بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا

          3- (وَعَن(1) عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ(2) ☺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ(3): بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ تعالى، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ(4)، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثمَّ سَتَرَهُ اللهُ ╡ فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ. فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ)(5). [خ¦18]
          ظاهر الحديث يدلُّ على أنَّ مَنْ وقع في شيء ممَّا نُهي عنه فاقتُصَّ منه أنَّ القصاص يُسقِط عنه في الآخرة وِزْرَه ويُكفِّر ذنبَه، وقد اختلف العلماء في ذلك هل يسقط أم(6) لا؟ على قولين، والحديث دليل لمن قال منهم بالإسقاط؛ لأنَّه نصٌّ في موضع الخلاف والكلام عليه مِن وجوه:
          الوجه / الأوَّل: قوله صلعم : (بَايِعُونِي) هذه البيعة يُحتاج(7) فيها إلى بيان: ما هي(8) في الاصطلاح العُرْفي؟ وكم أنواعها؟ وما حقيقة معناها؟ وما المقصود بها في هذا الموضع؟ وما الفائدة فيها؟ وما الحكمة في وضعها على هذا الأسلوب؟ ولمن تجب؟ وبماذا تجب؟ وعلى مَن تجب؟(9) وشروط الإجزاء فيها، وبماذا تصح؟ وبماذا تَفسد؟
          فأمَّا أنواعها فهي على ضربين: عامَّة وخاصَّة، والعامة منها على وجوه وهي أيضًا على ضربَينِ: منها ما يصِحُّ(10) دون شرط(11)، ومنها ما لا يصِحُّ إلَّا بشروط، فالذي(12) يصِحُّ منها بغير شروط هي(13) مثل ولاية(14) الأب على ابنه(15)، والرَّجل على أهلِه وعبيده، لأنَّ هذه قد صَحَّتْ بأمر مِن الله تعالى(16) فلا تحتاج إلى شروط وسيأتي بيان(17) ذلك في الكلام على الحديث(18) الذي قال فيه صلعم : «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
          والتي لا تصِحُّ إلَّا بشروط فمنها: ما هي ثابتة والشُّروط تأكيد لها ولوجه ما مع ذلك اقتضته(19) الحكمة الرَّبانيَّة، ومنها: ما هي ثابتة والشُّروط تأكيدٌ للحقِّ وزيادةُ حقٍّ ثانٍ.
          فأمَّا التي هي ثابتة والشُّروط تأكيد له(20) ولوجه ما مع ذلك بمقتضى الحكمة الرَّبانيَّة(21) فهي(22) مثل بيعة {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172]. لأنَّ كلَّ بيعة عَهْدٌ، فَبِذَات الرُّبوبيَّة ثبت الحق على العبودية، وهذه البيعة هنا تأكيد للحقِّ ولوجهٍ ما اقتضته الحكمة وهو تعليق التَّكليف بهذه البيعة ليُثَاب على الامتثال ويعاقب على الضد(23) علَّة شرعية لا عقلية ولا عِلمية(24)، ولهذا المعنى أشار صاحب «الأنوار» بقوله: «فرض في فرض لفرض لازم»، يريد: أنَّ(25) الفرض وجب على العبودية بنفس إيجاد الإلهيَّة لهم، ثمَّ تأكَّد بالعهد المأخوذ عليهم في هذا الموطن المذكور. والفرض اللازم هو: ما حكم ╡ / مِن الحكم المحتوم أن لا يستقر في دار كرامتِه إلَّا مَن امتثل أمرَه وَوَفَى بعهدِه أو ببعضِه، ويسامحه(26) ╡ مِن طريق الفضل والْمَنِّ في البعْضِ(27)؛ لقوله ╡ : {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].
          هذا ما هو مِن طريق المنِّ والفضل، وأمَّا العَدل فهو ما تضمَّنَه قوله ╡ في كتابه جوابًا لعيسى ◙ : {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة:119].
          وأمَّا التي هي ثابتة والشروط تأكيد للحقِّ وزيادة حقٍّ(28) ثانٍ فهي مثل البيعة للنَّبيِّ صلعم ؛ لأنَّه لمَّا أنْ(29) أرسله ╡ ثبتت البيعة له لقوله ╡ في كتابه: {النَّبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، فقد قدَّمه ╡ عليهم، فالبيعة(30) له ◙ تصديق منهم لرسالتِه وإذعان لحكمه(31)، وتصديقهم له تأكيد(32) لِمَا مَنَّ الله به عليه(33).
          وأمَّا التي لا تصحُّ إلَّا بشروط، والشُّروط هي الموجبة لها فهي على نوعين: إمَّا بتقديم الخليفة لشخص يرتضيه للمسلمين بَعْدَه كما فعل(34) أبو بكر ╩ في توليتِه عمر ╩ بعده، وإمَّا بإجماع(35) المسلمين عليه بعد موت الخليفة، كما فعل الصحابة رضوان(36) الله تعالى عنهم في اجتماعهم على عثمان ╩ بعد موت عمر ╩، فهذا حُكْمٌ ثابتٌ إلى يوم القيامة لقوله صلعم : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ بَعْدِي».
          وأمَّا الخاصة منها فهي(37) ما بَيَّنَ الشَّارع ◙ في الجماعة إذا سافروا أن يُقدِّموا رجلًا منهم عليهم وكذلك ما في معناه، لأنَّ ذلك كان لوجهٍ خاص ويتبيَّن ما فيه مِن المنفعة ببيان منفعةِ العامة إذا ذكرناها إن شاء الله تعالى، لأن فيها شَبَهًا منها.
          وأمَّا(38) حقيقة معناها على التَّقسيم المتقدِّم فهي بيع مِن البيوع، لأنَّه صلعم / قال: (بَايِعُوْنِي) ولم يقل: (عاهِدوني)، وهذا النَّصُّ يتضمَّن بمعناه شيئًا مِن أوصاف الرِّقِّ على ما أبيِّنُه(39) إن شاء الله تعالى.
          فإذا كانت بيعًا مِن البيوع فيحتاج إذًا(40) إلى بيان المبيع ما هو؟ والثمن ما هو؟
          فأمَّا المبيع في هذا الموضع فهو ترك ما للنفس مِن الاختيار وتفويض الأمر لصاحب(41) البيعة ليتصرَّف صاحبُ البيعة فيمَن بايعَه بحسب ما أمره الله ╡ ، وهذا ضرب مِن الرِّقِّ؛ لأنَّ السيد قد مَلَكَ(42) رقَبَةَ العبدِ فلم يبقَ للعبدِ اختيارٌ ولا تصرُّفٌ، لأنَّ مَن مَلَكَ الرقبة فقد مَلَكَ جميع المنافع، فأشبه ذلك العبد في انقياده دون استرقاق الرقبة وبقي المال لمالكه لا لصاحب البيعة ليس(43) كما هو مال العبد لسيِّده(44)، لأنَّه لم يشبه العبودية إلَّا في الذي ذكرناه لا غير.
          وأمَّا الثمن على هذا البيع على أيِّ(45) وجه كان مِن الوجوه المتقدِّم ذكرها فهو (الجَنَّة) بشرط التَّوفية فيها؛ لقوله صلعم في بيعة العقبة إذ سأله الصَّحابة ♥ على ما لَهُم مِن العِوَض على بيعتهم فقال: ((الجَنَّةَ)) فقالوا: رَضِينا لا ننقُضُ البيع، فقد سمَّى الشَّارع ◙ البيع والثمن والمُثَمَّنَ(46)، وكذلك كلُّ مَن بايع بيعة(47) بعد ذلك على مقتضى لسان العلم على التَّقسيم الذي ذكرناه فهذا ثمنه إذا(48) لم يقع نقضُها، لأنَّ(49) كل بيعة مِن البيوع التي ذكرنا(50) إنَّما هي تجديد(51) لبيعة النَّبيِّ صلعم وتأكيد لها، وبيعة النَّبيِّ صلعم بيعةٌ لِلَّهِ تعالى(52) لقوله ╡ في كتابه العزيز(53): {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّما يُبَايِعُونَ اللهَ} [الفتح:10]. وبيعتهم لله تعالى وفاء وتأكيد لبيعةِ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172].
          وأمَّا(54) المقصود بها في هذا الموضع على التَّقسيم المتقدِّم فهو(55) تقبيل / اليد على الأوصاف المذكورة في الحديث بعد. ويتعلَّق بهذا النوع مِن الفقه أنَّ للخليفة أن يُجدِّد بيعة أخرى على وجه ما مِن المصالح الدِّينية إذا ظهر له ذلك مصلحة لمن ظهر له كان(56) بالخصوص أو بالعموم، لأن(57) معنى البيعة في هذا الموضع تأكيد على الوفاء بما تقتضيه الألفاظ المذكورة بعدُ، وسأبيِّن ما(58) الحكمة في ذلك إن شاء الله تعالى.
          وأمَّا(59) الفائدة فيها على التقسيم المتقدِّم _أعني في أنواع البيعة مطلقًا لا في هذه الخاصَّة_ لأنَّ الكلام على الفائدة(60) الخاصة يأتي(61) في بيان ألفاظ الحديث إنْ شاء الله تعالى فهي جَمْع(62) كلمة المسلمين، لأنَّه إذا دار الأمر على واحد كان أجمعَ للأمر وأعظمَ للفائدة، لأنَّ في ذلك نكايةً للعدوِّ وعونًا على إقامة أحكام الله تعالى وحدودِه، ولهذا قال صلعم : «يَزَعُ(63) اللهُ بالسُّلطانِ ما لا يَزَعُ بالقرآنِ».
          وأمر بقتال العدو مع كلِّ برٍّ وفاجرٍ مِن الولاة، وأمر بحفظ البيعة وقال: «وإنْ كَانَ أَسْودَ ذا(64) زَبِيْبَتَيْنِ، مفتوحَ(65) الخَيْشُوْمِ، فاسْمَعْ وأَطِعْ وإنْ ضربَ الظَّهْرَ وأخذَ المالَ» فقيل: يا رسول الله: أرأيتَ إنْ ولِّي علينا أمراءُ يطلبونَ مِنَّا حقوقهم ولا يُعْطُونا حُقُوقَنا؟ فقال ◙ : «أَعْطُوْهُمْ حُقُوقَهَمْ، واطْلُبُوا حُقُوقَكُمْ مِنَ اللهِ، فإنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وذلك لِمَا يترتَّب عليه مِنْ عزِّ الإسلام وإظهار الأحكام وقمعِ الأعداء، والتَّشتيتُ يوجب ضدَّ ذلك. وأمَّا الحكمة في وضعها على هذا الأسلوب: على التَّقسيم المتقدِّم وهو تقبيل اليد فلفوائد:
          الفائدة الأولى: أنَّ في ذلك تحصيل المقصود بالأمر اليسير، وتحصيل المقصود بالأمر اليسير(66) / أولى مِن تحصيلِهِ بالأمر الكثير سيَّما(67) إذا كان مقتضى الأمر مِن عالَمٍ كثير(68).
          الثَّانية: أنَّ بعض الأقوال قد يَصْطَلح(69) صاحبُها في اعتقادِه لأمر ما مخالفًا لِمَا قُصِد منه، وقد اختلف العلماء في المبتدئ للكلام إذا نوى(70) شيئًا ووارى عليه هل يَلزمُه ما نوى أو صيغةُ اللفظ؟ على قولين: فقرَّر الشَّارع ◙ هذه البيعة بفعل، لأنَّ الفعل إذا ثبت له حكمٌ خاصٌّ مِن الشَّارع ◙ لم ينفع فيه التَّأويل، ولو جعل صلعم هذه البيعة بأيمان لكان كلُّ واحد(71) مِن النَّاس باختيار نفسِه متى أراد خَرج عن البيعة، لأنَّ الأيمان قد جُعِلت لها كفَّارات، فإذا أراد المبايعُ(72) النقضَ في البيعة كَفَّرَ عن يمينِه وارتفع الإثمُ عنه، فجعل صلعم هذه عهدًا وشبَّهها(73) بالبيع كما ذكرناه، لأنَّ المتَبايعَين ليس لأحدهما خيار دون صاحبه، والعهد ليس فيه ثُنْيا ولا كفَّارة فجعلت هذه البيعة بهذين الوجهَين الشَّديدَيْن تحضيضًا على حفظ فائدة الخاصَّة والعامَّة للمؤمنين.
          الفائدة(74) الثَّالثة: أنَّ في ذلك رفع الذِّلة عن(75) المؤمنين، لأنَّه لو كُلِّفُوا أن يقولوا معنى هذه البيعة كما قدَّمناه، وهو أن يقول البائع(76) :قد ملَّكتك قيادي وأنا لك مثل العبد وأنت المتصرِّف فيَّ كيف شئتَ، لكان يعزُّ على بعض النَّاس النطق بذلك، وقد يعجِز بعضهم عنه فرُفِعت تلك الكُلفة بأدنى إشارة وهذا مِن بديع الحكمة: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].
          وأمَّا قولنا: ولمن تجب على التَّقسيم المتقدِّم؟ فتجب لله ولرسوله صلعم، ولمن ولَّاه(77) الله ذلك بمقتضى لسان العلم على ما ذكرناه قبلُ بتوليةٍ أو باجتماع المسلمين عليه. /
           وأمَّا قولنا: بماذا تجب على التَّقسيم المتقدِّم؟ فتجِب بالإسلام والذُّكوريَّة(78) والعقل وبلوغ(79) حدِّ التَّكليف، والأهلية للمعرفة بمصالح النَّاس وذبِّ العدوِّ، وخشية الله تعالى.
          وأحد الشَّرطين المتقدِّمين: وهي(80) إمَّا بتولية مِن الخليفة أو باجتماع(81) المسلمين عليه، يشهد لذلك قول النَّبيِّ صلعم للصحابة ♥ حين ولَّى أسامة وتكلَّم بعضهم فيه فقال: «إِنَّكُم طَعَنْتُمْ فيه وفي ولايةِ أبيهِ قبلُ، وإنَّه لَجَديرٌ(82) بها لِـمَا كانَ فيه مِن الدِّينِ والخشيةِ لله ╡ والشَّجاعةِ»، وأسامة بحيث لا يُجهَل حالُه، كفى له مِن الفضيلة خدمتُه لخير البشر فلم يلحَظ ◙ كونَه مِن الموالي لمَّا كانت فيه(83) الشروطُ المتقدِّم ذكرها.
          وإنَّما قلنا: إنَّها تَجِب بالإسلام لقوله ╡ : {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]. ولقوله صلعم : «الإسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى عَلَيْهِ».
          ويترتَّب على هذا النوع مِن الفقه أنَّ مَنْ ولَّاه الله تعالى شيئًا مِن أمور المسلمين كانت التَّولية خاصَّة أو عامَّة أن لا يولِّي عليهم مَن ليس بمسلم، إذ إنَّه لا يجوز بدليل ما ذكرناه مِن الكتاب والسنَّة، وإنَّما اشترطنا (الذُّكورية) فيها(84) لقوله ◙ : «مَا أَفْلَحَ قومٌ ولَّوا أَمْرَهم امرأةً».
          وأمَّا ما ذكرناه مِن بقيَّة الشروط؛ فلأنَّه خليفةٌ عن(85) الله تعالى ولا يكون خليفةٌ عن الله تعالى حتى تكون فيه أوصاف ينال بها الخوف مِن الله تعالى والمعرفة بأحكامه والقدرة على توفية ذلك.
          وأمَّا قولنا: على مَن تجب؟ على التَّقسيم المتقدِّم، فتجب على كلِّ ذكَرٍ حُرٍّ(86) بالغٍ عاقلٍ إذا لم يكن في عُنُقه بيعةٌ للغير، وحقُّ البيعة باقٍ عليه؛ لأنَّ النِّساء والصبيان والعبيد تحت حُكم الرجال، لأنَّهم(87) تحت إيالتهم، فبيعة الرِّجال بيعة عنهم وعن(88) كل / مَن تحت إيالتهم مِن النِّساء والعبيد والصبيان.
          فإنْ قال قائل: قد بايع النِّساءُ النَّبيَّ(89) صلعم فيجب اطِّراد ذلك الحكم، قيل له: ذلك خاصٌّ للنَّبيِّ(90) صلعم، لأنَّه إنَّما فعل ذلك جبرًا لقلوبهنَّ، لأنَّهنَّ طلبنَ منه البيعة تبرُّكًا، ففعل ذلك جبرًا لهنَّ. ومع أنَّ بيعتَه صلعم لهنَّ(91) لم تكن على صفة بيعة الرِّجال بدليل قول عائشة ╦ في حديث مسلم: ((إنَّما(92) كانَتْ بَيْعَتُهُ لَهُنَّ بالقولِ لا باليدِ)). ويدلُّ(93) على خصوصيتِه ◙ بذلك أنَّ الخلفاء رضوان الله تعالى عليهم قد وقعت لهم البَيْعات مرارًا بعد النَّبيِّ صلعم ولم يُنْقَل عن أحد(94) أنَّه بايع النِّساء.
          وأمَّا شروط الإجزاء فيها على التَّقسيم المتقدِّم فهي ثلاث شروط: قولٌ، وعملٌ، واعتقادٌ.
          أمَّا القول: فتسميتها (بيعةً) قَبْلَ تقبيل(95) اليد، ويُجزئ في ذلك لفظُ واحدٍ مِن الجماعة عن الكلِّ مرَّةً واحدةً في ابتداء الأمر إذا كان فعلهم في فَوْرٍ(96) واحد متَّصل.
          وأمَّا العمل: فهو تقبيل اليد إِثْرَ القول مِن الكلِّ كما فعل عمر ╩ مع أبي بكر ╩ في _سقيفة الأنصار_ حين قال له: مُدَّ يدَك نبايعك، فمدَّ أبو بكر يده فبايعَه عُمَرُ ومَن حضر هناك في ذلك الموطن مِن حينهم، فأغنى لفظ عمر ☺ مرَّة واحدة عنه وعن كلِّ مَن حضر ذلك الموطن.
          وأمَّا الاعتقاد: فهو أن يكون(97) امتثالًا لأمر الله ╡ ولرسوله صلعم، لأنَّها مِن جملة المأمور به(98) شرعًا لا يُراد بها غير ذلك لقوله صلعم : «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». وعدَّ فيهم: «رَجُلًا بايعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لدُّنْيَا(99)، فإنْ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ».
          وأمَّا قولنا: بماذا تصحُّ؟ على التَّقسيم(100) / _أعني: بماذا يصحُّ لصاحبها ما أُعِدَّ له مِن الخير ويكون خليفةً حقًا بمقتضى لسان العلم؟_ فهو أنْ يتَّقي الله ╡ فيما كَلَّفَه وأن يُوفي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه على مقتضى ما أمره(101) الله تعالى به، ويبذل جهده في نصحِه لمن استرعاه الله تعالى إيَّاه، ويحفظهم ابتغاءَ مرضاة الله تعالى، لا أنْ يكون(102) له حَظوة عليهم ولا يتكبَّر ولا يتجبَّر ولذلك قال صلعم : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وعدَّ منهم(103) الملك العادل.
          وكذلك كانت سنَّة النَّبيِّ صلعم، لأنَّه صلعم كان(104) يقعد مع الصَّحابة(105) ويحدِّثهم، ويقعد مع الخادم، ويطحَنُ معها، وكذلك كان الخلفاء رضوان الله تعالى عليهم بعده، مِثْلَ ما حُكِيَ عن عمر ╩ أنَّه كان يحرس المدينة(106) بنفسِه فخرج(107) في بعض الليالي بعض أصحابه(108) يُعِينه على ذلك، فمرَّ معه ما شاء الله ثمَّ أشار إليه عمر أن اقعُدْ هنا فقعد ينتظره فدخل أمير المؤمنين عمر ╩(109) في خَرِبة فعلَّم صاحبه على تلك(110) الخَرِبة، فلـمـَّا كان مِن الغد أتى تلك الخَرِبة فوجد فيها(111) عجوزًا مُقعدة عَمْياء، فسألها: مَنِ(112) الشخص الذي يأتيك ليلًا وما يَصْنعُ عندك؟ فقالت: لا أعرف إلَّا أنَّ(113) شخصًا يسوق لي(114) غذائي ويُخرِج عنِّي أذاي، فقال في نفسه: أَعَثَراتِ عمرَ تَتَّبِعُ؟!
          ومثل هذا عنه(115) وعن غيره مِن الخلفاء كثير، وإنَّما ذكرنا هذه الحكاية إشارةً وتنبيهًا على طريقهم المبارك(116) الذي هو طريق الحق والصراط المستقيم.
          وأمَّا قولنا: بماذا تفسد(117)؟ على التَّقسيم المتقدِّم وهو آخر التَّقسيم فالكلام فيه على نوعين: خاصٌّ وعامٌّ(118):
          فالخاصُّ: هو ما يخصُّه هو(119) في نفسِه مِن أفعالٍ يفعلها فتذهب(120) عنه تلك الخيرات المذكورة قبلُ مع إبقاء الخلافة عليه، وهي(121) أن يفعل شيئًا مِن الظلم أو يُغَيِّرَ حُكْمًا مِن أحكام الله ╡ أو يجور في الحكم، أمَّا الظُّلم / فلقوله صلعم : «إنَّ الظالمَ يُحْشَرُ مغلولَ اليَدَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ لا يَفُكُّهُمَا(122) إلَّا عَدْلُه». وأمَّا تغيير الحكم: فلقوله صلعم : «إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِواءٌ عند اسْتِه(123) بِقَدرِ غَدْرَتِهِ، يُنادَى عليهِ: هذهِ غَدْرَةُ فلانِ بنِ فلانٍ وكذلك كلُّ مَنْ غدرَ في صغيرة أو كبيرة لواؤه(124) بقدر غَدرتِه». وأمَّا الجَور(125) في الحكم فلأنَّه إذا كان الملِكُ العادلُ أعلى النَّاس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث، فكذلك أبخس النَّاس منزلة يوم القيامة ضِدُّه وهو الجائر بمقتضى السُّنَّة.
