بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل

          60- (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ(1) اللهِ صلعم : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ...)(2) الحديث(3). [خ¦1036]
          ظاهرُ الحديث يدل على أنَّ(4) الخمسةَ المذكورةَ فيه من علامة الساعة وقربها. والكلام عليه / من وجوه:
          منها: هذا العلمُ(5) الذي يُقبَض ما المراد به هل المنقول أو غيره؟
          فنقول والله الموفق: العِلم المشارُ إليه هنا(6) هو: النُّور الذي به الفهمُ عن الله وعن رسولِ الله(7) صلعم ؛ لأنَّ الكتبَ لم تَزَل(8) بل(9) هي تكثر لكن الفهم والعمل هو الذي قلَّ كما(10) تكلمنا عليه قبل(11) في الحديث الذي قال فيه ╕(12): «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ».
          وقوله: (تَكْثُرَ(13) الزَّلَازِلُ) هل هذا فيه معنى من الحكمة تُفهَم(14) أو ليس لنا طريق إلى ذلك؟
          أمَّا وجودُ(15) الحكمةِ(16) فلا شكَّ فيها، وأمَّا هل نعرفه(17)؟
          فالجواب: أمَّا بالنظر بمقتضى ما جاء في الشريعة من الحكمة والعادة(18) الجارية إذا(19) نظرنا بمقتضاها فهي واضحة، وأمَّا بالقطع فما(20) أحد يدري ذلك فبحسب ما استقرأنا(21) من الشرع وجدنا الحكمة فيه من وجهين:
          (الوجه الواحد): أنَّه ما أجرى الله العادة في الزلازل إلَّا لوجهين: (الواحدُ) انتقامًا ممن يريد(22) كما ورد في الأخبار أنَّ كثيرًا من الناس هلكوا بها حتَّى إلى زماننا هذا، وقد تواتر عندنا بإفريقية(23) حين كنتُ بها قبلَ هذا الوقت(24) أنَّ موضعًا زُلزِلَ بأهله حتَّى ساخت بهم الأرض، وكانوا أهلًا لذلك لِـمَا كان فيهم من الفساد، وكان هذا الموضعُ(25) من أنصارها(26)، و(الآخر): تخويفًا لأهل التخويف(27)؛ لأنَّها من جملة الآيات وقد قال ╡ : {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، فإذا قرُبت(28) الساعة فبالقطع أن الفساد يكثر وهذا من / جملة العقاب كما ذكرنا وليتذكر بها(29) أيضًا من سبقت له سعادة(30).
          وأما (الوجه الآخر) من الحكمة: فهو لـما كانت القيامة بالزلزلة العظمى كما أخبر جلَّ جلاله: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:14]، وقال(31) جلَّ جلاله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ. حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ(32) بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون:76-77].
          فالمعنى(33): أنَّهم أوَّلًا أُخذوا باليسير من العقابِ(34) إعذارًا لهم لعلَّهم يرجعون، فلمَّا لم يرجعوا جاءهم العذاب المهلِك، فهذه سُنَّة الحكيم أن يبدأ من العذاب بالقليل(35) ليرجع من فيه أهليَّةٌ للخير ويحقُّ الأمر على من هُوَ له أهل، فكذلك الساعة تتقدَّمها(36) تلك الزلازل؛ لأنَّ الحكمةَ اقتضت الإنذارَ وإن كان لا ينفع مَن استحقَّت(37) الكلمةُ(38) عليه فيتمادى على ما هو عليه من الفجور فيأتيه ذلك(39) البلاء العظيم: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ(40) النُّذُرُ} [القمر:5]. فلمَّا كانت الساعة كما ذكرنا أوَّلًا(41) زلزلة واحدة تُدَكُّ بها الأرض دكًّا، تقدَّمت الزلازل وكثُرَت حتَّى تكونَ كثرتُها تخبر بوجود(42) العظمى من جنسها.
          وقوله ◙ : (وَيَتَقَارَبَ(43) الزَّمَانُ) هنا(44) بحثٌ وهو(45): هل تقاربُ الزمان(46) حسًّا أو معنى؟
          الظاهر(47)(48) أنَّه لهما معًا؛ لأنَّه قد(49) جاءت الإشارة في الآثار بالمعنيينِ منفردَين فيكون المقصود _والله أعلم_ جمع المعنيين، فأمَّا أحدُهما وهو المعنويُّ(50) فقد ظهر، فنحتاج إذًا إلى بيان المعنويِّ والحسِّيِّ والإشارة التي في الآثار بهما.
