بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة

          ♫
          وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآله وسلم
          حديث بدء الوحي(1)
          1- (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ♦ أنَّها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ) الحديث. [خ¦3]
          هذا(2) الحديث يحتوي على فوائدَ كثيرة وأحكام(3) وآداب، ومعرفة جملة(4) مِن قواعد الإيمان، ومعرفة بالسلوك والترقِّي في المقامات(5)، ولأَجْلِ ما فيه مِن هذه المعاني حدَّثَ به النَّبيُّ صلعم عائشةَ ♦، لِتُبْدِيَ ذلك للنَّاس، لكي يتأسَّوا بتلك الآداب، ويحصل(6) لهم معرفة بكيفيَّة التَّرقِّي مِنْ مقام إلى مقام، مع ما فيه مِن فائدة المعرفة بابتداء أمرِه ◙ / كيف كان، لأنَّ النفوسَ أبدًا تَتَشوَّفُ(7) إلى معرفةِ مبادئِ الأمورِ كُلِّها، وتنشرحُ الصُّدورُ للاطِّلاع عليها، فكيف بها لابتداء(8) هذا الأمر الجليل الذي فيه مِن الفوائد ما قد ذكرناه، ويُعرف منه(9) مقتضى الحكمة في تربيتِه ◙ (10) وتأديبه، ولأجلِ ما فيه مِن هذه الفوائد حدَّثتْ(11) به عائشة ♦ فأُخِذ(12) عنها. ونحن إن شاء الله نشير إلى شيء منها ونُنَبِّهُ عليها(13) بحسب ما يوفِّق(14) الله إليه، فنقول: الكلام عليه مِن وجوه:
          الوجه الأوَّل: قولها (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ). فيه دليل على أنَّ الرؤيا مِن النبوَّة، وهي وحيٌ مِن الله ╡ ، إذ إنَّ(15) أول نبوة النَّبيِّ صلعم والوحي(16) كان بها، وقد صرَّح الشَّارع صلعم بذلك في غير هذا الحديث، وسيأتي الكلام على الْمَرَاِئي وما(17) يتعلَّق بها، والجمع بين متَّفِقِها ومختَلِفِها ومجموع أحاديثها في موضعِه مِن آخر الكتاب إن شاء الله.
          الثَّاني: قولها: (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) تريد(18) بذلك صدق الرؤيا، وكيف كانت تخرج في الحين مِن غير تراخٍ ولا مُهْلَةٍ على قدْرِ ما رآه ◙ سواءٌ بسواء(19). ولقائل أن يقول: لمَ عبَّرت عن صِدق الرؤيا بفَلَقِ الصُّبح ولم تعبِّر بغيرِه؟ والجواب(20): أنَّ شمسَ النبوَّة كانت(21) مبادئُ أنوارها صحَّةَ الْمَرَائِي وصِدقَها، فما زال النُّور يَتَشَعْشَعُ ويَتَّسِعُ ويبين حتى بدا حاجِبُ(22) شمسِها وهو ما أُنزِل عليه مِن الهُدى والفرقان، فمَن كان باطنُهُ نوريًا كان في التصديق لِمَا أُنْزِل بكريًا آمن وصَدَّقَ، ومَن كان أعمى البصيرة كان خُفَّاشَ زمان الرسالة، الشَّمسُ تَسْطَع وهو لا يرى شيئًا، فإنَّ الخُفَّاشَ يخرج في الليل(23) ويتخفَّا(24) بالنَّهار، لأنَّه لا يبُصر مع ضوء الشمس شيئًا، وبقي(25) / النَّاس بين هاتين المنزلتين يتردَّدون كلٌّ منهم يُبْصِر بقدْر ما أُعطي مِن النُّور، جعَلَنا الله ممَّن أجزل له مِن هذا النُّور وحُسن الاتِّباع أوفرَ نصيبٍ(26) بِمَنَّهِ، ولأجل(27) هذه النِّسبة التي بين(28) ابتداء النُّبوَّة وظهورها مع فَلَق الصبح وقعت العبارة به ولم تقع بغيره.
          الثَّالث: قولها: (ثمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ) فيه دليل على أنَّ الهداية مِنَّةٌ(29) ربانيَّة لا بسببٍ مِن بَشَرٍ ولا غيره، لأنَّ النَّبيَّ صلعم جُبِلَ على(30) الخير ابتداءً مِن غير أنْ يكون معَه مَن يُحرِّضه على ذلك، والخَلوة كنايةٌ عن انفراد الإنسان بنفسِه فَحُبِّبَ إليه ◙ أصلُ العبادة في شريعتِه وعُمدَتُها(31)، لأنَّه ◙ قال: «الخَلْوَةُ عِبَادَةٌ»، فالخلوة نفسها عبادة فإنْ زِيْدَ عليها شيء مِن الطاعات فهو التَّحنُّث، ومعنى التَّحنُّث التَّعبُّدُ، فهو نورٌ على نور.
          الرَّابع(32): قولها: (كَانَ(33) يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ) التَّحنُّث قد تقدَّم الكلام عليه(34)، وبقي هنا سؤال وارد وهو أن يقال: لمَ اختصَّ ◙ بغار حِراء فكان يَخلو فيه ويتحنَّث(35) دون غيره مِن المواضع ولم يُبَدِّله في طول تحنُّثِه؟ والجواب: أنَّ ذلك الغار له فضل زائد على غيره، مِن قِبَل أنَّ مَن فيه يكون(36) فيه منزَوِيًا مجموعًا لتحنُّثِه وهو يبصر بيتَ ربِّه، والنَّظرُ إلى البيت عبادة، فكان له اجتماع ثلاث عبادات وهي: الخلوة والتَّحنُّث(37) والنَّظر إلى البيت، وجمع هذه الثلاث أولى مِن الاقتصار على بعضها دون بعض، وغيره من الأماكن ليس فيه ذلك المعنى، فَجُمِعَ له ◙ في المبادي كلُّ حُسنٍ بادي(38).
          الخامس: قولها (وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ) (وهو التَّعبد) تفسير منها للتحنُّث ما هو؟ و(اللَّيَالِيَ(39) ذَوَاتِ العَدَدِ) تريد به: كثرة الليالي، لأنَّ العدد على قسمين: / عددَ قِلَّة وعددَ كَثْرة وبمجموع القِلَّة والكثرة يكون فيه ليالٍ(40) كثيرة(41) فلذلك كَنَتْ عنه (بذوات العدد)، أي مجموع أقسام العدد وهي جمع القِلَّة والكثرة.
          السَّادس: قولها: (قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ) تريد: قبل أن يرجع إليهم، فما يزال(42) ◙ في التَّعبُّد تلك اللياليَ المذكورة حتى يرجع إلى أهلِه.
          السَّابع: فيه دليل عَلى أنَّ المستَحبَّ في التَّعبُّد أن(43) يكون مستمرًا، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان يستمرُّ على عبادتِه(44) تلك ولم يقطعها إلا لِمَا لابُدَّ(45) منه، وسيأتي الكلام عليه، ولأنَّ التَّعبُّد إنْ لم يكن مستمرًا(46) فلا يقال لصاحبِه: مَتَعبِّدٌ؛ لأنَّه لا ينسب المرء إلَّا إلى الشيء الذي يُكْثِر منه.
          الثَّامن: قولها: (ثمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ويَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا(47)) فيه دليل على أنْ التَّبَتُّلَ الكُلِّيَّ والانقطاعَ الدَّائم ليس مِن السنَّة، لأنَّه ◙ لم ينقطع في الغار وترك أهلَه بالكلِّيَّة، وإنَّما كان ◙ يخرج إلى العبادة تلك الأيام التي يَتَحَنَّثُ فيها ثمَّ يرجع إلى أهله لضروراتهم ثمَّ يخرج لتحنُّثِه. وقد نهى ◙ عن التَّبتُّل في غير هذا الحديث فقال: «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلَامِ». وهذا النَّهي إنَّما هو فيمَن اتخذ ذلك سنَّة يُسْتَنُّ(48) بها، وأما مَن تَبَتَّلَ لعدم القدرة على التأهُّل مِن قِبَلِ قِلَّة ذات اليد أو مِن(49) عدم الموافقة فلا يدخل تحت هذا النَّهي.
          التَّاسع: فيه دليل على أنَّ العبادة لا تكون إلَّا مع إعطاء الحقوق الواجبات وتَوْفيتها، لأنَّه ◙ لم يكن(50) ليرجعَ لأهلِه إلَّا لإعطاء حقِّهم، فكذلك غيره مِن الحقوق يجب إعطاؤُه وتوفيته وحينئذ يرجع إلى المندوبات.
          العاشر: فيه دليل على أنَّ الرجل إذا كان صالحًا في نفسه تابعًا للسنة يُرْجَى له أنَّ الله / تعالى يُؤْنِسُه بِالْمَرَائِي الحميدة إذا كان في زمنِ(51) مخالفةٍ وبِدَعٍ، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لـمَّا انعزل للعبادة وخلا بنفسِه آنَسَهُ الله ╡ بالمَرائي الجميلة، لَمَّا أنْ كان ذلك الزمانُ زمانَ كُفرٍ وشِقاقٍ، وسيأتي شفاءٌ لهذا(52) المعنى في الكلام على الْمَرَائِي إن شاء الله، فالمتَّبِع للنَّبيِّ صلعم يُرْجَى له مثلُ ذلك أو قريبٌ(53) منه _أعني في المرائي_.
          الحادي(54) عشر: فيه دليل على أنَّ البداية ليست كالنهاية، لأن النَّبيَّ صلعم أول ما بُدِئَ في نبوتِه بالْمَرَائي، فما زال ◙ يرتقي في الدرجات والفَضل حتى جاءه الملَك في اليقظة بالوحي ثمَّ ما زال يرقَى(55) حتَّى كان قابَ(56) قَوْسَينِ أو أدنى، وهو(57) النهاية فإذا كان هذا في الرُّسُل فكيف به(58) في الأَتباع؟
          لكن بين الرُّسُل والأَتباع فرقٌ وهو: أنَّ الأتباعَ يترقَّون(59) في مقامات الولاية ما عدا مقام النُّبوَّة فإنَّه لا سبيل لهم إليها لأنَّ(60) ذلك قد طُوِيَ بساطُه حتى ينتهوا إلى مقام المعرفة والرِّضا وهو أعلى مقامات الوِلاية(61)، ولأجل هذا يقول أهل الصُّوفة(62): مَنْ نال مقامًا فَدَامَ عليه بأدبه ترقَّى إلى ما هو أعلى مِنه، لأنَّ النَّبيِّ صلعم أخذ أوَّلًا في التَّحنُّث ودام عليه بأدبه إلى أن ترقَّى مِن مقام إلى مقام حتى وصل إلى مقام(63) النُّبوَّة، ثمَّ أخذ في التَّرقِّي في مقامات(64) النُّبوَّة حتى وصل به المقام(65) إلى قاب قَوْسَينِ أو أدنى كما(66) تقدَّم، فالوارثون له(67) بتلك النِّسبة مَن دام منهم على التأدُّب في المقام الذي أُقِيْمَ فيه(68) ترقَّى في المقامات حيث شاء الله عدا مقام النبوَّة التي لا مشاركة للغير فيها بعد النَّبيِّ صلعم.
          يشهد لذلك ما حُكيَ عن بعض الفضلاء أنَّه مُنَّ عليه / باتِّباع السنَّة والأدب في السلوك يتأدَّب في كلِّ مقام بحسب ما يحتاج إليه مِن الأدب، فما زال يرتقي مِن مَقام إلى مَقام(69) أعلى منه حتى سُرِيَ(70) بسرِّه مِن سماء إلى سماء، إلى قاب قوسين أو أدنى، ثمَّ نُودي: هنا سُرِي بذات محمَّد السَّنِيَّة حيث سُرِي بِسِرِّك.
          الثَّاني عشر: فيه دليل على أنَّ التَّربية للمُريد أفضل مِن غير المُرَبِّي(71)، لأنَّ النَّبيَّ صلعم أوَّل نبوَّتِه كانت في المنام، فما زالت تترقَّى(72) حتى كَمُلَتْ حالتُه، وهو ◙ (73) أفضلُ البشر، فلو كان غيرُ التربية أفضلَ لكان أَوْلى بها مِن غيره.
