بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام

          200- قوله صلعم : (مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ...) الحديث. [خ¦4937]
          ظاهر الحديث يدلُّ على حكمين:
          أحدهما: أنَّ الذي يقرأ القرآن ويعمل به هو مع الملائكة.
          والثَاني: أنَّ(1) الذي يتعاهده بالتِّلاوة وهو عليه شديدٌ له أجران، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها أنْ يقال: ما معنى قوله: مع الملائكة وهم السَّفَرة كما أخبر الله ╡ عنهم في كتابه بقوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ}؟ [عبس:15- 16] وتبيين الأجر الذي لقارئ القرآن، ومنه تبيين(2) تضعيفه لأنَّه لا يتبيَّن التَّضعيف إلَّا بعد معرفة الأصل(3)؟ فمعنى قوله ╕: (مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ(4)) الذين أشرنا إليهم وهم الملائكة، لأنَّه يحصل له الأمن(5) في الدُّنيا والآخرة:
          أما في الآخرة: فيدلُّ على ذلك قوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنَّة الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[فصلت:30- 31].
          وأمَّا في الدُّنيا فيدلُّ على ذلك قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}... إلى قوله تعالى... {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف:10-13].
          ومِن الحديث: قوله ╕ في الذي حفظ القرآن: «كأنَّما أُدرِجَت النبوةُ بين كتفيه»، والأنبياء(6) ‰ لهم خير(7) الدُّنيا والآخرة.
          والفرق بين حفظه والمحافظة عليه، لأنَّ / حفظه يحصل بالدَّرس، وقد يحفظه البرُّ والفاجر، وقد قال صلعم : «مِن علامة الساعة أنْ يُفتح للناس في حفظ القرآن يحفظه البَرُّ والفاجر، يجادلون به المؤمنينَ(8) ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله» أو كما قال ╕.
          والمحافظة عليه التي هي العمل به لا تكون إلَّا للخصوص مِن المؤمنين، أولئك حزب الله وهم(9) المفلحون الذين هم مع الملائكة(10) السفرة الكرام، لأنَّ المحافظة على الشَّيء الاعتناء به وعمله على ما يجب، كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاة الْوُسْطَى} [البقرة:238].
          وفيه دليلٌ: على أنَّ أعلى الأحوال حفظ القرآن والعمل به.
          وفيه دليلٌ: لمن يقول: إنَّ الملائكة أرفعُ مِن بني آدم الصَّالحين، يؤخذ ذلك مِن كون أعلى ما رُفعت درجة هذا(11) أنْ جُعِل مع الملائكة.
          وأمَّا(12) الكلام على أجر مَن قرأ القرآن بلا شدَّة عليه فقد جاء: «إنَّ له بكلِّ حرفٍ(13) عشرَ حسنات، لا أقول: ألم حرف، ولكن الألف(14) حرف والَّلام حرف والميم حرف»، وقد جاء: «إنَّ من قرأه(15) في الصَّلاة قائمًا كان له بكلِّ حرف مئة حسنة، وإن كان قاعدًا خمسون، وإن كان في غير صلاة على طهارة خمس وعشرون، وإن كان على غير طهارة عشر حسنات» وقد جاء: «إنَّ مَن قَرَأه وهو يعلم لِمَ رُفِعَ ولِم نُصِبَ، كان له بكل حرف سبع مئة حسنة».
          فعلى(16) مقتضى هذه الآثار إذا تعاهده على وجه مِن هذه الوجوه وهو عليه شديد كان له ضِعفان / مِن ذلك الأجر المسمَّى.
          وفي مقتضى هذه الأخبار دليلٌ على أنَّه ليس في جميع النَّوافل أرفع مِن قراءة القرآن إلَّا أنَّه يجب أنْ تكون القراءة كما يذكر(17) بعد في الكتاب، وهو قوله ╕: «اقْرَؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه» ويكون خالصًا لله ╡ لا(18) مِن أجل أجرة تؤخذ عليه، ولا(19) أنْ يجعل صنعة يتوصَّل(20) به إلى شيءٍ مِن حطام الدُّنيا.
          وإن كان(21) بعض الوجوه في أخذ الأجر عليه خلاف(22)، فجواز أخذ الأجر(23) ليس مِن هذا الباب، لأنَّ هذا بابُ تعبُّدٍ، وذلك(24) باب ما يجوز من أنواع التَّكسُّبات وما لا يجوز فلا يجتمعان، لأنَّ الله ╡ يقول في أنواع التَّعبُّد: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، والإخلاص أنْ يكون(25) لله ╡ لا يخالطه غيره.
          وقد جاء أنَّ يوم القيامة يقول الله سبحانه وتعالى للذي خلط(26) في عمله مع الله غيره: «أنا(27) أغنى الشركاء اذهب فَخُذ الأجر مِن غيري» وقد قال(28) بعض أهل(29) المعاملات مع الله تعالى بالصِّدق(30) والإخلاص: إنَّ قراءة القرآن بالتَّدبُّر(31) والحضور حياةُ النُّفوس وغِذاءُ غذاءُ الأرواح، فمَن فهم هام، ومَن حُرم تاه وظنَّ أنَّه يحسن صنعًا، أحيا الله أرواحنا به وجعلنا مِن حزبه بمنِّه.


[1] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[2] في (ج): ((وعنه يتبين)).
[3] في (ج): ((الأجل)).
[4] قوله: ((البررة)) ليس في (ج) و (م).
[5] في (ج): ((الأمر)).
[6] في (ج): ((فالأنبياء)).
[7] في (ط): ((فخر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[8] في (ج): ((المؤمنون)).
[9] في (ج): ((وأولئك هم)) وفي (م): ((هم)).
[10] قوله: ((الملائكة)) ليس في (ج).
[11] زاد في (ج): ((إلى)).
[12] في (ج): ((أما)).
[13] في (م): ((أن لكل حرف)).
[14] في (ج): ((ألف)).
[15] في (م): ((قرأ)).
[16] في (ج): ((وعلى)).
[17] في (ج): ((نذكر)).
[18] في (ج): ((إلا)).
[19] زاد في (ج): ((على)).
[20] في (ج) و (م): ((ليتوصل)).
[21] قوله: ((كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[22] في (م): ((جواز)).
[23] في (م): ((الأمرين)).
[24] في (ج): ((وذاك)).
[25] في (م): ((تقول)).
[26] في (ج): ((الذي يخلط)).
[27] في (م): ((وأنا)).
[28] في (م): ((جاء)).
[29] زاد في (ج): ((التحقيق)).
[30] زاد في (ج): ((والقراءة)).
[31] في (ج): ((بالتدبير)).