بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين

          142- قوله: قَالَ(1) رَسُولُ اللهِ صلعم : (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ...(2)) الحديث. [خ¦2928]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى أنَّ الرَّهْطَيْنِ المذكورَيْنِ فيه إذا ظهرا، فهما عَلَمٌ(3) على اقتراب السَّاعة، والكلام عليه مِن وجهين(4):
          الأَوَّل: فيه دليلٌ على أنَّ معجزات النَّبيِّ صلعم على قسمين: مشاهدٌ مَرْئي(5)، وأخبارٌ يُؤْمن بها(6) ويُصَدَّق(7) وكلُّ الأمَّة اجتمع في ذلك أوَّلهم وآخرهم، وإن كان النَّبيُّ صلعم قد انتقل إلى الآخرة، لكنَّ معجزاته ╕ لم تزل باقيةً مستمرةً إلى قيام السَّاعة، بيان ذلك أنَّ الصَّحابة رضوان الله عليهم عاينوا ما كان في زمانهم مِن معجزات النَّبيِّ(8) صلعم، مما أظهر(9) الله على يديه، وآمنوا بما أخبر به مما يأتي بعدهم.
          وأهل هذا الزَّمان قد(10) حصل لهم الإيمان بمشاهدة ما ورد في هذا الحديث وأشباهه(11)، والتَّصديق بما رأى الصَّحابة رضوان الله عليهم، والإيمان بما يأتي بعدُ، وكذلك مَن يأتي(12) بعدهم لابدَّ مِن معجزات يشاهدونها(13)، وذلك مستمرٌ لا ينقطع إلى قيام السَّاعة، وهذا مِن الأدلَّة الظَّاهرة على عُلُوِّ منزلته ╕ التي(14) لم تَزَل معجزاته مُشاهَدة إلى يوم القيامة.
          الثَّاني: خروج هذين الرَّهطين المذكورين، هل هو / دالٌّ على الآخرة كما أخبر ╕ لا غير، أو فيه(15) معنًى زائد على ما يظهر مِن صيغة(16) لفظه؟ محتملٌ للوجهين معًا، والمعنى الزَّائد هو أن يكون ذلك مِن جملة الفتن التي تكون عند اقتراب السَّاعة مع ما فيه مِن الدَّلالة على قرب القيامة(17).
          فإن كان دالًّا على قُرْبِ الآخرة ليس إلَّا، فتكون فائدة الإخبار به(18) أن يُقطَعَ الأمل مِن هذه الدَّار عند معاينة ذلك، إذ إنَّها قد(19) انْصَرَمَتْ، والإقبال(20) على الآخرة والعمل(21) على الخلاص فيها، إذ إنَّها قد(22) قَرُبَتْ، فظهر منه ╕ هنا ما أخبر ╡ عنه في كتابه حيث وصفه بِقَوْلِهِ(23): {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]؛ لأنَّه ╕ نظر الخير لأمَّته بكلِّ ممكنٍ أمكنه مِن إخبارٍ أو حالٍ.
          وإن كان المراد بالإخبار به أن يُعلَم أنَّ(24) ما ذُكر فيه مِن جملة الفتن مع كونه دالًّا على قُرْبِ قيام(25) السَّاعة، فتكون الفائدة فيه المسارعة إلى أخذ الدَّواء الذي به يقع(26) الخلاص مِن الفتن(27)، والدَّواء هو ما قد نصَّ ╕ عليه(28) في غير هذا الحديث حين ذكر الفتن، فقيل له: ما تأمرنا إن(29) أدركنا ذلك؟ فقال ╕: «الْجَؤُوا إِلَى(30) الإيمانِ والأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ».