          فأمَّا المعنوي / فهو كناية عن نقص العمل(51)، فإنَّ رأس مال المرء عمره(52)، وربحه فيه حسن عمله، وإذا قلَّ العمل المبارك كان الزمان ناقصًا لأجل نقص الفائدة فيه، مثل الشجر والثمر(53) إذا نقُص الشجرُ(54) قلنا: نقُصَت الثمرة(55) ولذلك قال جلَّ جلاله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:155] وقد كانت عائشةُ ♦ تقول: كلُّ يومٍ لَا أزدادُ فيهِ عِلْمًا ولا أتخذُ فيهِ يَدًا لا بُورِكَ لي في طلوعِ شمسِ(56) ذلكِ اليومِ.
          وقال صلعم : ((بَقِيَّةُ عُمُرِ المؤمنِ لا ثمنَ لها يُصلِحُ فيها ما فَسَدَ))، فما يصلحُ ما فسد(57) إلا بالتوبة والعمل الصالح؛ لأنَّه(58) يتدارك به نفسه وما ذاك _أعني قلَّة العمل_ إلَّا لغلبة حبِّ الدُّنيا على القلوب والاشتغال بها وتقدمتها(59) على عمل الآخرة.
          وقد نبَّه صلعم على هذا(60) المعنى بقوله: «أَنْتُمْ في زمانٍ، وذكرَ منْ صفاتِ أَهْلِهِ: أَنَّهُمْ يُبْدونَ أَعْمَالَهَم قبلَ أهوائِهِمْ، وسَيَأْتِي زمانٌ(61) وذكرَ منْ صفاتِ أهلِهِ: أَنَّهُمْ يُبْدونَ فيهِ أَهْواءَهُم قبلَ أَعْمَالِهِمْ»، وقال ╕: «مَنِ ابْتَدَأَ بِحَظِّهِ(62) منْ دُنْيَاهُ فَاتَهُ حَظُّهُ منْ آخرتِهِ ولم يَنَلْ منْ دُنْياه إِلَّا ما كُتِبَ لهُ، ومَنِ ابْتَدَأَ بِحَظِّهِ منْ آخرَتِهِ نالَ منْ آخرتِهِ ما أَحَبَّ ولم يَفُتْهُ(63) منْ دُنْيَاه ما كُتِبَ لهُ»، وقال ╕ من شروط الساعة وذكر فيه: (ويقلَّ العَمَلُ) والأحاديث في هذا الشأن كثيرة، فبان(64) / ما قلناه من الوجه المعنويِّ، هذا من طريق الفقه والنقل.
          وأمَّا من(65) طريق أهل(66) المعاملات(67) فإنَّهم يقولون: الوقتُ سيفٌ إنْ لم تقطعْه قطعك، ومعناه عندهم: إن لم تقطعه بالعمل قطعك بالتسويف، هذا من طريق الأعمال الأخروية(68)، وأمَّا من طريق الأعمال الدنيويَّة(69) فقد ظهر أيضًا النقصُ فيها في جميع محاولاتها وبان.
