُه صادقةً موقوفٌ في المشيئةِ مِن أجلِ أنَّ(25) التوبةَ لها شروطٌ:
          (منها): ردُّ(26) المظالمِ، وهذا ما نعرفُ(27): هلْ عليهِ مَظلمةٌ أم ليسَ؟ فلا نحكمُ(28) له بالقطع ويرجى له فضلُ اللهِ فكذلكَ ما كانَ مِنَ التكسُّبِ خلافَ الصَّنعةِ باليدِ(29)، وقد ترتَّبَ فيهِ زكاةٌ وغيرُ هذا(30) مِنَ الحقوقِ، واحْتَمَلَتْ إن وَفَّتْ أَم لَمْ(31)؟ والذي هو بصنعةِ اليدِ إذا كانَ على لسانِ العلمِ فليسَ فيهِ حقٌّ مرتَّبٌ(32) مقطوعٌ بهِ، فما هوَ مقطوعٌ بهِ فهوَ(33) خيرٌ مما هوَ محتملٌ.
          واحتملَ أنَّ (البركةَ) تكونُ هنا بمعنى (الخيرِ) بأنْ يكونَ ما أكلَ أحدٌ(34) مِنَ الطعامِ بالصنعةِ(35) يكونُ أبركَ مِن غيرِه، وتكونُ البركةُ أيضًا مُحتملةً في هذهِ(36) الوجوهِ أنْ يُرادَ بها بركةٌ حسِّيَّةٌ، أو معنويَّةٌ.
          فأما البركةُ(37) الحسيَّةُ فمثلُ(38): أن يكونَ القليلُ منهُ يَسُدُّ مَسَدَّ(39) الكثيرِ مِن غيرِه في التناولِ. واحتملَ البركةَ المعنويَّةَ: وهيَ التي توجدُ مِنَ القوةِ والنشاطِ بهذا الطعامِ أكثرَ / مما يوجدُ بغيرهِ، وقدْ كانَ سيدُنا محمد(40) صلعم إذا جاءَ للأكلِ(41) يقولُ: «بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيْمَا رَزَقْتَنَا»(42).
          فالبركةُ التي يَطلبُ هو(43) صلعم في طعامِهِ ما عدا تلكَ الأطعمةِ القليلةِ التي دعا فيها وباركَ حتى كانَ الصَّاعُ يأكلُ منهُ النَّفَرُ الكثيرُ وينصرفونَ وقد شبعوا ويبقى الطعامُ على حالِهِ، مثلُ ما فعلَ ◙ معَ جابرٍ ☺ حينَ كانوا يحفرونَ الخندقَ؛ فصنعَ جابرٌ ☺ صاعًا مِن طعامٍ، وذبحَ داجِنًا كانَ عندَهُ في البيتِ، ثم أتَى(44) رسولَ اللهِ صلعم يُسارِرُهُ(45) لعلَّهُ يأتي هوَ وبعضُ أصحابِه فَصَاحَ النَّبِيُّ صلعم في الناسِ وقَالَ: «يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا(46) قَدْ صَنَعَ سُورًا، فحَيْهلا بِكُمْ». فقَالَ رسولُ اللهِ صلعم : «لاَ تُنْزِلُنَّ(47) بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ»، فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقْدُمُ النَّاسَ فلمَّا جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ لها ما كانَ، فدخلَ رسولُ اللهِ صلعم فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فيها وَبَارَكَ، ثمَّ قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعكم، وَاقْدَحِي(48) مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا». قَالَ جابر: ((فأكَلُوا عن آخرِهم، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغُطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ)) [خ¦4102]. وغيرُه مِنَ المواطنِ التي تشبهُهُ اجتمعتْ / في هذهِ المواضعِ(49) البركاتِ(50) حِسًّا ومعنًى.
          وأمَّا الكلامُ على طلبِه هو(51) ◙ ذلكَ(52) في طعامِ أهلِ بيتهِ معَ(53) الدوامِ لأنَّهُ لا يقولُ(54): إنَّه صلعم يطلبُ تكثيرَ حُطام الدنيا وهو ◙ قد خُيِّر أنْ تكونَ لهُ جبالُ تهامَةَ ذهبًا وفضةً تمشي معهُ فأبى ذلكَ، وقَالَ: «أجوعُ يومًا وأشْبَعُ يومًا»(55) فكيفَ يطلبُ ذلكَ في(56) الشيءِ اليسيرِ منها دونَ احتياجٍ إلى ذلكَ؟ وإنما كانَ طلبُه ذلكَ(57) المعنى الخاصِّ الذي أشرنا إليهِ، لكنَّ ذلكَ المعنى الخاصَّ(58) الدليلُ(59) عليهِ المعنى الظاهرُ؛ لأنَّه لا يُبارَك معنى إلا في الذي بُورِكَ فيهِ حِسًّا هذا هو المقطوعُ بهِ، يشهدُ لذلكَ فعلُ أبي بكرٍ ☺ في الطعامِ الذي قَدَّمه لأضيافِه(60) فأكلُوا ورجعَ الطعامُ أكثرَ ممَّا كانَ قبلُ، فقَالَ: هذا طعامٌ مباركٌ، فحمل(61) منهُ إلى النَّبِيِّ صلعم، وإذا لم تكنِ البركةُ ظاهرةً بقيَ الاحتمالُ في المعنويةِ هل توجدُ أم لا؟
          واحتملتِ (الخيريَّةُ) هنا أنْ يريدَ بها اتِّباعَ السُّنَّةِ، فإنَّ التسبُّبَ في(62) الرزقِ هوَ من السُّنَّةِ؛ لأنَّهُ أثرُ الحكمةِ، ولذلكَ كانَ أبو بكرٍ ☺ حينَ وَلِيَ الخلافةَ طلبوهُ فوجدوهُ في السوقِ يتسبَّبُ في التجارةِ، فقَالوا لهُ في ذلكَ، فقَالَ: أتراني أتركُ التسبُّبَ لعيالي؟
          وعلى(63) هذا لو يكونُ(64) التسبُّبُ بأيِّ وجهٍ كانَ إذا كانَ على لسانِ العلمِ مِن صَنعةٍ أوتجارةٍ أو ما / يُشبِهُهما كانَ مباركًا، وبهذا شاءتِ القدرةُ(65) عِمارةَ هذهِ الدارِ، وقد كانَ بعضُ مشايخي وكانَ ممَّن له الزهدُ والعلمُ، وكانَ يعملُ في حائطٍ لهُ بيدهِ(66) بعدما كانَ ينصرفُ مِن التدريسِ، وربما كانَ(67) مع التدريسِ على مجاهدةٍ ولا يدعُ العملَ بالمِسحاةِ، ويقولُ: غَرَسَ غيرُنا وأكلنا نحنُ، ونَغرِسُ نحنُ ويأكلُ غيرُنا، لتظهرَ حكمةُ اللهِ، فعندَ استواءِ غرسِه توفِّي ☼.
          ونرجع الآن إلى ما يُعارِضُنا في(68) تلكَ الوجوهِ المذكورةِ والانفصالُ عنه(69).
          فأما الوجهُ الأولُ: وهو كونُه يستغني بالتكسُّبِ عن الناسِ، فيعارضُنا الكتابُ والسنَّةُ: فأمَّا الكتابُ فقَولُهُ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}(70) [النور:37- 38].
          وأمَّا السنَّةُ فحالُه صلعم وحالُ أهلِ الصُّوفة(71) وكانَ أقرَّهُم على حالِهم(72) وربما كانَ يُؤثِرُهم في بعضِ المِرارِ(73) على غيرِهم.