          الثَّالث عشر: فيه دليل على أنَّ الأَوْلى بأهل البداية الخَلْوة والاعتزال، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان في أوَّل أمرِه يَخلو بنفسِه فلمَّا انتهى ◙ حيث قُدِّر له(74) لم يفعل ذلك. وبقي يتحنَّث بين أهله وصار حالُه إلى أنَّه إذا سجد غمز أهلَه فتضمُّ رِجلَها حيث يَسجد، وفي البداية لم يُقنِعه(75) ◙ أن ينعزل عنهم في البيت حتى خرج إلى الغار على ما تقدَّم.
          الرَّابع عشر: فيه دليل على أنَّ الخَلوة عَوْنٌ للإنسان على تعبُّدِه وصلاح دينِه، لأن النَّبيَّ صلعم لَمَّا اعتزل عن النَّاس وخلا بنفسِه أتاه هذا الخير العظيم، وكلُّ أحدٍ إذا امتثل ذلك(76) أتاه الخير بحسب ما قَسَم الله له مِن مقامات الولاية.
          الخامس عشر: فيه دليل على(77) التَّسبُّب في الزاد ودخول المعتَكَف أو الخَلوة أو الوجهة به، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان يخرج إلى التَّحنُّث بما يصلحُه مِن زاده للعيش طولَ مُقامه فيه.
          والحكمة في ذلك: أنَّ الخروج بالزاد فيه إظهارٌ(78) لوصف العبودية(79) وافتقارِها وضَعفِها، لأنَّ المرء أبدًا ليس له قوة على تلك الأمور إلا بإعانةٍ مِن الله سبحانه، / وتعالى والخروجُ بغير زاد فيه شيءٌ ما مِن الادِّعاء، وإن كان لم يُنْطَق(80) به ولم يُنوَ، فيُخاف على فاعل ذلك أن يَكِلَه الله لنفسِه، فيعجِزَ عن تَوْفية ما أراد في وجهته، ولأجل هذا المعنى كان بعض أهل الصوفة(81) مِن شدَّة ملاحظتِه للسنَّة إذا دخل لخلوته وتعبُّدِه(82) أخذ رغيفًا مِن خبز(83) وألقاه تحت وِسادتِه ويواصل الأيام العديدة ولا يأكل منه شيئًا، فرآه بعض تلامذته كذلك فأخذ الرَّغيف مِن تحت الوسادة، ثمَّ تفقَّد الشيخ الرغيف فلم يجده فصاح على مَن لاذ به صيحةً منكرة وأغلظ عليهم فيما فعلوا(84)، فقالوا: ليس لك به حاجة، فلِمَ تَتَّخذه هناك؟ فقال لهم: أتظنُّون أنَّ ما تَرَون مِن قوَّة هي منِّي(85)؟ بل فضلٌ مِن الله ومِنَّة، أرأيتم إن رُدِدْتُ إلى حال البشريَّة كيف أفعل؟ فكان يعمل على حال ضَعفه والعادة الجارية التي يقدر البشر عليها، وما كان مِن غير ذلك يراه فضلًا مِن الله عليه وهو حامله، كل ذلك عملٌ(86) على ما أشرنا إليه أولًا عن النَّبيِّ صلعم.
          وفيه أيضًا وجه آخرَ مِن الحكمة وهو: أنَّ الخروج بالزاد مِن باب سدِّ الذريعة، لأنَّ الزاد إذا كان حاضرًا لم يبقَ للنفس تَشَوُّفٌ(87) ولا تَعَلُّقٌ، وقد جاء في الحديث: «إنَّ(88) النَّفْسَ إِذَا كانَ مَعَهَا قُوتُهَا اطْمَأَنَّتْ». هذا مع إمكان وجود القُوت مِن حِلِّه ووجهه، وإلَّا فالله هو الرَّزَّاق(89) ذو القوَّة المتين. وقد كان ◙ عند عدم القوت(90) يربط على بطنِه ثلاثة أحجار مِن شدة الجوع والمجاهدة، ولا يتسبَّب في الزَّاد ولا ينظر إليه.
          السَّادس عشر: فيه دليل على أنَّ المرء إذا خرج لتعبُّده أنْ يُعْلِم أهلَه ومَن يلوذ به بموضعِه، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان يخرج إلى الغار وأهله يعلمون بموضعِه، وماذا(91) يريد بخروجِه والحكمة في ذلك / من وجوه:
          الوجه الأوَّل: أنَّه معَرَّضٌ هو(92) وأهله لِمَا يطرأ عليهم مِن الأمراض وغيرها مِن الأعراض، فإذا كان للأهل عِلْمٌ بموضعِه عَلِموا إلى أين يذهبون إليه إذا طرأ شيء مِن ذلك.
          الثَّاني: أنَّ في إخبار الأهل بذلك(93) إدخال سرور(94) عليهم وإزالةً للوسواس(95) عنهم، لأنَّهم يتوقعون مصيره إلى مواضع مختلفة ممكنة فإعلامه لهم بذلك إزالة لِمَا ذكرناه، وإدخال السرور عليهم لكونهم يعلمون أنَّه منقطع للتعبُّد ومشغول(96) به، وفي إدخال السُّرور مِن الأجر والثواب(97) ما قد عُلِم.
          الثَّالث: ما في ذلك مِن الدعوة للأهل والإخوان للتعبُّد وإن كان لم(98) يطلب ذلك منهم، لأنَّ الغالب مِن النفوس الانبعاث لِمَا يتكرر عليها مِن الأمور.
          الرَّابع: أن مَن عرفَه منقطعًا للتعبُّد ومشغولًا به فإن أراد صحبتَه صَحِبَه على ما هو بسبيله مِن غير أن يُدخِل عليه خللًا في طريقه، ومَن أراد غير ذلك لم يَصْحَبه فاستراح منه وزال عنه ما يلحقه مِن التَّشويش(99) في مخالطتِه.
          الوجه(100) السَّابع عشر: فيه دليل على أنَّ الشغل اليسير(101) الضَّروريَّ لا يكون قاطعًا للعبادة، لأنَّها أخبرت أنَّه ◙ كان يخرج إلى التعبُّد اللَّياليَ العديدة، ولم يذكر(102) ذلك في رجوعِه إلى أهله فدلَّ على أنَّ ذلك ضدُّ الكثير(103) وهو اليسير، واليسير مع الكثير في حكم التَّبَعِ ثمَّ رجوعه ثانية إلى التَّعبد دالٌّ على تعلُّق قلبه بالعبادة ما دام في الضرورة التي(104) خرج إليها فهو يعبد مستمرًا(105)، ومثل ذلك المعتكِف(106) يخرج(107) لحاجة الإنسان وشراء القوت وحرمة الاعتكاف عليه ولم يحكم له إلا بأنَّه معتكف متوجِّه، وإن كان يتصرف فيما(108) ذكرناه، يشهد / لِمَا قرَّرناه قوله ◙ : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وذكر فيهم(109): «رَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَسَاجِدِ». فلم يضرَّه خروجُه عنها لتعلُّق قلبه بها وأجزل له هذا الخير العظيم، ولأجل هذا المعنى أخذ أهل الصوفة(110) في عمارة قلوبهم بالحضور(111) والأدب على أيِّ حالة كانوا مِن شغلِ مُباح أو تَخَلٍّ(112)، فلمَّا صَفَتْ بواطنهم(113) تسمَّوا باسم الصُّوفَة(114) مشتَق مِن الصفاء.
          الثَّامن عشر: قولها: (حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ) تريد بَدْءَ الوحي، لأنَّ العرب تسمِّي الشيءَ بمبادئِه، وتسمِّي البعضَ بالكُلِّ والكُلَّ بالبعض.
          التَّاسع عشر: قولها: (فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ) فيه دليل عل جواز التَّورِيَةِ وهي(115) إظهار شيء والمراد غيره. لأن جبريل ◙ كان يَعلَم أنَّ النَّبيَّ صلعم كان لا يقرأ، ولكن قال له ذلك ليتَوصَّل به إلى ما يريد مِن التأديب على ما سيأتي، وكذلك كان(116) النَّبيُّ صلعم يفعل إذا أراد أن يخرج إلى جهة يغزوها أَوْمأَ إلى غيرها إلا في غزوة واحدة لِبُعْدِها، وكذلك فعلت عائشةُ ♦ على ما سَنُبَيِّنُه في حديث الإفْك إن شاء الله تعالى.
          لكنْ يُشتَرط في هذه التَّوْرِية(117) ألَّا يقع للغير به ضررٌ ممنوع شرعًا(118)، لأنَّ جبريل ◙ لم يفعل ذلك وللنَّبيِّ صلعم فيه(119) ضرر، بل كان ذلك مصلحة له على ما يُذكر بَعْدُ، لأنَّه لو كان التأديب بغير سبب لكان ذلك زيادة في النُّفور والوحشة، فانظر مع السبب(120) والتلطُّف في الأدب كيف رجع ◙ يقول: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». ولولا ما جُبل عليه صلعم مِن الشَّجاعة وما مُدَّ به مِن العَوْن ما استطاع على تلقِّي ذلك، لأنَّ / الأمر جليل.
          العشرون: فيه دليل على أنَّ أمر السَّائل إذا كان يحتمل وجهين _أو وجوهًا_ فليجاوب المسؤولُ على الأظهر مِن المحتمَلات(121) ويَتركْ ما عداها، لأنَّه لـمَّا أنْ(122) كان لفظ جبريل ◙ يحتمل طلب القراءة مِن النَّبيِّ صلعم ابتداءً وهو الأظهر، ويحتمل طلبَ القراءة منه لِمَا يُلقَى إليه وهو المقصود في هذا الموضع، لما ظهر بعد إجابة(123) النَّبيِّ صلعم على أظهرِ الوجوه وهو المعهود مِن الفصحاء في تخاطبهم.
          الواحد والعشرون: قوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(124)} [العلق:1 -3].
          فيه دليل لمن ذهب مِن العلماء: أنَّ أوَّلَ الواجبات الإيمانُ دون النظر والاستدلال، وأنَّ النَّظرَ والاستدلال شرطُ كمال لا شَرْطَ صِحَّة، لأنَّ قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]. تَمَّتْ به الفائدة، وحصل به الإيمان المجزي، وقوله بعد ذلك {الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ(125) الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1- 2]. هو طلب النَّظر والاستدلال وهو زيادة كمال الإيمان؛ لأنَّ الأنبياءَ ‰ أكملُ النَّاس إيمانًا، ولم يفرِضِ الله ╡ على النَّاس على أيديهم إلَّا الإيمانَ المجزي، وبقي الكمال يَهُبه الله لمن يشاء مِن أتباعهم. يشهد لِما قرَّرناه قوله ◙ : «أُمْرِتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله...» الحديث، فلم يَطلب منهم إلا النطقَ بكلمة الإخلاص ولم يَشْترط(126) في ذلك نظرًا ولا استدلالًا.
          الثَّاني والعشرون: لقائل أن يقول: لِمَ أُنْزِلت هذه الآية أولًا قبل غيرها مِن آي القرآن؟ أعني: قوله ╡ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:1-3]. / والجواب: أن تقول(127): إن كان ذلك تعبُّدًا فلا بحث، وإن كان ذلك(128) لحكمة فحينئذٍ نحتاج إلى البحث فيها، ومعنى قوله(129): (تَعَبُّدًا) أي: تعبَّدَنا الله بذلك ولم يُطلِعنا على(130) الحكمة فيها، وأمَّا الأمر في نفسه فلا بدَّ فيه مِن حكمة وهو ╡ يعلَمُها، ومَن شاء أطلعَه(131) عليها، وظاهر مسألتنا هذه أنَّها لحكمةِ تُفهَم وتُعْرَف مِن لفظ(132) الآي.
          بيان ذلك: أنَّ هذا الكلام دلَّ بمنطوقه وما يتضمَّن مِن الفوائد على ما تضمَّنَه القرآن إجمالًا، بيانه: أنَّ كلَّ ما كان في القرآن مِن آيات الإيمان والتَّوحيد والتَّنزيه(133) دلَّ عليه مضمون اسم (الرُّبُوبيَّة)، وما كان فيه(134) الأمرُ والنَّهي والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ والنَّدْبُ والإرشادُ والْمُحَكُم(135) والْمُتَشَابِهُ دلَّ عليه مضمون(136) مقتضى حكمة الرُّبوبيَّة، وما كان فيه مِن استدعاء الفكر(137) والنظر والاستدلال وما أشبه ذلك دلَّ عليه متضمَّنُ(138) مقتضى قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1-2].