          وأمَّا الصنَّاع فما منهم من(70) يقدر أن(71) يبلغ في صنعته مثل ما سُمِعَ عمَّن تقدَّم، وكذلك التجَّار، وكذلك الفلَّاحون، وكذلك الملوك وغير ذلك من وجوه متاع الدُّنيا: النقص الكثير قد(72) ظهر في جميع ذلك، وما ذاك إلَّا من قِلَّة توفيتهم لحقوق الله تعالى وأحكامِه(73) وتهاونهم بذلك(74) وكثرة مكر بعضهم ببعض، فارتفعت البركات من أبدانهم(75) وأموالهم(76) وآرائهم وعاد الوبالُ على الجميع وهم لا يشعرون ويتعجَّبون من قلَّة البركات من أين تأتيهم! وهم لم(77) يتركوا من مجهودهم في الطلب شيئًا، فيجاوبهم(78) لسانُ الحال: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
          لأنَّ هذه الصفاتِ تخالفُ مقتضى الإيمان؛ لأنَّ الإيمانَ(79) كما أخبر صلعم : «وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»، وقال ╕: «المؤمنُ يحبُّ لأخيهِ المؤمنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وقال ╕: «وَاللهُ(80) فِي عَوْنِ الْعَبْدِ(81) مَا دَامَ(82) الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
          وعلى ذلك كان السلفُ ♥، وقد رأيتُ في / بعض التواريخ أنَّ أحدَ الملوك لَمَّا ملك بعض البلاد وجد في الخزانة حبَّةَ(83) قمح جِرمُها زائدٌ على القمح المعروف(84) بزيادة كثيرة فسأل عنها، فلم يجد من يعرف لها خبرًا إلَّا شيخًا كبيرًا قد عُمِّر فقال: أعرفها، وذلك أنَّ شابًا وشيخًا اشتركا في زرع فلمَّا درسا زرعهما قال أحدُهما للآخر: ننقلُ هذا الطعام إذا قسمناه بالنَّوبة، تحمل أنت مرَّة وأحرُس أنا نصيبي ونصيبك، ثمَّ أحمل أنا مرَّةً(85) أخرى وتحرسُ أنتَ نوبتك، فلمَّا قسما جعل الشيخ يحمل مرة من نصيبه وكان ذا عيال ويقعد الشاب يحرس، فإذا غاب الشيخ يقول الفتى(86) في نفسه: هذا شيخٌ وله عائلةٌ وأحتاجُ(87) أن أعينَه فيأخذُ من نصيب نفسه ويزيد في(88) نصيب شريكه، فإذا نقل(89) الشاب في نوبته وقعد الشيخ يحرس يقول الشيخ في نفسه(90): هذا شابٌ والناسُ يقصِدُونه(91) فأحتاجُ أن أعينه، فيأخذُ الشيخُ من نصيب نفسه ويزيد في نصيب الشاب، فبقي ذلك دأبُهما وهما ينقلان(92) والغَلَّة تكثُر ويكبُر جِرْمُها حتَّى عَييَا وفشلا(93) من(94) حمل القمح، ورأياه(95) قد كَثُر حتَّى خرج عن الحدِّ المعروف فسأل أحدُهما الآخر وحلَّفه أن يصدقه ما يفعل بعده فأخبر كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه ما يفعل في غيبته فاشتهرت المسألة حتَّى بلغت أميرَهم فوجَّه لأنْ يرى من ذلك(96) القمح شيئًا فلمَّا رآه قال: ينبغي أن يُجعلَ من هذا شيءٌ(97) في الخزانة(98) فيبقى(99) لمن / بَعدُ فيه موعظةٌ وتِذكار، فلمَّا وفَّيا(100) حقَّ(101) الإيمان من(102) طريق الأدب عادت عليهمَا(103) بركات الإيمان، وقد قال مولانا جلَّ جلاله:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96].
          وأمَّا المحسوس(104) فلم يظهر بعدُ، بدليل أنَّ ساعات الليل والنهار باقيةٌ على حالها(105) وقد أخبر صلعم بنقصها حِسًّا بقوله: «تكونُ السَّنَةُ كالشَّهْرِ، والشَّهْرُ كالجمعةِ، والجمعةُ كاليومِ، واليومُ كالسَّاعَةِ» إلى آخر الحديث، فهذا ممَّا بقيَ(106) خروجُه.
          وقوله ◙ : (وتَظْهَرُ الفِتَنُ)(107) هذه الألف واللام هل هي للجنس أو للعهد؟
          احتمَلَتِ(108) الأمرين معًا، فإن كانت(109) للجنس فكلُّ ما ذكر ╕ في هذا الحديث من جملتها، وكذلك جميع ما جاء من(110) الأحاديث فيها إلَّا(111) أنَّ هنا بحثًا(112) وهو(113): ما فائدة قوله ◙ : (وَتَظْهَرُ الفِتَن) وهو ╕ قد أخبر عنها مُعَيَّنة في أحاديث عِدَّة؟
          فالجوابُ(114): إخباره ╕ بها على هذه الصيغة(115) لوجهين:
          (أحدُهما): تأكيدٌ(116) لـِمَا أخبر ╕ به من الفتن أنَّه لابدَّ أن تظهر في عالم الحسِّ قبل قيام الساعة.