          وأمَّا العام الذي يجب على جميع مَن بايعَه به(126) خَلعُهُ مِن تلك البيعة وقَتلُه(127) فهو ترك الصَّلاة لقوله صلعم حين قيل له: (أَرَأَيْتَ إنْ ولِّي علينا أمراءُ فُسَّاق أنقتلهم؟(128)، فقال صلعم : «لا، ما صَلُّوا(129)» فكان ذلك(130) دليلًا على أنَّهم مهما صلَّوْا لم يُقتَلوا، ومتى تَرَكوا الصَّلاة قُتِلوا، ولأنَّه قد تقرَّر في الشَّريعة أنَّ مَن ترك الصَّلاة قُتِل، ولا فرق في ذلك بين الآمر(131) والمأمور؛ لأنَّ(132) حكم الله ╡ يتناول الكُّلَّ، وتارك الصَّلاة مرتدٌّ(133)، والمرتد كافرٌ، والكافر لا تجوز ولايته على المسلمين كما تقدَّم.
          الوجه الثَّاني: قوله صلعم : ((عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بالله شَيْئًا)) هذا لفظ(134) عام، لأنَّ (الشيء) يتناول القليل والكثير، وبتخصيص هذا اللفظ افترقت الشِّيع كلها، وبتحقيقِه والعمل على عمومِه بانت(135) الفِرقة المحمَّديَّة النَّاجية مِن تلك الشِّيع كلِّها، يدل على ذلك(136) قوله ◙ : «افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ(137) أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهُا فِي النَّارِ إلا وَاحِدَةً، مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».
          فأراد ◙ هذه(138) البيعة هنا بشروطها لكي تتبيَّن(139) بها طريقُه وطريقُ(140) أصحابه، لأنَّهم المخاطبون بهذه البيعة، / فتتبيَّن(141) بذلك الفرقة النَّاجية، فمَن تَبِعهم في حقيقة هذا العموم المذكور(142) كان منهم، وإلَّا كان مِن(143) المخالفين(144) لهم بحسب تخصيصه لذلك العموم كان قليلًا أو كثيرًا، فعلى هذا فتحتاج(145) إذًا إلى بيان بعض هذه الطرق الفاسدة، وكيف تخصيصُهم لذلك العموم ليتبيَّن بذلك ما عَدَاهم مِن أهل الطرق الفاسدة.
          ولولا التَّطويل لذكرناهم قِسمًا قِسمًا، ولكن بالمثال لمن له نظر يتبيَّن له الباقي مع أنَّه لا بدَّ لنا مِن بيان الطريق المحمَّدي، وتبيين الفرقة النَّاجية، وبتبيينِ ذلك يتبيَّن(146) ما عداه مِن أنواع المخالفات، ولكن نذكر منها شيئًا زيادة بيان وإيضاح لفساد مذاهبهم وكيفية سوء اعتقادهم.
          فمِن جملة الشِّيع المخصِّصَة لهذا(147) العموم الذي(148) به مَرقوا مِن الدِّين: هم (القَدَرِيَّة)، لأنَّهم يقولون بخَلْق أفعالهم وهذا منهم خطأ واضح بدليل النَّقل والعقل.
          أمَّا العقل: فقد أجمع العقلاء على أنَّ خالق الوجود واحدٌ ليس له ثان.
          وأمَّا النَّقل: فقوله ╡ : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]. وهم قد جعلوا لله تعالى شركاءَ عددًا لا يحصره إلَّا هو ╡ ، فلم يحصل منهم الإيمان بمقتضى هذا العموم، ولأجل ذلك بكى ◙ حين ذكرهم وقال: «تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا(149) يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» وسمَّاهم: «مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ».
          ومنهم (الجبريَّة): لأنَّهم يقولون بأنْ لا أفعالَ لهم، وأنَّهم مُجْبَرون على الأفعال كلها دِقِّها وجلِّها، ولا تأثير لفعلهم في شيء منها، ويقولون بأنَّ الله تعالى إذا عذَّبهم على المعاصي فهو ظالمٌ لهم، لأنَّهم في زعمهم لم يفعلوا شيئًا، وهذا منهم جحد للضرورة وتكذيب للتنزيل(150).
          فأمَّا جَحْد الضَّرورة فهو ما / يتصرَّفون فيه بحواسهم واختياراتهم ونحن نشاهد ذلك منهم عَيانًا، وأمَّا التَّنزيل فقوله ╡ : {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال:17]. وقوله ╡ : {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64]. فأثبت ╡ الفعل للعبد، وأثبت الفعل لنفسِه معًا.
          فأمَّا ما هو مِن فعل العبد فهو أنَّ النَّبيَّ صلعم أخذ غَرْفة مِن ترابٍ بيده ثمَّ رماها وهذا حقيقة فعلٍ مِن البشر مَرئيٍ محسوس(151).
          وأمَّا ما هو مِن فعل الربِّ ╡ فهو أنَّ تلك الغَرْفة ليس للبشر قوَّة على إيصالها(152) إلى جميع أعين الأعداء، وقد وصلت لجميع أعينهم حتى أوقعت(153) الهزيمة فيهم.
          يُبيِّن هذا المعنى ويزيده إيضاحًا قوله ╡ : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان:30]. فأثبت ╡ لنفسِه المشيئة(154) ولخَلقِه مشيئةً، لكنَّ مشيئة خَلقِه لا تتمُّ إلَّا بمشيئتِه ╡ ، هذا ما هو مِن طريق النقل والمشاهدة.
          وأمَّا مِن طريق العقل والنَّظر فما يجد الإنسان في نفسِه مِن الفرح(155) إذا شاء(156) شيئًا فساعَدَتْهُ القدرة على بلوغه ففرح(157) بذلك لنفوذ مشيئتِه وبلوغ أملِه، فإذا شاء شيئًا ولم تساعده(158) القدرة على نفوذه حزِنَ لعدم نفوذ مشيئته، فهذا أدلُّ(159) دليل على أنَّ للعبد مشيئة(160)، وما جعل الله ╡ لعبيده(161) مِن المشيئة، وربط الأسباب بالمسبَّبات، وربط العوائد في بعض الأشياء بما جرت فهو أثرُ حكمتِه، وحكمتُه ╡ وصفٌ قائم بذاتِه فإنكارُهم لهذه الصفة تخصيص لذلك العموم.
          ومنهم (الْمُجَسِّمَةُ): لأنَّهم يقولون بالجِسم والحلول، ومُعْتَقِدُ هذا لا يصحُّ منه الإيمان(162) بعموم اللَّفظ المذكور في الحديث، لأنَّه لا يصحُّ الإيمان بمقتضى لفظ الحديث حتَّى يصحَّ الإيمان به ╡ بمقتضى / ما أخبر به ╡ عن نفسِه حيث يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. و(شيء) ينطلق على القليل والكثير وعلى كلِّ الأشياء(163)، فمَن خَصَّصَ هذا العموم وهو قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. لم يصحَّ منه الإيمان بعموم لفظ الحديث وإن ادَّعاه، لأنَّ مَن لا يعرف معبودَه كيف يصحُّ له الإيمان به؟ وذلك(164) محال.
          ثمَّ نرجع الآن إلى البحث معهم في بيان اعتقاداتهم الفاسدة بإشارة النَّاظر(165) فيها بالتناصف تكفيه فنقول:(166) ادِّعاؤهم الجسمانيَّة والحلول _تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّا كبيرًا_ لا يخلو أن يدَّعوا(167) ذلك مِن طريق المشاهدة، أو مِن طريق الأخبار، أو مِن طريق القياس بالنَّظر العقليِّ ولا رابع.
          فإن ادَّعوا المشاهدة فذلك باطلٌ بالإجماع ولا مخالف(168) فيه، لا بَرٌّ ولا فاجرٌ، وإن ادَّعوا الأخبار وتعلَّقوا بقولِه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فباطلٌ أيضًا، لأنَّ هذا اللفظ مُحْتَمِلٌ لأربعة مَعانٍ وتأويلهم الفاسد خامس لها فكيف تقوم لهم حجة بلفظ محتَمِل لخمسة مَعانٍ، والحجَّة لا تكون إلَّا بدليل قطعي، ومع ذلك الأربعة(169) معان لها دلائل تقوِّيها وتوضِّحها مِن طريق(170) النقل والعقل؟ وتأويلهم الفاسد عليه(171) دلائل تُضعِفُه مِن طريق العقل والنقل(172)، وكيف يكون المرجوح دليلًا يُعمل به ويُترك الرَّاجح؟ هذا مِن أكبر الغلط، ثمَّ نذكر الآن تلك الوجوه وما يشهد لها مِن طريق العقل والنقل(173).
          فأوَّلها: أنَّه قيل في معناه عَمَدَ إلى خَلْق العرش كما قال ╡ : {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11]. أي عَمَدَ إلى خَلْقها، والحروف في لسان العرب سائغ إبدال بعضها مِن بعض، يدلُّ على ذلك قوله ◙ في حديث الإسراء: ((فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادسةِ)) _يريد: (إلى السَّماء السَّادسة)_ وسنذكر ذلك في موضعِه إنْ شاء الله تعالى، ونشير هناك إلى شيءٍ مِن فساد مذاهب الشِّيع كلِّها، ونشير / إلى بيان طريقة(174) الفرقة النَّاجية في سلامة اعتقاداتهم.
          الثَّاني:(175) قيل في معناه السُّمُوُّ والرِّفعة كما يقال: علا القومَ زيدٌ، أي: ارتفع، ومعلوم أنَّه لم يستقرَّ عليهم قاعدًا، وكما(176) يقال عَلَتِ الشَّمس في كبد السَّماء أي: ارتفعت وهي لم تستقرَّ، يشهد لذلك قول جبريل(177) ◙ للنَّبيِّ(178) صلعم حين سأله: ((هَلْ زَالَتِ الشَّمْسُ؟، فقال جبريل(179) ◙ : لا، نعم. فقال له النَّبيُّ صلعم : لم قلتَ: لا، ثمَّ قلتَ: نعم؟ فقال: بينما قلتُ لكَ لا، جَرَتِ الشَّمسُ مسيرةَ خمسمائة سنة(180)))، وقد نصَّ الله تعالى على ذلك في كتابه العزيز(181) حيث قال: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لها». على قراءة مَن قرأها بالنفي.
          الثَّالث: قيل في معناه: الحكم والقهر، كمَا يقال: استوى زيد على أرض كذا، أي: مَلَكَهُم وقَهَرَهُم.
          الرَّابع: قيل: إنَّه اسم مِن أسماء الله تعالى، ولم يصحَّ اسمه بذلك حتى تمَّ خَلْق العرش فسُمِّيَ بهذه الجملة، كما سمَّوا الرجل بِبَعْلَبَكَّ، وكربِّ(182) العالمين، فلم يصحَّ هذا الاسم إلَّا بعد تمام الخلق. ومعنى (لم يصح): أي لم يصحَّ فَهمُه عندنا كما هو مِن أسمائه تعالى مغايرٌ(183) لِمَا غايَرَه ولم يصح اسمه به(184) إلَّا بعد ظهور الخلق. وقد قال بعض الصُّوفية في معنى هذا اللفظ شيئًا وهو حسنٌ لولا ما فيه مِن تكليف(185) مِن جهة العربية، فقال: (الرَّحمنُ عَلَا)، ووقف(186) هنا، ثمَّ قال: (العَرْش استوى).
          الخامس: ما ذهبوا إليه بتأويلهم الفاسد مِن أنَّ الموضع يقتضي الحلول والاستقرار، فانظر إلى هذا النظر الفاسد كيف يصحُّ مع هذه الوجوه الظاهرة؟! وكيف يصحُّ مع مقتضى لسان العربية التي تقتضي(187) الحقيقة والمجاز؟ فجعلوا هذا حقيقة لا تقتضي(188) المجاز، ولم ينظروا إلى دليل يخصِّص(189) أحدَ الوجهين الحقيقة أو المجاز، فَضَعْفٌ مركَّبٌ / على ضعف، وكيف يسوغ اعتقاد هذا الوجه المرجوح مع عموم قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ [الشورى:11]. كفى بعموم هذه الآية دليلًا على أنَّ(190) ما تأوَّلوه ليس بحقيقي، فأبطلوا نصًا لا يحتمل التَّأويل، وعمومًا لا يحتمل التَّخصيص وهو قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. بأحدِ خمسٍ محتَمَلات على ما تقدَّم وهو مرجوحها(191).
          وأمَّا ما احتجَّ به بعضهم لمذهبهم الفاسد بما روي عن الإمام مالك ⌂ لمَّا أن سُئِلَ عن حقيقة (الاستواء) ما هو؟ وكان مِن بعض جوابه(192) هذا مُشْكِل، وليس(193) لهم في ذلك حجَّة؛ لأنَّه سُئل عن تحقيق شيءٍ محتمِل لأربعة أوجه صحيحة وهي ما ذكرناه أولًا، فأجاب: بأن قال: هذا مشكلٌ؛ لأنَّ تخصيص أحد تلك المحتَمَلات الأربعة وكل واحد منها صحيح فترجيح أحدها على الثلاثة بغير دليل هو المُشْكِل، وكان(194) تأويلهم على الإمام فاسدًا بغير ما ذهب إليه الإمام كما تأوَّلوا ذلك في الكتاب فاسدًا.
          وأمَّا ما احتجُّوا به لمذهبهم الفاسد بقول ابن أبي زيد _⌂_ في العقيدة التي ابتدأ «الرِّسالة» بها بقوله: (وأنَّه فوقَ عرشِه، المجيدُ بذاتِه)، فلا حجَّة لهم فيه أيضًا(195)، لأنَّهم خفضوا(196) (المجيد) وجعلوه صفة (للعرش) وافتَروا على الإمام بذلك، والوجه فيه رفعُ (المجيد)؛ لأنَّه قد تمَّ الكلام بقولِه: فوق عرشِه، (والمجيدُ بذاتِه) كلام مستأنَف وهو مِن غاية التَّنزيه؛ لأنَّ مجدَ الله تعالى بذاتِه لا مكتَسَبًا، ومجدُ عباده مكتَسَب، فافتروا على الإمام هنا كما افترَوا على الآخر هناك، وكيف يجوز مِن طريق الدِّين والعقل(197) لمن له عقل أن يقول(198) في لفظ محتمِل لوجهين(199) مِن طريق العربية أن يقول عن أحدهما وهو الفاسد: هذا(200) أراد القائل، وهذا ممنوع شرعًا، لأنَّ المؤمن لا يُحْمَلُ(201) عليه السُّوء / بالاحتمال، وإنَّما يُحْمَلُ الأمر على أصلحه وهو الأليق(202)، أو يُحْمَل على ظاهره وهو(203) الاحتمال للوجهين معًا وهو أقلُّ المراتب.
          وأمَّا البحث معهم مِن طريق العقل والنظر فلا يخلو أن يدَّعوا أنَّ لهم على ذلك دليلًا مِن طريق العقل والنظر أم لا، فإن ادَّعوا ذلك فهو منهم افتراء، لأنَّ أهل العقل قد أجمعوا على أنَّ موجد الوجود(204) غيرُ محتاج لِما أوجدَه، لأنَّه لو كان محتاجًا لَمَا أَوْجَدَه كاحتياج مَن أوجده إليه لاستويا، ولم يكن للموجِد تفرُّد بالكمال دون مَن أَوْجَدَه وذلك محال.
          ثمَّ لا يخلو على زعمهم في(205) الانتقال والاستقرار أن يدَّعوا أنَّه ╡ كان قبل خلق العرش على شيء آخر غيرِهِ(206)، أو كان(207) غير شيء، فإن ادَّعوا أنَّه كان على شيء لَزِمهم أن يكون قبل ذلك الشيء شيء، وقبل ذلك الشيء شيءٌ إلى ما لا نهاية له(208)، وهذا باطل بالإجماع والعقل، ثمَّ لا يخلو أن يدَّعوا أنَّه لم يزل على شيء، أو أنَّه كان على غير شيء، وبعد ذلك انتقل على(209) تلك الأشياء مِن بعضها إلى بعض، فإن ادَّعوا أنَّه لم يزل على شيء لزمهم مِن ذلك سَبْقُ المخلوق للخالق وذلك مستحيل إجماعًا وعقلًا ونقلًا وشرعًا.
          وإن ادَّعوا أنَّه سبحانه كان أولًا على غير شيء، ثمَّ انتقل إلى تلك الأشياء بعضها بعد بعض فلا يخلو أن يدَّعوا أن يكون انتقاله إليها احتياجًا أو غير(210) احتياج.
          فإن ادَّعوا أنَّ ذلك كان للاحتياج(211) فقد سقط البحث معهم؛ لأنَّهم نَفَوا(212) ما يليق بصفة الرُّبوبيَّة من الجلال والكمال، ورجع محتاجًا كسائر المخلوقات وذلك مُحَالٌ بالإجماع مِن كل الطَّوائف مِن(213) المتكلِّمين وأهل العقل والنظر في حقِّ الباري جلَّ جلاله.
          وإن ادَّعوا أنَّ ذلك كان لغير احتياج لزمهم ِمن ذلك أنَّهم وصفوه ╡ / بصفة النقص، لأنَّ ما يُفْعل لِغَيْرِ احتياج كان عَبَثًا وهذه صفة النقص _وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا_.
          فإن ادَّعوا أنَّ ذلك كان لغير احتياج ولا عبث، وإنَّما كان ذلك(214) لوجه ما مِن الحكمة كما خلق الخَلْق وهو غير محتاج لهم وليس خَلْقُهم عبثًا، قيل لهم(215): الحكمة في الخَلْق قد بانت، وهي(216) ما أراد الله ╡ مِن تبيين أهل الشَّقاء وضدِّهم، وإظهار أوصاف القدرة التي ليس للعبيد(217) اتصالٌ إليها ولا معرفة بها إلَّا بالاستدلال بما ظهر من آثارها، وما يدَّعونَه ليس(218) للحكمة هناك دليل على ما ادَّعوه، بل الحكمة تقتضي ضدَّ ذلك لأنَّ مَن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ينبغي بدليل الحكمة أنَّ مَن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] أن لا يَحُلُّ في(219) شيء، ولا يَحُلُّ فيه شيءٌ(220)، ولا يخالِطُه شيءٌ لعدم(221) التَّناسب، فقد بان بُطلان ما ذهبوا إليه في هذه الثَّلاثة وجوه ولا رابع.
          وممَّا يزيد ذلك بيانًا قول سيدنا رسول الله صلعم : «لـمـَّا قَضَى اللهُ الخلقَ كتبَ في كتابٍ(222) فهو عِنْدَهُ فوقَ العرشِ: إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ(223) غَضَبِي» فيؤخذ مِن قولِه أنَّ الكتاب الذي كُتِب فيه هو(224) فوق العرش: أنَّ حكمتَه جلَّ جلاله اقتضت أنْ يكون العرشُ حامِلًا ومستودَعًا لِمَا شاء مِن أثر حكمتِه(225) وقدرتِه وغامض غَيبِه ليستأثر هو(226) جلَّ جلاله بذلك مِن طريق العلم والإحاطة عن جميع العالم كلِّه، فيكون ذلك مِن أكبر الأدلة على انفرادِه بعلم الغيوب الذي لا يعلم مفاتحها(227) إلَّا هو.
          وقد يكون هذا الحديث تفسيرًا لقوله ╡ : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. أي: أنَّ ما شاء(228) مِن أثر قدرتِه(229) وكتابِه هو الذي استقرَّ على العرش، لا ذاته الجليلة، ولو أراد ذلك لنعته(230) بالمصدر كما فعل في كلامه ╡ حيث قال: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. فأكدَّه ونعته(231) بالمصدر، لأنَّ العرب تقول: جاء / زيد، ويعنون(232) خبَرَه أو(233) كتابَه، فإذا أرادوه بذاتِه قالوا: جاء زيد نفسُه، فأثبتوا بذلك الحقيقةَ حقًا، فذهب ما زعموه بنظرهم(234) الفاسد والحمد لله.
          وأمَّا(235) ما ادَّعوه مِن (التَّجسيم) وتعلَّقوا(236) فيه بظواهر آيٍ وأحاديث، فليس(237) فيه حجَّة بدليل ما يتفصَّل به إن شاء الله تعالى. فمن جملة ما تعلَّقوا بظاهره بحسب نظرهم الفاسد قوله صلعم : «حتى يَضَعَ الجبَّارُ فِيْهَا قَدَمَهُ» وفي رواية: «سَاقَهُ»، قال علماء أهل السنَّة: في معنى هذا اللفظ عشرة أوجه، ونحن نذكر بعضها لكي يتبيَّن فساد ما ذهبوا إليه بها، وقد ذكرها _أبو البقاء_ في كتابه وغيره من الفقهاء.
          فمِن جملة(238) ما قالوا فيه: وهو أظهرها وأرجحها أنَّهم نقلوا عن أهل اللغة(239) أنَّ (الكافر) عندهم يسمَّى (قَدَمًا)، فإذا كانت هذه اللغة فكيف يعرجون عنها إلى غيرها؟! كفى بهذا الوجه الواحد ردًا عليهم.
          ومنهم مَن قال: كما أنَّه(240) سُمِّي الحجر الأسود (يمين الله)، وهو حجر مَرْئيٌّ مشاهَد لا خفاء فيه، لكن لمَّا أنْ كان مَن لَمَسَ(241) الحجر رُحِمَ وشهد(242) يوم القيامة لِلامسِهِ على ما جاء الخبر به سُمِّيَ (يمين الله) لكونِه رحمة، فكذلك لمَّا(243) كان ذلك موضع الغضب سمِّي(244) (قَدَمًا)، فلو لم يكن نقل اللغة وكان الموضع يحتمل عشرة أوجه مثل هذا الذي ذكرناه(245)، وما أشبهه وتأويلهم الفاسد أحدها على زعمهم كيف يسوغ أن يجزم بواحد دون التسعة(246) مع أنَّه هو أضعفُها؟ لأنَّه(247) ينافي التَّنزيه ويخصِّص عموم قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وكيف يخصَّص نصٌّ بمحتمل(248) كفى بهذا دليلًا(249) في الردِّ عليهم، فكيف واللغة لا تحوج إلى(250) ذلك؟
          ثمَّ مع ذلك يَرِدُ عليهم قوله تعالى عن المؤمنين: {أَنَّ(251) لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس:2 / وقد وقع الإجماع مِن أهل العقل والنقل(252) أنَّ ذلك بالمعنى لا على ظاهره، فإنْ هم(253) تأوَّلوه كما تأوَّل(254) الكافَّة لزمهم أن يتأوَّلوا الآخر ويعتقدوه كما فعل الكافَّة، وإنْ هم حملوه على ظاهره وقالوا: بأنَّ (الصدق) جسد مجَسَّد وقدمه عند الحق سبحانه وباقيه عند المؤمنين، فقائل هذا لا خفاء في حمقِه، فالبحثُ معه(255) قد سقط.