          وما كان فيه مِن الرحمة والمغفرة والإيناس والإنعام والتَّرجي والإحسان والإباحة(139) وما أشبه ذلك دلَّ عليه متضمَّنُ كرَم الربوبية، فلمَّا كان بعدَ هذا الإجمال أنزلت(140) الآيات بحسب ما احتيج إليها(141) مبيِّنة بالنص لِمَا تَضمَّنه هذا الكلام الجليل مِن الإجمال، فلمَّا كَمُلَت معاني ذلك الإجمال تَبْيِينًا وتفسيرًا قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، أي: ما أَجْمَلْتُ(142) لكم أولًا اليومَ أَكْمَلْتُهُ لكم في التنزيل مُفَصَّلَا؛، لأنَّ متضمَّن الكمال يقتضي قبله إجزاء، والإجزاء هو ما أشرنا إليه مِن الإجمال، فكان(143) الأوَّل مصدِّقًا(144) للثَّاني، والثَّاني مصدِّقًا للأوَّل، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82].
          الثَّالث والعشرون: في الآية شَبَهُ الحال / والإشارة(145) بالتَّسلي للنَّبيِّ صلعم، والصَّبر عند نزول الحوادث، والوعد له بالنَّصر والظَّفر، لأنَّ نسبته ◙ الآن منفردًا في أوَّل أمره(146) كنسبته في خَلْقِه أولًا عَلَقة فالإشارة إلى الامتحان بانتقال العَلَقة بالتطوير حتى رَجَعَ(147) بشرًا، ثمَّ الخروج إلى هذه الدَّار وهي دار المكابدات، فالإخراجُ مقابِلُه(148) الخروج، والتَّطويراتُ مقابِلُها(149) التغييراتُ، والإشارة إلى اللُّطف(150) في إخراجه مِن ظلمة الأحشاء(151) بلا نَصَب ولا أذى وتيسير اللطف له بالغِذاء، مثل إجراء اللَّبن له مِن بين فَرْثٍ ودمٍ بلا تعب ولا عناء، والإشارة إلى النصر(152) والظهور بما رُزِق بعد ذلك الضعف مِن كمال القُوى والعقل والتصرُّف ودفع المضارِّ وجلب المنافع، فلم تضرَّه تلك التطويرات حتى(153) صار أمره إلى هذا(154) الحال.
          فكذلك خروجه ◙ الآن بالضعف، لأنَّه وحيد فيما يأتي به يدعو لشيء(155) لا يُفهم عنه ولا يُعرف للعوائد التي جَرَت بضدِّ ما يدعو إليه، فكأنَّه ╡ يقول له في ضمن ذلك(156) الكلام: لا تهتم لشيء(157) مِن ذلك فإنَّ العاقبة بالنصر(158) لك وبالظفر، يؤيد ما أشرنا إليه قوله تعالى {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ(159) لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29].
          فما سُلِّيَ به بالضمن فيما نحن بسبيله صُرِّح له(160) في هذه الآية؛ لأنَّه(161) ╡ مَثَّله(162) بالزرع الذي يخرج وحدَه أولًا منفردًا(163) ثمَّ أخرج شَطأه أي: أفراخَه، فاستوت(164) الأفراخ والأصل وتلاحقت بالسُّنبُل فنوَّرَت وأينَعت، فأعجبَ الزُّراعَ وأغاظَ الكُفَّار، فسبحان القادر على ما شاء(165) كيف شاء.
          وبهذه الإشارة تعلَّق أهل الصوفة(166) فأخذوا في الاتِّباع في الأقوال والأفعال وفي كل الأحوال، / ولم يلتفتوا إلى ضَعفهم ولم يعرِّجوا على عوائد غيرهم وزادهم على ذلك يقينًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]. فأيقنوا بالنصر، ثمَّ جَدُّوا في الطلب فأُجزِل لهم ما وُعِدوا(167) كما أُجزِل ذلك لنبيِّهم صلعم {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. فانتَبِه إن كنتَ لبيبًا لفهم المعنى الغريب واسلُك الطريق النَّجيب، فإنْ أَبَيْتَ فعند انكشاف غُبار الواقعة يبينُ(168) لك قَدْرُ ما ضيَّعت وفي ما ذا فرَّطت.
          الرَّابع(169) والعشرون: قوله: ((فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ)) يريد أنَّه ضَمَّه إليه حتى بلغَ منه الجَهد، والجَهْدُ عبارة عن شدَّة الغَطِّ والضَّمِّ.
          الخامس والعشرون: فيه دليل على المبالغة في التَّأديب مالم يُؤدِّ ذلك إلى المحظور(170)؛ لأنَّ شدَّة الغطِّ مبالغةٌ في التَّأديب، وقد أمر ◙ بذلك وحضَّ عليه فقال: «لأَنْ يُؤَدِّبَ أَحَدُكُمْ ابْنَهُ خيرٌ لهُ مِنْ أنْ يَتَصَدَّقَ بصاعِ طعامٍ». فجعل ◙ تأديب الابن أعلى مِن الصَّدقة، وهي مِن أفعال البِرِّ بحيث لا يخفى موضعُها وبه يستدلُّ أهل الصوفة(171) على تأديب النَّفس؛ لأنَّها أجَلُّ مِن تأديب الابن، يشهد بذلك(172) قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]. ومجاهدة النفس هو تأديبها، فأورثهم هذا التأدُّبُ(173) الهدايةَ إلى سبل(174) الحق، ولا يؤخذ هذا القَدْر مِن الخير بغيرها مِن أفعال الطاعات، فلمَّا أن كان في التأديب هذا الخير العظيم بُدِئ به النَّبيُّ صلعم على القاعدة(175) التي قرَّرناها وهو أنَّه ◙ بُدِئ في المبادئ بكلِّ(176) حُسنٍ بادئ.
          السَّادس والعشرون: فيه دليل على جواز التأديب مِن المعلِّم للمتعلِّم؛ لأنَّ جبريل ◙ ضمَّ النَّبيَّ صلعم إليه / تأديبًا له حتى يحصل له التأديب(177) لِمَا يُلقَى إليه، لكن يكون التأديب بحَسَب حال الْمُؤدَّب والْمُؤَدِّب له، لأنَّ هذا التَّأديب _أعني تأديبَ جبريلَ ◙ للنَّبيِّ صلعم_ تأديبُ حبيبٍ لمحبوبٍ فكان بالضمِّ والغطِّ، لا بالضَّرْب و الإهانة.
          السَّابع والعشرون: فيه دليل لمن ذهب مِن الفقهاء على أنَّه ليس للمؤدِّب أن يضرب فوق الثَّلاث؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكن له هذا التأديب(178) إلَّا ثلاثًا.
          الثَّامن والعشرون: فيه دليل على أنَّ كتاب الله تعالى لا يُؤخذ إلَّا بِقُوَّة، لأنَّ جبريل ◙ ضمَّ النَّبيَّ صلعم إليه ليتلقى(179) الأمر بالأهبة(180) ويأخذه بِقُوَّة، وقد قال ╡ ليحيى ◙ : {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]. فهناك بالقول، وهنا بالفعل والأمر.
          التَّاسع والعشرون: فيه دليل على أنَّ كلام الله ╡ حين نزوله ثقيل(181)، يشهد لذلك قوله ╡ :{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5]. وشدَّة(182) الغَطِّ هنا تدريج(183) لِحَمْل الثِّقل.
          الثَّلاثون: فيه دليل على(184) اتصال جِرْم الغاطِّ بالْمُغِطِّ وضمِّه إليه يُحْدِثُ له(185) في الباطن قوةً نوريَّة متشعشعةً(186) تكون عَوْنًا على حمَل ما يُلقَى إليه، لأنَّ جبريل ◙ لـمَّا اتصل جِرمُه بذات محمَّدٍ السَّنيَّة حدث له بذلك ما ذكرناه وهو حملُه(187) ما أُلقي إليه ووقوفه لسمع(188) خطاب المَلَك ولم يكن قبلُ(189) له ذلك.
          وقد وجد ذلك أهلُ الميراث مِن أهل الصوفة المتَّبعين المتحقِّقين(190)؛ حتى لقد حُكي عن بعض فضلائهم أنَّه أتاه ناس ينتقدون(191) عليه، وأبى(192) عن إجابتهم وكان بحضرته رجل مِن العوام راعيًا لغنم، فدعاه الشيخ فضمَّهُ إليه(193) ثمَّ قال له: أجِبْ هؤلاء عمَّا سألوا عنه، فأجاب الرجل وأبلغ في الجواب، ثمَّ أوردوا عليه مسائلَ(194) فبقي يُفَصِّلُ(195) / ويَمنع ويُجِيز حتى قَطَعَ مَن حضر(196) مِن الفقهاء في البحث، ثمَّ دعاه الشيخ فضَمَّه إليه فإذا هو قد رجع إلى حاله الأول(197) لا يعرف شيئًا، فقال له(198) الرجل: يا أيُّها السَّيد إنَّ الفقراء إذا وَهَبوا شيئًا لا يرجعون فيه، فقال له: نعم هو كذلك، ولكن ليس لك نسبة في ذلك(199) الشأن ثمَّ بَشَّرَهُ بخير وكان كذلك. فهذا قد وُجِد في ملامسة(200) بشرٍ لبشرٍ(201) وهو وارِث فكيف ملامسة(202) جسد الموروث(203) بجسد الروح الأمين؟.
          الواحد والثلاثون: لقائل أن يقول: قد اختلف العلماء هل البشر أفضل مِن الملائكة أو بالعكس؟ على قولين، فعلى قول مَن يقول: إنَّ(204) البشر أفضل مِن الملائكة فمستحيل أن تحصل القوَّة للأفضل بملامسة المفضول، والجواب(205): إنَّا لا ننظر(206) هنا إلى الأفضلية بالذَّوات وإنَّما ننظر هنا(207) مِن قِبَل المعنى وهي موجودة هنا، لأنَّ جبريل ◙ كان حامِلًا لكلام الله ╡ في ذلك الوقت فحصلت له الفضيلة(208) لأجل ما احتمل، والنَّبيُّ صلعم لم يكن عنده القرآن إذ ذاك، يشهد لهذا ما رُوِيَ(209): ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ أَجْوَدَ النَّاس، وَأَجْوَدُ(210) مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)).
          الثَّاني والثلاثون: فيه دليل لأهل الصوفة(211) حيث يقولون: إنَّ(212) التَّحلِّي لا يكون إلا بعد التَّخلِّي؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم تخلَّى أولًا حتى لم يبقَ من مجهوده غاية، فلمَّا أن كانت تخليته(213) أفضل وأشرف مِن تخلِّي غيره _والبشر قاصر عن التَّخلي_ لمَّا(214) ضَمَّه جبريل ◙ حتى حصل له تخليًا مِن نسبة ذلك التخلي(215)، ولذلك قال: (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي(216) الجَهْدَ) لأن التخلِّي(217) هو ضَمُّهُ إليه حتى بلغ مِن / مجاهدة النفس الغاية. والتَّحلِّي(218) هو إلقاء الوحي إليه، وهذا(219) دليل على ما قدَّمناه وهو أنَّ مَن دخل في الطريق بالتربية والتدريج أفضل ممن لم يكن له ذلك.
          إذ هذا(220) تربية وتدريج للنَّبيِّ صلعم، فما كان ◙ يَرْقَى(221) إلى مقام حتى يُحكِم أدب الأوَّل ويَفْهَم معناه وما احتوى عليه مِن الفوائد، ولأجل هذا المعنى الذي أشرنا إليه كان النَّاس أبدًا ينتفعون على يد مَن كان مربِّيًا، وقليل مَن ينتفع على يد(222) مَن كان دخوله بغير ذلك.