          والانفصالُ عنِ المعارضةِ(74): أمَّا عنِ الكتابِ فيكونُ معنى قَوله: {لَا(75) تُلْهِيهِمْ}: أي تشغلهم بما يكونون(76) فيهِ منَ التكسُّبِ يكونون(77) في عمل السببِ(78) بالأبدانِ، والقلوبُ مُتعلِّقةُ بالذي وصفَهم بهِ، كما جاءَ أن سببَ نزولِها كانَ في خيَّاطٍ وحدَّادٍ، فكانَ الخيَّاطُ إذا سمعَ الأذانَ وهو قد أخرجَ الإبرةِ مِن الثوبِ / لم يردَّها حتى يقومَ ويؤدي(79) ما عليهِ من الوجوبِ(80)، وإن كانَ أدخلَها في الثوبِ لم يخرجْها حتى يقومَ أيضًا لِمَا عليهِ، وكذلكَ الحدَّادُ لو كانَ رفعَ المطرقةَ لم يكنْ يعيدُها إلى ضربِ الحديدةِ، بلْ كانَ يرميها مِن يدهِ، ولو كانَ قد ضربَها(81) لم يكنْ ليرفعَها(82) حتى يقومَ لقضاءِ ما عليهِ مِن وظائفِ الآخرةِ.
          ويترتَّبُ على هذا مِنَ الفقهِ أنَّ المطلوبَ مِن العبدِ شُغلُ(83) خاطرِه بما هو إليهِ سائرٌ(84) وعليهِ قادمٌ، وإنْ كانَ في يدهِ(85) سببٌ أو غيرُه.
          وقد أخبرني بعضُ المُبارَكينَ أنَّه كانَ بمدينةِ إفريقيةَ حشَّاشٌ(86) يحشُّ للحماماتِ، وكانَ مِن أكابرِ أولياءِ وقتهِ، وأنَّه كانَ(87) يعملُ ذلكَ الشغلَ بعدَما يفرغُ مِن صلاةِ الصبحِ إلى ضَحوةٍ مِن نهارٍ(88) ثم يزيلُ تلكَ الثيابَ ويدخلُ الحمَّام يتطهَّرُ ويلبسُ ثيابًا أُخرى، ويأخذ ذلكَ الكسب الذي له يَحبِسُ منه الشيءَ اليسيرَ ويمشي على الفقراءِ المُتعبِّدينَ والمساكينَ يُؤثِرُهم بهِ ويطوي يومَه صائمًا إلى الليلِ ويُفطِرُ على ذلكَ الشيءِ اليسيرِ الذي حبسَ منهُ، ولهُ الأحوالُ الرفيعةُ، وكانَ لا يعرفُه إلا الأكابرُ مِن الرجالِ لكونِهِ كانَ يُخفِي حالَه عنِ(89) الناسِ.
          وأمَّا الانفصالُ عن حالِه صلعم وحالِ أهلِ الصوفية(90)، فَالجَوابُ عن ذلكَ: أنَّ حالَه ◙ هوَ الأرفعُ؛ لأنَّهُ لم تكنْ نفسُه تتشوَّفُ إلى الدنيا ولا حُطامِها وسنَّتُه ◙ الرفقُ مِن أجلِ ما في بعضِ الناسِ مِن الضعفِ، بلِ الأكثرُ(91) كما قَالَ ◙ في حقِّ المجذومِ: «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ(92) كَمَا تَفِرُّ / مِنَ الأَسَدِ» [خ¦5707]
          وأكلَ هو(93) صلعم معَ المجذومِ في إناءٍ واحدٍ، وقَالَ: «بِسْمِ اللهِ {قُلْ(94) لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا}(95) [التوبة:51]»، فشرع ◙ الطريقَ السَّمحَ السهلَ لِقَولِهِ ╡ : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وأشارَ بحالِه إلى الأخذِ بالأعلى لمَن قَوِيَ، فمثالُ المجذومِ الذي ذكرناهُ مَن لَقِيَهُ(96) وله نفسٌ ضعيفةٌ اتَّبعَ السُّنَّةَ وهرب منهُ وليسَ عليهِ في ذلكَ شيءٌ، وإنْ كانتْ لهُ قوةٌ خالطَه وأكلَ معهُ وكانَ مُتَّبعًا لحالِه صلعم، ومِن أجلِ ما أخذَ(97) أهلُ الصوفيةِ(98) بالحالِ الأعلى كانَ يؤثِرُهم.
          وأمَّا الوجهُ الثاني(99) : وهو أن يكونَ الخيرُ بمعنى ما في التكسُّبِ(100) مِنَ الثوابِ فقد يعارضنا(101) قَولهُ ◙ : «لَوْ أَنَّكُمْ(102) تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا»(103).
          فهذا(104) الجمعُ بينَهما(105) مَن كانَ لهُ توكُّلٌ حقيقيٌّ وصفتُه أن لا يكونَ خاطرُه متعلِّقًا بأحدٍ مِنَ الخلقِ وإنْ أُجرِيَ لهُ على يديهِ شيءٌ مِنَ الخيرِ فما يكونُ خاطرُهُ متعلِّقًا إلا باللهِ لا بغيرِه، وكلَّما جاءَ(106) شيءٌ وهو لم تَهْفُ نفسُه إليهِ فينظرهُ على لسانِ العلمِ، فإذا استقامَ نظرُهُ بلسانِ الحالِ فإذا حَسُنَ سألَ اللهَ أنْ يهديَهُ إلى الأصلحِ بأنْ يأخذَ أو يتركَ.
          فإذا وُفِّقَ(107) إلى الذي فيِه الخيريةُ فإنْ كانَ الخيُر في أَخْذِه أَخَذَهُ(108) على هذهِ الصفةِ افتقرَ ثانيةً في أنْ يوفَّقَ إلى حسنِ التصرُّفِ واستصحابِ عدمِ التعلُّقِ في هذهِ(109) كلها، ويكونُ ذلكَ(110) بمعرفة بما(111) يزيدُه إلى اللهِ قُربًا وفي حالِه حُسنًا، ثم يشاهدُ المنَّةَ للهِ في ذلكَ ويتبع(112) السُّنَّةَ في الدعاءِ / لمَن سخَّرَهُ الحقُّ في ذلكَ اتباعًا للأمر بلا زيادةٍ لِقَولِهِ ◙ : «مَنْ وَالَاكَ مَعْرُوفًا فَكَافِئْهُ، فَإِنْ لم تجدْ فَادْعُ اللهَ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّكَ قَدْ كَافَأْتَهُ»(113)، وقد قَالَ: «حدُّ الدعاءِ إذا قلتَ لِمَنْ أحسنَ إليكَ: جزاكَ اللهَ خَيْرًا، فَقَدْ أطْنَبْتَ في الثَّنَاءِ»(114).
          وإنْ كانَ ممن يُفتحُ لهُ بخرقِ العادةِ فيتناولُ ذلكَ بالفقرِ إلى الله ╡ والشكرِ، ولا يرى نفسَه أنَّهُ أهلٌ لذلكَ ويلزمُ الأدبَ ولا يبقى خاطرُه يتعلَّقُ(115) بذلكَ الوجهِ. وإن كانَ ربَّانيًا فإنَّه شغلَ(116) في خاطرِه، ويكونُ أيضًا عند تصرفِه مُفتقرًا يطلبُ الإرشادَ إلى ما يرضي مولاهُ ويكتمُ حالَه ولا يذكرُ مِن ذلكَ شيئًا لأحدٍ إلا إنْ أُمِرَ بقدرِ ما يُؤمرُ، ولا يَجْحَدُها؛ لأنَّها مِن جملةِ المننِ، ولكن إن لم يُسأل فلا يتعرَّضُ لذكرٍ، وإن سُئل لا(117) يُخْبِرُ بالصريحِ إلا لمن أُمِرَ كما ذكرنا؛ لأنَّ هذهِ مِن أسرارِ القدرةِ، وأسرارُ القدرةِ مَن يُبديها بغيرِ أمرٍ وضرورةٍ لا(118) يملكُ في ذلكَ نفسَه قلَّ(119) ما تبقى له أو تُجرَى عليه(120).