          و(الوجه الآخر): أنَّها تكثر عند قُرب الساعة ويتوالى خروجها بعضها(117) إثر بعض حتَّى كأنَّها دائمةُ الظهور ولا تكاد تزول كما أخبر صلعم عند كثرتها: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، / ويُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا(118)، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»، وإن كانت بمعنى العهد(119) فتكون الإشارة إلى تلك الفتن الكبرى التي هي (مع الساعة كهاتين)، وهي مثل الدجال، وخروج الدابَّة، وطلوع الشمس من مغربها، وقد جاء أنَّ التي تظهر منهنَّ أوَّلًا ويتبعها(120) الباقي وينقضي جميعهنَّ في ستَّـةِ أشهر(121) أعاذنا الله من جميعهنَّ بمنِّه.
          وقوله(122) ◙ : (وَيَكْثُرُ الهَرْجُ) وهو القتل، يريد(123) القتل الذي يكون بغير حق؛ لأنَّ القتلَ في الحدود رحمةٌ للبلاد والعباد؛ لأنَّه(124)صلعم قال: «لأنْ يُقَامَ حَدٌّ منْ حُدودِ اللهِ في بُقْعَةٍ خَيْرٌ لَهُمْ منْ أَنْ تُمطرَ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ ثَلاثِيْنَ(125) يَوْمًا»، وفي حديث ثان: «أَرْبَعِيْنَ يَوْمًا».
          وما يكثر القتلُ في غير حقٍّ إلَّا لقلَّة العلم والدين، وعند قرب الساعة يقِلُّ(126) ذلك، وقد جاء ما يؤيِّد هذا وهو قوله ◙ : «حَتَّى لا يعرفَ القاتلُ فِيمَ(127) قَتَل ولا الْمَقْتُولُ فيمَاذا قُتِل».
          وهنا بحثٌ وهو: أنَّ(128) هذا القتل مذكور من(129) جملة الفتن فلِم كرَّره في هذا الحديث؟ فالجوابُ: أنَّه إنما كرَّره لأجل شناعته وقبحه.
          وقوله ◙ : (حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ(130)) المال هنا المراد به الذهب والفضة(131) لا غيرهما، وإن كان ينطلق المال عند العرب على الإبل، وعند(132) كل أناس(133) بحسب ما غلب عليهم، وقد تقدَّم الكلام على هذا(134) في الأحاديث(135) قبل، فنحتاج الآن / نبيِّن(136) كيفيَّة خروجه وبماذا نخصِّصُه بأنَّه الذهب والفضة؟
          فيتخصَّصُ بدليلين: (أحدُهما) من الحديث نفسه(137)، و(الآخر) من غيره من الأحاديث، فأمَّا الذي من الحديث نفسه فقوله(138) ◙ : (يَفِيْضُ) فإنَّ هذه الصفة لا تُستعمل حقيقةً إلَّا فيما يخرج من الأرض من المال أو الماء، وقد تُستَعملُ مجازًا في غير ذلك إلَّا أنَّه لا يخرجُ اللفظ من الحقيقةِ إلى المجاز إلَّا بدليل، والحُكمُ أنْ يُحمَل اللفظ على ظاهره مالم يعارِض لذلك معارِضٌ شرعيٌّ، ولا معارِضَ هنا(139).
          وأمَّا الدليل الآخر الذي يُؤخَذُ من غيره من الأحاديث فإنَّه قد جاء: «أنَّ الفراتَ يَنْحَسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ(140) فَيَقْتَتِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى يُقْتَلَ مِنَ المائةِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ» وما يبقى من المائة غير واحد، وقد جاء: ((أنَّ الأرض تُخْرِج من(141) كنوزها إلا أنَّه بعد(142) ما يلقى الشحُّ على الناس ويقلُّ عندهم المال من أجل الشحِّ، ثمَّ يأمر الله الأرض أن تخرج كنوزها فيمشي الرجل بصدقته فلا يجدُ من يأخذُها منه(143) فيقال له: لو جئتَ بها بالأمس(144) أخذناها منك(145)، وأمَّا اليومَ فلا حاجة لنا بها)).