          الثَّالث والثلاثون:
          لقائل أن يقول لِمَ كان الغطُّ(223) ثلاثًا ولم يكن أقلَّ ولا أكثرَ؟ والجواب مِن وجهين:
          (الأوَّل): أنَّ البشرية فيها عوالم مختلفة فمنها العقل ومُوافِقُه وهو الـمَلَك، ومنها النَّفس والطَّبع والشَّيطان ومُوافِقُهم وهو الهوى والغفلة والعادة المذمومة وهي(224) أشدُّها لقول الأمم الماضية: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22]. فلم يجدوا حُجَّة إلَّا بالعادة الجارية فيهم وفي آبائهم.
          وقد قالت الأطباء: إنَّ(225) العادةَ طَبْعٌ خامس فكانت الثلاثُ غطَّات مُذهِبةً لتلك الخصال الثلاث(226) وموافقيها(227) وبقي(228) العقل والـمَلَك اللذان(229) هما قابلان للحقِّ والنور، وإنْ كان النَّبيُّ صلعم خُلِقَت(230) ذاتُه المكرَّمة على الطهارة ابتداءً ونُزِعَتْ(231) مِن قلبِه عَلَقةُ الشَّيطان وأُعِيْنَ على شيطانه حتى أسلم، وجُبِل على كلِّ خير ومَكْرُمة(232) لكن هذه الثلاثَ غطَّاتٍ مقابِلةٌ لتلك الثلاث أن(233) لو كانت هناك، لأنَّها مِن أوصاف البشرية وهو ◙ المشرِّع(234).
          ومثل ذلك قوله ╡ : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]. وثيابه ◙ كانت طاهرة على كل التَّأويلات لكنَّ هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وترَقِّيها، وهو ◙ الأصل لكلِّ خير(235) / والمشرِّع له فَعُومِلَ على ما تقتضيه(236) البشرية(237) لهذا المعنى.
          (الوجه(238) الثَّاني): أنَّ الإيمان على ثلاث مراتب: إيمان وإسلام وإحسان، فكانت الثلاث غطَّاتٍ مبالغةً في التَّخلِّي(239)، كل درجة في التَّخلِّي(240) مقابلتها درجة في التَّحلِّي(241) حتى كمُل(242) أعلى الإيمان وهو الإحسان؛ لأنَّ(243) مِن ضرورات الأنبياء ‰ أنْ يكون إيمانهم أقوى مِن إيمان أتباعهم، لأنَّ مقامهم أجلُّ وأرفع(244).
          الرَّابع والثلاثون: فيه دليل على أنَّ التَّخلِّي(245) على ضربين: مكتسَب وفيض من الله سبحانه، فالمكتَسَب مثل ما تقدَّم عن النَّبيِّ صلعم في الخَلوة في الغار والتَّحنُّث فيه، والفيض: هو ما نحن بسبيله مِن الغطِّ والضمِّ. فقد يكون مِن السَّالكين مِن(246) تخلِّيه(247) بالكسب لا غير، وقد يكون تخلِّيه(248) بالفيض لا غير، مثل إبراهيم بن أَدْهمَ و الفُضَيْل بن عياض(249) وغيرهما، وقد يُجمع لبعضهم بين الحالتين فيَكْتَسِب ويُفاض عليه كما فُعِل للنَّبيِّ صلعم وكثيرٌ(250) ما هُم، وهو فضل الله يؤتيه مَن يشاء.
          الخامس والثلاثون: قول جبريل ◙ للنَّبيِّ صلعم : {اقْرَأْ(251) بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]. يريد اذكر اسمَ ربك.
          وفيه دليل على أنَّ الإنسان إنَّما يخاطَب أولًا بما(252) يَعْرِف أنَّه يصل إلى فهمِه بسرعة مِن غير مشقَّة ولا بحث(253) يحتاج إليه، لأنَّ الله ╡ قد(254) أحال نبيَّه ◙ أولًا على(255) أن ينظر في خَلْق نفسه بقوله ╡ : {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2]. ولم يقُل له: الذي خلق السماوات والأرض والأفلاك وغير ذلك، وإنَّما قال له ذلك بعد ما تقرَّر له خَلْق نفسه وما هو عليه، وجعل له(256) مِن المادَّة الإلهيَّة ما يتسلَّط به على ذلك.
          السَّادس والثلاثون: فيه دليل على أنَّ الفكرة أفضل الأعمال، لأنَّ في ضمن قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2]. /
           ما(257) يستدعي الفكرة فيما قيل حتى يحصلَ للمخاطَب بذلك علمٌ قطعي وإيمان صادق، وليس الإيمان به والتَّصديق بعد الفكرة كالإيمان به(258) بديهة، ولهذا المعنى أشار ◙ بقوله: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادةِ سَنَةٍ». وفي رواية: ((خَيْرٌ مِنْ عِبَادةِ الدَّهْرِ))؛ لأنَّ المرء إذا تفكر قوِيَ إيمانه وبان له الحقُّ واتَّضَح، وبقدر تعمُّقِه في الفكرة يَقْوَى الإيمان، ولهذا المعنى قال بعض الفضلاء: أنا أوصيك بأن(259) تديم النظر في مرآة الفكرة مع الخلوة فهناك يَبِينُ(260) لك الحقُّ.
          السَّابع والثلاثون: فيه دليل على أنَّ المتفكِّر إذا تفكَّر في عظمة الله وجلاله فينبغي(261) أن يتفكَّر عقيب(262) ذلك في عفو الله وكرمِه وإحسانِه؛ لأنَّ قوله(263) ╡ : {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2]. معناه ما تقدَّم(264) وهو استدعاء الفكرة فيما نصَّ عليه وذلك يقتضي العظمة والإجلال، ثمَّ قال ╡ بعد ذلك: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(265)} [العلق:3]. وهذا الاسم يتضمَّن معاني الأسماء كلِّها الموجبة لِلُّطْف(266) والإحسان، نسأل الله بِمَنَّه أن يعاملنا بمقتضى متضمَّنِه. والحكمة في منع التفكُّر(267) في عظمة الله دون ما يُضادُّها أنَّ المتفكِّر إذا تفكَّر فيها وحدَها قد يُخاف عليه لئلَّا يذهب به الخوف إلى بحر التَّلف، وهو القنط، فإذا أعقبه بالتفكُّر في مقتضى الرحمة والإحسان أَمِنَ مِن(268) ذلك.
          الثَّامن والثلاثون: فيه دليل على أنَّ مَن أصابه أمر(269) فله أن يتداوى بحسَب ما اعتاد ما لم يكن فيه حرام؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا أنْ أصابه الرُّعب رجَع إلى ما اعتاد مِن التَّدثير، يقول: (زَمِّلُونِي)(270)، وقد قال ◙ (271): «تُدَاوَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا اعْتَادَتْ».
          التَّاسع والثلاثون: قولها (فَرَجَعَ بها رَسُولُ اللهِ صلعم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ) رجع(272) بها: بمعنى حَفِظها. فظهرت هنا(273) ابتداء فوائدُ الغَطِّ(274) لسرعة الحفظ لما أُلقي إليه، والرَّجْف: / كناية عمَّا لحقه ◙ مِن الخوف والوَجَلِ، والفؤاد: كناية عن باطن القلب، لأنَّ الخوف(275) والفرح فيه.
          الأربعون: قولها: (فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ) فيه دليل على(276) أنَّ الاختصار في الكلام هو المطلوب وأنَّه هو الأولى، لأنَّها ذكرت خَبَره مع المَلَك، فأعادت(277) الضمير عليه ولم تَحْتَج إلى إطالة(278) الكلام بإعادة ذكر الملَك ثانية وهو مِن فصيح كلام العرب.
          الواحد والأربعون: قوله ◙ : ((لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)). خشيَتُه ◙ هنا تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون خشيتُه مِن الوَعْك(279) الذي أصابَه مِن قِبل المَلَك، فخشي أن يُقيم(280) بالمرض مِن أجل ذلك. الثَّاني: أن تكون خشيته ◙ مِن الكهانة وهو الأظهر؛ لأنَّه ◙ كان يُبغض الكَهَنة وأفعالَهم، فلمَّا جاءه الملَك ولم يصرِّح له بعدُ بأنَّه(281) نبيٌّ أو رسول، لأنَّه قال له(282): {اقْرَأْ} [العلق:1]. وتلا عليه الآية. وليس في ذلك ما يدلُّ على أنَّه نبي أو رسول خشِي ◙ إذ ذاك أن يُصيبَه مِن الكهانة شيءٌ. لأنَّها كانت في زمانه كثيرة، وهذا منه ◙ كثرةُ مبالغةٍ في الاجتهاد وتمحيصٌ في الأفعال؛ لأنَّه قد صحَّ أنَّ الحَجَرَ كان يخاطبه قبل ذلك ويشهد له بالرسالة والمدَر والشجَر كذلك.
          وقد أخبرَه بعض(283) الرُّهبان بذلك لكن بعد هذا كله لـمَّا أنْ أصابه ◙ هذا الأمر، وهو محتملٌ لوجهين: أحدهما ضعيف والآخر قويٌّ بتلك الأدلة التي ظهرت له قبل، لم(284) يترك الوجه المحتَمَل وإن كان ضعيفًا حتى تحقق(285) بطلانه بيقين(286).
          وبه يستدلُّ أهل الصوفة(287) في الواقع إذا وقع لهم محتمل لوجهين(288) أو وجوه، واحدها(289) يُخاف منه والوجوه الأُخَرُ مِن المبشِّرات أنَّهم يبحثون على(290) الشيء الذي يخافون(291) منه، / وإن كان ضعيفًا بالنِّسبة إلى غيره، يشهد لِمَا قرَّرناه مِن أنَّ النَّبيَّ صلعم كانت خشيته مِن الكهانة جوابُ خديجة له(292) بذلك، و كيف رفعَته إلى وَرَقَةَ فلو كانت خشيتُه ◙ مِن المرض لَمَا كان جواب خديجة إليه بتلك الألفاظ ولَمَا احتاج أن يبثَّ خبرَه ◙ لِوَرَقَةَ.
          الثَّاني والأربعون: قول خديجة(293) له ◙ : (كَلَّا وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ) فيه دليل على أنَّ مَن طُبِع على أفعال الخير لا يُصيبُه مكروه، هذا إذا كان ذلك طبْعًا، وأمَّا مَن لم يكن له ذلك طبعًا وكان يستعملها فيُرجَى(294) له ما دام يفعلها أنْ لا يُصيبَه مكروه، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لَمَّا أنْ طُبِع على تلك الأوصاف الحميدة حُكِم له بأنَّه لا يُصيبه مكروه للعادة التي أجراها الله تعالى لمن كان ذلك حالَه. وقد قال ╕: «مَصَانِعُ(295) الْمَعْرُوفِ تَقِي(296) مَصَارعَ السُّوءِ».
          الثَّالث والأربعون: فيه دليل على جواز الحكم بالعادة لكنَّ ذلك بشرط يُشترط(297) فيها وهو أن لا يقع بذلك خلَل في الأمر والنَّهي، لأنَّ خديجة ♦ حكَمت بما أجرى الله مِن العادة(298) فيما ادَّعته ولم يعارض ذلك شيء مما ذكرناه.
          الرَّابع والأربعون: فيه دليل على أنَّ للمرء أن يحلف على عادة أجراها الله ╡ لعباده، لأنَّ خديجة ♦ حلَفت على ما تقدَّم ذكره.
          الخامس والأربعون: فيه دليل على أنَّ المرء(299) إذا أصابَه أمر مهمٌّ فله أن يُحَدِّثَ بذلك أهله ومَن يَعْتَقِدُ مِن أصحابه إذا كانوا ذا(300) دين ونَظَر، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لَمَّا أنْ وقع له ما وقع حدَّث به خديجة ♦ وهي في الدِّين والنَّظر السَّديد(301) والعقل الرَّشيد بحيث لا يخفى. /
           السَّادس والأربعون: فيه دليل على أنَّ مَنِ ادَّعى شيئًا فعليه أنْ يأتي بالدليل على صِدق دَعواه، وإنْ كانت تشهد له أدلةُ على مقاله(302)، وله بما(303)يستدلُّ به زائدًا على تلك الأدلَّة فليأْتِ به أولًا(304) ليقوى ما ادَّعاه وإن كان صادقًا في نفسه مصدَّقًا عند غيره، لأنَّ خديجة ♦ كانت في الصِّدق والتَّحرِّي حيث كانت، وكانَ النَّبيُّ صلعم في تصديقها حيث كان على ما تقرَّرَ(305) مِن أحوالهم وعُلِم، ولكن بعد(306) ذلك كلِّه لمَّا أنْ قالت للنَّبيِّ صلعم : (وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا) لم تقتصر على ما ادَّعته حتى(307) أتتْ له بالأدلة التي هي سبب ما أخبرت به مِن محامِده ◙ ومآثره، ثمَّ لم تُقْنِعها(308) تلك الأدلة(309) حتى(310) ذهبت معه إلى وَرَقَةَ نُصرةً لدعواها(311) حتى أثبتت ما ادعته بغير شكٍّ ولا احتمال.
