بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: أن رسول الله رأى رجلًا يسوق بدنة فقال: اركبها

          126- قوله(1): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ / صلعم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: يا رسولَ الله إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ(2)...) الحديث. [خ¦2755]
          ظاهر الحديث يدل على جواز ركوب البَدَنة للضرورة، والكلام عليه مِن وجوه:
          الأول: أنَّ الإمام(3) ينظر في حال رعيَّته ويُدبِّر أمرَهم؛ لأنه لولا أنَّ النَّبي صلعم كان يتفقَّد أصحابه بالنظر لَمَا رأى صاحب البَدَنة فأمره بركوبها(4)، وقد قال ╕: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وعلى هذا المنهاج سار الخلفاء ♥ بعده، يشهد لذلك ما رُوِيَ أن عمر بن الخطاب ☺ فَقَدَ بعض أصحابه مِن صلاة الصبح فلمَّا أصبح مرَّ إلى أُمِّهِ فسألها عنه، وليس هذا مقتصرًا على الإمام وحدَه لا غير، بل هو عام في كل الناس عن آخرهم، وقد بيَّنا عموم ذلك في الكلام على قوله ╕: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
          الوجه(5) الثاني: أنَّ الضرورة لها حكم يختصُّ بها ويباح لأجلها ما يمنع في غيرها؛ لأنَّ ركوب البَدَنة ممنوع شرعًا فلمَّا أن(6) أدَّت الضرورة إلى ركوبها، لكون صاحبها لم يكن له مركوب أجاز الشارع ◙ ذلك(7)، لكن يُشترط في الضرورة أن تكون ضرورية شرعية وأن ما يستباح لأجلها قد اغتفره الشارع ◙ في مثلها، فإن عُدِم هذا(8) الشرط فلا تجوز الإباحة.
          الثالث: جواز المراجعة لأهل الفضل إذا لم يفهم المخاطب ما قيل / له؛ لأنَّ صاحب البَدَنة لَمَّا أن قال له النَّبي صلعم : (ارْكَبْهَا) احتمل عنده هل(9) يكون النَّبي صلعم عَلِم أنها بَدَنة أو لم يعلم؟ وقد(10) تقرَّر عنده النهي عن الركوب لها فراجع لأجل ذلك الاحتمال حتَّى فهم ما أراده النَّبي صلعم، لكن تكون المراجعة لهم(11) بتأدُّب ووَقار؛ لأنَّ هذا الصحابي ☺ سأل بتأدُّب واحترام فلم يقل له: إنَّك قد(12) نَهيتَ عن ركوب البَدَنة ولكن ناداه بأحب أسمائه إليه وهو (رسول الله صلعم)، ثمَّ(13) قال له: (إِنَّهَا بَدَنَةٌ) سؤال استرشاد(14) وتعلُّم، وإنما زاد على الاثنتين(15) إن كان زادها لكونه احتمل عنده هل سمع النَّبي صلعم ما قال أو لم يسمع؟ فأعاد(16) الثالثة لكي يزيل عنه ما يتخيل مِن ذلك وإنما قال له النَّبي صلعم : (وَيْلَكَ) في آخر الكلام لكي يُعلِمه أنَّه سمع منه ما قال، وقد تقرَّر أنَّ دعاء النَّبي صلعم على أُمَّتِه دعاءٌ لهم لا دُعاء عليهم كما تقدَّم في الأحاديث قبلُ.
          الرابع: ما الحكمة في تقليد البَدَنة وإشعارها(17) وذلك شهرةٌ لها، وقد تقرَّر مِن الشرع(18) على ما نقلَه العلماءُ أنَّ الأفضل فيما عدا الفرائض هو الإخفاء؟ والجواب مِن وجوه:
          الأول: إن مِن العلماء مَن(19) يقول: إنَّ أمور الحج كلَّها فرضٌ، فعلى هذا فالأمر على بابه.
          الثاني: أنَّ سنن الحجِّ كلَّها بخلاف غيرها لأنَّها ظاهرة، فالحكمة بأن جعلت ظاهرة ليكون الأمر متناسبًا. /
          الثالث: أن بالتقليد وَجَبت(20) فجعل علمًا على وجوبها لهذه الفائدة ويكون ذلك العلم(21) فيه قطعًا للنفس مِن الطمع في الرجوع فيها فيكون فيه معنى مِن باب سدِّ الذريعة، وقد تكون واجبة بنذر أو غيره فيكون ذلك علمًا لها مِن أجل ما ذكرناه ومِن(22) أجل أن لا تختلط مع غيرها(23).


[1] في (م): ((عن أبي هريرة)).
[2] قوله: ((فَقَالَ: يا رسولَ الله إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ((ارْكَبْهَا وَيْلَكَ)) فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ)) زيادة من (م) على النسخ.، وقوله: ((الحديث)) ليس في (م).
[3] قوله: ((أن الإمام)) ليس في (ج).
[4] قوله: ((بركوبها)) ليس في (ج).
[5] قوله: ((الوجه)) ليس في (ل).
[6] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[7] قوله: ((ذلك)) ليس في (ج).
[8] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[9] في (ج) و(م): ((أن)).
[10] في (ل): ((فقد)).
[11] قوله: ((لهم)) ليس في (ل).
[12] قوله: ((قد)) ليس في (ل).
[13] قوله: ((ثم)) ليس في (ل).
[14] في (ل): ((إرشاد)).
[15] في (م) و (ل): ((الاثنين)).
[16] في (م): ((أعاد)).
[17] في (ل): ((واستشعارها)).
[18] في (ل): ((الشارع)).
[19] في (ج): ((لمن)).
[20] في (م): ((التقليد وجب)).
[21] قوله: ((العلم)) ليس في (ط) و (ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[22] في (ل): ((من)).
[23] زاد في (م): ((والله أعلم)).