          والكلام معهم على رواية (السَّاق) مثله أيضًا، لأنَّ السَّاق ينطلق(256) في اللغة على أشياء غير واحدة، لأنَّهم يقولون: ساقٌ مِن جَراد، وساق مِن قوم(257)، ويقولون: (السَّاق) ويريدون(258) الجَّارحة، والأظهر في هذا الموضع واللائق(259) به أن يكون المراد بالسَّاق (عددًا مِن الكُفَّار)، فإذا كمُلوا فيها يقولون(260): قَطْ قَطْ، فبان فساد ما ذهبوا له(261) بما ذكرناه وفيه كفاية هذا البحث معهم مِن طريق النقل.
          وأمَّا البحث معهم مِن طريق العقل، ولو(262) كان ما زعموا حقَّـًا لَمَا صحَّ تعذيب أهل النَّار، ولا حُجبوا عن الله تعالى، وقد حصل لهم العذاب والحجاب، لأنَّه لو كان ذلك حقًا على زعمهم لكان أهل النَّار في النَّعيم حين وضع القدم، ولشاهدوا(263) الذَّات الجليلة كما شاهدها(264) أهل الجنَّة، لأنَّ مشاهدة الحق لا يكون معها عذاب، وقد أخبر تعالى أنَّهم محجوبون، لأنَّ الرُّؤية(265) مع العذاب لا تُمكن فبان بطلان ما زعموا بدليل النقل والعقل(266).
          وأمَّا ما زعموا مِن (اليد) وتعلَّقوا(267) في ذلك بقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا(268)} [يس:71]. إلى غير ذلك مِن الآي والأحاديث التي جاءت بالنَّصِّ في هذا المعنى فليس لهم فيه حجَّة أيضًا، لأنَّ (اليد) عند العرب تنطلق على أشياء غير واحدة، فمنها(269) الجارحة، ومنها النعمة، / لأنَّهم يقولون: لفلانٍ على فلانٍ يدٌ، يريدون به(270) النعمة، ومنها القوة، لقولهم: لفلان(271) في هذا الأمر يدٌ، يريدون به(272): معرفة به وقوَّة عليه، وكذلك ما أشبه هذه الأوجه وهي عديدة فكيف يحقِّقون أحد محتَمَلات في اللغة ويجزِمون به مع أنَّه مُنَافٍ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ [الشورى:11]. فبان بطلان ما ذهبوا إليه بدليل ما ذكرناه مِن(273) النقل.
          وأمَّا البحث معهم من طريق العقل: فلأنَّ الملوك في الدنيا لا يفعلون بأيديهم شيئًا، والذين يفعلون بأيديهم إنَّما هم رعاع(274) النَّاس، وهذا مُنَافٍ للعظمة والجَّلال فبان بُطلان ما ذهبوا إليه مِن طريق العقل أيضًا.
          وأمَّا ما زعموا مِن (الوجه) وتعلَّقوا في ذلك بغير ما آية وغير ما حديث فليس لهم(275) فيه حُجَّة أيضًا، لأنَّه يَحْتَمِل في اللغة معانيَ عديدة فمنها: الجَارحة، ومنها: الذَّات لقولهم: وَجْه الطريق يريدون ذاته، ومنها الحقيقة لقولهم: وَجْهُ الأمر أي: حقيقتُه وما أشبه هذا المعنى وهي عديدةٌ، فكيف يأتون بشيء(276) محتَمِل لأوجه عديدة في اللغة فيأخذون(277) بأحد المحتَمَلات ويجزمون به؟! ذلك باطل لا خفاء فيه.
          وبعدَ(278) بُطلان ما ذهبوا إليه بما ذكرناه يَرِدُ عليهم قوله تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة:115].
          فإن حَملوه على ظاهره وهي الجَارحة فيكون الوجه قد أحاط بجميع الجهات فلم يبقَ للذَّات محلٌّ(279)، وهذا باطل بإجماع أهل النقل والعقل، وإنْ هم تأوَّلوه لزمهم التَّأويل في الآخَر، وكذلك أيضًا يَرِد عليهم(280) قوله ╡ : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]،فإن هم وقفوا أيضًا في(281) هذه الآية مع(282) ظاهرها فقط سقط بحثهم مرَّة واحدة؛ لأن الذَّات الجليلة بالإجماع لا تفنَى(283) ولا تتجَدَّد، / وإن هم خرجوا عن الظَّاهر وحادوا(284) إلى التأويل لزمهم نقض ما ذهبوا إليه في الوجه الآخر، ولزمهم الرُّجوع إلى التأويل فيه(285) الحقيقي الذي يليق به تعالى، وهو أنَّه يعود على(286) الذَّات الجليلة لا على الجارحة، والاعتراضات واردة عليهم كثيرة وفيما أبديناه كفاية مع أنَّ قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. ينفي ذلك كلَّه ويبقى مذهب أهل السنَّة لا غير.
          وأمَّا ما زعموا من (الجسمانيَّة) وتعلَّقوا(287) في ذلك بظاهر قوله ◙ : «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» إلى غير ذلك مِن الآي والأحاديث التي جاءت في هذا المعنى فليس لهم فيها(288) حجَّة أيضًا، لأنَّ ذلك في اللغة مُحْتَمِل(289) لأوجُهٍ عديدة كقولهم: جاء زيد يريدون: ذاتَه، ويريدون: غلامَه، ويريدون: كتابَه، ويريدون: خبره، (والنُّزول) مثله كقولهم(290): (نزل المَلِك) يريدون: ذاته، ويريدون: أمره، ويريدون: كتابه، ويريدون: نائبه، فإذا أرادوا أن يخصِّصوا الذَّات قالوا: نفسه، فينعتونَه بالمصدر(291)، فيؤكِّدونه، وحينئذ ترتفع تلك الاحتمالات، ولذلك قال جلَّ جلاله في كتابه العزيز(292): {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. فأكَّده(293) بالمصدر رفعًا للمجاز، فلو قال الشَّارع ◙ هنا:(294) ينزل ربُّنا نفسُه(295) أو ذاتُه، أو أكَّده(296) بالمصدر لكانَ الأمر(297) ما ذهبوا إليه، ولكن لمَّا أنْ ترك(298) اللفظ على عمومِه ولم يؤكِّده(299) بالمصدر دلَّ على أنَّه لم يُرِد الذَّات، وإنَّما أراد نزول رحمةٍ(300) ومَنٍّ وفضْلٍ وطَوْلٍ على عباده، وشِبهُ هذا معروف عند النَّاس، لأنَّهم يقولون: تنازل الملِكُ لفلان(301) وهم يريدون: كثرة إحسانِه إليه وإفضاله عليه، لا أنَّه نزل(302) إليه بذاتِه وتقرَّب إليه بجسده، فهذا مُشَاهَدٌ في البشر فكيف بمن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. لقد أعظموا على الله(303) الفِرْية.
          وأمَّا ما زعموا من (الأصابع) وتعلَّقوا في ذلك(304) بما روي في الحديث: ((أنَّ السَّمَاءَ تَكُوْنُ يومَ القيامةِ(305) / عَلَى أُصْبُعٍ واحدٍ، والأرض عَلَى أُصْبُعٍ واحدٍ)) _الحديثَ بكماله_ فليس لهم فيه حُجَّة أيضًا، لأنَّه محتَمِل في اللغة لأوجه عديدة، لأنَّ العظمة تُسْتَعَارُ(306) لها: اليد كما قال: بيد عَظَمَته، وبيد قدرته فكَنَى هنا(307) عن بعض أجزاء العَظَمة وعن بعض أجزاء القدرة بالأصبع، لأنَّ أضعف(308) ما في اليد: الأصبع فَصَرَّح هنا بأنَّ بعض أجزاء القدرة وبعض أجزاء العظمة هي الفاعلة لِمَا ذكر(309) وإنْ كانت العظمة والقدرة لا يتجزَّآن(310).
          لكن هذا تمثيل لمن له(311) عقل، لأنَّ الْمُتَحَيِّز لا يُعرَف إلَّا متحيزًا(312) فضُرِب له مَثَل بما يتوصَّل الفهم إليه حتى تحصل له معرفة بعظيم(313) القدرة، ولا يلزم مِن المثال أن يكون كالممثَّل(314) مِن كلِّ الجهات، فبطل ما ذهبوا إليه بدليل ما ذكرناه.
          ثمَّ بعد ذلك يَرِد عليهم قوله ◙ : «ما مِنْ قلبٍ إِلَّا وهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» ومعناه عند أهل السنَّة: بين أَمْرَين مِن أمرِ الرَّحمن، فإنْ هُم تأوَّلوه كما تأوَّله(315) أهل السنَّة لزمهم التَّأويل في الآخر، وإن هُم(316) حملوه على ظاهره لزمهم أن(317) يقولوا: بأنَّ أصابع الرَّحمن عددُ الخَلْق مرَّتَين، لأنَّ ما مِن عبد إلَّا(318) بين إصبعين، وأن الذَّات الجليلة تخالط ذوات العبيد بأجمعهم، ومعتقِد هذا لا خفاء في حمقِه ولا شكَّ فيه والبحث(319) معه قد سقط.
          فانظر إلى هذا العمى الكلِّيِّ الذي مَرَقوا به مِن الدِّين كيف منعوا به فائدة ما احتوى عليه قوله ╡ : {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:9 - 12]. /
          وقد أخبر الشَّارع ◙ أنَّ في هذه الأرض الواحدة(320) ألف عَالَمٍ، فإذا كان هذا العالَمُ كلُّه في هذه(321) الأرض الواحدة فكم في الأَرَضين الأُخَرِ، وفي السَّماوات(322) السَّبع وما بينهما؟ وقال ╡ في خلق هذا كله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]. أي: مِن تعب.
          وفائدة مدلول هذا(323) والإخبار به: إنَّما هو(324) أن يُعلَم أنَّ هذا الخلق كلَّه بعِظَمِه وكثرة ما فيه مِن(325) المخلوقات في هذا القدر مِن الزَّمان لا يمكن أن(326) يكون بجارحة ولا آلة، هذا(327) ما هو مِن طريق النقل.
          وأمَّا مِن طريق العقل والنَّظَر فهو أنَّ العمل إذا كان بجارحة لا يكون إلَّا بعضُه يتلو بعضًا، ولو(328) كان ذلك كذلك لاستحال أن يكون ذلك الخَلْق العظيم المذكور في هذا الزَّمن القليل وهو ستَّة أيَّام.
          ووجهٌ آخر أيضًا مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌ ومُدْرَكٌ(329) وهو أنَّ الجَّارحة التي تعمل الكثيف لا تستطيع أن تعمل(330) الرَّفيع.
          ومثالُه الذي يعمل في الحلفا(331) أو في الفاعل(332) وما أشبههما(333) إن مدَّ يده للخَزِّ أو الحرير أو الرَّفيع مِن(334) الكَتَّان أتلفه أو أهلكه(335) مرَّة واحدة، فكيف يفعل فيه شيئًا يكون فيه فائدة؟ وكذلك الآلة التي تُعْمَلُ بها(336) الأشياء، لأنَّ الآلة التي يُعمَل بها الرَّفيع لا يُعمَل بها(337) الكثيف، ومثالُه(338) منشار المِشط لا يتأتَّى أن يُنْشَر به الخشبة، وكذلك جميع الآلات لا يجزىء بعضها عن(339) بعض، لا يجزىء الكثيف عن الرَّفيع، ولا الرَّفيع عن الكثيف(340)،وقد / شاهدنا في المخلوقات مثل البعوضة والفيل إلى غير ذلك مِن اللطيف والكثيف مع كثرتها، فكثرتها(341) مع اختلاف أنواعها في قِصر الزَّمن المذكور أدلُّ دليل على ما ذكرناه، وهو أنَّ خالقها اخترعها بقدرتِه دون جارحة ولا آلة.
          ولذلك(342) جعلها ╡ دليلًا لإبراهيم ◙ في عِظم(343) اليقين فقال له(344) عزَّ مِن قائل:{وَكَذَلِكَ نُرِيْ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:75]، لمَّا أنْ أراد تعالى مِن خليله ◙ قوَّة اليقين ألهمَه إلى النَّظر بالتوفيق(345) في الملكوت فبان له ما ذكرناه فكان مِن الموقنين، يشهد لذلك قولُه تعالى: {شَهِدَ اللهُ أنَّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ والْمَلَائِكَةُ(346)} [آل عمران:18]. وشهادَتُه تعالى لنفسه هي ما تضمَّنَه مدلولُ مخلوقاتِه بوضعها على أنَّه جلَّ جلاله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] نحو ما(347) تقدَّم.
          فالبحث مع هذه الثَّلاث فِرَق على ما تقدَّم والتَّبيينُ لتخصيصهم(348) ذلك العموم يتبيَّن لك فساد ما ذهب إليه غيرهم مِن الاثنين والسبعين(349) فرقة وكيف تخصيصهم للَّفظ العام؟
          ثمَّ نرجع الآن إلى بيان اعتقاد أهل السنَّة وبه يتبيَّن فساد مذهب الغير، لأنَّ الحقَّ إذا بان فما خالفَه فهو الباطل، لكن يُحْتَاجُ(350) إلى تقديم الكلام في بعض مسائل بقيت لبعض أهل السنَّة يعتقدونها وهي ممَّا(351) تشبه ما انفصلنا عنه(352)، وإن كانت ليست مثله لكن بينهما تناسب ما، وأنا أقول فيها كما قال أبو الوليد الباجي ⌂ عن شيخه القاضي أبو(353) جعفر السِّمْنَاني(354) ⌂: أنَّه كان يقول(355) (بأنَّ النظر(356) والاستدلال أوَّل الواجبات) مسألةٌ مِن الاعتزال بقيت في المذهب لمن اعتقدها، وأنا أقول في المسائل التي بقيت لبعض أهل السنَّة مثلَه على نحوٍ ممَّا(357) تقدَّم / مِن أنَّها تُشبِهها وليست كمثلها لمن اعتقدها.
          فمنها قول بعضهم: إنَّ جميع مخلوقات الله تعالى جواهر وأعراض ولا ثالث، ومعتقد هذا يُرَدُّ عليه أنَّه عارض الكتاب والسنَّة وما تضمَّنته السنَّة بإرشادها(358) على نحو ما يذكر بعدُ(359) بما اعتُقِد مِن ذلك.
          فأمَّا معارضة الكتاب والسنَّة فهي على نوعين: تخصيص لعمومهما(360) ومعارضة لهما بالكليَّة.
          أمَّا التَّخصيص لعمومها(361) فلأنَّهم قد خصَّصوا الكتاب والسنَّة بما ظهر لهم مِن دليل عقلهم وهذا ممنوع شرعًا وعقلًا، وقد قال العلماء: إنَّ(362) عموم القرآن لا يخصَّصُ إلَّا(363) بالقرآن(364)، وعمومَ الحديث لا يخصَّصُ إلَّا بعموم(365) الحديث(366)، واختلفوا: هل عموم القرآن يخصَّص(367) بالسنَّة المتوترة أم لا؟ على قولين:
          فمِنْ قائلٍ يقول: بالجواز ومِن قائلٍ يقول: بالمنع، وكذلك اختلفوا في أخبار الآحاد هل تُخصِّص(368) عموم القرآن أم لا(369)؟ على قولين أيضًا، وهؤلاء قد خصَّصوهما(370) معًا بما ظهر لهم مِن دليل عقلهم، وذلك باطل بالإجماع.
          وأمَّا المعارَضَة بالكُلِّيَّة: فهو مَن يعتقد منهم(371) أنَّ ما يقرؤونه(372) مِن علم الكلام مِن واجبات الدِّين أو كمالِه أو مندوباتِه، لأنَّهم عارضوا بذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]. وهم(373) لا يخلو أن يقولوا بكمال الدِّين في ذلك الوقت أم لا؟
          فإن قالوا: بكمال الدِّين في ذلك الوقت فهذا العلم لم يكن في ذلك الوقت ولا تكلَّموا فيه، فالكلام فيه بعد ذلك نقص في الدِّين، إذ إنَّه لا يكون بعد الكمال إلَّا النقص، وقد قال ◙ : «مَا كانَ قومٌ عَلَى هُدَى فَضَلُّوا إِلَّا ابْتَلَاهُم اللهُ بِعِلْمِ الجَدَلِ»، ثمَّ تلا ◙ قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58]. فإنْ هم(374) لم يقولوا بكمال الدِّين إذ ذاك فقد كذَّبوا بالتَّنزيل وهي الآية المذكورة، وقد كذَّبوا السُّنَّة أيضًا(375) وأبطلوها وهي(376) قوله ◙ : «تركْتُ فِيْكُم / الثَّقلين(377) لنْ تَضِلُّوا ما تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كتابُ اللهِ وعِتْرَتِي(378) أَهْلِ بيتي»،وقد جعل هؤلاء للثقلين(379) ثالثًا(380).
          وأمَّا ما تضمَّنته السنَّة فقوله(381) ◙ : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاءِ بَعْدِي»، وقوله ◙ : «أَصْحَابِي مثلُ النجومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»، وقوله ◙ : «خَيْر الْقُرُون قَرْنِي ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ ثمَّ الذينَ يَلُوْنَهُمْ». ومجموع هؤلاء لم يتكلَّموا في هذا العلم شيئًا فكيف يرجع الفاضل مفضولًا والمفضول فاضلًا؟! كفى بذلك غلطًا.
          وأمَّا ما ذكرناه مِن تخصيص البعض أوَّلًا فهو بما يَرِدُ عليهم مِن الآيِ والأحاديث، وهي جملة تنصُّ بالردِّ عليهم، فمِن(382) جملة ما يَرُدُّ عليهم ما روي: أنَّ اليهود لمَّا أنْ(383) أرادوا أن يختبروا النَّبيَّ صلعم هل هو نبيٌّ أم(384) لا؟ أتوه بمسائل جملة يسألونه عنها، ومِن جملتها (الرُّوح)، فقالوا: إن أخبركم بجملة المسائل وبالرُّوح(385) فاعلموا أنَّه ليس بنبيٍّ(386)، وإن سكت عن الرُّوح وأجاب عن الغير فهو نبيٌّ حقًا، فأتوه فسألوه فأجابهم ◙ على الكلِّ عدا الرُّوح فلم يَدْرِ ما يجاوب(387) عنه فنزلت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، فأخبر ╡ أنَّ أحدًا لا يعرف(388) الرُّوح غيره، فلـمـَّا أن تلا عليهم الآية قَبَّلُوا قَدَمَيْهِ وقالوا: نشهد أنَّك نبيٌّ(389)؛ لَأنَّ أحدًا مِن الأنبياء لا يعرف الرُّوح.
          ثمَّ بعد هذه الآية الواضحة وهذا الأثر(390) البيِّن أتى بعض(391) أهل هذا العلم(392) وادَّعوا معرفة الرُّوح، وقالوا: هو جوهر والحياة عَرَض عنه، فادَّعوا أنَّهم يعرفون ما أخبر(393) ╡ أنَّه لا يعلمه(394) غيره، كفى بهذا ردًّا عليهم.
          ومنها قوله ╡ : {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:8]. وهم قد قالوا: بأنَّهم يعلمون العالَمَ كلَّه في / قولهم بأنَّ جميع المخلوقات جواهر وأعراض والآي في هذا كثير(395)، وفيما أشرنا كفاية لمن(396) عَقَل.
          وأمَّا ما يَرُدُّ عليهم مِن السنَّة فمنها قوله ◙ في حجَّة الوداع لأصحابه: «اللهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ؟» فقالوا: نعم. فرفع رأسه إلى السَّماء وقال: «اللهُمَّ اشْهَدْ(397)».
          فإن كان هذا العلم ممَّا لا يكمُل الدِّين إلَّا به، وكان(398) ◙ يَعْلَمُه ولم يبلِّغه كيف يَصِحُّ على ذلك قوله: ((اللهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ؟)) ومعتقد هذا كيف يصحُّ دينُه؟ وبماذا يلقى نبيَّه؟ وإن كان هو ◙ لم(399) يَعلمه ولا يكمُلُ الدِّين إلَّا به فيكون هو أعلمَ مِن نبيِّه، فكيف يَصِحُّ الإيمان مع(400) هذا؟
          ومنها قوله ◙ : «للهِ ╡ سَبْعَةَ عشرَ نَوْعًا منَ الخلقِ، السَّمَاواتُ السَّبْعُ، والأرضون السَّبعُ وما فيهما(401) وما بينهما(402) عالمٌ واحدٌ» فإذا كانت السَّماوات السَّبع والأرضون السَّبع وما فيهما وما بينهما عالَمًا واحدٌ(403) فبقية العوالم ما هي؟ ومثل ذلك قولهم(404) في الإيمان والحكمة: إنَّها(405) أعراض، وسنبيِّن فساد(406) ما ذهبوا إليه مِن ذلك في موضعِه وهو حديث الإسراء إن شاء الله تعالى. هذا البحث معهم مِن طريق النقل.
          وأمَّا من طريق العقل فلأنَّهم(407) خصَّصوا أثرَ قدرة القادر، لأنَّ الخلق أثر قدرة القادر، وقدرةُ القادر جلَّ جلاله صفةٌ قائمة بذاتِه، فمن خصَّص آثارها بغير دليل شرعيٍّ لزمه تخصيصُ الصِّفة، وتخصيص الصِّفة يلزم منه تخصيص الموصوف وهذا ممنوع عقلًا وشرعًا(408)، فلحق معتقد هذا بالأصناف أو الأوصاف(409) المذكورة أوَّل التَّقسيم وهو لم يشعر _أعني المخالفين للسنَّة_ فالبحث معه كالبحث معهم وقد تقدَّم.
          فإن قال قائل: قد تكلَّم في هذا العلم مَن تقدَّم عصرَنا هذا مِن السَّادة(410) الفضلاء، قيل له(411): إنَّهم / لم يكونوا يعتقدون هذا الاعتقاد الفاسد الذي يعتقده بعضُ أهل هذا العصر، ولم يكن في هذا العلم هذا الحَصْر الكلِّي الذي فيه الآن، ولم(412)يتكلَّموا فيه إلَّا بعد تضلُّعهم بالعلوم الشرعيَّة وعلموا ما أوجب الله تعالى عليهم مِن الاعتقاد(413) والأقوال والأفعال مِن الكتاب والسنَّة فلم يضرَّهم نظرُهم في هذا العلم إذ جعلوه عدَّة لمن مَرَقَ مِن الدِّين فردُّوه به إلى دائرة التوحيد.