          وأمَّا كيفيَّةُ خروجه فكما تقدَّم في هذين الدليلين المذكورين من خروج كنوز الأرض وجبل الذَّهب، وهذه العلَّةُ التي هي قلَّةُ المالِ مع الشُحِّ موجودةٌ في كلِّ الأزمان لقوله(146) ◙ : «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ إلَّا وَبِجَنْبَيْهَا مَلَكَانِ(147) يَقُولُ أَحَدُهُمَا(148): اللهُمَّ عَجِّلْ(149) لِمُنْفِقٍ خَلَفًا، والآخَرُ يَقُولُ: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا(150) تَلَفًا».
          وهنا بحثٌ إذا قلنا: إنَّ قلَّةَ / المال من الشحِّ فما موجب خروجه؟
          فالجواب: أنَّ الفتنةَ في خروجه أكبر(151) ممَّا في منعه لاسيِّما مع العلَّة(152) التي ذكرنا أنَّه لا يجد لمن يعطي صدقته(153)، وأيُّ فتنة أكبر من هذه؟ وخروجُ المال أيضًا من أكبر الفتن.
          وفائدة هذا الحديث: التصديق بما فيه من الآيات وقوَّة الإيمان بقدرة القادر على ذلك، والعمل على الخلاص منها بما أخبر هو(154) صلعم حين ذكر الفتن فقيل: (ما تأمرنا إن أَدْرَكَنا ذلك؟ فقال(155): «الجأوا(156) إلى الإيمانِ والأعمالِ الصالحات»، فقد ظهرت أكثرُها فهل من مشمِّرٍ إلى النجاة(157) بما أرشد إليه الصادق المصدوق(158) صلعم ؟
          وهنا بحثٌ صوفي وهو: أنَّه(159) لـمَّا علم(160) أهل هذا الشأن أنَّ النجاةَ من تلك الفتن العظام هي بالإيمان والأعمال الصالحات أيقنوا أنَّ ذلك فيما هو أقلّ منها من باب الأحرى والأولى، فلَمْ يشغلوا نفوسهم(161) بغير الإيمان ودوام الأعمال الصالحات، ولـمَّا رأوا أنَّ الدار لا بدَّ من انقضائها صيِّروا الأوَّل منها آخرًا(162) والآخِرَ منها(163) أوَّلًا، ولذلك قال: إذا كانت الدار لا تبقى ومتاعها(164) فانٍ، فاعمل لدارٍ لا تفنى ومتاعها باقٍ، واعمر بالربح زمانك ولا تدعه خاليًا.


[1] في (ج): ((قوله..قال رسول)). وفي (م): ((مسكين..قوله: قال رسول)).
[2] زاد في (ج): ((والمراد بذلك المنقول أو غيره)).
[3] لم يذكر في (ج) و(م) اسم الصحابي راوي الحديث، وبدأ بقوله: ((قوله: قال رسول الله صلعم)). وذكر تتمة الحديث في حاشية (ل) بقوله: ((وتكثرُ الزلازل ويتقاربُ الزمان وتظهرُ الفتن ويكثُر الهرجُ وهو القتلُ حتَّى يكثرَ فيكم المالُ فيفيضَ)). وزاد في (ج): ((والمراد بذلك المنقول أو غيره)).
[4] قوله: ((على)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[5] زاد في (م): ((المشار إليه هنا)).
[6] قوله: ((هنا)) ليس في (ج).
[7] في (ج) و(م): ((وعن رسوله)).
[8] في (ط): ((لم تنزل)).
[9] قوله: ((بل)) ليس في (ج).
[10] في (ج): ((قد كنا)).
[11] في (ج) صورتها: ((عليه اقبلا)).
[12] في (ج) و(م): ((قال ╕ فيه)).
[13] في (ج) و(م) و(ل): ((وتكثر)).
[14] في (ج) و(ل): ((يفهم)).
[15] في (ج): ((وجوه)).
[16] في (ج): ((وجوه الحكمة))، وزاد في (ج) و(م): ((فيه)).
[17] في (ج) و(م) و(ل): ((نعرفها أم لا)).
[18] في (م): ((والعبادة)).
[19] في (ف): ((إذ)).
[20] في (ج): ((فهل)).
[21] في (ج): ((استقرينا)).
[22] في (ط) و(ل): ((انتقامًا لمن يحب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[23] في (ج) صورتها: ((بان تعية)).