          السَّابع والأربعون: فيه دليل على أنَّ المرء إذا وقع له(312) واقع أنْ يسأل عنه أهل العلم والنُّهى، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا أن وقع له ما وقع ذهب إلى وَرَقَةَ الذي هو أعلمُ أهلِ زمانه وأفضلُهم بعدَ النَّبيِّ صلعم.
          الثَّامن والأربعون: فيه دليل على جواز خروج المرأة مع زوجها، لأنَّ النَّبيَّ صلعم خرج مع خديجة ♦ إلى ورقة. وقد رُوي عنه ◙ (أنَّه خَرَج مع(313) عِيالهِ بِلَيْلٍ بعدَ الرسالة فَلَقِيه بعضُ الصَّحابة فقال لهم:(314) «إنَّها سَوْدة(315)» لكن ذلك بشرط يُشْتَرط(316) فيه وهو أن يكون فيما أباحته الشريعة وعلى(317) ما تقتضيه الشريعة(318) مِن السِّتْر وغير ذلك.
          التَّاسع والأربعون: فيه دليل على أنَّ مَن وَصَف امرأً فلا يزيد على ما فيه مِن الصِّفات(319) الحميدة شيئًا، لأنَّ خديجة(320) ♦ أخبرت عن وَرَقَةَ بما كان فيه مِن المحامد ولم تزد عليها.
          الخمسون: / فيه دليل على أنَّ أهل الفضل والسُّؤدَدِ إذا استشاروا امرأً(321) في شيء أن يبادر المستشار(322) في عَوْنهم ومشاركتهم، لأنَّ خديجة ♦ بادرت إلى الخروج مع النَّبيِّ صلعم حين استشارها مِن غير أنْ تقول له: امضِ إلى فلان.
          الواحد والخمسون: فيه دليلٌ على أنَّ المرء إذا تعرَّضت له حاجة عند أهل الفضل فالسنَّة فيه أن يُقدِّم عليهم(323) مَن يُدِلُّ عليهم إن وَجَد ذلك، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يمضِ وحدَه لِوَرَقَةَ وإنَّما مضى مع خديجة ♦ التي هي مِن قرابة وَرَقة.
          الثَّاني والخمسون: فيه دليل على أنَّ مَن كان سفيرًا بين(324) أهل الفضل أنْ يتحرَّز في كلامه بينهم(325) ويُعطي لكلِّ واحد منهم مرتبتَه ومنزلتَهُ، لأنَّ خديجة ♦ قالت لورقة: (اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ) تحرُّزًا منها على منزلة النَّبيِّ صلعم لئلَّا تُخِلَّ بمنصبِه؛ لأنَّ العرب تقول لمن فوقها (أب) ولمن هو مثلها (أخ) ولمن هو دونها (ابن) فاستعملت هي (ابن الأخ)؛ لأنَّه أعزُّ للنَّبيِّ صلعم فإنَّها لو قالت: «ابن» لكان يقتضي ترفيع المسمَّى بالأب على المسمَّى بالابن؛ لأنَّ البنوَّة أخفض رتبةً من منصب(326) الأبوَّة، ولو قالَت «أخ» لم يكن ذلك حقًّا(327)؛ لأنَّ الأخوَّة تقتضي المماثلة في السِّنِّ(328) على عادة العرب، فأعطتْ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه وتحرَّزت في لفظها، لأنَّ العرب كانت عادتهم في الخطاب لمن يَكرُم عليهم وهو صغير في السنِّ ينادونَه: يا ابن(329) الأخ؛ لأنَّ العمَّ ليس له حقٌّ على ابن أخيه مثل ابنه.
          الثَّالث والخمسون: فيه دَليل على أنَّ(330) التقدُّم(331) في الكلام على(332) أهل الفضل نيابةً عنْهم(333) وترفيعًا(334) لهم، لأنَّ خديجة ♦ بادرت في الكلام لورقة قبلَ النَّبيِّ صلعم خدمةً له وتكريمًا.
          الرَّابع / والخمسون: فيه دليل على أنَّ الواقع إذا وقع لامرئ فهو(335) أَوْلَى أن يحدِّث به للعالِم مِن غيره، لأنَّ خديجة ♦ قالت لورقة: (اِسمعْ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ) وقد كان النَّبيُّ صلعم حدَّثها بالواقع فلم تُحدِّث به وأحالت على صاحب القصَّة(336).
          الخامس والخمسون: قول(337) وَرَقةَ: (هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ(338) اللهُ عَلَى مُوسَى) النَّاموس عند العرب هو داسوس(339) الخير أي: صاحب سرِّ الخير، والجَاسوس(340) بضدِّه أي: صاحب سرِّ الشرِّ، وفي هذا دليل للوجه الذي قدمناه، وهو الحكم بالعادة التي أجراها الله ╡ لعباده، وأن يُحلَف عليها، لأنَّ ورقة إنَّما أخبر بأنَّ الآتي هو الْمَلَك لـمـَّا أن ذُكِرت له الصفات والعلامات إلا(341) لمِا يَعْهَد مِن عادة الله ╡ أنَّه(342) لا يرسله إلا للنَّبيِّينَ والمرسلين(343).
          السَّادس والخمسون: فيه دليل على أنَّ للإنسان أنْ يتمنَّى الخيرَ لنفسِه، لأنَّ وَرَقَةَ تمنَّى أن يكون جَذَعًا في زمان إرسال النَّبيِّ صلعم فينصُرَه، والجَذَعُ عند العرب هو الشَّاب(344).
          وقد اختلف العلماء في إيمان ورقة، فمِن قائل يقول: لم(345) يحصل له الإيمان بعد؛ لأنَّه لم يبلغ عمرُه زمنَ الرسالة. ومِن قائل يقول: قد حصل له الإيمان(346) وهو الأظهر؛ لأنَّه تمنَّى أن ينصُرَ النَّبيَّ صلعم، ومِن جملة النُّصرة أن يكون على طريقتِه وقد حصل له الإقرار بالرِّسالة حيث قال: (هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ(347) اللهُ عَلَى مُوسَى) فأقرَّ أنَّ الله ╡ موجودٌ، وأنَّه هو الذي يُرسِل جبريل ◙ إلى أنبيائه ‰، وهذا هو الذي يُمْكِنه في ذلك الوقت؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكن أُرسِل بعد.
          السَّابع والخمسون: فيه دليل على أنَّ العالِمَ بالشيء يعرف مآلَه على جَرْي العادة، / فله أنْ يَحكم بالمآل إذا رأى المبادئ(348). لأنَّ ورقة لـمَّا أنْ عَلِم أنَّ النَّبيَّ صلعم أُرسِل إليه(349) عَلِم أنَّه لا بدَّ له مِن أن يُخرَج، فبصدقِ المبادئ(350) عَلِمَ حقيقة التَّناهي، لأنَّ تلك عادةٌ(351) أجراها الله ╡ لم تختلف في أحدٍ من رسلِه على ما ذُكِر، وفي هذا دليل لِمَا قدَّمناه(352) مِن الحُكم بالعادة على الشرط الذي ذكرناه.
          الثَّامن والخمسون: قوله ◙ : (أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟) تعجبًا منه ◙ لكونه مِن أشرفهِم وأفضلِهم وهم يحترمونَه ويُقرُّون له بالفضل والسُّؤدَد حتى إنَّه كان اسمه عندهم _الصَّادق الأمين_ ثمَّ مع ذلك إذا جاءهم بالحقِّ والنُّور يُخرِجونَه، فوقع منه ◙ التعجُّب على ما يقتضيه العقل والنَّظر والقياس، وهو أنَّ مَن كان رفيعًا وأتى بزيادة في ترفعه(353) يُزَادُ له في الترفيع(354) والحُرْمة(355)، ولم يكن ◙ ليعلم العادة المستمرَّة وهو أنَّ كلَّ مَا أتى للنفوس بغير ما تحبُّ(356) وما تألَف وإن كان ممَّن يحَبُّ ويُعتَقَد(357) تعافه وتطرده، وقد قال ╡ حكاية عنهم:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:33].
          التَّاسع والخمسون: فيه دليل على أنَّ التَّجربة تُحدِث عِلمًا زائدًا على العلوم لا يُلحَق بالعقل ولا بالنظر ولا بالقياس(358)، لأنَّ النَّبيَّ صلعم اقتضى نظره ما قدَّمناه(359) لكونه أَطْرَدَ(360) الحُكمَ وقاسَ عليه على الوجه الذي أبديناه، وورقة أخبرَ بما جرت به العادة وأفادته التَّجربة(361) ولذلك قال له: (لَمْ يَأْتِ أحدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ(362) بِهِ إِلَّا عُودِيَ) موافقةً منه للنَّبيِّ صلعم على مقتضى العقل والنظر والقياس، وبيانًا(363) للحُكْم بما جرت به العادة وأفادته(364) التجربة، ولأجل هذا المعنى أوصى لقمان ابنه(365) بذلك فقال له: ((يابنيَّ عليك بذوي(366) / التَّجارِب)).
          السِّتُّون: قولها: (ثمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ) تريد: أنَّ وَرَقَةَ لم تَطُل حياته لوقت الرِّسالة بل اخـتَرَمَتْه المنيَّة قبلها.
          الواحد والستُّون: قولها: (وَفَتَرَ الوَحْيُ) تريد: أنَّ الوحي أبطأ بعد هذه المرَّة(367)، والحِكْمة في إبطائِه(368) أن النَّبيَّ صلعم قد حصلت له رَوْعة أولًا عند نزول الملك عليه على ما تقدَّم، فكان الإبطاء بعد ذلك لكي يتهدَّأ(369) ◙ مِن رَوعته وتبقى نفسُه المكرَّمة(370) متشوِّفَةً لمثله، كما روي عنه ◙ (371) حين أبطأ الوحي عنه كَثُر اشتياقُه(372) إلى عَودِهِ حتى لقد كان يَرُومُ أن يلقيَ بنفسه مِن شواهق الجبال.
          الثَّاني والستُّون: قوله ◙ : (فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الملَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) هذا إظهارُ قدرة مِن قدر(373) الله ╡ : {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(374)}[يس:82]. فكما(375) جعل ╡ الأرض لبني آدم يتصرَّفون فيها كيف شاؤوا، فكذلك(376) جعل الهواء للملائكة يتصرَّفون فيه كيف شاؤوا، فالذي أمسك(377) الأرض بمن يمشي عليها هو المُمْسك(378) للهواء ومَن يمشي عليه، ليس في قدرته عِلَّةٌ لمعلول، لكنَّ ذلك مغطَّى عن الأبصار(379)، وإنَّما أُريَ ذلك للنَّبيِّ صلعم تربيةً له وترقِّيًا ليتقوَّى الإيمان(380) واليقين فيرجع له علم اليقين عينَ يقين، وكذلك(381) خرق العادة(382) للمبارَكين أصحاب الميراث إذا رأوا منها شيئًا قويَ إيمانُهم وازداد يقينهم(383) وكان ذلك تربيةً لهم وترقيًا في مقامات الولاية.
          الثَّالث والستُّون: قوله ╡ : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1]. إنَّما سَمَّاه ╡ بذلك(384) مِن جهة الإيناس له واللُّطف به، لأنَّ عادة العرب لا تُسمِّي(385) الإنسان بحالتِه التي هو فيها إلَّا ِمن جهة الإيناس / واللُّطف(386)، ومنه قوله ◙ لعليٍّ ☺(387): «قُمْ أَبَا تُرَابٍ» لأنَّه كان في وقته ذلك مضطجعًا على الأرض فسمَّاه بذلك مِن جهة اللُّطف والايناس.