          وقد اختلف العلماء: هل لا يُقطَع الخصم إلَّا بالحقِّ أو بأيِّ وجه قُطِع مِن الحجج كائنًا ما(414) كان حتَّى يرجع إلى الحقِّ؟ على قولين، فعلى القول بأنَّ المقصود القطع بأيِّ وجه كان إذ(415) المقصود الرُّجوع إلى الحقِّ، فبهذا(416) ساغ لهم الأخذ فيه مع سلامة الاعتقاد لمقصدهم الجميل وهو أنَّ مقصودهم إظهار الحقِّ لا غير، وعلى القول بأنَّه لا يقطع إلَّا بالحقِّ ولا يسوغ القطع بغيره فلا يجوز الكلام فيه مرة واحدة.
          ولأجل هذا القول تاب بعض(417) مَن تقدَّم مِن الفضلاء عن الكلام فيه وأقلع عنه(418)، فمنهم إمام المتكلِّمين ورئيسهم أبو المعالي، ومنهم الإمام أبو(419) الوليد بن أبان الكرابيسي(420)، ومنهم الإمام أبو الوفاء بن عقيل، ومنهم الإمام الشَّهْرَسْتاني(421) صاحب «نهاية(422) الإقدام في علم الكلام» يشهد لِمَا نقلنا عنهم(423) ما نقله الإمام الجليل أبو العباس القرطبي في كتابه الذي وضع على «مختصر مسلم»(424)(425).
          قال الشَّيخ أبو العباس القرطبي ⌂: قد رجع كثير مِن أئمة المتكلِّمين عن الكلام بعد انقضاء أعمار مديدة وآماد(426) بعيدة لَمَّا لطف الله تعالى بهم، وأظهر لهم آفاته(427) وباطن تُرَّهاتِهِ، فمنهم إمام المتكلِّمين(428): أبو المعالي، فقد حكى عنه الثِّقات أنَّه قال: لقد خلَّيت أهل الإسلام وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغُصتُ في الذي نَهَوا عنه، كلُّ ذلك رغبة في طلب الحقِّ وهروبًا مِن التَّقليد، والآن قد رجعت عن الكُلِّ إلى كلمة الحقِّ، عليكم بدِين العجائز، وأختم عاقبة أمري عند الرَّحيل بكلمة الإخلاص، والويل لابن الجويني، وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا(429) لا تشتغلوا بعلم الكلام، فلو عرفت أنَّ الكلام يبلغ بي ما بلغت ما اشتغلت(430) به. وقال أحمد بن سنان: كان الوليد بن أبان الكرابيسي خالي، فلـمـَّا حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدًا أعلم منِّي؟ قالوا: لا. قال: فَتَتَّهِمُونَنِي؟ قالوا: لا. قال: فإنِّي أُوْصِيكم، أتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإنِّي رأيت الحقَّ معهم. وقال أبو الوفاء بن عقيل: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثمَّ عُدْتُ القهقرى إلى مذهب المكتب. وقال الشَّهْرَسْتَانِيُّ صاحب «نهاية الإقدام في علم الكلام»: عليكم بدين العجائز، فإنَّه أسنى الجوائز.
          قال الشيخ: ولو لم يكن في الكلام شيء يُذَمُّ به إلَّا مسألتان هما مِن مبادئه لكان حقيقًا بالذمِّ وجديرًا بالترك.
          إحداهما: قول طائفة منهم: أنَّ أول الواجبات الشَّكُّ في الله تعالى.
          والثَّانية: قول جماعة منهم: أنَّ مَن لم يعرف الله تعالى بالطُرِق التي طرقوها والأبحاث التي حرَّروها فلا يصحُّ إيمانه وهو كافر، يلزمهم على هذا تكفير أكثر المسلمين مِن السَّلف الماضين وأئمَّة المسلمين، وأوَّل ما يبدأ بتكفير(431) آبائِه وأسلافِه وجيرانِه، وقد أورد على بعضهم هذا فقال: لا تشنِّع عليَّ بكثرة أهل النَّار أو كما قال، ثمَّ إنَّ مَن لم يقل بهاتَين المسألتين مِن المتكلِّمين ردُّوا على مَن قال بهما بطريق(432) النَّظر والاستدلال بناء منهم على أنَّ المسألتين نظريتان، وهذا خطأ فاحش، الطَّائفة الأولى أصل(433) القول بالمسألتين، والثَّانية أن فسادها ليس بضروري، ومَن شكَّ في تكفير مَنْ قال بأن الشَّكَّ في الله تعالى واجبٌ، أو إنَّ معظم الصَّحابة والمسلمين كفَّار فهو كافر(434) ومُخْتَلُّ العقل وضعًا، إذ كلُّ واحدة منهما معلومة الفساد بالضَّرورة الشَّرعية الحاصلة بالأخبار المتواترة القطعيَّة، وإن(435) لم يكن كذلك فلا ضروري يصار إليه في الشَّرعيات ولا العقليات(436).
          وقد كان الأكابر مِن فضلاء الأندلس(437) مَن ابتدأ عندهم بهذا العلم قبل تضلُّعه بالعلوم الشَّرعية يقولون بزندقته، ولا يلتفتون إليه فإن قرأه بعد تضلُّعه بالعلوم الشَّرعيَّة وفُهِمَتْ(438) منه الاستقامة فحينئذ يُسلِّمون له فيه، ومنهم مَن تكلَّم في كتاب الله ╡ ، فقال بعضهم: (بالحُلول)، وقال بعضهم: بأنَّه (دالٌّ) وليس (بحالٍّ) / وكلاهما غلطٌ بيِّن(439)، والبحث معهم فيه أن نقول(440): لا يخلو أن يكون ذلك ممَّا كلِّفنا به شرعًا أو ممَّا لم نُكلَّف(441) به.
          فإن قلنا بأنَّه ممَّا كُلِّفْنَا به شرعًا والنَّبيُّ صلعم لم يُبَيِّنه ولا الخلفاء فيلزم على هذا ما لزم في(442) الكلام قبل وهو قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]. وقوله ◙ : «اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» والقول بأنَّ التَّكليف واقع به(443) يَردُّ معنى هذين، وهو أن يكون الدِّين حين نزول هذه(444) الآية لم يَكمُل وأنْ يكون النَّبيُّ صلعم مات ولم يبلِّغ، والبحث في هذا كالبحث فيما تقدَّم سواء(445).
          وإن قلنا: إنَّه(446) ممَّا لم نُكَلَّف(447) به شرعًا فلا يخلو أنْ يكون الكلام فيه جائزًا أو ممنوعًا، فإن قلنا بالمنع، فلا كلام ويَسَعُنا(448) ما وَسِع النَّبيُّ صلعم والخلفاء والصَّحابة والسَّلف؛ لأنَّهم لم يأخذوا فيه أصلًا، ومثل هذا الكلام في البَسْمَلة: هل هو الاسم المسمَّى أو الاسم غير المسمَّى؟ قد تكلَّم فيه بعض المتأخِّرين فقالت طائفة: بأنَّ(449) (الاسم) هو المسمَّى، وقالت طائفة: بأنَّ (الاسم) غير المسمَّى، ثمَّ أتى الفضلاء مِن أهل السنَّة المتَّبعين فقالوا: إنَّ مَن تقدَّم لم يتكلَّموا في ذلك فيسعنا فيه ما(450) وَسِعهم ولم يجاوبوا في ذلك بأكثر.
          وإن قلنا بجواز(451) الأخذ فيه، فلا يخلو أن يقولوا(452) بجوازه مطلقًا، أو لا بُدَّ فيه مِن قيدٍ(453)، فإن قلنا بالجواز مطلقًا فممنوع، وإن قلنا بالتَّقييد فسائغ، والتَّقييد هو أن يكون الكلام فيه لا يُخِلُّ بقاعدة مِن قواعد اعتقاد(454) أهل السنَّة ولا بالقاعدة الكليَّة التي اجتمع(455) عليها أهل العقل.
          فأمَّا القاعدة الكليَّة التي أجمع(456) عليها أهل العقل(457) فهي(458) أنَّ خالق المخلوقات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وأنَّ صفاتِه القائمةَ بذاتِه الجليلة(459) ليس كمثلها شيء، فطالب الكيفيَّة في هذه الصِّفة التي هي (الكلام) هل هو حالٌّ أو / غير حالٍّ؟ يلزمه أن يطلب كيفية(460) صفة القدرة القائمة بالذَّات الجليلة التي جميع المخلوقات صادرة عنها أَعني عن صفة القدرة كيف اتصالها؟ أعني القدرة(461) بالمقدور عليه الذي هو جميع المخلوقات عند بروزها مِن العَدَم إلى الوجود.
          فإن ادَّعى معرفة الكيفيَّة هنا فذلك محال بالإجماع مِن أهل هذا العلم وغيرهم. لأنَّهم الكل قد أقرُّوا أنَّ جميع المخلوقات صادرة عن القدرة وعجزوا عن معرفة كيفية اتصالها(462) بالمقدور عليه، فلمَّـا(463) كان العجز هنا واجبًا، فكذلك(464) في الأخرى واجبًا _أعني(465) الكلام هذه مثل هذه_ لأنَّ هذه صفة قائمة بالذَّات الجليلة، وهذه صفة قائمة بالذَّات الجليلة، وهذه صادرة عنها(466) وهذه صادرة عنها، فوجب الإيمان بهذه كما وجب الإيمان بهذه(467)، ووجب العجز عن معرفة الكيفيَّة في هذه كما وجب العجز عن معرفة كيفيَّة هذه(468) وكذلك(469) جميع الصِّفات الكيفيَّة فيها ممنوعة كما هي في(470) الذَّات؛ لأنَّ الكيفية إنَّما تكون في البشر وصفاتهم وفي المحدَثات وصفاتها(471) على ما أُجْرِيت(472) عليه.
          وأمَّا القواعد الشَّرعيَّة(473)، فقوله ╡ : {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106]. وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان:23]، فأكَّده بالمصدر والعرب إذا أكَّدت بالمصدر نفت(474) المجاز وأثبتت الحقيقة، فإن هم(475) قالوا: بأنَّه (دالٌّ) لم يَصْدُق عليه اسم التَّنزيل فأخرجوا الحقيقة إلى المجاز بغير دليل عقليِّ ولا شرعي، وإنْ هم قالوا: (بالحلول) فقد ردُّوا أيضًا مقتضى قوله تعالى:{فَإنَّما يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم:97].
          وهذه الحروف مُحدَثَة، لأنَّ اللُّغة العربية محدَثَة، / وكيف(476) يجعلون المحدَث قديمًا؟ فنفوا الحقيقة، وأثبتوا المجاز بغير دليل عقلي ولا شرعي، كما فعلت الطَّائفة الأولى، وقد قال صلعم : «سَبْعَةٌ لَعَنْتُهُمْ أَنَا وكلُّ نبيٍّ مُسْتَجَاب» وعدَّ فيهم المحرِّف لكتاب الله تعالى، فعلى(477) هذا فيجبُ الإيمان بالآيتين معًا أعني قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106]، وقوله تعالى: {فَإنَّما يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم:97]. فيكون مقروءًا باللغة العربية مَتْلُوًا، كلام الله(478) حقًا، هذا هو الذي يجب، لأنَّه متضمَّن الآيتين مِن غير إبطال إحداهما(479)، ولوكان غير ذلك لكان النَّبيُّ صلعم أو الخلفاء أو الصحابة(480) يشيرون إليه.
          ثمَّ بقي بحث مع بعض معاصرينا(481) في مسائل يفعلونها تؤول بهم(482) إلى ضرب مِن نقض(483) ذلك العموم، فمنهم مَن يرى (بالفتوى بمجَرَّد العادة) مطلقًا في بعض المعاملات والبيوع ولسان العلم يمنعها، ونقول(484): قد جرت العادة بذلك فلا بأس به وهذا ليس بشيء، لأنَّه يلزم على القول بذلك نسخ(485) الشَّريعة بالعادة ولا قائل به، فإن احتجَّ بقول(486) مَن قال مِن الفقهاء: (العادة شَرْع)، قيل له: إنَّما العادة شرع عند الفقهاء بقيدٍ يقيِّدونها به لا على العموم، وهي أن تكون تلك العادة لا تُخِلُّ بقاعدة مِن قواعد الشَّريعة، ومثال ما جعلوه عادةً شرعًا _أعني الفقهاء_ هو(487) مَثَل شخص استأجر(488) أجيرًا ولم يُعلِمه بأجرته، فإذا فرغ مِن العمل طلب الأجير كثيرًا وأعطى(489) المستأجِرُ قليلًا، فههنا يسأل الحاكم أهلَ(490) المعرفة بذلك العمل ما ثمنه؟ فيحكم بالعادة فيه، فهذا وما أشبهه هو الذي أراد الفقهاء بقولهم(491): (العادة شرع) لا على الإطلاق، لأنَّ الحقَّ في هذا الموضع لا يُقدر على الوصول إليه إلَّا / بهذا الأمر.
          وقد نصَّ ◙ بالمنع على ما هو أقلُّ مِن هذا وأخفُّ في حديث بَرِيرة حيث قال: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَو مِائَةُ شَرْطٍ» فإذا كان الشَّرط لا يُحكم به إذا لم يكن في كتاب الله تعالى فكيف بالعادة إذا كانت مخالفًة لكتاب الله تعالى وسنَّةِ رسول الله صلعم ؟! هذا مِن أكبر الغلط.
          ثمَّ بعد هذا البيان الواضح يحتجُّون على الجواز بكون أنَّ بعض تلك الأشياء الفاسدة كانت في زمن مَن(492) تقدَّمهم مِن الفضلاء ولم يتكلَّموا فيه ويرون أنَّهم لا يتكلَّمون وإن ظهر الفساد بالدَّليل الشرعيِّ لكون مَن تقدَّمهم لم يتكلَّم فيه، وهذا غلط آخر(493) أيضًا، لأنَّ مَن كان قبلهم وكان هذا الواقع في زمانهم محتمل أن يكون الواقع على هذه الصيغة الفاسدة، ومحتمل أنْ يكون وافق الاسمُ الاسمَ ولم يكن على هذه الصِّيغة(494) الفاسدة، فإن كان في وقتهم ولم(495) يكن على هذه الصيغة الفاسدة فلا حجَّة لهم فيه، لأنَّه كان في زمانهم صالحًا(496) فلم يكن لهم فيما يتكلَّمون وهو الآن فاسد فوجب الكلام حين الفساد.
          ولهذا(497) المعنى قال رُزَيْنٌ ⌂: ما أُتي على بعض الفقهاء المتأخِّرين إلَّا مِن وضعهم الأسماء(498) على غير مُسَمَّيات، لأنَّه كانت تلك الأسماء في الصدر الأوَّل على صِيَغ جائزة بوجوه شرعيَّة، وهي اليوم على غير وجه جائز، فأجازوا غير الجائز لاشتراكِه في الاسم مع الجائز، وإنْ كانت في زمانهم على تلك الأحوال الفاسدة فهو محتمل أيضًا، لأنْ يكونوا(499) غفِلوا عنها لشغلهم بما كان عندهم آكدُ وأهمُّ فلم يُلقوا إليها بالهم، أو نظروا إليها وغلِطوا فيها، لأنَّه لا أحد معصوم مِن الغلط، فإذا(500) غلط أحد / فكيف(501) يُتَّبَعُ في غلطه؟
          هذا مِن الغلط، والظَّاهر في هذا الموضع أحد الوجهين والثَّالث مرجوحٌ؛ لأجل أنَّه لا يحمل على المؤمنين إلَّا الوجه(502) الأصلح سيَّما مَن تقدَّم، والوجهان هما(503) ما تقدَّم مِن أنَّها كانت صالحة أو(504) فاسدة ولم يلتفتوا(505) إليها لشغلهم بغيرها، لأنَّهم لو(506) التفتوا إليها لتكلَّموا عليها وعلَّلوها إمَّا بالجواز أو بالمنع، ولو فعلوا ذلك لنُقِل عنهم ولم يُنقل عنهم شيء في ذلك.
          فإذا لم يتكلَّموا فيها فكيف يُعْطَى الحُكْمُ للساكت؟ ولا قائل بذلك مع أنَّ الأصل تطرُّق الفساد(507) إلى الأحكام لقوله ◙ : «لَتُنْقَضَنَّ(508) عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، وكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاس بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضُ الْحُكْم وَآخِرُهُنَّ(509) الصَّلَاةُ» فيتطرَّق الفساد إلى الأحكام شيئًا فشيئًا ولا يُشعَر به، كما أخبر الصَّادق ◙ ، فالعاقل يكون ممَّن جَبَر ما نُقِض ويحذر لئلَّا يكون ممَّن أعان على النقض، وقد قال صلعم : «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قد أُمِيْتَتْ فَكَأنَّما أَحْيَانِي، ومَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي في الجَنَّةِ».
          فاحذر أن تكون(510) مع الخلق وكن مع الحقِّ حيث كان، لأنَّه صلعم قال: «لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً(511) يقولُ: أَنَا معَ النَّاس، إِنْ أَحْسَنَ النَّاس أحسنْتُ، وإنْ أساؤوا أسأْتُ، ولكنْ وطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أحسنَ النَّاس أنْ تُحْسِنُوا وإنْ أساؤوا أنْ لَا تَظْلِمُوا(512)».
          ومنهم مَن يرى بمطالعة كتاب الزَّمخشري ويؤثره على غيره مِن السَّادة الفضلاء المشهود لهم بالسُّؤدد مثل ابن عباس ╩ الذي(513) شهد له صلعم بأنَّه ترجمان القرآن، ومثل ابن عطيَّة مِن المتأخِّرين الذي قد اجتمعت الأمَّة على(514) فضلِه ودينِه، ثمَّ إنَّهم يسمُّونه(515) «بالكشَّاف» تعظيمًا منهم له وترفيعًا لقدره، وهذا لا يخلو / الناظر فيه أن يكون(516) مِن أحد قسمين: إمَّا أن يكون عارفًا على دعواه فيعرف تلك الدَّسائس التي دُسَّ فيه مِن مذهب الاعتزال ولا يضرُّه(517) ويأخذ منه فوائد أُخَر(518) مثل العربية والمنطق وما أَشبه ذلك، أو لا يكون في هذه الرُّتبة(519) فإذا لم يكن في هذه الرُّتبة(520) فلا يحلُّ له النَّظر فيه لوجهين:
          (أحدهما): وهو أشدُّهما(521) أن تسبق تلك الدَّسائس إليه وهو لم يشعر فيكون في جهل مركَّب، لأنَّه معتزلي وهو يظنُّ أنَّه سُنِّي. (والوجه(522) الآخر): أن يقدِّم مرجوحًا ويضع راجحًا، لأنَّه يقدِّم(523) شرح معتزليٍّ على شرح سُنِّي، وإن كان في الرُّتبة المتقدِّم ذكرها فلا يحلُّ له النَّظر فيه لوجوه(524):
          الأوَّل: أنَّه لا يأمن الغفلة فتسبق(525) إليه مِن تلك الدَّسائس شيء وهو لا(526) يشعر.
          الثَّاني: أنَّه يحمل الجهَّال بتعظيمه له والنظر فيه وتطريزه به مجالسه(527) على تقليده، لأنَّهم إذا رأوا فاضلًا يطرِّز مجلسه(528) بكلامه ويقول قال «الكشَّاف» كان ذلك ترغيبًا للعوام في تقليده وتزهيدًا في غيره.
          الثَّالث: أنَّه وضع راجحًا ورفع مرجوحًا، لأنَّه وضع كتاب أهل السنَّة ورفع كتاب المعتزلي، ولو كان صادقًا في دعواه وهو أنَّ فيه أهليَّة للعلم وكان في الرُّتبة(529) المتقدِّم ذكرها لَمَا خَفِيت عليه تلك المكيدة التي كادها، ولَمَا رضي مِن علمِه أن يكون(530) شوَّاشًا لمعتزلي، وهذا كان قصده وهو أن يرفعه العالِم ويقلِّده(531) الجاهل، والشَّوَّاش هو الذي يُثني على الغير ليجتمع النَّاس إليه، فكانت قصارى(532) هذا الفقيه المدَّعي الرُّتبة(533) المتقدِّم ذكرها أن يرجع شوَّاشًا لمعتزلي، فنعوذ بالله مِن التَّبديل بعد الهدى، وقد قال صلعم : «لَا تَقُوْلُوا لِمُنَافِقٍ سَيِّدًا(534)، فإنَّه إِنْ يَكُ سَيِّدًا / فَقَدْ أَسْخَطْتُم(535) الله». كذلك(536) كلُّ مَن رفع صاحب هذا الكتاب فقد أسخط الله تعالى في ترفيعِه إيَّاه لأجل ما هو عليه مِن الاعتقاد.
          ثمَّ بقي بحث مع بعض المنتسبين للمتصوِّفة حيث يأتون بألفاظ يدَّعونها
          فمنها قولهم (بالعلم اللَّدُنِّي) ويُؤثرونه على علم الشَّرع المنقول، ويقولون إنَّهم(537) أخذوا بغير واسطة وغيرهم أخذ بالواسطة، وهذا جهل منهم وخطأ(538) لاشكَّ فيه ولا خفاء، لقوله صلعم : «إنَّما العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ». وقد أنكر عليهم بعض الفقهاء ما ادَّعوه مِن ذلك وقال(539): ليس هذا بحق، ومُنْكِرُ هذا غَلَطٌ منه أيضًا؛ لأنَّ الشَّريعة دلَّتْ عليه في غير ما آية وغير ما حديث فمنها قوله ◙ : «إنَّ مِنْ أُمَّتِي لَمُحَدَّثين، وإنَّ عُمَرَ لَمِنْهُم»، وقد ظهر ذلك مِن عمر ╩ عيانًا حين نادى لساريةَ وهو على المنبر في المدينة: يا ساريةُ الجبلَ، وكان سارية بالعراق أميرًا على جيش المسلمين فسمعه سارية فطلَع بالمسلمين الجبل(540)، فنَجَوا مِن العدو لتحصُّنهم بالجبل منهم. ومنها قوله ╡ في كتابِه: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ الله} [البقرة:282].
