بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: كان النبي يقبل الهدية ويثيب عليها

          110-قولها: (كَانَ رَسُولُ اللهِ(1) صلعم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا). [خ¦2585] /
          ظاهر الحديث يعطي جواز قبول الهدية والثواب عليها، والكلام عليه(2) من وجوه:
          منها: أنَّ الهدية الثواب عليها يكون(3) بأقلَّ منها أو أكثر(4) ومثلها بحسب ما يخطر للذي(5) يكافئ؛ يؤخذ ذلك مِن قولها: (يُثِيْبُ) ولم تقل(6): يكافئ، لأن المكافأة تقتضي المماثلة، وذكْرُ الثواب لا يبدَّل عن(7) ذلك، وهي كما تقول: ثمن السلعة وقيمتها؛ لأنَّ الثمن يزيد وينقص، والقيمة هي قدر ما تساوي بلا زيادة ولا نقصان.
          ومنها: كيفية الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله، وقد ذكرناه قبلُ في الحديث الذي قبل هذا(8)، وقد يمكن أن يكون الجمع بينهما بوجه آخر، وهو: أنَّ الهدية جائز(9) أخذها وتكون(10) على وجهين: إمَّا أن تكون لله خالصة، أو تكون(11) من أجل الصحبة(12) وطلب جلب(13) القلوب للتَّوادد.
          فإذا علمت أو قَوِي(14) ظنُّك أنَّها طلب للتوادد وجلب(15) القلوب فينبغي أن تثيبه أنت(16) على تلك الهدية لقوله ╕: «تَهَادُوا تَحَابُّوا وأنَّ الهدية تَذهَب بالسَّخيمة» فتكون(17) توافقه على ما قصد وتكون(18) في ذلك على السُّنَّة، وإن كانت لله خالصة فالأجمل(19) عدم المكافأة(20) منك وتترك(21) مكافأته على الله فتكون تُعينه على ما أمَّل منك فيكون(22) مبالغة في المعروف، وتكون(23) أيضًا في فعلك ذلك على السنَّة.
          ووجه آخر أنك تَنظر بماذا(24) يكون فرح المُهدِي إليك(25) فتعمل عليه؛ لأنه مِن باب / إدخال المسرَّة وكلاهما حسنٌ وأنت في ذلك كلِّه متَّبِع إلا أنَّ هنا تنبيهًا(26) _أعني: إذا ظهرت(27) لك المكافأة_ أن تنظر لسان العلم في ذلك مِن أجل أن تقع(28) في الرياء(29) وأنت لا تعلم، فإنَّه(30) إذا كانت نفس الواهب متشوفة(31) إلى المكافأة وإن نوى بهديته وجه الله تعالى فلا تكون المكافأة(32) على ذلك إلا بما يجوز بيعه، فتنظر ذلك الشيء الموهوب، والشيء الذي خطر لك أنت أن تكافئه به، هل يجوز(33) بيعه به على الصفة التي تريد أن تفعلها أنت؟ فإن جاز(34) فافعل، وإن(35) لم تعلم فاسأل أهل العلم، وحينئذ تفعل.
          مثال ذلك: أن يَهَب لك(36) طعامًا، فيخطر(37) لك أن تكافئه أنت بطعام(38) غيرَ يدٍ بيد فذلك ممنوع، وقد ذكر ذلك في كتب الفقه، فإن لم تكن نفسك متشوفة(39) إلى مكافأة(40) ولا صاحب الهدية أيضًا مثل ذلك لا تشوف(41) نفسه إلى هذا، ويكون ذلك مقطوعًا به، مثل لو أُحلِفتَ عليه حلفتَ(42) وكنتَ بارًّا في يمينك وقد أَهدَى لك هو(43) طعامًا ثم حضر(44) لك أنت طعام واستطبتَه وبينكما مِن الصداقة ما تَقَرُّ عينك إذا أكل هو منها(45)، فإن نظرت إلى مقتضى مذهب مالك الذي هو سدُّ الذريعة، فالأولى أن لا تفعل(46) وإن نظرت إلى باب المعروف؛ لأنهم وسَّعوا فيه ما لم يُوَسِّعوا في غيره فلا بأس أن تفعل(47) إلا أنَّه مع تلك الشروط.
          وفيه دليل على أنَّ قبول الهدية لا يَتنافى معها(48) الزهد؛ / لأنه(49) ما فعله صلعم فهو أعلى الطرق، وإنما الزهد في القلب ليس بقِلَّة(50) القبول ولا بكثرته إلا إن كان ممَّن(51) لا يملك قلبَه مِن الميل إلى ذلك والاشتغال به فلا يفعل ويكون ترك القبول لا مخالفةٍ للسُنَّة(52) بل يكون مِن أجل العذر؛ لأنَّ النبي صلعم قد جعل لأهل الأعذار حكمًا يخصهم وأعذرهم(53) فيه، وكذلك إن توقع بالقبول(54) مفسدةً في دينه فلا يفعل، وإنما بينَّا الجواز والتفرقة وما نَصَّصْنَا عليه مع صِحَّة الدِّين والسلامة مِن العيوب والشبهات وإلا فقد كان الصحابة والسلف(55) رضوان الله عليهم(56) يتركون سبعين بابًا مِن الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام.
