بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: ذبحنا على عهد رسول الله فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه

          215-قولها(1): (ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم فَرَسًا(2)...) الحديث. [خ¦5511]
          ظَاهِرُ الحَدِيْثِ يَدُلُّ على جواز أكل لحوم الخيل بغير كراهية، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: أنَّ السُّنَّة في ذَكَاة الخيل هو بالذبح لا بالنَّحر، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِن قولها: (ذَبَحْنَا) وقد جاءت رواية: «نَحَرْنَا» فعلى هذا يجوز أكلُه بالذبح و يجوز بالنَّحر.
          وقولها: (وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ) فيه دليل على(3) أنَّ ذلك كان لغير ضرورة، ويؤخذ ذلك(4) مِن قولها: (فَأَكَلْنَاهُ) وأنَّ(5) ذكاته ما كانت لعلَّة بالفرس، وإنما كانت لمجرَّد الأكل لا غير.
          وفي هذا دليل للشافعي ☼ في إجازته أكل لحوم الخيل مطلقًا، والدليل معه في ذلك، وأمَّا الإمام مالك ☼ فلم يقع منه مخالفة(6) للحديث، فإنَّه لم يحرِّمه، وإنَّما كرهه وبيان عذره في كراهيته أنَّها ما تستعمل(7) ولا فائدتها غالبًا إلا للجهاد(8)، فإذا كثر استعمال أكلها كان سببًا إلى قلتها(9)، وقلتها تؤول إلى نقص(10) مِن الإرهاب للعدو. / وفيه وجه آخر: لأنَّ أكل لحمه على ما يقوله أهل صنعة الطب: يقسِّي القلبَ(11)، وما يقسِّي القلب ينافي أوصاف أهل(12) الإيمان، فجاءت كراهيته فيه مِن(13) باب سدِّ الذَّريعة التي هي أصل مذهبه.
          ووجه آخر: لأنَّ(14) أكله في زمان النَّبيِّ صلعم كان قليلًا، وإن كان جائزًا، فإنَّه لم يأتِ في أكله إلا الحديث، وحديث خيبر لا غير فيما أعلم(15)، فدلَّ على قلَّة استعماله، فعمل هو في ذلك(16) على العمل بأن كرهه حتى يكون استعماله قليلًا كما كان في زمن(17) النَّبيِّ صلعم، فجاء فيه متبعًا للسُّنَّة بطريقة حسنة.
          وفي قولها: (وَنَحْنُ بِالْمَدِيْنَةِ) فائدة أخرى، وهي: أنَّ ذلك كان بعد تمكُّن الإسلام وظهوره وفرض الفرائض وتحديد حدود الشريعة، لأنَّه ما فرض مِن الفرائض بمكة إلا الصلاة لا غير(18)، وجميع الفروض إنما كانت بالمدينة فيما أعلم(19).


[1] في (م): ((قوله)).
[2] زاد في (م): ((ونحن بالمدينة)). وزاد في (ج): ((فأكلناه ونحن بالمدينة)).
[3] زاد في (م): ((ذلك)).
[4] قوله: ((ذلك)) ليس في (م) و (ج).
[5] في (ج) و (م): ((أنَّ)).
[6] زاد في (م): ((مخالفة)) مكررا.
[7] العبارة في (م) و (ج): ((وبيان كراهيته أنها تستعمل)).
[8] في (ج): ((ولا فائدة لها غالبا إلا في الجهاد)).
[9] في(ج): ((سببًا لقلَّتها)).
[10] صورتها في (ج): ((بعضٍ)).
[11] العبارة في (م) و (ج): ((لأن أكل لحمه على ما قيل يقسي القلب)).
[12] قوله: ((أهل)) ليس في (ج).
[13] في (ج): ((كراهيته ومن)).
[14] في (م) و (ج): ((أن)).
[15] قوله: ((فإنه لم يأتِ في أكله إلا الحديث وحديث خيبر لا غير فيما أعلم)) ليس في (م) و (ج).
[16] في (ج): ((فعمل ذلك)). وفي (م): ((فعمل في ذلك)).
[17] في (م): ((زمان)).
[18] قوله: ((لا غير)) ليس في (ج).
[19] في (م): ((علم)).