          وقد أخبر ╡ في كتابِه حكاية(541) موسى والخَضِر ♂ ما هو نصٌّ فيما نحن بسبيله، حيث قال الخَضِر لموسى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف:67- 68]. إلى قوله: {وَمَا(542) فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:82].
          قال المفسِّرون في معناه: إنَّه قال له: أنا على عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله تعالى لا تعلمُهُ أنت، وأنت على عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله تعالى لا أعلمُه أنا، فعِلْمُ موسى ◙ هو(543) التَّشريع وهو(544) المنقول الذي هو بالواسطة، / وعِلْمُ الخَضِر ◙ هو اللَّدُنِّي الذي هو الإلهام بغير واسطة.
          والحقُّ في هذا الموضع أن يُقَال: العلم اللَّدُنِّي حقٌّ لا شكَّ فيه بدليل(545) ما تقدَّم، لكنَّ الدَّليلَ على تصديق مَن ادَّعى وجودَه أن يكون علمُه(546) على الكتاب والسنَّة خالصًا مِن الشَّوائب صادقًا في توجُّهه عارفًا بالخواطر صالِحِها وفاسِدِها معرفة كليَّة، لأنَّ علم الخواطر علم قائم بذاتِه، ونحن نذكر الآن منه(547) شيئًا نشير به لبعض ما يحتاج الموضع إليه فنقول: قد اختلفت المتصوِّفة اختلافًا كثيرًا في هذه الخواطر(548)، وأحسن ما قيل فيها وألخِّصُه: أنَّ الخواطر على أربعة أقسام: نفسانيٌّ، وشيطانيٌّ، ومَلَكيٌّ، وربَّانيٌّ.
          فالرَّبانيُّ(549) أوَّلها: هو(550) مثل لمحة البرق ولا(551) يثبت، ثمَّ يليه النَّفسانيُّ مثل الْمُصلي مع(552) السَّابق رأس المصلِّي في عنق السَّابق على ما يُعرف في سَبْق الخيل، ولا يفرَّق بين النَّفسانيِّ والرَّبانيِّ إلَّا مَن كانت فيه الصِّفات المتقدِّم ذكرها ورُزِقَ التَّوفيق، فإذا حصل له التَّفرقة بينهما لم يجد في الرَّبانيِّ قطُّ شيئًا مخالفًا لكتاب الله تعالى ولا لسنَّة رسول الله صلعم، لأنَّ كلَّ ما هو مِن عند الله تعالى سواء(553) كان بواسطة أو بغير واسطة فلا خلاف بينهما، لأنَّ الكلَّ حقٌّ، قال الله ╡ في كتابه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82]، فنصَّ تعالى على أنَّ كلَّ ما(554) يأتي مِن قِبَله(555) ليس فيه مخالف والكلُّ حقٌّ
          ولهذا المعنى كان بعض فضلاء أهل هذا الشأن إذا خطر له(556) الخاطر يقول(557): لا أصدِّقُكَ حتى تأتيني بدليلَين دليل(558) مِن الكتاب ودليل مِن السنَّة، لِعلمه بأنَّ(559) الرَّبانيَّ لا يخالف الكتاب ولا السنَّة فيجتمع له العمل بالعِلْمَين / معًا اللَّدُنِّي والشَّرعي، وقد كان بعضهم إذا احتاج إلى معرفة أجزاء أوقات الَّليل يرفع بصره وهو في فراشِه، وبيتُه مغلَق عليه، فيرى الكواكب في مواضعها التي هي فيها في ذلك الوقت فيعرف في أيِّ وقت هو مِن الَّليل فلا يُقنِعه ذلك ولا يعمل عليه ويقول: ليس هذا العلمَ المنقول، فيقوم فيفتحُ الباب ويخرج فينظر(560) إلى النُّجوم بعين بصره فيراها في مواضعها التي رآها فيها وهو في فراشِه ويتكرَّر ذلك منه مرارًا، ولم ينتقل عن عادتِه.
          هذا هو حالهم لا ينفردون أبدًا للعمل باللدُنيِّ(561) حتَّى يوافقه المنقول فيعملون بهما معًا، اللهمَّ إلَّا عند ضرورة لا يمكنهم العمل(562) بالواقع من جهة المنقول فيبيِّن(563) لهم العلم(564) في ذلك _أعني العلم اللَّدنِّي_ فيعملون(565) به لانحتام الوقت عليهم ثمَّ ينظرون في العلم المنقول بعد ذلك فيجدونه موافقًا لِمَا هدوا إليه.
          ومثل ذلك ما حكي عن الثَّوريُّ(566) ⌂ حين جمع الخليفةُ ببغداد أهلَ هذا الشأن لَمَّا وُشِي إليه فيهم وقيل له: إنَّهم على غير استقامة، فأمر الخليفة بقتلهم، فلـمـَّا جاء السيَّاف إليهم يطلبهم(567) للقتل بادر إليه الثَّوريُّ(568) ⌂ فتعجَّب السيَّاف من ذلك وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: أُوْثِر أصحابي بحياة ساعة، فتركهم ورجع إلى الخليفة وأخبره(569) الخبر فتعجَّب الخليفة ومن حضره، فسألَ القاضي الخليفةَ أن يتركَهم حتى يذهبَ إليهم فيبحثَ معهم في أمرهم حتَّى يتبيَّن له(570) طريقهم(571)، فأذن له الخليفة في ذلك، فأتى القاضي إليهم فطلب منهم شخصًا ليبحث(572) معه فقام إليه الثَّوريُّ(573) ☼، فسأله القاضي عن مسائل فقهية فنظر عن يمينه وقال: / نعم، ثمَّ نظر عن يساره وقال: نعم، ثمَّ أطرق مليَّا(574) ساعة، ثمَّ رفع رأسَه وأجاب القاضي بجواب مقنع في تلك المسائل فتعجَّب القاضي مِن أمره، فسأله عن ذلك فقال(575): لَمَّا أن سألتني عن تلك المسائل لم يكن لي بها علم، فسألتُ ملَكَ اليمين عنها(576) فقال: لا علم لي، فسألت مَلَكَ الشِّمال فقال: لا علم لي، فسألت ربَّ العزَّة، فأخبرني في قلبي بما قلتُ لك، فرجع القاضي إلى الخليفة، وقال له: إن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مُسْلِمٌ.
          فما كان مثل هذا وما أشبهه هو الذي ينفردون فيه بالعلم اللَّدُني للضَّرورة ولانحِتام الوقت ثمَّ يجدونه بعد ذلك على وفق المنقول لا زيادة ولا نقصان، فمَن لا يعرف هذا الشَّأن تسبق(577) إليه الخواطر النَّفسانيَّة والشَّيطانيَّة والملَكَيَّة، فيعمل على كل خاطر يخطرُ له فيها(578)، ولا يفرِّق فيها بين الصَّالح والفاسد فيكون في عَمًى وضلال وكلُّ مَن اتَّبعه كذلك فيصدق عليه(579) قوله تعالى:{وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104].
          ولأجل هذه الخواطر وما فيها مِن الاختلاف أخذ(580) الفضلاء العارفون بها(581) العهدَ على المبتدئين للسلوك أن لا يُخْفُوا عنهم كل خاطر يَرِدُ عليهم كائنًا ما كان ليثبتوا(582) لهم تلك الخواطر الصَّالحة والفاسدة(583) وما فيها(584) بعد المشاهدة والعِيان، فنقلَ الجُهَّال مِن المدَّعين(585) للطريق هذه الصِّيغةَ إلى صيغة البَيعة وجعلوها مِن ضرورة(586) الطَّريق لجهلهم باللفظ والمعنى.
          يشهد لِمَا أشرنا إليه عنهم: ما حُكِيَ عن بعض الفضلاء منهم(587) _أعني: الفضلاء المتحقِّقين(588)_ أنَّه أتاه شخصٌ يريد السُّلوك فأدخله(589) الخلوةَ وتركه أيَّامًا، ثمَّ دخل عليه وقال له: كيف ترى صورتي عندك؟ فقال: صورة خنزير، فقال الشيخ: / صدقت، ثمَّ تركَه في خلوتِه أيَّامًا، ثمَّ دخل عليه(590) وقال له: كيف ترى صورتي عندك؟(591) وسأله مثل الأولى، فقال له: صورة كلب، ثمَّ كذلك، ثمَّ كذلك، ثمَّ كذلك(592)، إلى أن قال(593): أراك صورة قمر(594) ليلة كماله، فقال له: صدقت الآن كَمُلَ حالك وحينئذٍ أخرجَه مِن الخلوة.
          ولا ذاك إلَّا أنَّ النَّفس إذا كانت في رعونتها(595) وشهواتها مثلُ المِرآة الصَّدِئَة(596)، فإذا أخذ صاحبُها في(597) المجاهدة فهي صقَالة لها كصِقالة الصقَّال للمرآة فقبل أن تتمَّ صِقالتها(598) إذا قابلَتْها(599) الأشياء وقع المثال فيها مفسودًا(600) لبقاء بعض الصَّدَأ فيها، فإذا تَمَّت سِقالَتُها(601) وارتفع عنها ذلك الصَّدأُ كلُّه ظهر فيها مثال الأشياء مِن غير زيادة ولا نقصان، ورجعت تميز كلَّ خاطر بحدَّتِهِ لِصَفائها(602).
          ومنهم قوم يأتون بلفظ شنيع(603)، فيقولون: (أنا هو وهو أنا)، ويدَّعون ذلك حالًا(604) ويجعلونَه مِن الأحوال الرَّفيعة العظيمة، وقائل هذا منهم(605) يدور بين ثلاثة أقسام:
          إمَّا أن يكون قد(606) غُطِّيَ على عقلِه(607) فقال هذا وهو لا يعقل ما قال، فقد ارتفع الخطاب عن هذا فلا يُلتفت لكلامِه ولا يُؤبَهُ به، ولا يُحتسب(608) مقامًا، وهو ضرب مِن الجنون.
          وإمَّا أن يكون جاهلًا يحكي عن غيره وليس له بذلك حال فهذا ينبغي تأديبه؛ لأنَّ ذلك مستحيل عقلًا وشرعًا، وهو أن يرجع الخالق مخلوقًا والمخلوق خالقًا.
          وإمَّا أن يكون له مذهب فاسد، فلمـَّا أن تعلق بطريق القوم(609) صرَّح به وجعله حالًا(610).
          وهذا الأخير لا يخلو مِن(611) أن يدَّعيَ ذلك (بالمعنى) أو يدَّعيه (بالحلول)، والمعنى هو: أن يدَّعي أنَّه ليس له تصرُّف والتَّصرف لغيره، فإن ادَّعى هذا فهو جَبْرِيٌّ وقد تقدَّم الكلام معه، وإن كان ادِّعاؤه(612) بالحلول فهو مُجَسِّمٌ وقد تقدَّم الكلام معه في ذلك أيضًا. /
           وإنَّما حكي عن السَّادة الفضلاء مِن أهل هذا الشأن التأدُّب والاحترام(613) والوقار في مقاماتهم، ولم يُخِلُّوا(614) قطُّ بأدبٍ مِن آداب الشَّريعة لا في حال حضورهم ولا في حال غيبتهم، مثل ما حكي عن الثوري(615) ⌂ حين أخذه الحال وبقي في بيتِه سبعة أيام يدور، ولا(616) ينام ولا يقعد، ولا يأكل ولا يشرب، ويقول: أحدٌ أحدٌ لا يزال كذلك، فبلغ ذلك شيخَه فقال: أمحفوظ عليه أوقات صلواتِه(617)؟ فقالوا: نعم، فقال الحمد لله الذي لم يجعل للشيطان عليه سبيلًا.
          ثمَّ بقي بحث مع بعض العوام في عوائدَ اتَّخذوها ولم يُنكَر عليهم فيها، فالذِّكر للعوام والكلام مع مَن سامحهم مِن العلماء فيما فعلوه، لأَّن مَن رأى ولم ينكر كمَن(618) فعل، وهو ما اتخذوه مِن (الرشا عند النَّوازل) وما اتخذوا(619) مِن أصحاب الجاه، و(620) لأن(621) يحموهم ويعطونهم(622) على ذلك شيئًا معلومًا، وهذا كلُّه لا يَحِلُّ ولا يجوز، لأنَّ الله ╡ يقول في كتابه: {وَلَا تَأْكُلُوا(623) أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188]. وقال ╡ : {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [آل عمران:64]. وقال النبي صلعم : «مَنْ شفعَ لِأَخيهِ شفاعةً فأَهدى لَهُ مِنْ أَجْلِهَا هديةً فَقَبِلَهَا، فقد فتحَ على نفسِهِ بابًا عظيمًا(624) مِنْ أبوابِ(625) الرِّبا». هذا إنَّما هي(626) بعد قضاء الحاجة دون شرط، فكيف بها قبل قضاء الحاجة بالشرط؟ وكيف يأخذون على الحماية ثمنًا والحماية لا تخلوا أن تكون في حقٍّ مِن حقوق الله تعالى أو في مظلمة؟
          فإن كانت في حقٍّ مِن حقوق الله تعالى فلا يَحِلُّ لأحد أن يُعِين أحدًا على أن(627) لا يوفِّيَ(628) حقًّا مِن حقوق الله تعالى، فإذا كان هذا لا يَحِل فكيف يأخذون عليه شيئًا؟ وإنْ / كانت في مَظلِمة فتعيَّن(629) عليه نصر المظلوم لقوله صلعم : «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمَـًا أو مَظْلُومَـًا». فكيف يأخذون أجرة على ما تعيَّن عليهم فعله شرعًا؟ فتشبَّهوا بفعلهم هذا بالجاهلية حيث كانوا إذا نزلوا بوادٍ أو بموضعٍ يقولون: أعوذ بسيِّد هذا الوادي مِنْ شرِّ أهله، وقد أخبر ╡ عنهم(630) في كتابه حيث قال:{وَأنَّه كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن:6]. أي: غيظًا عليهم، وكذلك هؤلاء المساكين طالما(631) يعطون الرشا ويتَّخذون الجاه يزداد(632) عليهم مَن يعطونه ذلك غيظًا وهو(633) أشدُّ عليهم مِن الطَّالبين(634) لهم بالظلم صراحًا، لأنَّهم هم الذين يأكلون أكثر أموالهم، فنعوذ بالله مِن العمى والضَّلال.
          وإنَّما يحتاج المؤمن أنْ يكون على أحد قسمين:
          إن كان قويًا أخذ بالقوة، وإن كان ضعيفًا أخذ باللطف والرأفة، فالمؤمن القويُّ في تصديقه وظيفته أن يسلِّم لله تعالى في أمره ويعمل بمقتضَى ما تضمَّنه(635) قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولَانَا(636)} [التوبة:51]. وقوله ╡ : {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23].
          وإن كان مِنَ القسم الآخر وهو الضعيف فقد أثبتتِ السُّنَّة له(637) الدَّواء فشأنه أن يتداوى(638)، والدَّواء هو ما روي عنه ◙ أنَّه قال: «ادْفَعُوا البَلَاءَ بِالصَّدَقَةِ». وقال ◙ : «واسْتَعِيْنُوا(639) عَلَى حَوَائِجِكُمْ بالصَّدَقَةِ».
          وقد حُكِي أنَّه كان في بني إسرائيل رجلٌ يؤذي النَّاس فاشتكوا به إلى نبيِّ(640) ذلك الزَّمان فدعا عليه، ثمَّ أخبرهم أنَّه يصيبه بلاء في يوم كذا وكذا وكان الرجل قصَّارًا، فلـمـَّا كان في ذلك اليوم المعين فإذا بالرجل راجعًا إلى البلد وعلى رأسه رزمة ثياب، فأتوا لنبيِّهم فقالوا له: ها هو اليوم / قد رجع، لم يُصِبْه شيء، فدعا النَّبيُّ به فأُحضِر(641)، فسأله ما فعلت اليوم؟ فأخبره أنَّه كان معه رغيفان(642) أخرجهما لغدائِه ثمَّ عَرَض له مسكين يسأله فأعطاه الرَّغيفين، فأمره النَّبيُّ(643) أن يُنزِل(644) تلك الرزمة التي(645) على رأسه وأَخَذ ما فيها مِن الثياب فَفُتِحَتْ(646) فإذا بحيَّة عظيمة ملجَمَة بلجام مِن نار فقال النَّبيُّ ◙ : «هذا البلاءُ كانَ أُرْسِلَ عليهِ، وهذا اللِّجَامُ الْمُطَوَّقُ بها هي الصدقةُ التي تصدَّقَ بها».
          وقد أبقى الله تعالى هذا الخير لهذه الأمَّة بإخبار الشَّارع ◙ وهو ما تقدَّم، وقد وصف ◙ الفتن ووصف الدَّواء لها وكيفية النَّجاة منها فقال: «الجَـؤوا إِلَى الإيمانِ والأَعْمَالِ الصَّالحاتِ».
          وأشدُّ مِن هذا كلِّه أن قومًا منهم جهلوا(647) هذا الأمر وجعلوا الرشا(648) المذكورة مِن باب المداراة وهذا منهم جهل بالمداراة ما هي، وإنَّما المداراة الممدوحة(649) في الشَّرع بذل الدنيا في صلاح الدِّين مثل(650) ما كان النَّبيُّ صلعم يفعل حين كان يعطي المؤلَّفة(651) قلوبُهم الأموال الطائلة، حتى لقد كان ◙ يُعطي لبعضهم واديًا(652) مِن غنم، وواديًا من بقر حتى حَبَّب إليهم الإيمان بالضرورة لكثرة عطاياه(653) لهم، فكانوا يرجعون إلى قبائلهم وأهليهم فيقولون لهم: أسلِموا فإنَّ محمَّدًا يعطي عطاء مَن لا يخاف الفقر.
          وقد حُكِيَ عن بعض المتَّبِعين(654) مِن الفضلاء الذين فهموا هذا المعنى أنَّه رأى بيَّاعًا وهو متغيِّر فسألَه عن حالِه فقال البياع: أنا مستأجَر على بيع هذا الطَّعام بدرهمين في اليوم وآخذه موزونًا والسِّعر معلوم، ولا أعطي النَّاس(655) في الرِّطل إلَّا رِطلًا(656) غير ثُمُن / وبعد ذلك ينقص لي في(657) كل يوم مِن رأس مالي سوى أجرتي درهمان، وأحتاج في داري نفقة فطلع عليَّ الدَّيْن فأنا مهتمٌ(658) لذلك، فقال له ذلك(659) السَّيد: كم يكيفك في دارك(660) مِن النَّفقة؟ فقال: درهمان، فقال له(661): أنا أعطيك درهَمينِ كلَّ يوم لنفقتك بشرط أن(662) تعاهدني ألَّا تأخذ شيئًا لأحد، فعاهده على ذلك، فأعطاه ذلك(663) السَّيد ثمانية دراهم نفقة أربعة أيام، ثمَّ أتاه بعد الأربعة أيام(664) فأعطاه ثمانية دراهم(665) عن أربعة أيام أُخَر، فلـمـَّا أن جاءه في الثَّالثة يعطيه قال له: والله لا آخذ منك شيئًا، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّه منذ تركت الأخذ للناس رجعت كلَّ يوم أَجِد(666) درهمين فاضلةً عن(667) أجرتي وعلى رأس مالي ودون نفقتي، فهذا وما أشبهَه هو(668) المداراة الممدوحة في الشَّرع.
          فمَن كانت فيه إحدى(669) هذه الأوصاف المتقدِّم ذِكْرها وهي ما ذكرناه في بعض العلماء وبعض النُّسَّاكِ وبعض العوام المتقدِّم ذكرُهم، وما أشبه ذلك كيف يسوغ له أن يدَّعي أنَّه مِن القسم النَّاجي؟ والنَّبيُّ صلعم يقول في صفة النَّاجين: «ما أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». وكيف يدخل بما يفعل(670) مِن ذلك تحت توفية عموم الحديث وهو قوله ◙ : «لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئَـًا»؟ (والشيء) ينطلق(671) على القليل و الكثير كما تقدَّم، فهلَّا(672) ينتبه المسكين مِن غفلتِه فيقيم ميزان الشَّرع على نفسِه حتى يصحَّ له حقيقة ما ادَّعى مِن الاتِّباعية وقد قال ◙ : «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا».
          ثمَّ نرجع الآن إلى بيان ما اشترطنا أنْ نبيِّنه مِن اعتقاد أهل السنَّة وأحوالهم.
          فأمَّا اعتقادهم فهو على ما يقتضيه عموم(673) قولِه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].
          ووافق ذلك النقل والعقل(674)، فأمَّا النقل / فالآية المورودة هنا، وأمَّا العقل فلأنَّ خالق الوجود لا يُشبِه مَنْ خَلَق، إذ إنَّ الصانع لا يشبِهُ الصَّنعة، ونفى(675) التَّكييف والتَّحديد؛ لأنَّ التَّحديد(676) والتَّكييف(677) لا يكونان إلَّا في(678) المخلوق؛ لأنَّهما(679) صفتان للمُحدَث _وتعالى الخالق جل جلاله عن التكييف والتحديد(680) والحلول_ وإنَّ صفاته ╡ صفات الجلال والكمال على ما يقتضي ذلك من الحياة والقدرة والعلم والحكمة والإرادة وإدراك جميع المدرَكات على ما هي عليه مع نفي الكيفيَّة في الذَّات والصِّفات، وأنَّه محيط بالجزئيات والكليات {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].
          وأنَّه هو المخترِع لجميع المخلوقات، العرشِ وما حوى، والثَّرى وما بينهما وما تحت الثَّرى، كما أخبر ╡ في مقتضى التنزيل وأن خَلْقَه لذلك مِن غير احتياج إليه ولم يدركه نَصَبٌ في اختراعها وإبدائها، ولا شريك له ولا مماثل.
          وأنَّه ليس في خلقِه علَّة لمعلول، ولا في تقديم بعضها على بعض لحقٍّ موجِب ولا تأخير متأخِّر منها لاضطرار(681) لازم، ولا نفي جمع(682) الضدين لعجز واقع، ولا تناهي مخلوقاته وانحصارها لضعف لاحقٍ، بل كان(683) ذلك لاختيار وحكمة، وكلُّ نعمة وهداية منه مِنَّةٌ وفضلٌ، وكلُّ ضلالة ومحنة عدلٌ(684) مِنْه وحكمة، لا يُدرَك بالعقل ولا يُتصوَّر بالوهم، بل السَّبيل إلى معرفتِه العجز عن معرفتِه، كما قال أبو بكر ☺: سبحان مَن لا يُوصَل إلى معرفتِه إلَّا بالعجز عن معرفتِه، ويشهد لذلك قوله ◙ : «يا دليلَ الحَائِرِينَ زِدْنِي فِيْكَ تَحَيُّرًا».