          الرَّابع والستُّون: فيه دليل على أنَّه ◙ أُمِر بالإنذار حين نزول(388) الوحي عليه مِن غير تراخٍ في ذلك ولا بُطءٍ(389)، لأنَّه أتى بالفاء في قوله: {فَأَنْذِرْ} [المدثر:2] وذلك يفيد التَّعقيب والتَّسبيب(390).
          الخامس والستُّون: لقائل أن يقول(391): النَّبيُّ صلعم قد أُرسل بشيرًا ونذيرًا فَلِمَ أُمِر في هذه الآية بالإنذار دون البشارة؟ والجواب: أنَّه إنَّما أُمِر بالإنذار أولًا، لأنَّ البشارة لا تكون إلَّا لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك مَن دخل فيه، وفيه دليل(392) لِمَا قدَّمناه مِن أنَّ خشية النَّبيِّ صلعم كانت مِن الكِهانة، لأنَّه طالما بقي له ◙ الاحتمال الذي ذكرناه بقي على خشيته ورَوْعِهِ(393) فلـمـَّا أن صُرِّحَ له بالرِّسالة وأُمِر بالإنذار زال عنه ذلك فقام ◙ مِن حينه مسرعًا للأمرِ ليس به بأس.
          السَّادس والستُّون: قوله ╡ : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]. قد اختلف العلماء في معناه فمِن قائل يقول: المراد به القلبُ، ومِن قائل يقول: المراد به الثِّيابُ التي تُلبَس(394) وهذا هو الأظهر والله أعلم؛ لأنَّه قال بعد ذلك: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]. ومعناه: طهِّر قلبك مِن الرُّجْز. والرُّجْزُ هو الأصنام وغير ذلك ممَّا كانت العرب تعبده، فإذا حملنا قوله ╡ : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]. على القلب(395) فيكون التَّطهير يعود على القلب مرَّتين، وليس مِن الفصيح.
          فإن قال قائل: يكون بمعنى التأكيد. قيل له(396): القاعدة في ألفاظ الكتاب والحديث أنَّه مهما أمكن حملها على كثرة الفوائد كان أولى مِن الاقتصار على بعضها(397)، ولا يُقتصَر على بعض الفوائد الذي يَدلُّ(398) عليها اللفظ ويُترَك بعضُها إلَّا لمعارض لها، وههنا ليس لنا(399) معارض في الحمل على الفائدتَين المتقدِّمتَين.
          بيان ذلك / أنَّ هذا الخطاب كله ظاهره(400) للنَّبيِّ صلعم والمراد أمته(401)، لأنَّه ◙ كانَ طاهرًا مُطهَّرًا خُلِقَ على ذلك ورُبِّي فيه وطُبع عليه، ولكنْ يدخل ◙ في الخطاب مع أمَّته مِن قِبَل أن(402) كان يفعله أولًا على الندب، أعني ما أُمِر به الآن مِن التَّعبد، ثمَّ صار الآن على الوجوب كالصبيِّ يُصلِّي أول النهار على الندب ثمَّ يُصلِّي آخره على الوجوب إذا بلغَ مِن يومه.
          السَّابع والستُّون: قوله ╡ : {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6]. وقد(403) اختلف العلماء في معناه: فمِن قائل يقول: معناه لا تُبطِل صدقَتَك(404) بالمنِّ، ومنه قوله ╡ : {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264]. ومِن قائل يقول: معناه(405) لا تَمْنُنْ بكثرة العمل(406) فتكسَلَ عن العبادة، ومِن قائل يقول: معناه(407) لا تُعْطِ الهديَّةَ لِتُثابَ(408) عليها، وهذا كلُّه جارٍ على القاعدة التي قرَّرناها وهو أن الخطاب للأمة وهو ◙ المتلقِّي للخطاب والعموم يشمل الكلَّ على ما بيَّناه(409).
          الثَّامن والستُّون: فيه دليل لأهل الصوفة(410) في قولهم باستصحاب العمل وترك الالتفات ودوام الإقبال والحضور والعمل، لأن النظر إلى كثرة العمل يحدِث الكسل كما قد تقدم(411) فكيف به إذا كان النظر لغير العمل. ومنه قولهم: الوقت سيف، يريدون به اقطع الوقت بالعمل لئلَّا يقطعك بالتَّسويف، ولأنَّ الالتفات للحظوظ وكثرة العمل وغير ذلك هلاك، والسَّالك إذا التفت إلى الهالك(412) كان هالكًا.
          التَّاسع والستُّون: قوله ╡ : {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7]. معناه: اصبر على عبادة ربِّك، ومنه قوله ╡ : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]. لأنَّ الشأن في العبادة الدَّوامُ والصَّبرُ عليها(413) ولهذا المعنى(414): ((كانَ ◙ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وواظبَ عليه)).
          السبعون: قد اختلف العلماء في هاتَيْنِ الآيتينِ أيَّتُهما أُنْزِلَتْ قبل صاحبتها بعد اتفاقهم على أنَّهما(415) / أوَّلُ ما نزل مِن القرآن _أعني آية (المدَّثِّر) وآية (اقرأ)_ فمِن قائل يقول: آية المدَّثِّر، ومِن قائل يقول: آية اقرأ، وكلاهما والله أعلم حقٌّ(416)، لأنَّه يمكن الجمع بينهما بأن(417) يقال: أول ما نزل مِن التَّنزيل آية (اقرأ)، وأوَّل ما نزل مِن الأمر بالإنذار في التَّنزيل آية (المدَّثِّر).
          ومثله قوله ◙ : ((أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بهِ العبدُ الصَّلاة)). وقوله ◙ : ((أولُ ما يُقْضَى فيهِ(418) الدِّمَاء)). وهذان أيضًا حديثان متعارضان ويمكن الجمع بينهما على ما قرَّرناه في الجمع بين الآيتين، وهو أن يقال: أول ما يُحَاسَب(419) به العبد مِن الفرائض البدنيَّة: الصَّلاة، وأول(420) ما يحكم فيه مِن(421) المظالم التي بين العباد في الدِّماء، فصحَّ الجمع بين الآيتين والحديثين بهذا(422) الذي ذكرناه والله أعلم.
          الواحد والسبعون: قولها: (فَحَمِيَ الوَحْيُ وتَتَابَعَ) تريد: أنَّه كثرُ نزولُه بعد نزول هذه الآية ولم(423) ينقطع. ولقائل أن يقول: لِمَ عَبَّرَتْ عن تتابع(424) نزول الوحي بهذا اللفظ ولم تُعَبِّرْ بغيره؟
          والجواب: أنَّه إنَّما عَبَّرَتْ بذلك تتميمًا منها للتمثيل(425) الذي مثَّلَت(426) به أولًا وهو كونها جعلت الْمَرَائِي التي(427) قبل الرِّسالة مِن الرِّسالة، وهي منها على ما تقدَّم بنسبة(428) المرائي إلى الرِّسالة كنسبة انصداع الفجر مع طلوع الشَّمس كما تقدَّم أول الحديث، لأنَّ الحقَّ إذا بَدَا يزيد ولا ينقص فكذلك(429) انتشارها وكثرة ظهورها _أعني الرِّسالة_ كتمكُّن الشَّمس في ارتفاعها وظهور نورها وكثرة حَرِّها، لأنَّ ضوء(430) الشمس لا يشتدُّ ويتمكَّنُ(431) إلَّا مع قوَّة حَرِّها عند استوائها، ولذلك قالت: (فَحَمِيَ الوحيُ وتَتَابَعَ) أي: حمِيَ وتتابع على مقتضى تلك الزيادة ولم ينقص(432)، لأنَّها شبَّهت بالشمس(433)، والشمس إذا استوت في كبد السَّماء أخذت في الفَيْءِ وقلَّ حَرُّها، والحرُّ هنا عبارة عما(434) تضمَّنه التَّنزيل مِن النور والهدى فتحرَّزت بقولها: (وتتابع) لئلَّا يمثَّل(435) بالشمس مِن كل الجهات، لأنَّ الشمس يلحقها الأفول والكسوف / وما أشبه ذلك(436)، فأفاد لفظها أنَّ النُّور والكمال وتوالي(437) البيان والمنافع بقي على الحال الذي أبدَتْه وشبَّهت به لم يلحَقه نقص بعد ذلك.
          وفي هذا المعنى دليل لأهل الصوفة(438) حيث يقولون: شمس كلِّ مقام بحسب حاله، لأنَّ شمس النَّبيِّ صلعم نزول القرآن عليه ثم كذلك بتلك النِّسبة في الوارثين له، فشمس(439) المريد: علمُه(440)، وشمس الصِّدِّيق معرفتُه. وكلُّ(441) مقام شمسُه بحسب حاله، فاحذر مِن رياح طبعك أن تثير(442) سحائب شهوتك فتغطي(443) على شمس حالك فتوجب(444) زَلَّة قَدَمك فتدخلَ(445) في ضمن قوله ◙ : «لا يختلسُ الخَلْسَة حينَ يَختلسُها وهو مؤمن» أي: كامل الإيمان، لأنَّ(446) تغطية نور الإيمان نقص فيه، أعاذنا الله مِن نقصِه وأدام لنا كماله حتى يقبضنا به إليه بمنَّهِ، وصلى الله على محمَّد وآله وسلم(447).


[1] قوله: ((حديث بدء الوحي)) ليس في (م) و (ل).
[2] فانظر إلى هذا الإعجاز العظيم الذي في كلام المولى سبحانه، لفظةٌ واحدة جمعت كلَّ ما ذكرناه مِن الكتب وكلام الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعلى ما استنبطت العلماء مِن ذلك ممَّا لا تلحق له عقولنا {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً}[النساء: 82])).
[3] في (ف) و (م) و(ل): ((كثيرة من أحكام)).
[4] في (ل) و(م) و(ف) و(ج): ((ومعرفة بقواعد جملة))، وفي (المطبوع): ((ومعرفة بقواعد جَمَّةٍ)).
[5] قوله: ((ومعرفة بالسلوك والترقي في المقامات)) ليس في (م).
[6] في (ل): ((وتحصل)).
[7] في (ج) و (ف) و (ل): ((تتشوق)).
[8] في (ل): ((لابداء)).
[9] في (ف): ((والحالة هذه)).
[10] قوله: ((◙)) من (ف).
[11] في (ف): ((حدَّث)).
[12] في (ف) و (م) و (ل): ((وأخذ)).
[13] قوله: ((عليها)) في (ل): مكانه حك.
[14] في (ف): ((وفَّق)).
[15] قوله: ((إنَّ)) ليس في (ف).
[16] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((إليه)).
[17] زاد في (ف): ((وما)).
[18] ظاهر الحديث يدلُّ على الإنذار للقرابة خصوصًا، والكلام عليه من وجوه: الأوَّل: لقائلٍ أن يقول: لم أمر ╡ بالإنذار للقرابة دون غيرهم؟ الجواب عنه: أنَّ الله ╡ قد أمر بالإنذار للقرابة تخصيصاً لهم وتكريمًا، ومنه قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98]، فخصَّص ذكر جبريل وميكائيل لشرفهما، وكذلك تخصيص القرابة هنا من هذا الوجه والله أعلم)).
[19] قوله: ((على قدر ما رآه ◙ سواء بسواء)) ليس في (م).
[20] زاد في (ف): ((عنه)).
[21] في (ف) و (م) و (ل): ((كان)).
[22] في (ط) و(ل) و(ف) و(م): ((صاحب)).
[23] في (م) و (ل): ((يخرج بالليل)).
[24] في (ج): ((يختبئ))، وفي (ف) و (م) و (ل): ((يتخبَّأ)).
[25] في (المطبوع): ((وباقي)).
[26] قوله: ((أوفر نصيب)) ليس في (م).
[27] في (ف): ((الاتباع فلأجل)).
[28] صورتها في (ف): ((تعي)).
[29] في (ل): ((منيَّة)).
[30] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((هذا)).
[31] في (ط): ((شريعته وعمل بها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[32] في (ف): ((الوجه الرَّابع)) وقد تكرر ذكر كلمة ((الوجه)) في أغلب البنود اللاحقة.
[33] في (ف) و (م) و (ل): ((فكان)).
[34] في (م): ((فيه)).
[35] زاد في (ج): ((به)).
[36] في (ل) و(ف): ((من قبل أنه يكون))، وقوله: ((من فيه)) ليس في (م).