          وقد ذكرَ لي مَن أثِقُ به(121) أنَّ بعضَ المؤدِّبينَ كانتْ لهُ عائلةٌ ولم يكنْ له في حرفتِه(122) شيءٌ يكفيهم(123)، وكانَ لهُ أخٌ قد فُتحَ عليهِ في الدنيا ولم(124) يُسَخَّرْ له، وكان هو(125) لم يبثَّ ما به مِن الحاجةِ(126) لأخيهِ ولا لغيرِه فأجرَى اللهُ لهُ على(127) خرقِ العادةِ إذا فتحَ المكتبَ قبلَ مجيءِ الصبيانِ يجدُ بينَ أقلامِه في دواتِه قدرَ(128) ما يكفيهِ في يومِه، فحسُنَ حالُه وبقيَ على ذلكَ زمانًا، فلمَّا(129) رأى أخوهُ ما هوَ فيهِ منَ الخيرِ ليسَ يناسِبُ حرفتَه سألَهُ: مِن أينَ / يقومُ حالكُ؟ فأخبرهُ بالذي كانَ يجدُه في كلِّ يومٍ، فلمَّا كانَ اليومُ(130) الذي بعدُ ما بقيَ يلقى مِن ذلكَ شيئًا أكثرَ(131).
          وإنْ كانَ ممَّن توكلُه ضعيفٌ فالخيرُ لهُ في عملِ السببِ، والحكمةُ في ذلكَ أنَّ الذي هو قويُّ الإيمانُ في توكُّلِه هو في كلِّ حالٍ راضٍ عن(132) ربِّه ملتزمٌ العبوديةَ وترْكَ الاعتراضِ وعدمَ التشوُّفِ إلى شيءٍ مِنَ الأشياءِ، وأنَّ الذي هوَ ضعيفُ الإيمانِ وتوكُّلُه ضعيفٌ يبقى قلبُه غيرَ طيبٍ، هذا إن سكتَ بلسانِه، ونفسُه تشوَّفُ(133) إلى الأشياءِ وتتمنَّى.
          وقد يعترض(134) في بعضِ الأشياءِ وذلكَ عينُ العطبِ فجعلَ لهُ السببَ رحمةً بهِ، فإنَّ قلبَه(135) يبقى مُفكرًا في سببِه راضيًا عن مولاهُ، فإن نقصَه شيءٌ مما يريدهُ يبقى مُفكِّرًا فيما يفعلُه كي يبلغَ بهِ ما يؤمِّل ويُرجِّي(136) أيضًا، مِن أجلِ ذلكَ تقع(137) له الخيريةُ فإنهُ قدَّمَ خوفَ مولاهُ على ما اختارتْهُ نفسُه، فإنَّ(138) ذلكَ السببَ لأن(139) يستعينَ(140) بهِ على الطاعةِ فيكثرَ(141) لهُ إذْ ذاكَ الخيرُ ويحصلَ لهُ انكسارُ خاطرٍ لضعفِ نفسِه(142)، وإنَّ الموقنينَ قد سبقوهُ فيضاعف(143) له الأجر.
          وحذري حذري(144) أن يخطرَ له هنا أنَّهُ هو خيرٌ مِنَ الذينَ قد صدقوا مع مولاهم وصدَّقوا(145) في ضمانِ ما وعدَهم مِنَ الرزقِ واشتغلُوا بما بهِ أمرَهم مِن عبادتِه فيكونَ في أرذلِ(146) الأحوالِ بدليلِ قَولِه تَعَالَى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].
          ويترتَّبُ على هذا مِن الفقهِ النظرُ لكلِّ شخصٍ بما هوَ الأصلحُ لهُ(147)، وهو الذي يسمُّونَه (فقهَ الحالِ)، وهو عظيمُ / النفعِ في التصرُّفِ، ولَمَّا كانَ الأكثرُ كما قدَّمنا مِن الناسِ الضعفُ جاءَ الحكمُ على الأغلبِ مِن حُكمِ الناسِ.
          وأمَّا الاعتراضُ على الوجهِ الثالثِ الذي الخيريَّةُ فيهِ لكونِه يأخذُ مِن الغيبِ بواسطةِ(148) الصنعة فيعارضنا قصةُ عيسَى ◙ في المائدةِ التي(149) هي بغيرِ تسبُّبٍ مِن الغيبِ، وما فعل سيِّدُنا صلعم حين خرجَ ليلًا وجاءَهُ(150) عليٌّ، فقَالَ: «مَا أَخْرَجَكَ(151)؟»، قَالَ: الجوعُ، إنَّ الحسنَ والحسينَ يبكيانِ مِنَ الجوعِ فقَالَ: «الذي أَخْرَجَكَ أَخْرَجَنِي» ثم أتاهُم فلانٌ مِنَ الصحابةِ يشكو ما كانوا هُم يشكونُه منَ الجوعِ إلى أنْ قَالَ ◙ لعليٍّ ☺: «اذهبْ(152) إلى النخلةِ الفُلانيَّةِ(153) _وكانَ في غيرِ زمانِ التمرِ_ وقلْ لها(154): النَّبِيُّ يقولُ لكِ أنْ تُطْعِمي(155) رُطَبًا»، فمن حينِها فعلَتِ النخلةُ ما أُمرتْ بهِ، وجاءَ عليٌّ ☺ بتمرٍ فأكلوا جميعًا، وحملَ كلٌّ لعيالِه ما كانَ لهم فيهِ كفايةٌ وزيادةٌ.
          والجمعُ بينهما بذكرِ قصةِ موسى والخضرِ ♂ لَمَّا اجتمعا ومشيا معًا كما أخبرَ اللهُ ╡ عنهما، ذكرَ أنَّهما لحقَهُما الجوعُ فنزلَ إليهما جَدْيٌ نصفهُ مشويٌّ ونصفُه نيِّءٌ، فأرادَ موسى ◙ أنْ يأكلَ من المشويِّ، فقَالَ لهُ الخضرُ ◙ : ليسَ هذهِ طريقتُك؛ لأنَّكَ أتيتَ بالتسبُّبِ وطريقي(156) أنا التفويضُ، اذهبْ أنتَ فاجمعِ الحطبَ وأوقدِ النارَ واشْوِ وَكُلْ، ففعلَ موسى ◙ وأكلَ الخَضِر ◙ مِنَ المشويِّ.
          فالفقهُ(157) في ذلكَ أنَّ / الأفضليةَ هنا ليستْ على عمومِها وتكونُ في المشروعيةِ ليسَ إلا مِن أجلِ أنَّ صاحبَ هذهِ الحالِ(158) الرفيعةِ قد يظنُّ أنهُ وفَّى(159) شروطَها وهو لم يُوَفِّ، فلا يؤتى بشيءٍ(160) فيتَّهِمَ مولاهُ، وهذا وجهٌ كبيرٌ مِن الخطرِ، أو يحصلَ له فيلحقَه بذلكَ اغترارٌ، وهو أيضًا بابٌ عظيمٌ مِن الخطرِ فتكونَ الصنعةُ أفضلَ لكونِ(161) طريقِها أسلمُ كما قَالَ ◙ في(162) شأنِ الصلاةِ: «صَلَاةُ المرءِ في بَيْتِهِ أَفْضَلُ(163) إِلَّا الْمَكْتُوبَة» [خ¦731]، مِن أجلِ أنَّها(164) أسلمُ منَ الرياءِ والشوائبِ، فإنَّ(165) السلامةَ هي أفضلُ وإنْ كثرَتْ فائدةُ الطريقةِ الأُخرى؛ لأنَّها فائدةٌ معها مُتلفاتٌ قلَّ من ينجو معها(166)، وقد قَالَ بعضُ السادةِ: لا أعدلُ بالسلامةِ شيئًا، وللمقاماتِ العليَّةِ رجالٌ لها خُلِقُوا وعليها عملوا.