          فهو الواحد الأحد الموجود الذي لم يتقدَّم وجودَه عدمٌ، كان ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه(685)، ولا يزال على ما هو / عليه، تَنَزَّهَ عن الحوادث والتغيرات(686) والأعراض والممكنات(687). وأنَّه المتصرِّف في خلقِه بمقتضى حكمتِه وقدرتِه وإرادتِه، وأنَّ جميع ما يصدر في العالم مِن حركات وسَكَنات وخواطر وهمَّات(688) ولمَّات، وأدقَّ مِن ذلك وأجلَّ خَلْقٌ مِن خلقِه، وتصرفات العباد فيها كسب لهم، فالخلق له ╡ مِن جهة الاختراع، والكسبُ للعبيد مِن جهة العمل(689) والاختيار.
          يشهد لذلك النقل والعقل:
          أمَّا النقل فقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال:17]. فأثبت ╡ الرَّمي للعبد وحقيقتُه للرب، والآي في ذلك كثيرة(690).
          وأمَّا العقل فإنَّه(691) لو انفرد أحد مِن الخَلْق بِذَرَّة مِن الخلق دونه لكان له شريك، ولا شريك له، قال ╡ في كتابِه(692): {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]. فكيف شركاءُ عِدَّة؟ فكان ذلك مستحيلًا نقلًا وعقلًا(693)، وكذلك أيضًا لو لم يكن للعبد كسبٌ ما وقع التَّكليف عليه ولا صحَّ الخطابُ بما في الكتاب مِن قوله تعالى: بما{كسبتم} [البقرة:134] {بِمَا عَمِلْتُمْ} [التغابن:7] بِمَا كُنتُمْ {تَصْنَعوُن} [العنكبوت:45] ولا صحَّ أن يقول النَّبيُّ صلعم لأبي بكر في الدُّعاء الذي علَّمه يدعو به: «اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمَـًا كَثِيرًا ولا يغفر الذُّنوب إلَّا أنت(694)».
          فصحَّ مذهب أهل السنَّة بلا شكٍّ فيه(695) ولا ريب وهو: أنَّ أفعال العباد خَلْقٌ للرب وكسبٌ للعبد ولا التفاتَ للكيفية، وأنَّ تعليق الثَّواب على الطاعات والعقاب على المخالفات عِلَّة(696) شرعية لا عقلية ولا عِلِّية(697)، يجب الإيمان بها والاستسلام(698) إليها بمقتضاها، وأنَّ ربط العوائد بعضها ببعض لحكمة اقتضتها الإرادة الأزلية، وقد يُزيلُها ╡ لحكمة(699) / أخرى أو يزيد عليها.
          كلُّ ذلك ممكن بحسب القدرة والحكمة لا مانع لِمَا أراد، ولا رادَّ لِمَا قضى، وأنَّ الخواص وجواهرها(700) خلقٌ مِن خَلْقِه وخاصيتها خلقٌ مِن خَلْقِه، فقد يزيل الخاصِّيَّة(701) أحيانًا ويبقي الجواهر(702)، وقد يزيد فيها وقد يبقيها تارة ويزيلها(703) أخرى، كلُّ ذلك سائغ بحسب القدرة والإرادة.
          وأنَّ القرآن كلامُه(704) ╡ مُنَزَّلًا حقًا مُيسَّرًا صِدقًا مِن غير التفاتٍ للكيفية كما قال جل جلاله: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106]. و{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ(705)} [مريم:97].
          والإيمان بالكتاب والسنَّة بخاصِّه وعامِّه ومُجملِه على مقتضى اللِّسان العربي ما عرفت العقول معناه، وما لم تعرف سَلِّمْ فيه وأذعنْ إليه من غير اعتراض ولا تأويل لقوله ╡ : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} [آل عمران:7].
          وكذلك(706) قال ◙ لمَّا أن سأله أصحابه(707) ♥ فقالوا: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فقالَ: «أَوَجَدْتُمُوهُ؟» فَقَاُلوا: نعم، فقالَ: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ». يعني: في دفعِه عنهم لا في نفس وجوده، وإنَّما هو الإيمان في نفس تعاظم الأمر ودفعِه.
          وقد قال عمر ╩: دينُنا هذا دين العجائز _يعني في العجز والتسليم_ وقد قال الإمام مالك ⌂: كلُّ ما يقع في القلب فالله بخلاف(708) ذلك؛ لأنَّ كلَّ ما يقع في القلب على ما تقدَّم إنَّما هو خَلْقٌ مِن خلق الله تعالى فكيف يشبِه الخالقُ المخلوق(709)؟! وقد قال الإمام الشَّافعي ⌂: آمنتُ بالله كما أَمَر الله، وآمنتُ برسول الله كما أَمَر رسول الله.
          والسَّادة الفضلاء عن آخرهم على هذا الأسلوب هم(710) سالكون، / وإنَّما اختلفت في التَّعبير(711) صيغُهم لا غير، والمعنى واحد في الكل، وكفى في هذا الموضع بيانًا حديث جبريل ◙ حين أتى ليعلم(712) الدِّين الحديث المشهور، وقال فيه: ((فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّه يَرَاكَ)).
          وطريقة النَّبيِّ صلعم وأصحابه التي هي طريقة النَّجاة كانت على هذا القَدَم، ومتضمَّن هذا القَدَم يعطي المسارعة في كل أفعال(713) البِرِّ بكل مُمْكن، لأنَّ المعاينة تقتضي التَّصديق والمبادرة وترك الالتفات والتأويل، ولأجل هذا المعنى ضرب الله ╡ المثلَ للمؤمنين بمريم ♀ حيث قال بصفتها(714): {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ(715) وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12]. وما ضلَّ منْ ضلَّ، وانحرفَ مَن انحرفَ إلَّا بسوء التأويل، نعوذ بالله مِن ذلك، هذا ما تضمَّنه اعتقادهم.
          وأمَّا أحوالهم فهي الصِّدق والتَّصديق(716)، والاتِّباع وتركُ الابتداع، وبذل الجهد والاعتراف بالتقصير، والتوكُّل والتَّسليم والافتقار والتَّعظيم وبذل النَّصيحة دون غِش، والتَّواضع دون تماوت(717)، والتَّراحم والإشفاق والإيثار والإحسان والتَّوادد بينهم والتعاطف بمقتضى الإيمان كما وصفهم ╡ في التنزيل: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ(718)} [الفتح:29].
          فهذا بعض أحوالهم وعقيدتهم على ما تقدَّم(719)، فإنِ اتَّبعتهم كنتَ معهم لقوله ◙ : «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». فإنَّ المحبة تقتضي(720) الاتِّباع، والحبُّ بغير اتِّباع دعوى بغير حقيقة لأنَّ(721) المحبَّ لمن أحبَّ(722) مطيع، يشهد لذلك قوله صلعم : «(723)لَا يَخْتَلِسُ الخِلْسَةَ حينَ يَخْتَلِسُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُو مُؤْمِنٌ»،لأنَّ حقيقة الإيمان تقتضي(724) الاتباع والتَّسليم.
          والمخالفة لا تكون إلَّا مِن أحد / القسمين(725): إمَّا ضعفٌ في الإيمان، أو عاهة تأتي(726) عليه، فإنْ وقعت مِنك(727) مخالفة في بعض أحوالهم فحافظْ على اعتقادهم واحذَرْ مِن وقوع الخلل فيه، لأنَّ المخالفة في الحال والاعتقاد قَطْعُ بينك وبينهم، وسلامة الاعتقاد مع الخلل في الحال كَسْر، والكسر(728) قد ينجبر(729)، والقطع لا يلتئم، يشهد لذلك الحديث الذي نحن بسبيله(730)، لأنَّه ◙ طلب البيعة أولًا على حقيقة التَّوحيد على أن لا يشركوا بالله شيئًا، و(شيءٌ) ينطلق(731) على ما تقدَّم البحث في عموم لفظِه، وأن لا يأتوا مِن المحرَّمات شيئًا، فإنْ وقع شيء ممَّا حُرِّم فوقع الحدُّ لأجلِه، كانت الحدود تطهيرًا للمحدود وجبرًا لكسره(732)، وإن لم(733) يُحدَّ بقي في المشيئة، إن شاء ╡ عذَّبه وإن شاء عفا عنه، وفي حقيقة الإيمان لم يُعْطِ(734) ◙ فيه فترة ولا عذرًا، ثمَّ نرجع الآن لتتبُّع ألفاظ(735) الحديث.
          الوجه الثَّالث: قوله ◙ : (وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ). إنَّما نصَّ ◙ على هذه الثَّلاثة لشناعتها وقُبحها؛ لأنَّها مِن الكبائر بالإجماع(736).
          الوجه(737) الرَّابع: لقائل أن يقول: لِمَ خَصَّ ◙ بالقتل البنين دون غيرهم، وقد جاء النَّهي عن القتل مطلقًا ولم يفرَّق فيه بين الصَّغير والكبير؟ والجواب مِن وجوه: (الأوَّل)(738): أنَّ العرب كانت تتهاون بقتل الأولاد كما ذكر(739) في الْمَوْؤُودَةِ وغيرها، فخصَّص ◙ ذكرهم(740) تأكيدًا في شأنهم حتى لا يفعلوا ذلك. (الثَّاني): أن الصَّغير لا يدفع عن نفسِه فازداد(741) لذلك التَّحريض في حقِّه. (الثَّالث): أنَّه قد يحمل بعضَ النَّاس قلَّةُ ذات اليد إلى قتل الولد، وقد نصَّ ╡ (742) في كتابه فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151]. /
          فنهى عن ذلك تأكيدًا في حق الأولاد، لكي(743) يُعلَم أنَّ الله تعالى هو الذي يرزق الصَّغير والكبير، فلا يتعلَّق بهم.
          الوجه الخامس(744): قوله ◙ : (وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ) البهتان على نوعين: بهتان مِن طريق المباهتة وهي الموافقة للشخص في وجهه حتى يَبْهَتَه. والنوع الثَّاني: هو ذِكْر شيء لم يقع مِنه أنَّه قد(745) وقع.
          الوجه السادس(746): قوله(747) ◙ : (تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ). هذا اللفظ يحتمل وجهين:
          أحدهما: أن يُحْمَل على ظاهره، الثَّاني(748): أن يكون المراد به معنى ثانيًا(749) غير الظَّاهر، فإن كان الأوَّل فيكون المراد بما بين الأيدي(750): الرَّأس وما فيه مِن الجوارح، والصَّدر وما فيه وهو القلب(751)، ويكون المراد بما بين الأرجل ما(752) بينهما مِن الجوارح وهو الفَرْج، فكلُّ مَن ذَكَر عن جارحة مِن هذه الجوارح المذكورة فعلًا أو قولًا أو اعتقادًا لم يقع فقد أبهتَ(753) المقولَ عليه أو(754) عنه، لقوله ◙ حين سُئِلَ عن الغيبة فقال: «أنْ تَقولَ تَقُوْلَ في الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ» قيل: وإن كان حقًا؟ فقال: «تِلْكَ الغِيْبَةُ، وإِنْ كانَ بَاطِلًا فَهُو البُهْتَانُ». وإنْ كان الثَّاني وهو أنْ يكون المراد به معنى ثانيًا غير الظَّاهر فهو يحتمل وجوهًا:
          (الوجه(755) الأوَّل): أن يكون ذلك كنايةً عن الدنيا وعن الآخرة، كما قال المفسِّرون في قوله تعالى:{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف:17]. قالوا: ذلك كناية عن الدنيا وعن الآخرة(756)، فالأرجل: للدنيا لقوله تعالى:{وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ:51]. قيل: أُخِذُوا مِن تحت أرجلهم، والدنيا هي أقرب المنازل فكَنَى بالأرجل عنها لقربها، وكَنَى بالأيدي عن الآخرة لأنَّها بعد الدنيا.
          (الثَّاني): أن يكون المراد بذلك: الباطن والظَّاهر / فما بين الأيدي هو القلب، وكَنَى به عن الباطن وما بين الأرجل هو التَّخطي وهو فعل ظاهر قال الله تعالى في كتابه: {قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33].
          (الثَّالث): أن يكون المراد بما(757) بين الأيدي: الحال(758) والمراد بما(759) بين الأرجل الماضي والمستقبل لأنَّ ما بين الأيدي حال(760)، إذ إنَّه لا يحتاج فيه لحركة(761)، وما بين الأرجل يكون مِن وجهين ماض أو مستقبل، لأنَّه لا يُتَأَتَّى إلَّا بالسَّعي، والسَّعي(762) إمَّا أن يكون قد وقع أو يستأنف، فمنع ◙ هذه الثلاثة الأشياء(763) وهي الماضي والمستقبل والحال.
          (الرَّابع): أن يكون المراد بما بين الأيدي: ما يكون مِن كسب العبد بافترائِه، والمراد بما(764) بين الأرجل(765) ما يكون مِن افتراء غيره، لأنَّ فائدة الأرجل كما تقدَّم ليس فيها إلَّا النَّقل والتَّخطي، فإذا وقع الاشتقاق(766) جاز التأويل عليه مِن وجه(767) ما، وقد يحتمل أن يكون المراد جميع ما ذكرناه، أو أكثر منه مع أنَّ ما ذكرناه هنا منصوص على منعِه في غير(768) ما آية و غير ما حديث، فيجب الحذر عن كل ما تأوَّلناه هنا، فيكون هذا اللفظ مِن الشَّارع ◙ مِن بديع الفصاحة والبلاغة إذ إنَّه أتى بلفظ يسير يحوي(769) معانيَ كثيرةً، وقد أجمل ◙ ذلك كلَّه وزاد عليه في حديث آخر حيث قال: «اتَّقِ مَحَارِمَ اللهِ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاس». وكلُّ(770) ما ذكرناه مِن جملة المحارم.
          الوجه السَّابع: قوله ◙ : (وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ). وهذا(771) أيضًا مِن أفصح الكلام وأبدعه؛ لأنَّه ◙ جمع فيه جميع المعروف كلِّه شرعًا وعقلًا واجبًا وندبًا، فكان ذلك تصديقًا / لقوله ◙ : «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ» ومكارم الأخلاق ممَّا عرفت حسنًا شرعًا(772) وطبعًا، فبهاتين(773) الصفتين _أعني ترك ما تقدَّم النَّهي عنه وامتثال ما ندب إليه هنا_ تمَّت البيعة(774).
          ولا يَتوهَّم متوهِّمٌ أنَّ البيعة كانت لأولئك(775) لا لغيرهم، بل هي لكلِّ مَن دخل في الإسلام، أو وُلِد فيه إلى يوم القيامة، قال ╡ في محكم التَّنزيل: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]. ولا فرق في ذلك بين الكتاب والسنَّة؛ لأنَّ الإنذار بهما معًا على حد سواء إلى يوم القيامة، فمَن ترك شيئًا ممَّا ذكرناه(776) فقد نكث في البيعة، ونكثه بقدر ما ترك فليراجع نفسَه قبل التَّلف.
          الثَّامن(777): قوله ◙ : (فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) يريد: مَن(778) وَفَّى على(779) مقتضى ما ذكرناه، ولقائل أن يقول: لِـمَ أبهمَ ◙ هنا الأجرَ ولم يَحُدَّه؟ والجواب: أنَّه إنَّما أبهمَ ◙ هنا الأجر للعلم به وشهرتِهِ، لأنَّه ◙ قد حدَّه في غير ما موضع، وقد حدَّه ╡ في غير ما موضع أيضًا منها، حديث معاذ حيث قال له ◙ : «وَهَلْ(780) تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» فقال(781): الله ورسوله أعلم، فقال: «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ تعالى إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بهِ(782)شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يُعَذِّبْهُم فَقَدْ دَخَلُوا الجَنَّةَ»، لأنَّه ليس هناك غير الدَّارين الجنَّة والنَّار(783).
          ومنها قوله ◙ : ((الإِيمَانُ إِيمَانَانِ)). وقد تقدَّم معناه(784) في الحديث قبل هذا [خ¦16].
          ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثمَّ اسْتَقَامُوا...} [فصلت:30]. الآية إلى آخرها.
          والاستقامة هي بمتضمن(785) / الحديث الذي نحن بسبيله والآي والأحاديث في ذلك كثيرة.
          التَّاسع: قوله ◙ : (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لهُ(786)). وقد(787) تقدَّم الكلام على هذا الفصل أولًا في كونه دليلًا على أنَّ الحدود كفَّارة(788) للذنوب.
          العاشر(789): قوله ◙ : (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ) هذا أدلُّ دليل على(790) صحَّة معتَقَدِ أهل السنَّة وهو ما قدَّمناه مِن أنَّ تعليق الثَّواب على الطاعات، والعقوبات(791) على المعاصي ليس هي عِلَّة عقليَّة ولا عِليَّة، وإنَّما هي عِلَّة شرعيَّة؛ لأنَّه لوكان ذلك لعِلَّة عقليَّة أو علِّيَّة لكان يؤاخذ عليها على كلِّ حال في الدنيا والآخرة(792)، فلـمـَّا كان ذلك تعبُّدًا شرعيًا(793) كان العبد تحت المشيئة فإن شاء تعالى أَخَذ(794) بالعدل وإن شاء عفا(795) بالفضل.
          الحادي عشر: قوله: (فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ). هذا إخبار مِن عُبادة ☺ بأنَّهم امتثلوا ما أمرهم النَّبيُّ صلعم على تلك الأوصاف المذكورة بالرِّضا والتَّسليم. وفائدة إخباره ☺ بذلك إنَّما هي تحريض لمن يأتي بعد على توفية تلك البيعة(796) إذ إنَّها لازمة لمن يأتي بعدهم كما هي لازمة لهم(797).
          وفيه مِن الفقه أنَّ كلَّ مَا نَدَب الإمام إليه لمصلحة مِن مقتضى الدِّين أن يُبادر إليه ولا يُترك، لأنَّه تجديد لِمَا تقدَّم، لا أنَّه استئناف(798) أمر ثان، وبالله التَّوفيق(799)، اللهمَّ اجعلنا ممَّن وَفَى ببيعة(800) نبيِّك محمَّد المصطفى صلعم في السِّرِّ والعَلانية، وأذهبتَ عنه الشُّكوك والاعتراضات وعافيتَه مِن الوساوس(801) / والنَّزغات(802)، وسلكتَ به منهاج أهل السنَّة والسنن، وعَدَلتَ به عن(803) طريق الزيغ والزلل، وحميتَهُ بعنايتك في الاعتقاد والقول والعمل، وجعلتنا(804) مِن عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون(805)، وصلى الله على سيدنا محمَّد و آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا دائمًا أبدًا سرمدًا إلى يوم الدِّين(806).


[1] في (م) و (ل): ((عن)).
[2] زاد في حاشية (ل): ((وكان شهيد بدر وهو أحد النقباء ليلة العقبة)).
[3] زاد في حاشية (ل): ((وحوله عصابة من أصحابه)).
[4] زاد في (ل): ((له)).
[5] قوله: ((فمن وفى منكم...على ذلك)) ليس في النسخ، والمثبت من (ج)، وزاد في (ل): ((الحديث)).
[6] في (م): ((أو)).
[7] في (ف): ((تحتاج)).
[8] قوله: ((ما هي)) ليس في (ف).
[9] قوله: ((وعلى من تجب)) ليس في (ف).
[10] في (ل): ((تصح)) والموضع الذي بعده.
[11] في (م) و (ل): ((شروط)).
[12] في (م) و (ل): ((فالتي)).
[13] في (ف) و (ل): ((وهي)).
[14] في (ف): ((ولا)).
[15] في (ف): ((بنته)).
[16] في (ف): ((لأنَّه قد صحَّت هذه بأمر الله ╡)) وفي (م): ((لأن قد صحَّت هذه بأمر من الله تعالى)).
[17] في (ف): ((إلى شروط وبيان)).
[18] قوله: ((الحديث)) ليس في (ف).
[19] في (ط): ((اقتضت)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[20] في (ف) و (م) و (ل): ((لها)).
[21] من قوله: ((ومنها ماهي ثابتة)) إلى قوله: ((الحكمة الربانية)) ضرب عليها في (ط)، والظاهر أن الصواب إثباتها، وهي مثبتة في باقي النسخ.
[22] قوله: ((ما مع ذلك بمقتضى الحكمة الربانية فهي)) ليس في (ف)، وقوله بعدها: ((مثل)) ليس في (م) و (ل).
[23] زاد في (ل): ((وهي)).
[24] في النسخ: ((عليَّة)) والمثبت من (ج).
[25] قوله: ((أن)) ليس في (ف).
[26] في (ف) و (م): ((وسامحه)).
[27] قوله: ((في البعض)) ليس في (ط) و(م) و(ج).
[28] في (ف): ((زيادة وحق)).
[29] قوله: ((أن)) ليس في (ف).
[30] في (ل): ((بالبيعة)).
[31] في (م): ((الحكمة)).
[32] في (ف): ((وتأكيد)).
[33] في (ط): ((عليهم)).
[34] في (ج): ((نظر)).
[35] في (ج): ((اجتماع)) وفي (ف) و (م) و (ل): ((باجتماع)).
[36] في (م) و (ل): ((رضي)).
[37] في (ف): ((في)).
[38] في (ف): ((وما)).
[39] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((بعد)).
[40] قوله: ((إذًا)) ليس في (ف).
[41] في (ف): ((إلى صاحب)).
[42] في (ط) و (ح): ((يملك)).
[43] قوله ((ليس)) ليس في (ج).
[44] في (ف): ((للسيد)).
[45] في (ف): ((أية)).
[46] في (ط): ((والمثمون))، وفي (ج) و(ل) و(م): ((القبول)).
[47] في (ط) و (ل) و(ف): ((باع بيعة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[48] في (ف): ((الذي ذكرناه فإذا ثمنه إذا إذا)).
[49] في (ط): ((لا)).
[50] قوله: ((من البيوع التي ذكرنا)) ليس في (م) و (ل).