          وهذا الوجه الأخير(31) هو الأظهر والله أعلم، وهو أن يكون المراد بسياق الحديث المعنيين اللَّذيْنِ ذكرناهما في هذا(32) الوجه الأخير، بدليل قَوْلهِ ╕: / «اتْرُكُوا مُقَاتَلَةَ التركِ مَا تَرَكُوْكُمْ»، فلولا أنَّهم(33) مِن جملة الفتن ما حضَّ ╕ على ترك(34) قتالهم مالم يَبْدَؤُا بالقتال، وأمر بقتال غيرهم مِن الكفَّار مطلقًا؛ ولأنَّ معنى قَولِهِ(35) ╕: «الْجَؤُوا إِلَى الإيمانِ والأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ»، يظهر مِن قوَّة الإخبار بهذا الحديث؛ إذ إنَّ الفتن لا تقع إلَّا لضعيفٍ في الإيمان(36)، أو فَترة في كماله، فقد ظهر ما أخبر به ╕، فوجب الامتثال لِمَا(37) أمر به.
          فمن رُزِقَ(38) التَّوفيق لامتثال ما أُمِرَ به ضمِنَ(39) الخلاص بمقتضى الوعد الجميل، والحذرَ الحذرَ لمن أراد الخلاص(40)، أن يلتفت لفساد الوقت، ولا(41) للخلل الواقع في الأحوال؛ لأنَّ ذلك سبب للهلاك، جعلنا الله ممَّن قوي إيمانهُ، وأَصلَح عمله(42).


[1] في (م): ((والله الموفق للصواب عن أبي هريرة قال قال)).
[2] في (ل): ((يقاتلوا الترك)). زاد في (م): ((صغار الاعين حمر الوجوه دلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر)).
[3] في (م): ((المذكورين إذا ظهروا فهو علم))، وفي (ل): ((المذكورين فيه إذا ظهرا فهو علم)).
[4] في (م): ((وجوه)).
[5] في (م): ((ومرائى)).
[6] في (ل): ((به)).
[7] في (المطبوع): ((وتُصَدَّق)).
[8] في (ج) و (م): ((معجزاته)).
[9] في (م): ((أظهره)).
[10] قوله: ((قد)) ليس في (م) و (ل).
[11] في (م): ((ما ورد بهذا وأشباهه)).
[12] زاد في (م): ((مِن)).
[13] في (م): ((يشاهدوها)).
[14] في (م) و (ل): ((الذي)).
[15] في (م): ((وفيه)).
[16] قوله: ((صيغة)) ليس في (م).
[17] في (م) كتب فوقها: ((الساعة)).
[18] زاد في (م): ((على)).
[19] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[20] في (م): ((بالإقبال)).
[21] في (م): ((والأعمال)).
[22] قوله: ((قد)) ليس في (ل).
[23] في (ل): ((بأن قال)).
[24] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[25] قوله: ((قيام)) ليس في (م).
[26] في (م): ((يقع به)) بتقديم وتأخير.
[27] قوله: ((مع كونه دالَّاً على قُرْبِ...الخلاص من الفتن)) ليس في (ل).
[28] في (م): ((فيه)).
[29] زاد في (م): ((إذا)).
[30] قوله: ((إلى)) ليس في (م).
[31] في (م): ((الآخر)).
[32] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[33] في (ط) و (ل): ((فلولا ما هم)) وفي (م): ((أنه)) والمثبت من (ج).
[34] في (م): ((بترك)).
[35] قوله: ((قوله)) ليس في (م).
[36] في (ل): ((لضعف في الإيمان))، في (م): ((إذ الفتن لا تقع لضعيف الإيمان))، وبعدها في (ج): ((وفترة)).
[37] في (م): ((بما)).
[38] في (م): ((رزقه)).
[39] زاد في (م): ((له)).
[40] قوله: ((بمقتضى الوعد الجميل والحذر الحذر لمن أراد الخلاص)) ليس في (م).
[41] قوله: ((ولا)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (م): ((الخلل)).
[42] زاد في (ل): ((فرغ الجزء الأول من بهجة النفوس على يد العبد الفقير المذنب المحتاج إلى رحمة الله تعالى............... القدسي مولدا بمدينة صفد المحروس سنة... وثمانمائة والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم...... بمنه وكرمه يتلوا إن شاء الله قوله قال رسول الله صلعم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وصلى الله على سيدنا محمد)) جاءت الزيادة في أخر المخطوط من فرغ إلى وسلم على يسار الورقة ومن يتلوا الى سيدنا محمد على يمين الورقة..