          وأما الوجهُ الرابعُ: فهو من أجلِ ما تعيَّنَ في غير(167) الصنعةِ مِن الحقوقِ، وهو محتملٌ: هل خلصت أم لا؟
          فقد يعارضُنا(168) أن نجدَه معلومًا مقطوعًا بهِ، كما ذُكِرَ عن بعضِ التجَّاِر لمَّا ركب البحرَ وانكسرَ المركبُ خرجَ هو(169) في جملةِ مَنْ خرجَ، فقَالَ(170) بعضُ أصحابِه: تعالَ بنا نَمْشي إلى العمارةِ القريبةِ منَّا، فقَالَ لهُ: لا أزولُ حتى يخرجَ مالي، فاستخفَّ عقلَه، ثمَّ إنَّهُ قعدَ(171) معهُ يسيرًا فإذا(172) بالأمواجِ قد رمتْ عِدلًا نظروهُ فإذا اسمُه عليهِ مكتوبٌ، فما زالَ كذلكَ حتى لم يتبقَ(173) لهُ في البحرِ شيءٌ، فسألَهُ صاحبُه: ما هوَ(174) حالُكَ مع اللهِ حتى خصَّك / بهذهِ الكرامةِ على كلِّ مَن كانَ في المركبِ؟ قَالَ لهُ: كلَّما(175) أمرني فعلتُ، فكيفَ يأخذُ منِّي ما قد وهبَني وهو قد وفَّقَني إلى امتثالِ ما قد(176) أمرَني به؟ هذا لا يكون.
          فالانفصال(177) عنهُ أنَّ ذلكَ نادرٌ في(178) الحكمِ على الغالبِ كما قد(179) نجد في بعضِ الصنَّاعِ مَن يغشُّ في صنعتِه فتكونُ أبخسَ(180) المكاسِبِ والغالبُ في الصنعةِ غيرُ ذلكَ، والأذى فيها(181) إن وقعَ قد(182) لا يخفَى مثلَما تخفى حقوقُ الأموالِ؛ لأنَّهُ ليسَ في الأموالِ حقٌّ إلا الزكاةُ، وفيهِ حقوقٌ غيرُ ذلكَ مثلُ ما يتعلَّقُ مِن وجوهِ النصيحةِ في(183) البيوعِ والغشِّ(184) والخلابَةِ، وأشياءُ عديدةٌ مذكورةٌ في كتبِ الفروعِ، قلَّ مِنَ(185) المتسبِّبينَ من يعرفُها أم كيفَ(186) يفعلُها؟
          فلذلكَ تكونُ الصنعةُ خيرًا؛ لأنَّها ليسَ فيها غيرُ شيءٍ واحدٍ _وقد لا يَخفى_ وهوَ أن لا يوفِّيَ فيها(187) ما يحتاجُ إليهِ بوضعِ الصنعةِ، وهو إنْ وقعَ مِن فاعلِها شيءٌ(188) مِن ذلكَ هو عيبٌ ظاهرٌ لمن شاءَ أن يردَّ بهِ ردَّ، فلقلَّةِ(189) الخطرِ فيها وقلَّةِ الحقوقِ كانتْ خيرًا مِن غيرِها من التكسُّباتِ(190).
          ولذلكَ كانَ(191) بعضُ مَن لقيتُ مِن أهلِ العلمِ والدِّينِ يبيعُ الزيتَ(192)، فإمَّا(193) سألته أو قَالَ لي: ما رجعتُ إلى بيعِ الزيتِ(194) إلا أنَّهُ(195) أَمِنتُ فيهِ خِدعَ النفسِ، وذلك أنَّه إذا كانتْ آنيةٌ كبيرةٌ مثلَ خابيةٍ وتكون طيِّبةً ويوضَعُ فيها الشيءُ اليسيرُ مِن الدونِ رجعتْ كلُّها دُونًا بخلافِ غيرهِ(196) يقبلُ التدليسَ، فلمَّا أمِنْتُ مِن أنَّها لا تقبلُ هذا لكونِه يحصلُ لها بهِ خسارةٌ في المالِ آثرْتُ هذهِ الحرفةَ على غيرها؛ لأنَّ أهلَ التوفيقِ / لا يأمنونَ غَوائلَ النفوسِ وإن كانت نفوسُهم مباركةٌ لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}(197) [يوسف:53].
          وأما الوجهُ الخامسُ: وهو أنَّ الطعامَ الذي يكونُ بالصنعةِ قدْ خصَّه اللهُ ╡ ببركةٍ ليستْ في غيرِه، فإن كانَ هذا تعبُّدًا لا يُفهَمُ له معنى فلا بحثَ ولا تعارضَ(198)، وإنْ كانَ ذلكَ(199) مِن أجلِ ما فيهِ مِن إظهارِ الحكمةِ الربَّانيةِ فالكلامُ عليهِ كالكلامِ على ما تقدَّمَ قبلُ، والانفصالُ عنهُ مثل ذلكَ سواءٌ.
          وأما الوجهُ السادسُ: وهو أنْ يكونَ هذا مِنَ السُّنَّةِ واتِّباعِها؛ لأنَّ السنَّةَ جاءت بالتسبُّبِ مِن أجلِ أن يظنَّ الظانُّ(200) أنَّهُ لا يمكنُ التسبُّبُ مع العبادةِ فيكونُ تحضيضًا(201) لنفي ما يقعُ مِن ذلكَ مِن التخيُّلاتِ(202)، وأنَّ التعبُّدَ ليسَ هو(203) بتركِ التسبُّبِ، فلو كانَ التعبُّدُ بتركِ التسبُّبِ ما عملَ التسبُّبَ(204) نبيٌّ مِنَ الأنبياءِ، فإنَّ الأنبياءَ(205) ‰ بالإجماعِ إنَّهم أعبدُ الناسِ، فنفى ◙ هذهِ العلَّةَ بذكرِ داودَ ◙ .
          ويترتَّبُ عليهِ مِنَ الفقهِ أنَّ للعالمِ أن يُبيِّن ما يقَولُهُ مِن الأحكامِ بالأدلةِ الشرعيةِ البيِّنةِ، وإنْ كانَ لا يُشكُّ في علمِه(206) ومعرفتِه؛ لأنَّهُ أجلى للنفوسِ وأثبتُ للأحكامِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ بعدما ذكرَ الخيريَّةَ في الطعامِ احتجَّ بداودَ ◙ .
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ شرعَ مَن قبلَنا شرعٌ لنا مالم يُنسَخْ على أحدِ الأقاويلِ(207)، ويكونُ هذا الحديثُ حجَّةٌ على / المُتسبِّبينَ أن لا يتركوا مِن أجلِ تسبُّبِهم التعبُّدَ، ويحتجُّوا بذلكَ كما يقولُهُ كثيرٌ مِن الناسِ: إنَّ التسببَ(208) مانعٌ من التعبُّدِ(209)، وقَوله(210) تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38](211)حجَّةٌ على أهلِ العيالِ مِن أجلِ أنْ يقولوا: العيالُ والتكسُّبُ عليهم يمنعونَنَا(212) مِن التعبُّدِ والتورُّعِ في الكسبِ.
          حتى إنَّه قد كثرُ عندَ الناسِ أنَّكَ إذا جئتَ تَعِظُ(213) شخصًا وتحضُّه على التعبُّدِ يقولُ لكَ: لو بُليتَ أنتَ بما بُلِيْتُ أنا مِنَ العيالِ ما قلتَ لي هذا ولا كنتَ كما أنتَ(214)، فانقطعَتْ حجَّتُهم بالآيةِ(215) المذكورةِ إذْ، وخيرُ(216) الناسِ وأكثرُهم تعبُّدًا كانوا بالأولادِ والعيالِ، فلا حجَّةَ للغيرِ.
          فعلى هذا البحثُ فلا تعارضَ، غيرَ أنَّهُ لا يكون هذا على عمومِه في كلِّ أحدٍ، بل يكونُ ذلكَ على قدرِ أحوالِ الناسِ مثلُ النكاحِ سواءٌ لا يستنُّ أحدٌ بتركِه ولا يفعلُه إلا إذا قدرَ عليه وكانَ في عملِه إياهُ عونًا على طاعةِ مولاهُ وأجمعَ لقلبِه.
