بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

الرؤيا الثانية والعشرون

          الرؤيا الثانية والعشرون
          كأن سيّدنا صلعم دخل منزل عبد الله، ومعه جمع من الأنبياء، صلوات الله عليهم، والصحابة، وجميع مشايخ عبد الله ووالده وبعض قرابته الأموات.
          وكان في منزل عبد الله موضع فيه بناء حسن، وله نور، وفيه ماء جار، وله نور كثير. فقعد الأنبياء، ╫، حول ذلك الموضع الذي فيه النور، فتقدم سيّدنا محمد صلعم إلى ذلك الموضع الذي فيه النور، وصلّى فيه، وصلّى معه كل من ذكر. فلما فرغ من صلاته فإذا به قد أخرج ذلك الشرح للحاضرين، ويقول لهم: ألا تنظرون إلى حسن هذا الكلام؟ ومن أحسن ما فيه هذا الموضع. ويريهم حديث (وفد عبد القيس)(1) والكلام على قوله (مرحباً بالقوم _أو بالوفد_ غير خزايا ولا ندامى).
          ثم يقول لمحمد الفاسي: إن هذا الشرح يُنظر بلغة تميم وثقيف _كما ذكرت لك_ إلا موضعين: الواحد في (حديث الإفك)(2) عند قوله (يا عائشة، احمدي الله فقد برّأك) والآخر في (حديث الإسراء)(3) عند قول / موسى (أنا أعلم بالناس منك، عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإنّ أمّتك لا تطيق) أحدهما جائز على لغة قريش، والآخر على لغة طي. والموضع الذي قال لك شيخك في الخطبة في قوله: نصًّا ظاهراً ومعنى باطناً: إنه لا يجوز، تنظره بلغة تميم وثقيف تجده جائزاً، والكتب إنما تُنظر بلغة العرب، والذي يُنظر بغير ذلك ويقول: فيه خلل، كالذي يَنظر الكتابَ العزيز بغير لغة العرب.
          ثم يقول لعبد الله: زد في آخر كل حديث من تلك الأحاديث الثلاثة دعاء. فيقول عبد الله: ادع الله أن يلهمني ذلك. فيدعو الله أن يلهمه دعاءً ما، يليق بتلك الأحاديث.
          ثم يقول ◙ لعبد الله: إذا كان غداً الجمعة، إذا خرجت من منزلك فاقرأ قول إبراهيم حيث قال: { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ. وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ. وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء:78-89]، فإذا عدت إلى منزلك فقل ما كنتُ أقول أنا عند رجوعي من الأسفار «آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، صدَق الله وعدَه، ونصَرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحدَه».
          فيقول له عبد الله: وما الفائدة في ذلك؟ فيقول له صلعم : ما أقول لك شيئاً حتى أعود.
          ومن الفوائد التي فيه أن ناساً قد كادوا له سبعة وجوه من المكر وتنعكس عليهم، وأنه يكون معك جمع كثير، فتكون فيه محمولاً.
          ثم إن والد عبد الله يقول: أريد أن يكون لي من هذا الشرح نصيب. فيقول المجد ☼: يحق لك أن تطلب منه نصيباً، فإني لم أر شيئاً أنفع منه، وإني من اليوم الذي بدىء لي نسخه في خيرات، لا أقدر أن أصفها.
          ثم إن موسى، عليه السلام، / يقول لعبد الله: أنت صاحبي. فيقول له عبد الله: وبماذا تكون الصحبة بيني وبينك؟ فيقول له موسى، ╕: شَبَهُك مع أعدائك كشَبَهي مع فرعونَ وقومه، فكما أنا نُصِرتُ عليهم كذلك نُصرتَ على أعدائك.
          فسأل بعض الأولاد النبي صلعم : ما معنى صلاتك يا رسول الله في النوم ودعائك؟ فيقول صلعم : زيادة في الأمن، وتأني سلك.


[1] رقمه 7.
[2] رقمه 119.
[3] رقمه 160.