[24] قوله: ((قبل هذا الوقت)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[25] قوله: ((هذا الموضع)) ليس في (ج).
[26] في (م) و(ل): ((أنظارها)).
[27] زاد في (ج): ((هذا الموضع)).
[28] في (ل): ((قرب)).
[29] قوله: ((بها)) ليس في (م).
[30] في (م): ((عناية)).
[31] في (م): ((وقد قال)).
[32] قوله: ((عليهم)) ليس في (ج).
[33] في (ج) و(م) و(ل): ((المعنى)).
[34] في (ج) و(م) و(ل): ((باليسير من العذاب)).
[35] في (م): ((القليل))، وفي (ل): ((بالعذاب بالقليل)).
[36] في (ج): ((متقدمها)).
[37] في (ج): ((وإن كان لا تسمع من حقت))، وفي (م): ((حقَّت)).
[38] في (ج): ((وإن كان لا تسمع من حقَّتْ الكلمة عليه))، وفي (م): ((حقَّت عليه)).
[39] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[40] في (م): ((تغني)).
[41] قوله: ((أولا)) ليس في (ج).
[42] زاد في (ف): ((الحكمة)).
[43] في (ج): ((ويتقرب)).
[44] في (ج) و(م) و(ل): ((فيه)).
[45] قوله: ((وهو)) ليس في (ط) و(ج) و(م) والمثبت من (ل).
[46] قوله: ((الزمان)) ليس في (ل).
[47] في (ف): ((محتمل الظاهر))، وفي (ل): ((محتمل والظاهر))، وفي (ج): ((يحتمل والظاهر)).
[48] في (ج) و(ل): ((والظاهر)).
[49] في (م): ((والظاهر أنهما معاً، وقد)).
[50] في (م): ((المعنى)).
[51] في (المطبوع): ((العمر)).
[52] في (ج): ((المرء ماله وعمره)).
[53] في (ط) و(ل): ((الثمرة والثمر)).
[54] في (ط) و(ل): ((مثل الثمرة والثمر إذا نقص الثمر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[55] في (ج) و(م): ((قلنا: نقص الثمر)).
[56] قوله: ((شمس)) ليس في (ج).
[57] قوله: ((فما يصلح ما فسد)) ليس في (ج).
[58] قوله: ((لأنه)) ليس في (م).
[59] في (ج): ((وقدمها)).
[60] قوله: ((هذا)) ليس في (ج).
[61] قوله: ((وذكر من صفات...وسيأتـي زمان)) ليس في (م).
[62] في (ج): ((لحظه)).
[63] في (ج): ((يفقه)).
[64] في (ج): ((فبيان)).
[65] قوله: ((من)) ليس في (ج).
[66] قوله: ((أهل)) ليس في (م).
[67] قوله: ((من)) ليس في (ج)، وقوله: ((أهل)) ليس في (م)، وفي (ج): ((العلامات)).
[68] في (ج) و(م) و(ل): ((الأخراوية)).
[69] في (ج) و(م) و(ل): ((الدُّنياوية)).
[70] في (م): ((أن)).
[71] في (م): ((أن يقدر وأن)).
[72] في (م): ((فقد)).
[73] في (ج): ((وأحكامهم)).
[74] في (م): ((في ذلك)).
[75] في (ط): ((أيديهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[76] في (م): ((من أموالهم وأبدانهم)).
[77] في (ج): ((لا)).
[78] في (ج) و(م) و(ل): ((فجاوبهم)).
[79] قوله: ((لأن الإيمان)) ليس في (ط)، وفي (م): ((الصفات)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[80] في (م) و(ل) و(ج): ((الله)) بلا واو.
[81] زاد في (ل): ((المؤمن)).
[82] في (ج) و(م) و(ل): ((كان)).
[83] في (ج): ((حبات))، وفي (م): ((في الخزائن حبات)).
[84] في (ج) و(م) و(ل): ((على المعروف من القمح)).
[85] في (م): ((نوبة)).
[86] في (ج): ((الشاب)).
[87] في (ج) و(م) و(ل): ((فأحتاج)).
[88] في (ج): ((من)).
[89] في (ج): ((فعل)).
[90] قوله: ((في نفسه)) ليس في (ج).
[91] زاد في (ج): ((في نفسه)).