[37] قوله: ((والنَّظر إلى البيت..... عبادات وهي: الخلوة والتَّحنُّث)) ليس في (ف).
[38] في (ف) و (م) و (ل): ((باد)).
[39] في (ف): ((الليالي)) بلا واو.
[40] في (ط) والنسخ الأخرى: ((ليالي)) والمثبت من (ف).
[41] في (ل): ((كثرة)).
[42] في (م): ((زال)).
[43] في (م): ((المتحنث في التعبد على أن)).
[44] في (ل): ((عادته)).
[45] زاد في (ل): ((له)).
[46] زاد في (م): ((وإلاَّ)).
[47] في (م): ((ويتزوَّد منها)).
[48] في (ط): ((يسن)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[49] قوله: ((من)) ليس في (ل).
[50] في (ف): ((لأنَّه لم يكن ◙)).
[51] في (م) و (ل): ((زمان)).
[52] في (م): ((بهذا)).
[53] في كافة النسخ: ((أو قريبًا))، وفي (ج): ((وقريبًا)) والمثبت هو الصواب كما في المطبوع.
[54] في (م): ((الحادية)).
[55] في (ج) و (م) و(ل): ((يرتقي)) وفي (ف): ((يترقَّى)).
[56] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((كقاب)).
[57] في (ف) و (م): ((هي))، وفي (ل): ((وهي)).
[58] قوله: ((به)) ليس في (ج).
[59] في (ط): ((يتفرقون)).
[60] في (ل): ((لكن)).
[61] في (ج): ((الولايات)).
[62] في (ج): ((الصوفية)) وفي (ف): ((الصفَّة)).
[63] قوله: ((مقام)) ليس في (ف).
[64] في (ف): ((مقام)).
[65] زاد في (ف): ((الأعلى)).
[66] زاد في (م) و (ل): ((قد)).
[67] في (ج): ((فالوارثون به))، و في (ف): ((الوراث له)).
[68] زاد في (ف): ((ثمَّ)).
[69] قوله: ((مقام)) ليس في (م) و (ل).
[70] في المطبوع: ((أسري)).
[71] في (ف): ((المريد)).
[72] في (ج): ((ما زال يرتقي))، وفي (م) و (ل): ((فما زال يرتقي)).
[73] قوله: ((لأن النَّبيَّ صلعم.....كَمُلَتْ حالته، وهو ◙)) ليس في (ف).
[74] قوله: ((له)) ليس في (م).
[75] في (م): ((لم ينفعه)).
[76] في (ل): ((بذلك)).
[77] زاد في (ف): ((أن)).
[78] في (م): ((إظهارًا)).
[79] في (ج): ((للوصف بالعبودية)) وقوله: ((لوصف العبودية)) غير واضحة في (ف) فيها طمس.
[80] في (ف): ((ينطلق)).
[81] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفَّة)).
[82] في (م): ((إلى تعبُّده وخلوته)).
[83] في (ج): ((الخبز))، وبعدها في (ف): ((وألقاه من تحت)).
[84] في (ف) و (م) و (ل): ((فعلوه)).
[85] في (ف): ((من قوة مني)) وفي (م): ((من قوة مني هي مني)).
[86] في (ط): ((عملا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[87] في (م): ((تشويف)).
[88] قوله: ((إنَّ)) ليس في (ف).
[89] في (م): ((الرَّازق)).
[90] زاد في (ج): ((من وجهه)). وزاد في (ف) و (ل): ((من وجهه)).
[91] في (ف): ((وكان)).
[92] فتلك الإرادة التي أخبرنا بها هي المقصودة بهذه العبارة، ثمَّ أَكَّدت الإرادةُ بَعْدُ علينا بإخبار الرسل ‰، وطلب الوفاء بها، فمنها ما أُخْبِرنا نحنُ به في كتابه، وهو قوله ╡: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172]، وقوله ╡: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}[الذاريات: 56 - 57])).
[93] قوله: ((بذلك)) زيادة من (ج) و(ف) على النسخ.
[94] في (ف) و(م): ((السرور)).
[95] في (ف): ((الوسواس)).
[96] في (ف): ((مشغول)) بلا واو.
[97] قوله: ((والثَّواب)) ليس في (ف).
[98] في (ف): ((لا)).
[99] زاد في (ف): ((في طريقه)) زاد في (ف): ((في طريقه)).
[100] قوله: ((الوجه)) ليس في (ل).
[101] قوله: ((اليسير)) ليس في النسخ، وهو مثبت من (ج).
[102] في (ج) و(م): ((لم تذكر)) وفي (ل): ((ولم تنكر)).
[103] في (ج) و (م) و (ل): ((ضد للكثير)).
[104] صورتها في (م): ((إلى)).
[105] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((تعبُّد مستمر)).
[106] في (ل): ((للمعتكف)).
[107] في (ف): ((ويخرج)).
[108] في (م): ((لما)).
[109] في (ج): ((فيه)).
[110] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفَّة)).
[111] في (ج): ((الحضور)).
[112] في (ج): ((تخلِّي)).
[113] في (م): ((قلوبهم)).
[114] في (ج) و(ف): ((الصوفية)).
[115] في (ف): ((وهو)).
[116] قوله: ((كان)) ليس في (ف).
[117] قوله: ((في هذه التَّورية)) ليس في (ف).
[118] في (ج): ((ممنوع شرعي)).
[119] قوله: ((فيه)) ليس في (ف).
[120] في (م): ((التَّسبب)).
[121] في (ج): ((الاحتمالات)).
[122] قوله: ((أن)) ليس في (ف).
[123] في (م) و (ل): ((أجاب)).
[124] صورتها في (ل): ((الإكرام)).
[125] قوله: ((خلق)) ليس في (ل).
[126] في (م): ((يطلب)).
[127] في (ج) و(ف): ((يقول)).
[128] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف).
[129] في النسخ: ((قولنا)) والمثبت من (ج).
[130] في (ط): ((قبل)).
[131] في (ج): ((اطلاع)) وفي (ل): ((اطلاعه)).
[132] قوله: ((لفظ)) ليس في (ف).
[133] في (ف): ((والنُّبوَّة)).
[134] زاد في (ف) و (ل): ((من)).
[135] في (ف): ((والحكم)).
[136] قوله: ((مضمون)) ليس في (ف).
[137] في (ط) و (م) و (ل): ((الفكرة)) وفي (ف): ((الكفرة)) والمثبت من (ج).
[138] في (ف): ((مضمون))، وقوله: ((متضمن)) ليس في (م).
[139] قوله: ((والإباحة)) ليس في (م).
[140] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((نزلت)).
[141] في (ف): ((إليه)).
[142] في (ج) و (م): ((أجملته))، وفي (ف): ((أكملت)).
[143] في (ج): ((وكان)).
[144] في (ل): ((مقصدا)) والموضع الذي بعده.
[145] في (ف): ((في الآي نسبة الحال الإشارة))، قوله: ((والإشارة)) ليس في (م).
[146] في (ج): ((أمته)).
[147] في (ف): ((ترجع)).
[148] في (ل): ((مقابلة)).
[149] في (م): ((مقابلتها)).
[150] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((إلى اللطف بالألطاف)).
[151] في (ج) و (ف): ((الحشا)).
[152] في (ف): ((النظر)).
[153] في (ف) و (م) و (ل): ((حين)).
[154] في (ج) و (م): ((هذه)).
[155] في (م): ((الشيء)).
[156] في (م): ((فيمن ضمن هذا)).
[157] في (م): ((بشيء)).
[158] في (م): ((والنَّصر))، و قوله بعدها: ((لك)) ليس في (ف).
[159] في (ف): ((الرزاع)) وهو تصحيف.
[160] في (ج): ((لديه))، وزاد في (ف) و (م) و (ل): ((به)).
[161] قوله: ((لأنَّه)) ليس في (ف).
[162] في (ل): ((مثل)).
[163] في (ج): ((مفردًا)).
[164] في (ج): ((واستوت)).
[165] في (ج): ((ما يشاء)).
[166] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفة)).
[167] في (ل): ((أوعدوا)).
[168] في (ج): ((تبين))، وفي (م): ((يتبيَّن)).
[169] في (ج) و (م): ((الوجه الرابع)).
[170] في (ف) و (م) و (ل): ((المحذور)).
[171] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفة)).
[172] في (ف) و (م) و (ل): ((لذلك)).
[173] في (ج) و (ف) و (ل): ((التأديب)).
[174] في (ج): ((سبيل)).
[175] في (ف): ((العادة)).
[176] بعدها في (ط) و(ج): ((خير)).
[177] في (ج) و (ف): ((التأدب)).
[178] في (ف): ((لم يكن تأديبه))، وبعدها في (م): ((إلا ثلاث)).
[179] في (ف): ((لكي يتلقَّى)). في (ف): ((ضمَّ النَّبيَّ صلعم إليه لكي يتلقى)).
[180] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((بأهبة)).
[181] في (م): ((ثقيلًا)).
[182] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((فشدَّة)).
[183] في (ج) و (ف): ((استدراج))، وفي (ل): ((تدرج)).
[184] زاد في (ج) و(ف) و(ل): ((أن)).
[185] في (ف) و (م) و (ل): ((به)).
[186] في (ج): ((مشعشعة)).
[187] زاد في (ف): ((على)).
[188] في (ج): ((يسمع)).
[189] قوله: ((قبل)) ليس في (ف).
[190] في (ط): ((المحققين))والمثبت من النسخ الأخرى.
[191] في (م): ((ينقدون)).
[192] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((فأبى)).
[193] في (ف): ((الشيخ)) في (ف): ((الشيخ فضمه الشيخ ثم)).
[194] في (ل): ((المسائل)).
[195] في النسخ: ((ينفصل)) والمثبت من (ج).
[196] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((حضره)).
[197] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((أولًا)).
[198] قوله: ((له)) زيادة من (ج) على باقي النسخ.
[199] في (م): ((هذا)).
[200] في (ل): ((ملامسته)).
[201] في (ف): ((ببشر)).
[202] في (ج) و (ف) و (م): ((بملامسة))، وفي (ل): ((بملامسته)).
[203] في (ف): ((المورث)).
[204] في (ف) و (ل): ((بأنَّ)).
[205] في (ج): ((والجواب عنه)).
[206] في (ف): ((أن لا ينظر)).
[207] في النسخ: ((ننظرها)) والمثبت من (ج).
[208] في (م): ((الفضلية)).
[209] قوله: ((ما رُوي)) ليس في (م).
[210] قوله: ((النَّاس وأجود)) ليس في (ف).
[211] في (ف): ((الصفة)).
[212] قوله: ((إنَّ)) ليس في (ف)، وبعدها في (ف) و (م): ((التَّجلِّي)).
[213] في النسخ: ((تخليته)) والمثبت هو الصواب، وهو موافق للمطبوع..
[214] في (ل): ((لها)).
[215] في (ط): ((تحليًا من نسبة ذلك التجلي))، وفي (م): ((التَّحلِّي))، وفي (ل): ((حتى حصل لها تخليا [وأشار إلى نسخة: ((تخلي))] من نسبة ذلك التخلي)) وفي (المطبوع): ((حتى حصل لها تخليًا من نسبة تخلي ذلك التخلي))، والمثبت من (ج) و(ف).
[216] قوله: ((مِنِّي)) ليس في (ف).
[217] في (ط): ((التَّحلِّي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[218] في (م): ((والتجلِّي)).
[219] في (ف) و (م) و (ل): ((وفي هذا)).
[220] زاد في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((كله)).
[221] زاد في (م): ((من مقام)).
[222] قوله: ((يد)) ليس في (م).
[223] في (م): ((كانت للغطِّ)).
[224] في (م): ((وهو)).
[225] قوله: ((إن)) ليس في (ف).
[226] في (ل): ((الثلاثة)).
[227] في (ف) و (م): ((موافقها)).
[228] في (ط): ((وهي العقل والملك)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[229] كذا في (ج) و(ل)، وفي بقية النسخ: ((اللذين)).
[230] كذا في (ط)، وفي بقية النسخ: ((قد خلقت)).
[231] في (ف): ((أبدًا ونزع)).
[232] في (ف): ((وتكرمة)).
[233] في (ف): ((إذ)).
[234] في (ف): ((وهو المشرِّع ◙)).
