بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم

          148-قوله: (عن ابن عباسٍ أَنَّهُ(1) سَمِعَ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ(2)...) الحديث. [خ¦3006]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى منع الخَلوة بالمرأة بموضعٍ واحدٍ إذا كانت أجنبيَّة، ومنعِ سفرها بغير مَحْرَم، والكلام عليه مِن وجوه:
          الأَوَّل(3): إنَّ مستمع العلم لا يكون بحثه فيه(4) إلا لمجرد فائدة العمل به لا لمجرد الكلام والظهور، لأنَّ هذا الصحابي ☺ لَمَّا أن سمع حُكمَين لم يسأل ولم يبحث إلا فيما احتاج إليه في الوقت وهو السؤال عن الخروج مع امرأته.
          الثاني: أنَّ الآمر إذا أمر المأمور بشيء ثم سمعه المأمور يبيِّن حكمًا آخر ويحضُّ(5) عليه، فله أن / يستفسر الأمر هل يقيم على ما شَرَع فيه أو ينتقل إلى هذا الأمر الثاني؟
          وهذا الوجه إنَّما يكون بحضور الآمر إذا كان هو المبيِّن للأحكام، وأمَّا الآن فقد ارتفع ذلك، لأنَّ العلم اليوم لا يؤخذ إلا بالنقل، فإذا كان الإنسان على عمل قد تقدَّم له به(6) علم ثم أفاد(7) علمًا ثانيًا ويكون العمل بالثاني أفضل مِن الأَوَّل، فالمندوب(8) في حقِّه ترك العمل بالأَوَّل والرجوع إلى العمل بالثاني(9)، ما لم يكن العلم الثاني يوجب عليه(10) فرضًا فانتقاله(11) للفرض واجب عليه.
          الثالث: جواز ذكر النساء بحضرة الفضلاء مِن غير(12) زيادة ما أُحدِثَ(13) اليوم مِن البِدَع من قولهم عند ذكرهنَّ: (حاشاك)، لأنَّه قد تردَّد هنا ذكر المرأة مِن النبي صلعم والصحابي ولم يزيدا على ذكر المرأة شيئًا(14)، وبعض أهل هذا الزمان اتخذوا زيادة ذلك مِن الأدب وهي بِدْعة محضة بل هي بدعة في كل موضع وقع النطق بها؛ لأنها لم تكن من فعل السلف والخير كله في اتباعهم، وقد صار حالهم اليوم لشؤم البدعة أن يقع بعضهم في الكفر الصراح؛ لأنه إذا تناول أحد منهم الختمة أو حديث النبي صلعم يقول عند ذلك حاشاك، ولو اعتقد هذا لقتلناه لكن ظاهر اللفظ رديء جداً نسأل الله السلامة(15)، ولأنَّ الله ╡ لَمَّا أن ذكر الرجال سوَّى بين ذكرهم وذكر النساء، فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] فذُكِرْنَ(16) في القرآن والسُّنَّة مع الرجال على حدٍّ واحد لا زيادة لهن في اللفظ.
          الرابع: لقائل أن يقول: لِمَ أمرهُ ╕ بالخروج مع امرأته وترك الجهاد، والجهاد فيه من الأفضلية(17) ما تقدَّم في الحديث قبل هذا؟
          والجواب: إنَّ خروجه للحجِّ مع امرأته مندوب، وخروجَه إلى الجهاد الذي ليس بفرض عين مندوب / أيضًا، فلمَّا كان(18) الخروج مع المرأة مندوبًا وينضاف إليه مندوب غيره وهو حَجُّه عن نفسه بعد الحجِّ الواجب، فمندوب يتضمَّن مندوبَين أَوْلى مِن مندوب واحد لا يتضمَّن زيادة.
          ويترتَّب على هذا مِن الفقه أنَّه إذا تعارض عَمَلان على حدٍّ(19) سواء من طريق الأفضليَّة(20) أو المندوبية، وكان أحدهما يَرْجحُ الآخر(21) بزيادةِ أجرٍ أو سَببٍ إلى فعلٍ يوجب أجرًا(22)، فَأَخْذُ الراجح وتركُ المَرْجوح هو الأَوْلى.
          الخامس: أنَّ الإمام إذا وجَّه جمعًا إلى وُجْهةٍ أنَّ السنَّة فيهم أن يُضبطوا بالكتب، لأنه قال: (اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا(23)) ولأنَّ الكتب يمنع مِن النسيان عن بعض مَن عُيِّن في تلك الوجهة، وأيضًا فإنهم إذا حُصِروا(24) بالكتب كان ذلك قطع مادة لهم عن أن يتخلَّف أحد منهم أو يحدِّث نفسه بذلك، وتحضيضًا لهم(25) في الأهبة(26) لِما هُمْ بسبيله.
          السادس: أنَّ الراعي ينظر لرعيته في المنفعة الخاصة والعامة ويُؤْثِرُ الأهمَّ فالأهمَّ، لأنَّ النبي صلعم لَمَّا أن جعل هذا الصحابي في الجهاد وفيه منفعة خاصَّة وعامَّة ثمَّ رأى له زيادة منفعة في الخاصِّ به حمله على ما هو أنفع له في الخاصِّ به، لأنَّ غيره يسدُّ مَسَدَّه في العام، فدلَّ هذا على أنَّ الشخص(27) في نفسه وما يخصُّ بذاته آكد عليه مما يعمُّ بجنسه في الواجبات والمندوبات، ومما يؤيِّد هذا قَوْلُهُ ╕: «ابْدَأْ بِنَفْسِكِ ثُمَّ بِمَنْ تَعُول» وكذا(28) / يجب في الرعاية العامَّة والخاصَّة، والله المستعان.


[1] قوله: ((عن ابن عباس)) ليس في (ط) و(ج).
[2] زاد في (م): ((ولا تسافر امرأة إلا ومعها محرم فقام رجل فقال يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة قال اذهب فاحجج مع امرأتك)).
[3] في (ج): ((أحدها)).
[4] زاد في (م): ((لا يكون)).
[5] في (م): ((ثم لم يسمعه بين حكما آخر ويختص)).
[6] قوله: ((به)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[7] في (ج) و (م): ((استفاد)).
[8] في (م): ((والمندوب)).
[9] في (م): ((الثاني)).
[10] قوله: ((عليه)) ليس في (م).
[11] في (ج): ((فانشغاله)).
[12] قوله: ((غير)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[13] في (ط): ((أحدثت)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (ط): ((بشيء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[15] من قوله: ((بل هي بدعة)) إلى هنا ليس في (ط).
[16] في (ط): ((فذكر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[17] في (ج): ((الفضيلة))، وفي (م): ((وترك الجهاد فيه من الفضيلة)).
[18] في (م): ((ليس بفرض غير مندوب وأيضا فلما أن كان)).
[19] زاد في (م): ((واحد)).
[20] في (ج) و (م): ((الفضيلة)).
[21] في (م): ((أو الندبية وكان أحدهما يترجح على الآخر)).
[22] في (م): ((أو نسب إلى فعل يوجب إلى أجر)).
[23] زاد في (م): ((وكذا)).
[24] في (م): ((إذا حضروا)).
[25] في (ج): ((عليهم)).
[26] في (م): ((وتحضيضا عليهم بالأهبة)).
[27] في (م): ((فدل على أن هذا)).
[28] في (م): ((وكذلك)).