          وقد رُوِيَ عن بعضِ الصحابةِ أنَّه قَالَ: لا أحبُّ(217) أنْ يكونَ لي دكانٌ على بابِ المسجدِ لا تفوتُني فيهِ صلاةٌ مع الجماعةِ أربحُ فيهِ كلَّ يومٍ دينارًا أتصدَّقُ به في سبيلِ اللهِ لا أُوثِرُهُ على الفقرِ، وذلكَ فقهٌ حاليٌ؛ لأنه قد يمكن ممن لا يحصل له جمعية في المخالطة(218)، وكانَ(219) يفوتُه ذلكَ الخيرُ الخاصُّ، وإنْ كانَ يحصلُ لهُ مِنَ الخيرِ المتعدِّي مثلَ ما ذكر(220)؛ لأنَّهُ لا ينظرُ الخيرُ العامُ إلا مِن بعدِ ما يحصُلُ لهُ / الخاصُّ، فإنَّ الخاصَّ هو الأصلُ مثلُ إحياءِ النفسِ أنتَ أولًا تُخاطَبُ بنفسِكَ: قَالَ الله ╡ : {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، ثمَّ بعدَ ذلكَ بنفوسِ الغيرِ لِقَولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، ولم تؤمرْ أنْ تُحيِيَ الغيرَ وتُهلِكَ نفسَك قاصدًا لذلك إلا في الجهادِ لا غيرَ، وإن فعلتَ ذلك كنتَ مأثومًا بإجماعٍ لا أعرفُ في ذلكَ خِلافًا(221).
          ومثلُ ذلكَ النفقةُ: أنتَ مُكلَّفٌ بنفسِكَ ثمَّ بالابنِ(222) ثمَّ بالزوجةِ(223)، فإذا كانَ عندكَ رغيفٌ واحدٌ لم يلزمْكَ نفقةُ(224) أحدٍ مِنَ الأهلِ، فإنْ كانَ رغيفانِ لزمَكَ واحدٌ منَ العيالِ، وتقدَّمَ الذي نفقتُه ثابتةٌ لا تزولُ باختيارِك الذي هوَ الولدُ ثمَّ الزوجةُ(225)، وعلى هذا الترتيبِ(226) ما كَثُرَ العيالُ، الأهمَّ فالأهمَّ فإن كانَ(227) شخصٌ(228) لا يقدرُ على الصنعةِ ولا التسبُّبِ فطلبُه ذلكَ مرجوحٌ في حقِّه؛ لأنَّا نحنُ(229) نقول مع القدرة عليه لا(230) يُستَنُّ بتركِه ويجعلُه مِن العبادةِ، ولكن يأخذُ الذي هو الأولى في حقِّه بنسبتهِ في القربِ إلى مولاهُ على الوجهِ المشروعِ، فكيفَ مع عدمِ القدرةِ عليهِ(231)؟ إذ ذاك ممنوعًا في حقِّه.
          وقد رأيتُ الشيخَ الجليلَ أبا العباسِ ابنَ عجلانَ ☼ جاءَهُ(232) بعضُ الفقراءِ المتعبِّدينَ وكانتْ لهُ عائلةٌ وكانَ يشتغلُ بالسببِ وسببُه ضعيفٌ، وهو في نفسِه ضعيفٌ وكَثُرَتِ(233) العيالُ وكثرَ التشويشُ(234) مِن أجلِهم وبهم(235)، فقَالَ لهُ الشيخُ(236) أبو العباسِ المذكور ☼ _وكانَ لهُ(237) / السبقُ في الطريقينِ: العلمِ والحالِ_: يَحرُم عليكَ عملُ السببِ، واشتغلْ بالعلمِ، وأنتَ وأهلُكَ عيالٌ على اللهِ، ففعلَ ما أمرَه بهِ فانتهى(238) حالُه أن يطحنَ في الشهرِ أُردُبَّيْنِ قَمحًا(239)، والقمحُ إذ ذاكَ ما يقربُ من العشرةِ(240) دنانيرَ القَفِيزُ(241) وزائدٌ على ذلكَ ما يحتاجُ إليهِ مِن بقيةِ النفقةِ والكسوةِ والسُّكنَى وغيرِ ذلكَ مِن ضروراتِ العيالِ، وهو(242) مع ذلك(243) لا يسألُ أحدًا شيئًا إلا مقبلًا على العلمِ(244) والتعبُّدِ لا غيرَ إلا ما كانَ مِن تصرُّفِه في ضروراتِه فإنَّه(245) كان يتولَّى ذلك بنفسِه، وهذا الوجهُ مِن الفقهِ لا يعرفُه إلا مَن هو مثلُ ذلك السيِّدِ.
          وقد(246) كتب بعضُ الفقراءِ(247) فتوى فمشَى بها على جميعِ(248) الفقهاءِ فلم يجاوِبْه(249) عليها إلا فقيهٌ واحدٌ، وكان ممَّن قد نوَّرَ اللهُ بصيرتَه، وكانت الفُتيا: ما يقولُ الفقهاءُ في الفقيرِ المتوجِّهِ، هل يجبُ عليهِ عملُ السببِ أم لا؟ أفتونا يرحمكم الله.
          فالكلُّ حادُوا عنِ الجوابِ، فلمَّا بلغتْ(250) ذلكَ المباركَ كتبَ عليها: إنْ كانَ توجُّهُه دائمًا لا فترةَ فيهِ فالتسبُّبُ(251) عليهِ حرامٌ، وإنْ كانتْ لهُ في بعضِ الأوقاتِ فترةٌ، فالتكسُّبُ عليهِ واجبٌ. فتأمَّلْ إلى حُسنِ هذا الجوابِ ما أبدَعَهُ! وكيفَ يعضدُه(252) سيِّدُنا محمدٌ صلعم : «إنَّ اللهَ تَكَفَّلَ(253) بِرِزْقِ طَالِبِ العِلْمِ»(254).
          وافهمْ(255) قولَ سيدنا صلعم هذا(256) فإنَّ فيهِ سرًّا لا يعرفُه إلا مَن تكونُ فُتياهُ مثلَ السيِّدِ المتقدِّمِ ذكرُهُ، وذلك أنَّ(257) اللهَ ╡ قدْ تكفَّل برزقِ جميعِ المخلوقاتِ بمتضمَّن قَولِه تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود:6 / وقَوله ╡ : {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}(258) [طه:132]، وبِقَولِهِ ╡ لإبراهيمَ ◙ حينَ قَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا(259) آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر}[البقرة:126] قَالَ هوَ(260) جلَّ جلالُه مجاوِبًا لإبراهيم ◙ : {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة:126]. معناهُ: يا إبراهيمُ أرزقُ مَن آمنَ ومَن كفرَ ثمَّ أسوقُ الكافرَ إلى النَّارِ.
          فما هوَ الوجه الذي تضمَّنَهُ زائدًا لطالبِ(261) العلمِ، وإن كانَ قد أشرنا إليهِ في غيرِ هذا الحديثِ؟ لكنَّ شرحَ الحالِ أحوجُ إلى إعادتِه، وذلكَ أنَّ الرزقَ الذي فرضَه المولى جلَّ جلالُه لعبيدِه وقدَّره وضَمِنَهُ منهُ ما هوَ بواسطةِ السببِ ولا يبلغُه صاحبُه إلا بسببٍ.
          ومنهُ ما هو بلا سببٍ ولا واسطةٍ مثلُ المواريثِ(262) والهِباتِ على اختلافِ أنواعِها، ونحنُ لا نعلمُ الذي هوَ(263) بالسببِ ولا الذي هوَ بغيرِ سببٍ، فلمَّا كانَ صاحبُ العلمِ الذي هوَ الله(264) كما قَالَ صلعم : «إِذَا ابْتُدِعَ في الدِّيْنِ بِدْعَةٌ كِيدَ الدِّيْنُ(265)، فَعَلَيْكُمْ بِمَعَالِمِ الدِّيْنِ واطْلُبُوا منَ اللهِ الرِّزْقَ. قَالَوا: وما مَعالِم الدِّين؟ قَالَ: مَجَالِسُ الحلالِ والحرامِ»(266). فيكون معناه: لا يَشغَلْكم(267) التكسُّبُ في الرزقِ عن طلبِ العلمِ فيذهبَ الدِّينُ مِن أجلِ عذرِ(268) ما ابتُدِعَ فيهِ والجهلُ بذلكَ، فاشتغلوا بالعلمِ واللهُ يعطيكمُ رزقَكم.