[51] في (ط): ((تحديد)).
[52] في (ج): ((بيعة الله)).
[53] قوله: ((العزيز)) ليس في (ف) و (ل). وقوله: ((في كتابه العزيز)) ليس في (م).
[54] في (ف): ((وما)).
[55] في (م): ((فهي)).
[56] زاد في (ف): ((له)).
[57] في (ط): ((لا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[58] في (ف): ((الألفاظ المذكورة وستأتي)).
[59] في (ج): ((ما)).
[60] في (ف) و (م) و (ل): ((فائدة)).
[61] في (ف): ((تأتي)).
[62] صورتهافي (م): ((جميع)).
[63] في (ف): ((ينزع)).
[64] في (ط): ((ذو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[65] في (ف) و (ل): ((منفوخ)).
[66] قوله: ((وتحصيل المقصود بالأمر اليسير)) ليس في (ط) و(ج).
[67] في (ج) و (ل): ((لا سيَّما)).
[68] في (ط): ((من عالم كبير)) وفي (ف): ((في عالم كثير)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[69] في (م): ((يصلح)).
[70] في (ف): ((قوى)).
[71] في (ف): ((لكل واحد)) وفي (م) و (ل): ((كل أحد)).
[72] في (ف): ((البائع)).
[73] في (م) و (ل): ((وشبهًا)).
[74] قوله: ((الفائدة)) ليس في (ف).
[75] في (ج): ((المذلة عن)).
[76] في (ج): ((المبايع)).
[77] في (ل): ((والاه)).
[78] في (ف): ((المتقدم بالإسلام والذكورة)).
[79] في (ف): ((ونوع)).
[80] في (ج): ((هما))، وفي (ف): ((وهما)).
[81] في (ف): ((بإجماع)).
[82] في (ف): ((جدير)).
[83] في (ط) و (ج): ((فيه من)).
[84] في (ل): ((فيه)).
[85] في (ف): ((من)).
[86] قوله: ((حُرٍّ)) ليس في (ف) و (ل).
[87] في (م): ((لأنهنَّ)).
[88] في (ف): ((عن)) بلا واو.
[89] في (ف) و (م) و (ل): ((للنبي)).
[90] في (ف) و (م) و (ل): ((بالنَّبي)).
[91] في (م): ((لهم)).
[92] في (ف): ((إنَّه)).
[93] في (ف): ((يدلُّ)) بلا واو.
[94] زاد في (م) و (ل): ((منهم)).
[95] قوله: ((تقبيل)) ليس في (ف).
[96] كذا في النسخ، وفي (ل): ((قول)).
[97] في (ل): ((تكون)).
[98] في (ج): ((بها)).
[99] في (ج) و (ل): ((للدنيا)).
[100] زاد في (م) و (ل): ((المتقدّم)).
[101] في (ف): ((ما أمر)).
[102] في (ل): ((تكون)).
[103] في (ف) و (م) و (ل): ((فيهم)).
[104] في (ف): ((لأنَّه كان ◙)).
[105] في (ف) و (م) و (ل): ((أصحابه)).
[106] في (ط): ((الميدنة)).
[107] في (ف): ((فيخرج)).
[108] في (ف): ((الصحابة)).
[109] قوله: ((عمر ☺)) ليس في (ف).
[110] في (ج): ((ذلك)).
[111] في (ف) و (م) و (ل): ((بها)).
[112] في (ف) و (م): ((عن)).
[113] قوله: ((أن)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[114] في (م): ((إليَّ)).
[115] قوله: ((عنه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[116] في (ج): ((المباركة)).
[117] في (ف): ((يفسد)).
[118] في (ف): ((عامٌّ وخاص)).
[119] قوله: ((هو)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[120] في (ف): ((فيذهب)).
[121] في (ف): ((الخلافة وهو)).
[122] في (ف): ((يفكُّها)).
[123] قوله: ((عند استه)) ليس في (م) و (ل).
[124] في (ف): ((لواء)).
[125] في (ط): ((الجواب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[126] قوله: ((به)) ليس في (ف).
[127] قوله: ((وقتله)) ليس في (م).
[128] في (ط): ((أتقتلوهم))، وفي (ف): ((أفنقتلهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[129] في (ف) و (م) و (ل): ((لا ما صلُّوا)) مكرر.
[130] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف).
[131] في (م): ((الأمير)).
[132] في (ل): ((لكن)).
[133] زاد في (م) و (ل): ((عند بعض العلماء)).
[134] في (ل): ((اللفظ)).
[135] في (ف): ((فازت)).
[136] في (ف): ((يدلُّ عليه)).
[137] في (م): ((وستفرَّق)).
[138] في (ط) و (ف) و (ل): ((بهذه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[139] في (ل): ((يبين)).
[140] في (ف): ((لكي يتبيَّن بها طريقة)).
[141] في (ف): ((فتبيَّن)).
[142] في (ج): ((المذكورة)).
[143] في (ف): ((في)).
[144] في (ط): ((الخالفين)).
[145] في (ف): ((نحتاج)).
[146] في (ل): ((ويتبين ذلك بتبين)).
[147] في (ل): ((بهذا)).
[148] في (ف): ((الذين)).
[149] في (ف) و (م) و (ل): ((ولا)).
[150] في (ف): ((التنزيل)).
[151] في (ف): ((ومحسوس)).
[152] في (ف): ((ولم تكن له قوَّة بإيصالها)).
[153] في (ج): ((وقعت)).
[154] في (ف) و (م) و (ل): ((مشيئة)).
[155] في (ل): ((الفرج)).
[156] في (ف): ((يشاء)).
[157] في (ف) و (م) و (ل): ((فرح)).
[158] في (ف): ((وما ساعدته)).
[159] في (ط): ((ادا)).
[160] في (ف): ((مشيئته)).
[161] في (ف): ((لعبده)).
[162] في (ل): ((إيمان)).
[163] في (م): ((كل شيء)).
[164] في (ف) و (ل): ((كيف يصح له الإيمان به ذلك))، وفي (م): ((كيف يصح منه الإيمان فذلك)).
[165] في (ط) و (ل): ((النَّظر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[166] في (ط): ((بكيفية قبول))، وفي (ف) و (م): ((يكفيه فنقول)) والمثبت من (ج) و(ل).
[167] في (ج): ((إمَّا أن يدَّعوا)).
[168] في (ط): ((مخالفة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[169] في (م): ((فالأربعة)).
[170] قوله: ((طريق)) زيادة من (ج) على النسخ.
[171] في (م): ((عليه)) مكرر.
[172] في (ف) و (م): ((النقل والعقل)) وفي (ل): ((عليه دليل تضعفه من طريق النقل والعقل)).
[173] في (م): ((النقل والعقل)).
[174] في (م): ((طريق)).
[175] زاد في (ف): ((أنَّه)) وزاد في حاشية (ل): ((أنه حر)).
[176] في (ل): ((قاعدا كما)).
[177] في (ج): ((جبرائيل)).
[178] قوله: ((للنبي)) ليس في (ط) وهو مثبت من النسخ الأخرى.
[179] في (ج): ((جبرائيل)).
[180] في (ل): ((عام)).
[181] قوله: ((العزيز)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[182] في (ف): ((كربِّ)) بلا واو.
[183] في (ف): ((كربِّ)) بلا واو.
[184] قوله: ((به)) ليس في (ل).
[185] في (ف) و (ل): ((التَّكلُّف))، و في (م): ((تكلف))، وقوله: ((من)) ليس في (ج) و(ف).
[186] في (ف): ((وقف)).
[187] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((الذي يقتضي)).
[188] في (ج) و(ف) و (ل): ((حقيقيًا لا يقتضي)).
[189] في (م): ((تخصيص)).
[190] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[191] في (م): ((مرجوعها)).
[192] في (ط): ((جواب))والمثبت من النسخ الأخرى.
[193] في (ل): ((فليس)).
[194] في (ف) و (م): ((دليل مشكل فكان))، وفي (ل): ((فكان)).
[195] قوله: ((أيضًا)) ليس في (م).
[196] صورتهافي (م): ((حفظوا)).
[197] في (ف) و (م) و (ل): ((أو العقل)).
[198] في (م): ((أن يكون)).
[199] في (ف): ((الوجهين)).
[200] زاد في (ل): ((إذا)).
[201] في (ف): ((يحتمل)).
[202] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((اللائق بالإيمان)).
[203] في (ف): ((وهذا)).
[204] في (ط) و (ف): ((واجد الوجود)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[205] في (ل): ((من)).
[206] في (ف): ((خلافه)).
[207] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((على)).
[208] قوله: ((له)) ليس في (ف) و (م).
[209] في (ل): ((إلى)).
[210] في (ف): ((بغير)) وفي (م) و (ل): ((لغير)).
[211] في (ل): ((لاحتياج)).
[212] في (ط) و (م) و(ل): ((أنفوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[213] قوله: ((من)) ليس في (م).
[214] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[215] في (م): ((له)).
[216] في (م): ((وهو)).
[217] في (ف): ((للعبد)).
[218] في (م): ((وما يدعوه فليس))، وفي (ف) و (ل): ((وما يدعونه فليس)).
[219] في (ف): ((فيه)).
[220] قوله: ((شيء)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[221] في (ف): ((ولعدم)).
[222] في (ف) و (ل): ((كتابه)).
[223] في (م): ((سبقت)).
[224] في (ف): ((وهو)).
[225] في (ف): ((الحكمة)).
[226] قوله: ((هو)) ليس في (ف).
[227] في (ط): ((مفاتيحها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[228] في (ف) و (م) و (ل): ((شاءه)).
[229] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((وحكمته)).
[230] في (ج) و(م) و(ف) و(ل): ((لأكده)).
[231] قوله: ((ونعته)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[232] في (ف): ((يعنون)) بلا واو.
[233] في (ف): ((في)).
[234] في (ج): ((بظنهم)).
[235] في (ف): ((فأما)).
[236] في (ف): ((وما تعلَّقوا)).
[237] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((لهم)).
[238] قوله: ((جملة)) ليس في (ف).
[239] في (ط): ((يقولوا عن اللغة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[240] في (ف) و (م) و (ل): ((أنَّه كما)).
[241] في (ف): ((مسَّ)).
[242] في (م): ((ويشهد)).
[243] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((أن)).
[244] في (ل): ((يسمى)).
[245] قوله: ((الذي ذكرناه)) ليس في (م).
[246] في (ط): ((السبعة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[247] في (ف): ((لا)).
[248] في (ط): ((محتمل))، و في (ف): ((يحتمل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[249] في (ف) و (م) و (ل): ((بهذا أدلَّ دليل)).
[250] في (م): ((على)).
[251] قوله: ((أنَّ)) ليس في (ف).
[252] في (ف) و (م) و (ل): ((النقل والعقل)).
[253] في (ط) و(م): ((فإنهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[254] في (ج): ((تأولوا)).
[255] في (ط): ((معهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[256] في (ف): ((يُطلق)).
[257] قوله: ((أشياء غير واحدة، لأنَّهم يقولون ساقٌ من جراد وساق من قوم)) ليس في (ل).
[258] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((به)).
[259] في (ف): ((الأليق)).
[260] في (ف) و (م) و (ل): ((يقول)).
[261] في (ف) و (م) و (ل): ((إليه)).
[262] في (ف) و (ل): ((فلو)).
[263] في (م): ((ويشاهدوا)).
[264] في (م): ((يشاهدها)).
[265] في (ط): ((الرؤيا)).
[266] في (ف): ((العقل والنقل)).
[267] في (ف): ((ويعلِّلوا)).
[268] زاد في (ف): ((فهم لها مالكون)).
[269] في (م): ((منها)).
[270] قوله: ((به)) ليس في (ف).
[271] قوله: ((لفلان)) ليس في (ل).
[272] قوله: ((به)) ليس في (م) و (ل).
[273] في (ف): ((ذكرنا من))، وفي (م): ((ما ذكرناه في)).
[274] في (ف): ((رعاة)). في (المطبوع): ((عامة)).
[275] قوله: ((لهم)) ليس في (م).
[276] في (ف) و (م): ((لشيء)).
[277] في (ف): ((يأخذون)).
[278] في (ل): ((ويعد)).
[279] في (م): ((محلًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[280] في (ف): ((يرد عليهم أيضًا)).
[281] في (م): ((أيضًا وقفوا مع)).
[282] في (م): ((على)).
[283] صورتها في (ل): ((لاتنفى)).
[284] زاد في (ف): ((فيه)). في (ل): ((وحاذوا)).
[285] قوله: ((التأويل فيه)) ليس في (ف).
[286] في (ف): ((إلى)).
[287] في (ف): ((ويعلِّلوا)).
[288] في (ج): ((في))، وفي (ف) و (م) و (ل): ((فيه)).
[289] في (م): ((لأن ذلك محتملٌ في اللغة)).
[290] في الموضعين في (م) و (ل): ((لقولهم)).
[291] قوله: ((فينعتونه بالمصدر)) ليس في (ج) و (م) و (ل).
[292] قوله: ((في كتابه العزيز)) ليس في (ف) و (م)، وفي (ل): ((قال جل وعز في كتابه)).
[293] في (ف): ((فنعته)).
[294] قوله: ((هنا)) ليس في (ف).
[295] في (ف): ((بنفسه)).
[296] في (ف): ((أو نعته)).
[297] في (م): ((للأمر)).
[298] في (م): ((نزل)).
[299] في (ف): ((ينعته)).
[300] في (ل): ((رحمته)).
[301] في (ف): ((فلان)).
[302] في (ل): ((لأنه نزل)).
[303] قوله: ((على الله)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[304] في (ف): ((وتعلَّقوا لذلك)).
[305] في (ف) و (ل): ((أنَّ السَّماء يوم القيامة تكون)).
[306] في (ل): ((يستعار)).
[307] في (م): ((فكنَّاها)).
[308] في (م): ((لا أضعف)).
[309] في (ل): ((لما ذكرناه)).
[310] في (م): ((لا يتجزآ)).
[311] قوله: ((له)) ليس في (م).
[312] في (ج): ((لأن المتحير لا يعرف إلا متحيرًا)).
[313] في (ج) و (م) و (ل): ((بعظم))، وفي (ف): ((بعظمة)).
[314] زاد في (م) و (ل): ((به)).
[315] في (ف): ((تأوَّل))، وفي (م): ((تأوَّلوه)).
[316] قوله: ((هم)) ليس في (ف).
[317] في (م): ((بأنْ)).
[318] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((وهو)).
[319] في (ف) و (ل): ((فالبحث)).
[320] قوله: ((الواحدة)) ليس في (ف).
[321] قوله: ((هذه)) ليس في (ف).
[322] في (ف): ((والسَّماوات)).
[323] في (ف): ((المدلول بهذا)).
[324] قوله: ((إنَّما هو)) ليس في (ف).
[325] قوله: ((من)) ليس في (ف).
[326] قوله: ((يمكن أن)) ليس في (ف) و (م) و(ل).
[327] زاد في (ف): ((هو)).
[328] في (م): ((وإذا)).
[329] في (ف) و (م) و (ل): ((مدرك)) بلا واو.
[330] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((على عمل)).
[331] في (ف): ((التي تعمل في الخلفة))، وفي (ج) و (م): ((الخلفا))، وفي (المطبوع): ((الحلفاء)).
[332] في (م): ((والفاعل)).
[333] في (ط): ((أشبهما)).
[334] قوله: ((الرفيع من)) ليس في (م).
[335] قوله: ((أتلفه أو)) ليس في (ف) وقوله: ((أو أهلكه)) ليس في (م) و (ل).
[336] قوله: ((بها)) ليس في (م).
[337] العبارة في (م): ((تعمل الرفيع لا يعمل فيها)).
[338] في (ج) و (ط): ((مثال)).
[339] في (ف): ((من)).
[340] في ((م)): ((لا يجزىء في الرفيع عن الكثيف ولا الكثيف عن الرفيع)).
[341] في (ف): ((فلكثرتها)).
[342] في (م): ((وكذلك)).
[343] في (ج) و (م) و (ل): ((عظيم)).
[344] قوله: ((له)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[345] في (ل): ((بالتحقيق)).
[346] قوله: ((والملائكة)) ليس في (ف) و (ل)، وزاد في (ف): ((الآية)).
[347] في (ف) و (م) و (ل): ((ممَّا)).
[348] في (م): ((لخصوصهم)).
[349] في النسخ: ((وسبعين)) والمثبت من (ف).
[350] في (ل): ((نحتاج)).
[351] في (ف): ((ما)).
[352] في (ف): ((عليه)).
[353] في (ط): ((أبو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[354] في (ج): ((السماني))، وفي (م): ((السنماني)).
[355] زاد في (ف): ((القول)).
[356] في (م): ((أول النظر)).
[357] في (ج) و(ف): ((نحو ما)).
[358] في (ف): ((فإرشادها)).
[359] في (ف): ((بعده))، وبعدها في (ل): ((مما)). وقوله: ((بإرشادها على نحو ما يذكر بعد)) ليس في (م).
[360] في النسخ: ((لعمومها)) والمثبت من (ل) و(ف).
[361] في (ط): ((لعمومهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[362] في (ف) و (م) و(ل): ((بأنَّ)).
[363] في (ط): ((إن عموم القرآن تخصيص)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[364] في (ل) و(م): ((وقد قال العلماء بأن عموم القرآن يخصص بالقرآن)).
[365] قوله: ((بعموم)) ليس في (ف).
[366] في (ط): ((تخصيص بالحديث)) وفي (م) و(ل): ((يخصص بالحديث)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[367] في (ج): ((تخصيص)).
[368] في (ط) و (ج): ((يخصِّص)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[369] قوله: ((أم لا)) ليس في (ف).
[370] في (ل): ((خصصوها)).
[371] في (م): ((فهو من معتقدهم)).
[372] كذا في (ل)، وصورتها في النسخ الأخرى: ((يقرونه)) على عدم كتابة الهمزة كما هي عادة النساخ.
[373] في (ف): ((وهو)).
[374] في (ف) و (م) و (ل): ((وإن هم)).
[375] قوله: ((أيضًا)) ليس في (ف) و (م).
[376] في (ط): ((وهو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[377] في (ج): ((أمرين)).
[378] صورتها في (ل): ((وعثرتي)).
[379] في (ف): ((الثَّقلين)).
[380] في (ل): ((ثلاثا)).
[381] في (ف): ((بقوله)).
[382] في (ف): ((في)).
[383] قوله: ((أن)) ليس في (ف) و (م).
[384] في (المطبوع): ((أو)).
[385] في (ج): ((والروح)) و قوله: ((وبالروح)) ليس في (ط). والمثبت من النسخ الأخرى.
[386] قوله: ((ليس بنبي)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[387] في (ل): ((ما يجاب)).
[388] في (ل): ((لا يعلم)).
[389] في (م): ((لنبيٌّ)).
[390] في (ف) و (م): ((الأمر)).
[391] في (ل): ((بعد)).
[392] في (م): ((أهل السُّنَّة)).
[393] زاد في (م): ((عنه)).
[394] في (ف): ((يعرفه)).
[395] في (ف): ((كثيرة)).
[396] زاد في (م): ((له)).
[397] في (ف) و (م) و (ل): ((اللهمَّ اشهد)) مكرر.
[398] في(م): ((وإن كان)).
[399] قوله: ((لم)) ليس في (ف).
[400] في (ف): ((في)).
[401] في (ف): ((فيها)).
[402] قوله: ((وما بينهما)) زيادة من (ج) على النسخ.
[403] قوله: ((فإذا كانت السموات.... فيهما وما بينهما عالم واحدٌ)) ليس في (ف) و (م).
[404] في (ف): ((مثل هذا قولهم))، وفي (م) و (ل): ((ومثل ذلك أيضًا قولهم))، وفي (ط): ((ومثل ذلك قولهم)) والمثبت من (ج).
[405] في (ف) و (م) و (ل): ((إنَّهما)).
[406] قوله: ((فساد)) ليس في (م).
[407] في (ف): ((فإنَّهم)).
[408] في (ل): ((شرعا وعقلا)) بتقديم وتأخير.
[409] قوله: ((أو الأوصاف)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[410] في (ط): ((السادات)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[411] في (ف): ((لهم)).
[412] في (ج): ((ولا)).
[413] في (ل): ((الاعتقادات)).
[414] في (ف): ((مَن)).
[415] في (م): ((إذًا)).
[416] في (ف): ((فهذا)).
[417] قوله: ((بعض)) زيادة من (ج) و(م) على النسخ.
[418] في (ط): ((عنهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[419] قوله: ((أبو)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[420] قوله: ((الكرابيسي)) في (ل) ليست واضحة والموضع الذي بعده.
[421] في (ف): ((السهربشائي)).
[422] في (ف): ((أُمَّهات)).
[423] في (ف) و (ل): ((نقلناه عنهم))، وفي (م): ((نقلناه عنه)).
[424] زاد الناسخ الذي قبلي في هذا الموضع عبارة: (من هنا الحمد لله) فلم أدر المقصود منها.
[425] ابتداء من هنا قرابة عشرين سطرًا ليست في: (ط) و (ف) و(م)، والمثبت من (ج) و(ل)، وزاد في (ل): ((فصل الحمد لله)).
[426] في (ج): ((آمال)) والمثبت من (ل).
[427] في (ل): ((آفته)).
[428] قوله: ((فمنهم إمام المتكلمين)) تكرر في (ج).
[429] في (ل): ((يا صحابنا)).
[430] في (ل): ((ما تشاغلت)).
[431] في (ل): ((بتكفيره)).
[432] في (ل): ((بطرق)).
[433] في (ل): ((بأصل)).
[434] زاد في (ل): ((شرعا)).
[435] في (ل): ((فإن)).
[436] من قوله ((قال الشيخ أبو العباس... في الشرعيات والعقليات)) زيادة من (ج) و (ل) على النسخ. وزاد في (ل): ((ليس هذا الفصل من الأصل وإنما هو من كلام القرطبي ☼ نقلته عنه هنا لأجل أن صاحب الكتاب أشار إليه ونسخته نادرة الوجود وقد تتشوف النفوس للاطلاع عليه فلا تجده فكتبته هنا تيسيرا على المطالع وبالله التوفيق)).
[437] في (ج) و (م) و (ل): ((فضلاء الأندلسيين)) وفي (ف): ((الفضلاء الأندلسيين)).
[438] في (ف): ((فهمت)) بلا واو، وبعدها في (ج) و (ل): ((عنه)).