          وفيه دليل على أنَّ الهدية مما أُحِلَّ لنا؛ لأنه إذا كانت هدية نكرة لا ينضاف(57) إليها قبلُ ولا بعدُ شيء تتعرَّف(58) به مثل ما ذكرنا مِن هدية الثواب، فإنها بهذه الإضافة خرجت عن هذا الاسم، ومثل هدية الحكام مِن أجل الحكم إنَّها(59) رُشا، ومثل الهدية للمِدْيان، لأنَّها(60) سُحْت، ومثل الهدية لمن شفع لك شفاعة فإنها رِبا لقوله ╕: «مَنْ شَفَعَ لِأَخِيْهِ(61) شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ مِنْ أَجْلِهَا(62) هديةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا(63) فَقَدْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ(64) بَابًا عَظِيْمًا مِنْ أَبْوابِ(65) الرِّبَا»، فانتبه واللبيب فطين(66).


[1] في (م) و (ل): ((النبي)).
[2] في (ج): ((عليها)).
[3] في (ج) و(م): ((يكون الثواب عليها)).
[4] في (ج) و (ل): ((وأكثر))، وفي (م): ((بأقل وأكثر)).
[5] في (ج) و(م): ((يحتار الذي)).
[6] في (ج) و(م) و (ل): ((يقل))، وبعدها في (م): ((ويكافئ)).
[7] في (م) و (ج): ((على)).
[8] قوله: ((قبل في الحديث الذي قبل هذا)) ليس في (ج) و(م).
[9] في (م): ((جائزة)).
[10] في (ل): ((ويكون)).
[11] العبارة في (ل): ((إما أن يكون لله خالصا أو يكون)).
[12] في (م): ((تكون للصحبة)).
[13] في (ج): ((جذب)).
[14] في (م): ((وقوي)).
[15] في (ج): ((وجذب)).
[16] في (ج): ((يثيبه)) وفي (ل): ((أن تبينه أنت)).
[17] في (ل): ((فيكون)).
[18] في (ج) و (ل): ((ويكون))، و قوله بعدها: ((في ذلك)) ليس في (م).
[19] في (ج): ((والأجمل)).
[20] في (ل): ((المكافآت)).
[21] في (ج): ((ويترك)).
[22] في (ل): ((فتكون)).
[23] في (ل): ((ويكون)).
[24] في (ج): ((أنك تنظر ماذا))، وفي (ل): ((تكون بنظر بماذا)).
[25] في (ج): ((إليه)).
[26] في (م) و (ل): ((تنبيه)).
[27] في (ل): ((ظهر)).
[28] في (ج) و (ل): ((يقع)).
[29] في (ج): ((الربا)).
[30] قوله: ((فإنه)) ليس في (ل).
[31] في (ط): ((تشوق)) والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (ج): ((مكافآت)) والعبارة في (ل): ((نفس الواهب تشوف إلى المكافآت)).
[32] في (ج) و (ل): ((المكافآت)).
[33] قوله: ((بيعه فتنظر ذلك الشيء الموهوب والشيء الذي خطر لك أنت أن تكافئه به هل يجوز)) ليس في (ل).
[34] قوله: ((فإن جاز)) ليس في (م).
[35] في (م): ((فإن)).
[36] زاد في (ل): ((أحد)).
[37] في (ج): ((يخطر)).
[38] العبارة في (ل): ((أن تكافيه بطعام)).
[39] في (ط) و (ل): ((تشوف)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[40] في (ل): ((نفسك تشوف إلى مكافآت)).
[41] في (ج) و(م): ((تتشوف)).
[42] في (ج): ((اختلفت عليه خلفت))، وفي (م): ((أحلف عليه حلف)) وفي (ل): ((لو احتلفت عليه حلفت)).
[43] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م) وفي (ل): ((هو لك)) بتقديم وتأخير.
[44] في (ط) و (ل): ((خطر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[45] قوله: ((هو منها)) ليس في (ج)، وقوله: ((هو)) ليس في (م).
[46] في (م): ((فلا تقبل)).
[47] في (ل): ((يفعل)).
[48] في (م): ((فيها)).
[49] في (ج) و(م): ((لأن)).
[50] في (ج): ((بعلة)).
[51] في (م): ((مما)).
[52] في (ج) و(م): ((لا لمخالفة السنة)).
[53] في (ج): ((وعذرهم))، وفي (م): ((يخصهم لا لمخالفة السنة بل يكون من أجل العذر وعذرهم)).
[54] في (م): ((وكذلك توقع القبول)).
[55] قوله: ((السلف)) زيادة من (ج) و(م) ليس في (ط).
[56] قوله: ((والسلف رضوان الله عليهم)) ليس في (ل).
[57] في (ط): ((بلا أن ينضاف)) وفي (ل): ((كانت الهدية نكرة بلي أن يضاف)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[58] في (ج): ((يتعرف)).
[59] في (ج) و(م): ((فإنها)) وفي (ل): ((أنه)).
[60] في (ل): ((لأنه)).
[61] في (م): ((لأحد)).
[62] قوله: ((من أجلها)) ليس في (ج) و(م).
[63] قوله: ((عليها فقبلها)) ليس في (ط) و (ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[64] في (ج): ((فقد أتى))، وفي (م): ((فقبلها أتى)).
[65] قوله: ((أبواب)) زيادة من (ج) على النسخ.
[66] في (ج) و(م): ((فطن)).