          فلمَّا كانَ صاحبُ العلم الذي هوَ للهِ اشتغلَ بسببِ الآخرةِ؛ لأنَّ أكبرَ / أسبابِ الآخرةِ طلب العلم إذا كانَ للهِ وكانَ على وجهِه، فلمَّا اشتغلَ هو(269) بذلكَ يَسَّرَ اللهُ لهُ الرزقَ بلا واسطةِ السببِ(270) ولا أحوجَه إلى أحدٍ مِن خلقِه، فيكونُ(271) ذلكَ تأكيدًا في تيسيرِ رزقِ طالبِ العلمِ إنْ كانَ طلبُه للآخرةِ بهذا الوجهِ.
          لأنَّ طالبَ العلمِ يستغرقُ جميعَ الأوقاتِ وجميعَ الزمانِ، فكفاهُ اللهُ مُؤنَةَ طلبِ رزقِه والتسبُّبِ فيهِ(272)، ولقلَّةِ(273) التصديقِ بهذا النوعِ منَ الأحاديثِ تعبَ بعضُ طلابِ(274) العلمِ وخسروا أعمارَهم، فلا هُم بدنيا ولا هم بأُخرى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ(275)} [النساء:143]، نسألُه(276) جلَّ جلالُه أنْ يُيَسرَنا للفهمِ عنهُ والعملِ(277) بذلكَ والسعادةِ بهِ لا ربَّ سواهُ.
          وفي اختصاصِه صلعم داودَ ◙ مِن بينِ غيرهِ منَ الأنبياءِ ‰؛ لأنَّهُ قدْ شهرَ(278) حالُه في تكسُّبِه وكيفَ أُلينَ لهُ الحديدُ، وكيفَ كانَ يعملُ الدِّرعَ في اليومِ الواحدِ ويبيعُه بألفِ درهمٍ فينفقُه(279) على المساكينِ كلُّه(280) ويأكلُ هوَ منهُ(281) خبزَ الكُشكَارِ، ويطعمُ المساكينَ خبزَ العلامةِ، وهو الدرمُكُ الطيِّبُ باللحمِ الطيِّبِ كما أشارَ في الحديثِ قبلُ يتسبَّبُ(282) فينفعُ نفسَه ويتصدَّقُ، فيكونُ سببًا لمثل هذه(283) الصفة المباركة ولا يعملُ مِن أجلِ أنْ يستدلَّ بالحديثِ في التكسُّبِ ثم يدَّخِرَ فهذا خلافٌ لِمَا(284) قصدَ منهُ(285) فكأنَّه(286) ◙ يشير إليه؛ لأنْ يتصدَّقَ ويأكلَ ولا يدَّخِرَ(287).
          ولذلكَ حينَ سألَهُ صلعم أزواجُهُ: أيُّهنَّ / أقربُ لحاقًا بكَ؟ فقَالَ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» [خ¦1420]، فَكُنَّ بعدَ وفاتِه ◙ يقِسْنَ أيديَهنَّ أيهُنَّ أطولُ فأوَّلُ مَن ماتَتْ زينبُ ♦ وعنهن جميعًا فإنَّها كانَت تعملُ بيدِها وتكثِرُ الصدقة حتى كانَت تُسمَّى (أمَّ المساكينِ)، فنظرنَ هنَّ(288) الطولَ بالنسبةِ إلى الجارحةِ، وكانت إشارته ◙ (289) إلى المعروفِ؛ لأنَّ المعروفَ يسمَّى لغةً يدًا(290).
          وفائدةُ هذا الحديثِ أنَّهُ لا يصحُّ كسبٌ ولا تعبُّدٌ إلا بمعرفةِ السُّنَّةِ، وإلا فصاحبُه مخيَّرٌ؛ فمَن فيهِ أهليةٌ فيكونُ مِن أهلِ العلمِ بها والغيرُ يكونُ وظيفتُه السؤالُ عنها وعن أهلِها والاقتداءِ بهم، ويكونونَ أهلًا لذلكَ حقًا لا دعوى منهم، فإنَّ بالدعوَى هلكَ(291) أكثرُ الناسِ وأهلكوا معَهم(292) جمعًا كثيرًا كما أخبرَ الصادقُ ◙ : «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيْهَا»[خ¦7084]، وقد يُظهِرونَ التضلُّعَ بالعلومِ وتلكَ العلومُ وبالٌ عليهم وعلى مَن تَبِعَهَم؛ لأنَّهم جعلوا قاعدتَهم طلبُ الحظِّ والمنزلةِ، وذلكَ أصلُ كلِّ خسارةٍ وحرمانٍ، أعاذنا اللهُ مِن ذلكَ بمنِّه ووفقنا لاتباعِ السُّنَّةِ والسنَنِ بمنِّه، وقد قَالَ بعض المباركين:
تُحِبُّ دُنْيَا وَتُحِبُّ أُخْرَى                     حَبِيبَانِ فِي الْقَلْبِ لَا(293) يَجْتَمِعَانِ


[1] زاد في (ل): ((خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ ◙، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)). وفي (م): ((ما أكل طعامًا)).
[2] قوله: ((ما كان)) ليس في (م).
[3] في (ج) و(م): ((احتمل)).
[4] في (ج) و(م): ((ومن احتاج إليك)).
[5] قوله: ((وهو)) ليس في (م)، وفي (المطبوع): ((هي)).
[6] في (ج) و(م): ((التسبب)).
[7] في (م): ((العمل)).
[8] في (م): ((تخالفت)).
[9] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ░14/10▒ من حديث المقدام بن معدي كرب.
[10] في (ج): ((متعمد))، وفي (م): ((متعدي)).
[11] زاد في (ج): ((هي المراد)).
[12] العبارة في (م): ((الخيريَّة فيه بمعنى)).
[13] في (ج) و(م): ((خاص)).
[14] قوله: ((وإلا كان أنحس طعام)) ليس في (ج) و(م).
[15] في (ج) و (م): ((معنوية)).
[16] في (ج): ((بوساطة)).
[17] في (ج) و(م): ((السلام دون من)).
[18] قوله: ((هذا)) ليس في (ج).
[19] في (ل): ((لأنه)).
[20] زاد في (ل): ((بمعنى)).
[21] قوله: ((عن)) ليس في الأصل (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[22] في (ج) و(م): ((بقصد)).
[23] في (ج): ((صالحة)).
[24] زاد في (ج) و(م): ((من))، قوله: ((أحد)) ليس في (ل).
[25] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[26] قوله: ((رد)) ليس في (ج).
[27] في (المطبوع): ((يعرف)).
[28] في (ج) و(ل): ((يحكم)).
[29] في (ج): ((اليد)).
[30] في (ج) و(م): ((زكاة وغيرها)).
[31] في (ج) و(م): ((ويحتمل أن يكون وفيت أم لا))، وفي (ل): ((واحتملت إن وفيت أم لا)).
[32] في (ج) و(م) و(ل): ((مترتب)).
[33] في (م): ((هو)).
[34] قوله: ((أحدٌ)) ليس في (م).
[35] في (ج): ((فالصنعة)).
[36] في (ج): ((هذا)).
[37] قوله: ((البركة)) ليس في (م).
[38] قوله: ((فمثل)) ليس في (ط) و(ل).
[39] في (ج): ((سد)).
[40] قوله: ((محمد)) ليس في (ج) و(م).
[41] في (م): ((الأكل)).
[42] أخرجه أحمد ░1313▒، وأبو داود ░2988▒ من حديث علي ☺.