[439] قوله: ((بين)) ليس في (ل).
[440] في (ل): ((تقول)).
[441] في (ط): ((تكلفوا)) وفي (ل): ((يكلف)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[442] في (ط) و (م): ((على)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[443] في (ج): ((فيه))، وبعدها في (م): ((يردُّه)).
[444] قوله: ((هذه)) ليس في (ف) و (ل).
[445] قوله: ((والبحث في هذا كالبحث فيما تقدَّم سواء)) ليس في (م).
[446] في (ف): ((بأنَّه)).
[447] في (ج) و (م): ((ممَّا يكلف)).
[448] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((فيه)).
[449] في (ط): ((كان)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[450] قوله ((ما)) في (ل): ليست واضحة.
[451] في (ل): ((يجوز)).
[452] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((نقول)).
[453] في (م): ((مقيِّد)).
[454] قوله: ((اعتقاد)) ليس في (ف).
[455] في (ط): ((اجتمعت)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[456] في (ل) و(م): ((اجتمع)).
[457] قوله: ((فأمَّا القاعدة التي اجتمع عليها أهل العقل)) ليس في (ط) و (ف) والمثبت من النسخ الأخرى.
[458] في (م): ((فهو)).
[459] قوله: ((الجليلة)) ليس في (م).
[460] في (ط): ((بكيفية)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[461] في (م): ((بالقدرة)).
[462] في (ط) و (ف): ((عن كيفية إيصالها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[463] زاد في (م): ((أنْ)).
[464] في (م): ((كذلك)).
[465] في (م): ((عن)).
[466] قوله: ((وهذه صفة قائمة بالذات الجليلة وهذه صادرة عنها)) ليس في (م).
[467] قوله: ((كما وجب الإيمان بهذه)) ليس في (م).
[468] لعل الصواب كما في (الكلية): ((بأيديهم)).
[469] في (ف) و(ج): ((الكيفية في هذه وكذلك)). في (م): ((الكيفية بهذه وكذلك)) وقوله: ((كما وجب العجز عن معرفة الكيفيَّة في هذه وكذلك)) ليس في (ل).
[470] قوله: ((في)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[471] قوله: ((وصفاتها)) ليس في (ط) و (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[472] في (ط): ((أخبرت)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[473] في (ط): ((القول على الشرعية)).
[474] في (ف): ((رفعت)).
[475] في (ج): ((فإنهم)).
[476] في (ف) و (م) و (ل): ((فكيف)).
[477] قوله: ((فعلى)) ليس في (م).
[478] في (ج): ((متلو كتاب الله تعالى حقا)) و في (ط): ((متلوا كلام حقا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[479] في (ف): ((أحدهما)).
[480] في (ف): ((والصحابة)).
[481] في (ف): ((معارضينا)) وكتب في حاشية (ف): ((معاصرينا)).
[482] في (ف): ((فعلوها تؤول منهم)) وكتب في حاشية (ف): ((بهم)).
[483] في (المطبوع): ((تخصيص)).
[484] في (ف) و (ل): ((ويقول)).
[485] في (ل): ((فسخ)).
[486] في (م): ((ببعض)).
[487] قوله: ((هو)) ليس في (ف).
[488] في (ف): ((مستأجر))، وفي (م) و (ل): ((يستأجر)).
[489] في (ل): ((أو أعطى)).
[490] في (ف) و (م) و (ل): ((لأهل)).
[491] في (م): ((بقوام)).
[492] قوله: ((من)) في (ل) مكانه طمس.
[493] قوله: ((أيضًا)) ليس في (م).
[494] في (ف) حاشية: ((الصِّفة)).
[495] في (م): ((لم)).
[496] في (ط): ((صالح)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[497] في (م): ((وبهذا)).
[498] في (ل): ((للأسماء)).
[499] في (ل): ((يكون)).
[500] في (ف) و (م) و (ل): ((وإذا)).
[501] في (ف) و (م) و (ل): ((كيف)).
[502] في (م): ((بالوجه)).
[503] في (ف): ((وللوجهان هنا)).
[504] زاد في (ف): ((كانت)).
[505] قوله: ((يلتفتو)) في (ل) مكانه طمس.
[506] في (ط): ((إذا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[507] في (ف): ((للفساد)).
[508] في (م): ((لتنقض)).
[509] زاد في (م) و (ل): ((نقض)).
[510] في (ل): ((يكون)).
[511] قوله: ((إمعة)) في (ل) ليست واضحة.
[512] في (ف): ((وإن أساؤوا فلا تظلموا))، وفي (ل): ((إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساؤوا لا تظلموا)).
[513] قوله: ((الذي)) ليس في (ط)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[514] في (ج) و (م) و (ل): ((قد أُجمع على)).
[515] في (م): ((يسمُّوه)).
[516] زاد في (ل): ((أن يكون)) مكرر.
[517] في (ل): ((ولا تضره)).
[518] في (ط): ((أُخرى)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[519] في (ف): ((المرتبة)).
[520] في (ف): ((المرتبة)).
[521] في (م) و (ل): ((أشدُّها)).
[522] في (ف): ((الوجه)) بلا واو.
[523] في (م): ((راجحًا لا يقدِّم)).
[524] قوله: ((لوجوه)) ليس في (ف).
[525] في (ف): ((فيسبق)).
[526] في (ف) و (م) و (ل): ((لم)).
[527] في (ل): ((مجالسته)).
[528] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((مجالسه)).
[529] في (ل): ((المرتبة)).
[530] في (ف) و (م) و (ل): ((يرجع)).
[531] في (ج): ((يضعه الجاهل)).
[532] في (ط) و (ف): ((قصارة)) وفي (م): ((قصَّار)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[533] في (ف) و (م) و (ل): ((للرتبة)).
[534] في (ف) و (ل): ((سيِّد)).
[535] في (ف): ((أسخط)).
[536] في (ف) و (م) و (ل): ((وكذلك)).
[537] في (ف) و (م) و (ل): ((بأنَّهم)).
[538] في (ف) و (م) و (ل): ((وهذا منهم جهل وخطأ)).
[539] في (ط): ((قال))، وفي (م): ((وقالوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[540] قوله: ((وكان سارية بالعراق... فطلع بالمسلمين الجبل)) ليس في (ف).
[541] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((عن)).
[542] في (ف): ((ما)) بلا واو.
[543] زاد في (ف): ((علم)).
[544] زاد في (ف): ((علم)).
[545] في (ف): ((دليل)).
[546] في (م) و (ل): ((عمله)).
[547] في (ف): ((منه الآن))، وفي (م): ((الآن منها)).
[548] في (ط): ((الخاطر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[549] في (ط): ((والرَّبانيُّ)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[550] في (ف) و (ل): ((وهو)).
[551] في (م) و (ل): ((لا)).
[552] زاد في (ط): ((في عنق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[553] قوله: ((سواء)) زيادة من (ج) على النسخ.
[554] في (ط): ((كلما)).
[555] في (م): ((يأتي من الله)).
[556] في (ط): ((لهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[557] في (ل): ((فيقول)).
[558] في (ط): ((تأتيني بدليل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[559] في (م): ((أنَّ)).
[560] في (ف) و (م): ((وينظر)).
[561] في (ف): ((اللدنِّي)).
[562] في (ف) و (م) و (ل): ((العلم)).
[563] في (ف): ((فيتبيَّن)).
[564] قوله: ((العلم)) ليس في (ف).
[565] في (ج): ((فيعلمون)).
[566] في (ف) و (ل): ((النوري)).
[567] في (ف): ((فطلبهم)).
[568] في (ط) و(ف) و (ل): ((النوري)).
[569] في (ف) و (م) و (ل): ((فأخبره)).
[570] في (ل): ((لهم)).
[571] في (ف): ((طريقتهم)).
[572] في (ج): ((يبحث))، وبعدها في (ل): ((معهم)).
[573] في (ف) و (ل): ((النوري)).
[574] قوله: ((مليَّا)) ليس في (م) و (ل).
[575] زاد في (ف): ((له)).
[576] في (ج): ((عن ذلك)).
[577] في (ل): ((تنسبق)).
[578] كذا في (ط) وفي باقي النسخ: ((منها)).
[579] في (ف) و (م) و (ل): ((عليهم)).
[580] في (م): ((أخذوا)).
[581] في (ل): ((بهذا))، وبعدها في (ف): ((للعهد)).
[582] في (ج): ((ليبنوا))، وفي (ف) و (م) و (ل): ((ليبيِّنوا)).
[583] في (ف): ((الفاسدة والصَّالحة)).
[584] في (ج) و (م) و (ل): ((فيهما)).
[585] في (ل): ((المدعيين)).
[586] في (ط) و(ج) و (ف) و (م) و (ل): ((ضرورة)).
[587] في (ف): ((عن بعض فضلائهم)).
[588] في (ل): ((المحققين)).
[589] زاد في (ل) و (ج): ((إلى)).
[590] في (م): ((إليه)).
[591] قوله: ((وقال له: كيف ترى صورتي عندك؟)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[592] قوله: ((ثمَّ كذلك)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[593] زاد في (ف) و (م): ((له)).
[594] في (ف) و (م) و (ل): ((القمر)).
[595] في (ف): ((دعوتها)).
[596] في (ف): ((الصَّديَّة)).
[597] قوله: ((في)) ليس في (ف).
[598] في (ط): ((فهي سقَالةٌ لها كسقالة السَّقَّال للمرآة، فقبل أن يتم سقالها))، وفي (ج): ((فهي صقالة كصقالة الصيقال للمرآة فقبل أن يتم صقالها))، وفي (ف): ((فهي صقالة لها كصقالة الصقال للمرآة فقبل أن تمم صقالها))، وفي (ل): ((فهي صقالة لها كصقالة الصيقال للمرآة فقبل أن تتم صقالة))، والمثبت من (م).
[599] في (ط): ((إلَّا قابلتها))، وفي (ل): ((فإذا قابلتها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[600] في (ج): ((فيسود)).
[601] في (ج) و (م): ((صقالتها)) وقوله: ((فيها مفسودًا لبقاء بعض الصداء فيها، فإذا تمت سقالَتُها)) ليس في (ف).
[602] في (م): ((بصفائها)) وفي (ل): ((بحده لصفائها)).
[603] في (ف): ((تشنيع))، وقوله: ((شنيع)) ليس في (م).
[604] قوله: ((حالًا)) ليس في (م).
[605] قوله: ((منهم)) ليس في (ل).
[606] قوله: ((قد)) ليس في (ف).
[607] في (ل): ((قلبه)).
[608] في (ط): ((لا يحتسب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[609] قوله: ((القوم)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[610] قوله: ((وجعله حالًا)) ليس في (م).
[611] في (ف): ((إمَّا)) وقوله: ((من)) ليس في (ل).
[612] في (ف): ((ادَّعاه)).
[613] في (ف): ((والاحتراز)).
[614] في (ل): ((يخل)).
[615] في (ط) و (ف) و (ل): ((النوري)).
[616] في (ف) و (ل): ((لا)) بلا واو.
[617] أشار في حاشية (ف) إلى نسخة ((أمد أوقات صلواته)).
[618] في (م): ((فقد)).
[619] في (ل): ((وما اتخذوه)).
[620] في (ط): ((النوري)).
[621] في (ف) و (ل): ((لأن)) بلا واو.
[622] في (ف) و (م) و (ل): ((ويعطوهم)).
[623] في (ل): ((في كتابه العزيز يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا)).
[624] قوله: ((عظيما)) ليست في (ج).
[625] قوله: ((أبواب)) ليس في (ف).
[626] في (ف) و (م) و (ل): ((هذا وهي)).
[627] في (ط) و(ف): ((أن يعين لأحد على أن))، وفي (م): ((أن يعين أحدًا أنْ))، والمثبت من (ج) و (ل).
[628] في (ج): ((يوف)).
[629] في (ل): ((تعين)).
[630] زاد في (ف): ((ذلك)) وفي (م): ((بذلك)) وزاد في (ل): ((بذلك)).
[631] في (ط): ((بحال ما)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[632] في (ف): ((ويزداد)).
[633] في (ف): ((وهذا)).
[634] في (ل): ((الظالمين)).
[635] في (ف): ((تضمن)).
[636] قوله: ((هو مولانا)) ليس في (ف) و (ل).
[637] في (م): ((له السنة)).
[638] قوله ((أن يتداوى)) في (ل): ليست واضحة.
[639] في (م) و (ل): ((استعينوا)).
[640] في (ف) و (م) و (ل): ((فاشتكوا به لنبيِّ)).
[641] في (ج) و (ف): ((فأحضره)).
[642] في (م): ((رغيفين)).
[643] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((صلعم)).
[644] في (ل): ((يترك)).
[645] في (م): ((من)).
[646] في (ف) و (م) و (ل): ((ففتحها)).
[647] في (ل): ((حملوا)).
[648] في (ط) و(ج): ((الرشاة)) والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (م): ((المذكور)).
[649] في (م): ((الممدودة)).
[650] قوله: ((مثل)) ليس في (م).
[651] في (ف) و (ل): ((للمؤلَّفة)).
[652] في (ط) و(ف): ((لبعضهم وادٍ))، وفي (ج): ((بعضهم واديًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[653] في (ج) و(ف) و (ل): ((عطاءه)).
[654] في (ف): ((المتعبِّدين)).
[655] في (م) و (ل): ((للنَّاس)).
[656] في (ل): ((رطل)).
[657] في (ف): ((من))، وقوله: ((في)) ليس في (ل).
[658] في (ف) و(ج): ((مُنْهَمٌّ)).
[659] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف).
[660] في (ج): ((ذلك)).
[661] قوله: ((له)) ليس في (م).
[662] في (ف) و (م): ((أنك)).
[663] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف).
[664] في (ل): ((الأيام)).
[665] قوله: ((نفقة أربعة أيام ثمَّ أتاه بعد الأربعة أيام فأعطاه ثمانية دراهم)) ليس في (ف)، و بعدها في (ط): ((على)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[666] في (ف) و (م) و (ل): ((أجد كل يوم)).
[667] في (ف) و (م) و (ل): ((على)).
[668] في (ف): ((في))، وفي (م) و (ل): ((هي)).
[669] في النسخ: ((أحد))، والمثبت هو الصواب، وهو موافق للمطبوع..
[670] صورتها في (ف): ((ممَّا يفضل)).
[671] في (ل): ((يتعلق)).
[672] في (ج): ((فهل)).
[673] قوله: ((عموم)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[674] في (ف): ((العقل والنقل))، وبعدها في (ف) و (م) و (ل): ((أمَّا)).
[675] في (ج): ((وهي))، وفي (ط) و(ل) و(ف): ((وبقي))، و المثبت من (م).
[676] في (ل): ((التكييف والتجديد لأن التجديد)).
[677] في (ف): ((التَّكييف والتَّحديد)).
[678] في (ج): ((من)).
[679] في (ف): ((ولأنَّهما)).
[680] في (ل): ((والتجديد)).
[681] في (ف): ((لا ضرار)).
[682] في (ل): ((جميع)).
[683] في (ف) و (م) و (ل): ((كل)).
[684] قوله: ((عدل)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[685] زاد في (ف): ((كان)).
[686] في (ج): ((والتغييرات)).
[687] في (ف): ((الممكنات)) بلا واو.
[688] في (ج): ((وهيئات)).
[689] في (ط): ((العقل)) وفي (ف) و (م) و (ل): ((الفعل)) والمثبت من (ج).
[690] في (ط): ((كثير)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[691] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((فلأنَّه)).
[692] في (ج): ((كلامه)).
[693] في (ف) و (م) و (ل): ((عقلًا ونقلًا)).
[694] قوله: ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) ليس في (ج) و(م) و (ل).
[695] قوله: ((فيه)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[696] في (ط) و(ل): ((علية)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[697] كذا في النسخ.
[698] في (ف): ((والاستلسلام)).
[699] في (ج): ((بحكمة)).
[700] في (ف) و (م) و (ل): ((جواهرها)) بلا واو.
[701] في (ل): ((الخاصَّة)).
[702] في (ف) و (ل): ((الجوهر)).
[703] في (م): ((ويزيدها)).
[704] زاد في (م): ((حقًا)).
[705] في (ل): ((ونزلناه تنزيلا فإنما يسرناه بالمعروف بلسانك)).
[706] في (م) و (ل): ((ولذلك)).
[707] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((الصحابة)).
[708] في (ل): ((بخلافه)).
[709] في (ط) و (ج) و(ف): ((للمخلوق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[710] قوله: ((هم)) ليس في (ف).
[711] قوله: ((في التعبير)) ليس في (م).
[712] في (ف) و (م) و (ل): ((لتعليم)).
[713] في (ف): ((أنواع)).
[714] في (ف) و (م) و (ل): ((حيث قال في صفتها)).
[715] في (ل): ((وكتابه)).
[716] قوله: ((والتصديق)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[717] في (ف): ((التَّماوت)).
[718] في (ف): ((رحماء بينهم أشدَّاء على الكفَّار)).
[719] في (ل): ((ما تقرر)).
[720] في (ف) و (م) و (ل): ((فإنَّ الحب يقتضي)).
[721] في (ج): ((ولأن)).
[722] في (م): ((يحب)).
[723] زاد في (ل): ((الناس)).
[724] في (ل): ((يقتضي)).
[725] في (ف) و (م): ((قسمين)).
[726] في (م): ((تقتضي)).
[727] قوله: ((منك)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[728] في (ف) و (ل): ((والكسير)).
[729] في (ج): ((يُستجبر))، وفي (ل): ((قد يجبر)).
[730] في (ل): ((بسببه)).
[731] قوله: ((ينطلق)) زيادة من (ف) على باقي النسخ.
[732] في (ف): ((للكسير)).
[733] في (م): ((وإن لمْ)) مكرر.
[734] في (ف): ((تعط)).
[735] قوله: ((ألفاظ)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[736] في (ف) و (م) و (ل): ((بإجماع)).
[737] قوله: ((الوجه)) ليس في (م) و (ل).
[738] في (م): ((الوجه الأول)).
[739] قوله: ((ذكر)) ليس في (ل).
[740] في (ط): ((ذكرها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[741] في (ف): ((فأراد)).
[742] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((على ذلك)).
[743] في (ف) و (ل): ((ولكي))، وفي (م): ((تأكيدًا لكي)).
[744] في (ط): ((الرابع)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[745] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[746] قوله: ((الوجه)) ليس في (ج) و(م) و (ل)، وفي (ط): ((الخامس)) والمثبت من (ف).
[747] قوله: ((قوله)) سقط من (ط) وهو مثبت من النسخ الأخرى.
[748] في (ف): ((والثاني)).
[749] في (ج): ((ثان)).
[750] زاد في (ف): ((إلى)).
[751] في (ف): ((وما فيه من القلب)).
[752] في (م): ((وما)).
[753] كذا في النسخ: ((أبهت))، وفي (المطبوع): ((بهت)).
[754] قوله: ((عليه أو)) زيادة من (ج) على النسخ.
[755] قوله: ((الوجه)) ليس في (ط) و(ف) والمثبت من النسخ الأخرى.
[756] في (ف): ((الدنيا والآخرة)).
[757] في (ط): ((ما)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[758] في (ط) و (ج): ((حال)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[759] في (ل): ((ما)).
[760] قوله: ((والمراد بما بين الأرجل الماضي والمستقبل لأنَّ ما بين الأيدي حال)) ليس في (ط) و(ج) والمثبت من النسخ الأخرى.
[761] في (م): ((فيه إلى حركة)).
[762] قوله: ((والسعي)) ليس في (ف).
[763] في (ف) و (م): ((أشياء)).
[764] في (ل): ((ما)).
[765] في (ف): ((الأجل)).
[766] في (م): ((الإشفاق)).
[767] في (م): ((وجوه)).
[768] قوله: ((غير)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[769] في (ط): ((يشير نحو))، وفي (ف): ((يحتوي على)) والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (م): ((معاني)).
[770] في (ل): ((فكل)).
[771] في (ف) و (م) و (ل): ((هذا)) بلا واو.
[772] في (ف): ((شرعًا وحسًا))، وفي (ل): ((حسًا شرعًا)).
[773] في (م): ((فيها بين)).
[774] في (ل): ((السبعة)).
[775] في (م) و(ج) و(ل): ((لأولئك)).
[776] في (ف) و (م) و (ل): ((مما ذكر)).
[777] في (ف): ((الوجه الثامن)).
[778] في (ف): ((يريد فمن))، وفي (م): ((ويريد من)).
[779] زاد في (ل): ((ما)).
[780] في (ف): ((هل)) بلا واو.
[781] في (ف): ((قال)).
[782] في (م): ((لا يشرك بالله)).
[783] في (ف) و (م) و (ل): ((الجنَّة أو النَّار)).
[784] قوله: ((معناه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[785] في (ف): ((بمقتضى)).
[786] قوله: ((له)) زيادة من (ج) على النسخ.
[787] في (ل): ((قد)).
[788] في (ف) و (م) و (ل): ((كفَّارات)).
[789] في (ف): ((الوجه العاشر)).
[790] قوله: ((على)) ليس في (ف).
[791] في (ج) و(ف) و(م) و(ل): ((والعقاب)).
[792] في (ف) و (م) و (ل): ((الدنيا أو في الآخرة)).
[793] في (ط) و (ف): ((شرعًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[794] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((أخذ)).
[795] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((إن شاء عفا عفا)).
[796] في (ل): ((يأتي بعده على توفية ذلك البيعة)).
[797] في (ط): ((إذ إنها لازمة لهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[798] في (ف): ((إلَّا أنه استئناف))، وفي (ل): ((لأنه استئناف)).
[799] قوله: ((وبالله التوفيق)) ليس في الأصل، والمثبت من النسخ الأخرى.
[800] في (ف): ((بيعة)).
[801] في (ج) و (م) و(ل): ((الوسواس)).
[802] في (ج): ((النزعات)).
[803] في (ل): ((من)).
[804] في (ج): ((واجعلنا)).
[805] كتب في حاشية (ف): ((يحمد الله في جزء فيه بالآية)).
[806] قوله: ((سرمدًا إلى يوم الدين)) زيادة من (ج)، وقوله: ((تسليمًا كثيرا دائمًا أبدًا سرمدًا إلى يوم الدين)) ليس في (ف). وقوله: ((كثيرًا دائمًا سرمدًا إلى يوم الدين)) ليس في (م) و (ل).