[92] قوله: ((وهما ينقلان)) ليس في (م).
[93] في (ج): ((عييا من)).
[94] في (ج): ((عييا من))، وفي (م): ((فشلا عن)).
[95] في (ط) و(ل): ((ورأوه)).
[96] في (ج): ((يرين ذلك)).
[97] في (ج): ((شيئا)).
[98] في (م): ((من هذا في الخزانة شيئاً)).
[99] في (ج) و(م) و(ل): ((يبقى))، وفي (م): ((من هذا في الخزانة شيئاً)).
[100] في (ط) و(ل): ((وفوا)).
[101] في (م): ((حقيقة)).
[102] في (ج): ((حقيقة الإيمان في))، وفي(م): ((حقيقة الإيمان من)).
[103] في (ط): (عليهم).
[104] صورتها في (ل): ((المجوس)).
[105] في (م): ((حالهما)).
[106] في (ج): ((يعبر)).وفي (ل): ((نفى)).
[107] زاد في (م): ((هل)).
[108] في (ج): ((احتمل)).
[109] في (ج): ((كان)).
[110] في (م): ((في)).
[111] في (م): ((في الأحاديث إلا)).
[112] في (ج) و(م) و(ل): ((بحث)).
[113] قوله: ((وهو)) ليس في (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[114] زاد في (م): ((إن)).
[115] في (ج): ((الصفة)).
[116] في (ج): ((تأكيدا)).
[117] في (ط): ((بعضاً)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[118] العبارة في(م): ((يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي كافراً ويصبح مؤمناً ويصبح كافراً)).
[119] في (ل): ((كانت للعهد)).
[120] في (ج) و(م) و(ل): ((يتبعها)) بلا واو.
[121] قوله: ((وينقضي جميعهنَّ في ستة أشهر)) ليس في (ج) و(م).
[122] في (ج): ((قوله)).
[123] في (ج): ((يزيد)).
[124] زاد في (ج): ((قال)).
[125] في (ج): ((ثلاثون)).
[126] في (ج) و(م): ((يكثر)).
[127] في (م): ((فيما)).
[128] زاد في (م): ((يكون)).
[129] في (م) و(ل): ((في)).
[130] زاد في (ج): ((منه من هنا إلى هنا))، وفي (م): ((فيقبض)).
[131] في (ج) و(م) و(ل): ((الفضة والذهب)).
[132] في (م): ((عند)) بلا واو.
[133] في (م): ((ناس)).
[134] في (ل): ((الكلام عليه)).
[135] قوله: ((في الأحاديث)) ليس في (ج) و(م).
[136] في (م): ((تبين)).
[137] في (ج): ((بعينه)).
[138] في (ج): ((بعينه فبقوله)) وفي (ل): ((نفسه فبقوله)).
[139] في (م): ((ها هنا)).
[140] في(ل): ((أنَّ الفرات تنحصر على جبل من جبل)).
[141] قوله: ((من)) ليس في (م) و(ل).
[142] قوله: ((بعد)) ليس في (ل).
[143] قوله: ((منه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[144] في (ط): ((في أمس)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[145] قوله: ((منك)) ليس في (م)، وقوله: ((فيقال له: لو جئت بالأمس أخذناها منك)) ليس في (ل).
[146] في (ج) و(م) و(ل): ((بقوله)).
[147] في (ج): ((إلا وملكا))، وفي (ل): ((وبجنبتيها ملكان)).
[148] قوله: ((أحدهما)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[149] في (ج) و(م) و(ل): ((أعط)).
[150] في (ج) و(م) و(ل): ((لممسك)).
[151] في (ج) و(م) و(ل): ((أكثر)).
[152] قوله: ((العلة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[153] في (م): ((صدقة)).
[154] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[155] في (ج): ((فما)).
[156] في (م): ((انجوا)).
[157] في (ج) و(م) و(ل): ((مشمر للنجاة)).
[158] في (ف): ((المصدَّق)).
[159] قوله: ((وهو أنه)) ليس في (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[160] في (ل): ((لما عمل)).
[161] في (ل): ((أنفسهم)).
[162] في (ج): ((صيروا الأواني منها أخر)).
[163] قوله: ((منها)) ليس في (م).
[164] في (ج) و(م) و(ل): ((فمتاعها)).