[43] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[44] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((إلى)).
[45] في (م): ((يشاوره)).
[46] في (ج): ((جابرَ)).
[47] في (ج): ((تنزلين)).
[48] في (ج): ((واقدحتي)).
[49] في (ل): ((المواطن)).
[50] في (ج): ((البركتان))، وقوله: ((البركات)) ليس في (م).
[51] قوله: ((هو)) ليس في (ج).
[52] العبارة في (م): ((طلبه ذلك ◙)).
[53] في (ل): ((على)).
[54] في (ج): ((فإنه لا نقول))، وفي (م): ((فإنَّا لانقول)).
[55] أخرجه أحمد ░22190▒، والترمذي بإثر ░2347▒ من حديث أبي أمامة الباهلي.
[56] قوله: ((في)) ليس في (ل).
[57] في (ج) و(م): ((لذلك)).
[58] زاد في (ل): ((الذي أشرنا إليه)).
[59] قوله: ((الدَّليل)) ليس في (م).
[60] في (ج) و(م) و(ل): ((لضيافه)).
[61] في (ج): ((فحمد)).
[62] في (ج): ((قبل)).
[63] في (ل): ((فعلى)).
[64] في (ج) و(م): ((إذا كان)).
[65] في (ج) و(م): ((شاء الله)).
[66] قوله: ((بيده)) ليس في (ل).
[67] في (ج) و(م) و(ل): ((يكون)).
[68] قوله: ((في)) ليس في (ج).
[69] في (ج) و(م): ((عنها)).
[70] في (ل): (({رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ...} الآية [النور: 37])).
[71] في (م): ((الصُّفَّة))، وفي (ج): ((أهل رجال الصفة)).
[72] العبارة في (م): ((وكان ◙ أقربهم إلى حالهم)).
[73] في (ط) و(ل): ((المراد)).
[74] قوله: ((عن المعارضة)) ليس في الأصل (ط) و(م) و(ل)، والمثبت من (ج).
[75] في (ج): ((ولا)).
[76] في (ط): ((أن تشغلهم بما يكونوا))، وفي (ل): ((أي: لا تشغلهم بما يكونوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[77] في (ط) و(ل): ((يكونوا)).
[78] في (ج): ((التسبب)).
[79] في (ل): ((حتى يؤدي)).
[80] في (م): ((الواجب))، وفي (ج): ((ويوري ما عليه من الواجب)).
[81] في (ج) و(م) و(ل): ((ضرب بها)).
[82] في (ل): ((ليرميها)).
[83] في (ج): ((مشغل)).
[84] في (ج) و(م): ((صائر)).
[85] في (ج) و(م) و(ل): ((يده في)).
[86] في (ج) و(م) و(ل): ((حشاشًا)).
[87] في (ج) و(م): ((وقته وكان)).
[88] في (ل): ((في النهار)).
[89] في (م): ((من)).
[90] في (ج) و(م): ((الصفة))، وفي (ل): ((الصوفة)).
[91] قوله: ((بل الأكثر)) ليس في (م).
[92] قوله: ((فر من المجذوم)) سقط في (ل).
[93] قوله: ((هو)) ليس في (ج)و(م).
[94] قوله: ((قل)) ليس في (ج).
[95] أخرج نحوه الترمذي ░1817▒ من حديث جابر بن عبد الله.
[96] قوله: ((من لقيه)) ساقط في (ل).
[97] في (م): ((ومن أجل ذلك أخذ)).
[98] في (ج) و(م): ((الصفة))، وفي (ل): ((الصوفة)).
[99] في (ل): ((الثالث)).
[100] في (م): ((الكسب)).
[101] في (ج): ((فيعارضنا)) وفي (م): ((ويعارضنا)).
[102] قوله: ((أنكم)) ليس في (ج) و(م).
[103] أخرجه أحمد ░205▒، والترمذي ░2344▒، وابن ماجه ░4164▒ من حديث عمر ☺.
[104] زاد في (ل): ((يكون)).
[105] في (ج) و(م): ((والجمع بينهما أن)).
[106] في (ج): ((جاءه)).
[107] في (ج): ((وقف)).
[108] في (ج) و(م) و(ل): ((وأخذه)).
[109] زاد في (ج): ((الأشياء)).
[110] قوله: ((ذلك)) ليس في الأصل (ط) و(ل).
[111] في (م): ((بمعرفة أعني في التصرف في ذلك بما))، وفي (ل): ((إلى)) بدل: ((بما)).
[112] في (ط): ((وتبع)).
[113] زاد في (ج) و(م): ((أو كما قال))، والحديث أخرجه أحمد ░5365▒، وأبو داود ░5109▒، والنسائي ░2586▒ من حديث ابن عمر.
[114] أخرجه النسائي في الكبرى ░9937▒، والترمذي ░2035▒ من حديث أسامة بن زيد.
[115] في (ط) و(ل): ((متعلق)).
[116] في (م): ((يشغل)).
[117] في (ج) و(ل): ((سئل فلا)).
[118] في (م): ((أو ضرورة ولا)).
[119] في (م): ((بل)).
[120] قوله: ((عليه)) ليس في (م).
[121] في (ط) و(ل): ((أثقه)).
[122] في الأصل (ط) و(ل): ((تأديبه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[123] في (ج) و(م): ((يكفيه)).
[124] في (م): ((لمْ)).
[125] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[126] قوله: ((من الحاجة)) ليس في (م).
[127] في (ل): ((من)).
[128] قوله: ((قدر)) ليس في (م).
[129] في (ج): ((كلما)).
[130] قوله: ((اليوم)) ليس في (ج).
[131] في (م): ((آخر)).
[132] في (ج): ((من)).
[133] في (م): ((تتشوَّف)).
[134] في الأصل (ط): ((يعتر))، وفي (ل): ((تعترض))، وفي (ج): ((ويتمنى وقد يعترض)).
[135] في (م): ((فإن قلت)).
[136] في (م): ((ويرجو))، وفي (ج): ((حتى يبلغ به ما يأكل ويرجو)).
[137] في (ج) و(م): ((أن يقع)).
[138] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((كان)).
[139] في (ج): ((لا)).
[140] في (م): ((السبب لتستعين))، وفي (ل): ((لايستعين)).
[141] في (م): ((الطاعات فكثيرٌ)).
[142] في (م): ((خاطر يضعف يقينه))، وفي (ل): ((لضعف يقينه)).
[143] في (ج) و(م) و(ل): ((فيتضاعف)).
[144] في (ج) و(م): ((والحذر الحذر)).
[145] في (ل): ((وصدقوه)).
[146] في (ج): ((أدرك)).
[147] في (م): ((بما يصلح له)).
[148] في (ج) و(م): ((بوساطة)).
[149] في (م): ((الذي)).
[150] في (ج) و(م): ((وجاء)).
[151] في (ج): ((أخرك)).
[152] في (ل): ((مُر)).
[153] في (ج) و(م): ((وسماها له)) بدل قوله: ((الفلانية)).
[154] قوله: ((لها)) ليس في (م).
[155] في (ج): ((لك تطعميني))، وفي (م): ((لك أن تطعميني)).
[156] في (م): ((وطريقتي)).
[157] في (ج) و(م): ((والفقه)).
[158] قوله: ((الحال)) ليس في (ل).
[159] في (م): ((يظنُّ أنَّه قد وفَّى)).
[160] في (ج): ((شيء)).
[161] في الأصل (ط): ((لكونها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[162] في (ج): ((من)).
[163] في (ج) و(م): ((فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته)).
[164] قوله: ((أنها)) ليس في (ج).
[165] في (ج) و(م): ((لأن)).
[166] في (ج) و(م): ((منها)).
[167] في (ج): ((عين))، وقوله: ((غير)) ليس في (م).
[168] في (ج) و(م): ((فيعارضنا)).
[169] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[170] زاد في (م) و(ل): ((له)).
[171] في الأصل (ط) تصحيفًا: ((عقد)).
[172] في (ل): ((وإذا)).