[235] قوله: ((خير)) ليس في (ف).
[236] في (ف): ((يقتضيه)).
[237] في (ط): ((البشيرة)).
[238] قوله: ((الوجه)) ليس في (ف).
[239] في (ف): ((التحلي)).
[240] في (ف): ((التحلي)).
[241] في (ل): ((التخلي)).
[242] في (ف): ((أكمل)).
[243] قوله: ((لأنَّ)) ليس في (ف).
[244] في (ف): ((لأنَّ مقامهم أرفع)).
[245] في النسخ: ((التحلي)) والمثبت من (م) و(ل).
[246] قوله: ((من)) ليس في (ف).
[247] في النسخ: ((تحليه)) والمثبت من (م) و(ل).
[248] في النسخ: ((تحليه)) والمثبت من (م) و(ل).
[249] قوله: ((بن عياض)) ليس في (م).
[250] في (ف): ((كما فعل النبي صلعم وكثيرًا)).
[251] في (م): ((الخامس والثلاثون قوله اقرأ)).
[252] في (م): ((بالذي)).
[253] في (ف): ((لا بحيث)).
[254] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[255] قوله: ((على)) ليس في (ف).
[256] في (ج) و(ف) و(م) و(ل): ((وحصل له)).
[257] قوله: ((ما)) ليس في (ف).
[258] قوله: ((به)) ليس في (م).
[259] في (ل): ((أن)).
[260] في (ف): ((يتبيَّن))، وفي (م): ((تبيَّن)).
[261] في (ف): ((ينبغي)).
[262] في (ل) و(ج) و(م): ((عقب)).
[263] في (ف): ((لأن الله)).
[264] في (ف): ((يقدر)).
[265] قوله: ((الأكرم)) ليس في (ف).
[266] في (ل): ((لللطف)).
[267] في (ج): ((التفكير)).
[268] قوله: ((من)) ليس في (ف) و(ج).
[269] زاد في (ف): ((مهم)).
[270] في (ج) و (م) و (ل): ((زملوني زملوني)) مكرر.
[271] زاد في (ل): ((◙)) مكرر.
[272] في (ف): ((يرجع)).
[273] في (م): ((هذا)).
[274] في (ف): ((اللفط)).
[275] قوله: ((والوَجَلِ، والفؤاد كناية عن باطن القلب؛ لأنَّ الخوف)) ليس في (ف).
[276] قوله: ((على)) ليس في (ف).
[277] في (ج): ((وأعادت)).
[278] في (ط): ((إطال)).
[279] في (ط): ((الوعد)).
[280] في (ف): ((يقوم)).
[281] في (م): ((أنَّه)).
[282] صورتها في (م): ((لي)).
[283] زاد في (ف): ((الكهان)).
[284] في (ف): ((أن)).
[285] في (ج): ((يحقق)).
[286] في (م): ((بدليل)).
[287] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفة)).
[288] في (ف): ((الوجهين)).
[289] في (ج): ((أحدهما)).
[290] في (ف): ((يبحثوا عن)).
[291] في (ف): ((يخاف)).
[292] في (ف): ((إليه))، وقوله بعدها: ((بذلك)) زيادة من (ج) على النسخ.
[293] في (ف): ((إليه عليها)).
[294] في (ل): ((فترجى)).
[295] في (ف): ((صنائع)).
[296] في (ف): ((يقي)).
[297] قوله: ((يشترط)) ليس في (ف).
[298] في (ف) و (م) و (ل): ((عادته)).
[299] في (ط): ((للمرء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[300] في (ف): ((يعتقد مِن أصحابه إذا كانوا ذوا)).
[301] في (ط) و(ف) و(ج): ((الشَّديد))والمثبت من النسخ الأخرى.
[302] في (ج): ((مقالته)).
[303] في (م) و (ل): ((ما))، وقوله بعدها: ((به)) ليس في (ف).
[304] في (ل): ((أولى)).
[305] في (ف): ((قرَّرنا)).
[306] قوله: ((بعد)) ليس في (ف).
[307] في (م): ((حيث)).
[308] في (ل): ((يقنعها)).
[309] قوله: ((التي هي سبب ما أخبرت.... تُقْنِعها تلك الأدلة)) ليس في (ف).
[310] في (م): ((حيث)).
[311] في (ج) و(ف): ((دعوتها)).
[312] قوله: ((له)) ليس في (ف).
[313] في (ف): ((خرج من عند)).
[314] زاد في (ط): ((وفي رواية)) ولا مكان لها هنا.
[315] في (م) و (ل): ((صفية))، وزاد في حاشية (ل): ((وفي رواية إنها سوداء)).
[316] قوله: ((يشترط)) ليس في (ف).
[317] في (ف): ((على)) بلا واو.
[318] قوله: ((وعلى ما تقتضيه الشريعة)) ليس في (م).
[319] في (ج): ((الأوصاف))، وقوله بعدها: ((الحميدة)) ليس في (ف).
[320] في (ف) و (م): ((عائشة)).
[321] في (ج) و(ف): ((لامرئ)).
[322] في (ط): ((المستشار إليه)). وفي (ج) و(ف): ((المشار إليه))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[323] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((إليهم)).
[324] في (ف): ((من)).
[325] في (ف): ((يتحرز مع كلامه منهم)).
[326] قوله: ((منصب)) ليس في (ف).
[327] في (ط) و (ج): ((حق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[328] في (ف): ((الست)).
[329] في (ف) و (م): ((بابن)).
[330] قوله: ((أنَّ)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[331] في (ط): ((المتقدم))والمثبت من النسخ الأخرى.
[332] في (ف) و (م): ((عنهم)) وفي (ل): ((عن)).
[333] في (ج): ((عنه)).
[334] في (م): ((وتوقيعًا)).
[335] قوله: ((فهو)) ليس في (م).
[336] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((القضية)).
[337] في (ف): ((منزل)).
[338] في (ف) و (ل): ((أنزل)).
[339] في (ل): ((جاسوس))، وفي (المطبوع) ((حاسوس)).
[340] زاد في (ل): ((هو)).
[341] قوله: ((إلا)) ليس في (ج).
[342] في (ف) و (م): ((أن)).
[343] العبارة في (ل): ((من عادة الله ╡ ألا يرسله إلا للنبيين والمرسلين)).
[344] في (م) و (ل): ((الشباب)).
[345] في (ف): ((فلم)).
[346] قوله: ((بعد لأنَّه لم يبلغ عمره...... قد حصل له الإيمان)) ليس في (ف).
[347] في (ف): ((نزَّله))، وفي (ل): ((أنزل)).
[348] في (ف): ((المنادي)).
[349] في (م): ((عليه)).
[350] في (ف): ((فيصدق المنادي)) وفي (ل): ((فيصدق المبادئ)).
[351] في (ف): ((العادة)).
[352] في (ف): ((قدمنا)).
[353] في (ج) و (ل): ((ترفيعه)).
[354] في (ج): ((الترفع)).
[355] في (ج): ((الخدمة)).
[356] في (ط): ((بما تحب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[357] في (ج): ((وتعتقده))، وفي (م): ((ويعتقده))، وفي (ل): ((تحب وتعتقد)).
[358] قوله: ((ولا بالقياس)) ليس في (م).
[359] في (م): ((ما قدماه)).
[360] في (ط) و (ل) و(م): ((طرد)) والمثبت من (ج) و (ف).
[361] زاد في (ج): ((التجربة)).
[362] العبارة في (م): ((أحدٌ بما جئت)).
[363] في (ف): ((وثباتًا)).
[364] في (ط): ((إفادة)).
[365] في (ف): ((لابنه)).
[366] في (ل): ((بذي)).
[367] في (ج): ((المدة)).
[368] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((هي)).
[369] في (ف): ((يتهدَّب)) وصورتها في (م) و (ل): ((يتهدَّن)).
[370] في (ج): ((الكريمة)).
[371] قوله: ((◙ من روعته..... كما روي عنه ◙)) ليس في (ف).
[372] في (ف): ((أكثر اشتياقًا)) وفي (م): ((كثير اشتياقه)).
[373] قوله: ((قدر)) ليس في (ف) و (م)، وقوله: ((من قدر)) ليس في (ل).
[374] في (ف): ((إذا أراد شيئا فإنما يقول بقول له كن فيكون)) وفي (ل): ((إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون)).
[375] في (م): ((كما)).
[376] في (ف): ((كذلك)).
[377] في (ف): ((مسك)).
[378] في (ج) و(ف): ((الماسك)).
[379] في (م): ((مغطى للأبصار)).
[380] في (ل): ((للإيمان)).
[381] في (ف): ((اليقين وذلك)).
[382] في (ج): ((وبذلك جرت العادة))، وفي (ل): ((جرت العادة)).
[383] في (ج): ((يقينًا بها)).
[384] في (ف): ((ذلك)).
[385] في(م) و(ج): ((لا يسمى)).
[386] قوله: ((لأنَّ عادة العرب..... جهة الإيناس واللطف)) ليس في (ف).
[387] في (ف): ((◙)).
[388] في (ف): ((نزل)).
[389] في (ف): ((إبطاء)).
[390] في (م): ((والتسبب)).
[391] قوله: ((لقائل أن يقول)) ليس في (م).
[392] زاد في (ف): ((على أنه عليه [بياض] أمر بالإنذار)).
[393] في (ط): ((رعبته))، وفي (ف) و (م): ((ورغبته)) وفي (ل): ((ورعبه)) والمثبت من (ج).
[394] في (ل): ((يلبس)).
[395] قوله: ((على القلب)) زيادة من (ج) و(م) على النسخ.
[396] قوله: ((له)) ليس في (ف).
[397] في (ل): ((بعض)).
[398] زاد في (ط): ((عليه أو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[399] في (ف): ((لها)).
[400] في (م): ((كلمة ظاهره)).
[401] في (ط): ((والمراد منه)) والمثبت من النسخ الأخرى، وقوله بعدها: ((لأنَّه)) ليس في (ف).
[402] في (ف) و (م) و (ل): ((أنَّه)).
[403] في (ف) و (م): ((قد)) بلا واو.
[404] في (م): ((صدقاتك)).
[405] قوله: ((معناه)) ليس في (م).
[406] في (ل): ((معناه لا تمنن تستكثر بكثرة العمل)).
[407] قوله: ((يقول: معناه)) ليس في (م).
[408] في (ج) و (ف) و (ل): ((لأن تثاب)).
[409] في (م): ((على ما قدَّمناه)).
[410] في (ج): ((الصوفية)) وفي (ف): ((الصفَّة)).
[411] في (ف): ((كما قدَّمناه)).
[412] في (ج) و (م) و (ل): ((الهلاك)).
[413] في (ل): ((عليهما)).
[414] قوله: ((المعنى)) ليس في (م).
[415] في (ف): ((أنَّها)).
[416] في (ل): ((أحق)).
[417] في (م): ((أنْ)).
[418] في (ف): ((في)).
[419] في (ط): ((أو ما يحتسب)).
[420] في (ط): ((أن)).
[421] في (م): ((في)).
[422] في (ف): ((هذا)).
[423] في (ف): ((ولا)).
[424] في (ف): ((تتبُّع)) وصورتها في (م): ((تابع)).
[425] في (ف): ((لتمثيل)).
[426] في (ج): ((مثل)).
[427] في (م): ((الذي)).
[428] في (ف) و (م) و (ل): ((فنسبة)).
[429] في (ط) و (ف): ((فذلك)).
[430] في (ف): ((طلوع)).
[431] في (ف): ((الشمس لا يتمكن)).
[432] في (ط): ((لم تنقص)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[433] في (ج): ((الشمس)).
[434] قوله: ((عما)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[435] في (ل): ((تمثل)).
[436] قوله: ((ذلك)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[437] في (ف): ((متوالي)).
[438] في (ج): ((الصوفية))، وفي (ف): ((الصفَّة)).
[439] في (ف): ((قسمين)).
[440] في (ف): ((عليه)).
[441] في (ج): ((لكل)).
[442] في (ف): ((تسير)).
[443] في (ف): ((فيغطي)).
[444] في (ط) و (ف): ((فيوجب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[445] في (ط): ((فيدخل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[446] قوله: ((لأن)) ليس في (ف).
[447] قوله: ((وصلَّى الله على محمَّد وآله وسلَّم)) ليس في (ف).