[173] في (ج): ((يبقى))، وفي (م): ((يبقَ)).
[174] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[175] في (ج): ((لكلما)) بدل قوله: ((له كل ما)).
[176] قوله: ((قد)) ليس في (ج) و(م).
[177] في (ج) و(م): ((به والانفصال)).
[178] في (ج) و(م) و(ل): ((فجاء)).
[179] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[180] في (ج): ((أدرك))، وفي (م): ((أرذل)).
[181] في (ج): ((والغش منها))، وفي (م): ((والغش فيها)).
[182] قوله: ((قد)) ليس في (ج) و(م).
[183] قوله: ((وجوب النصيحة في)) ليس في الأصل (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[184] في (ج) و(م): ((البيوع وترك الغش)).
[185] في (ج) و(م): ((في)).
[186] في (ج) و(م): ((فكيف)).
[187] قوله: ((غير شيء واحد... فيها)) ليس في (ج).
[188] في (م): ((إنْ وقع فاعلها بشيءٍ)).
[189] في (ج): ((فلعله)).
[190] في الأصل (ط) و(ل): ((خيرًا من ذلك)).
[191] في (ج): ((قال)).
[192] في (ل): ((والذين يبيعون الزيت)).
[193] في (المطبوع): ((فلمَّا سألته قال لي)).
[194] قوله: ((فإما سألته.... بيع الزيت)) ليس في (ج).
[195] في (ج) و(م): ((أني)).
[196] زاد في (ج) و(م): ((فإنه)).
[197] في (ل): (({وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي..} [يوسف: 53])).
[198] قوله: ((ولا تعارض)) ليس في (ج) و(م).
[199] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[200] في (ج): ((الظنان)).
[201] في (ج): ((تحضيض))، وفي (ل): ((تخصيصًا)).
[202] في (م): ((ما يقع من تلك التخيلات)).
[203] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[204] قوله: ((التَّسبب)) ليس في (م).
[205] قوله: ((فإنَّ الأنبياء)) ليس في (م).
[206] في (ج): ((عمله)).
[207] قوله: ((على أحد الأقاويل)) ليس في (ج) و(م).
[208] في (ج): ((السبب)).
[209] صورتها في (م): ((التسبب)).
[210] في (ج) و(م): ((وقد قال)).
[211] زاد في (ج) و(م): ((وذلك)).
[212] في (ج): ((يمنعا))، وفي (م): ((يمنعنا)).
[213] في (ج): ((يعطي)).
[214] في (م): ((كنت)).
[215] في (ج): ((بالأئمة)).
[216] في (ج) و(ل): ((خير)) بدون الواو.
[217] في (م): ((لأحبُّ)).
[218] في (ط) و(ل): ((لأنَّهُ ليستْ كانتْ تحصلُ له جمعيَّةٌ في المخالطةِ))، والعبارة في (م): ((ويمكن أن يكن ممن لا تحصل له جمعية في المخالطة)) والمثبت من (ج).
[219] في (ج) و(م): ((فكان)).
[220] زاد في (ل): ((الذي هو أعلاه)).
[221] قوله: ((بإجماع لا أعرف بذلك خلافا)) ليس في (ج) و(م).
[222] زاد في (ج): ((مؤخر)).
[223] زاد في (ج): ((مقدم))، والعبارة في (م): ((ثم بالزوجة ثم بالابن)).
[224] قوله: ((نفقة)) ليس في (م).
[225] في (ج) و(م): ((وهي الزوجة ثم الولد)) بدل قوله: ((وتقدم الذي نفقته... الزوجة)).
[226] زاد في (ج) و(م): ((كيف)).
[227] قوله: ((كان)) ليس في الأصل (ط) والمثبت من باقي النسخ، وفي (ج) و(م): ((يبدأ بالأهم فالأهم فإن كان)).
[228] في (ل): ((الشخص)).
[229] قوله: ((نحن)) ليس في (ج) و(م).
[230] قوله: ((لا)) ليس في (ج).
[231] زاد في (ج): ((فيكون))، وفي (م): ((فكيف)).
[232] في (ج) و(م): ((وجاءه)).
[233] في (ج) و(م): ((وكثر)).
[234] في (م): ((التشوش)).
[235] قوله: ((وبهم)) ليس في (ج) و(م).
[236] قوله: ((الشيخ)) ليس في (م) و(ل).
[237] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[238] في (ج) و(م): ((فانتهت)).
[239] في (ج) و(م): ((قمح)).
[240] في (ج) و(م): ((العشر)).
[241] في (ج): ((الفقير)).
[242] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[243] قوله: ((مع ذلك)) ليس في (ج).
[244] في (ل): ((على الله للعلم)).
[245] في (م): ((فإنْ)).
[246] في (ل): ((ولذلك)) بدل: ((وقد)).
[247] في (م): ((الفقهاء)).
[248] قوله: ((جميع)) ليس في (ج) و(م).
[249] في (ج): ((فلا يجاوب))، وفي (م): ((فلم يجاوب)).
[250] زاد في (ج) و(م): ((إلى)).
[251] في (ل): ((فالسبب)).
[252] زاد في (ج) و(م): ((قول)) وليس فيه قوله: ((محمد)) بعدها.
[253] في (ج): ((تكلف الله))، وفي (م): ((تكفَّل الله)).
[254] أخرجه القضاعي في مسند الشهاب ░391▒ من حديث زياد بن الحارث الصُّدائي.
[255] في (م): ((يفهم)).
[256] في (ج) و(م): ((في هذا))، قوله: ((هذا)) ليس في (ل).
[257] في (م) و(ل) و(ج): ((ذكره بأنَّ)).
[258] في (ل): (({لَانَسْأَلُكَ رِزْقًا...} الآية [طه: 132])).
[259] في (ج): ((البلد)).
[260] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[261] في (ج): ((لطلب)) وفي (م): ((طالب)).
[262] في (ج): ((وساطة مثل الموارث))، وفي (م): ((وساطة مثل المواريث)).
[263] قوله: ((هو)) ليس في (ج).
[264] في (ج): ((العلم لله))، وفي (م): ((العلم إلاهو لله)).
[265] في (ج): ((الذي)).
[266] زاد في (ج) و(م): ((أو كما قال ◙)).
[267] في (ج): ((لا يشغلنكم)).
[268] قوله: ((عذر)) ليس في (م) و(ج).
[269] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[270] في (ج) و(ل): ((التسبب)).
[271] في (ل): ((ليكون)).
[272] قوله: ((فيه)) ليس في (ج).
[273] صورتها في (م): ((ولغة))، وفي (ل): ((لقلة)).
[274] في (ج) و(م): ((طلبة)).
[275] قوله: ((مذبذبين بين ذلك... هؤلاء)) ليس في (ج) و(م).
[276] في (ج): ((نسله))، وفي (ل): ((فنسله)).
[277] في (م): ((والعلم)).
[278] صورتها في (م): ((شهد)).
[279] في (م): ((فينفقها))، وفي (ل): ((وينفقه)).
[280] في (م): ((كلها)).
[281] قوله: ((هو منه)) ليس في (ج) و(م).
[282] في (ج): ((تسبب)).
[283] في (ج) و(م): ((فيكون يتسبب لأجل هذه))، وفي (ل): ((سببًا لهذه)).
[284] في (م) و(ل): ((ما)).
[285] قوله: ((ثم يدخر فهذا... منه)) ليس في (ج).
[286] في (م): ((وكأنَّه)).
[287] زاد في (ج): ((فهذا خلاف ما قصد)).
[288] في (ج): ((فظنون))، وفي (م): ((فنظرت)).
[289] قوله: ((الجارحة وكانت إشارته ◙)) ليس في (ج).
[290] في (ل): ((لغة عند العرب يدا))، وقوله: ((يدًا)) ليس في الأصل (ط) وهو مثبت من باقي النسخ.
[291] في (ج): ((أهلك)).
[292] في (ل): ((منهم)).
[293] في (م): ((حبيبان لا في القلب)).