بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار

          4- عنْ أبي بَكْرَةَ ╩ أنَّه(1) قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ(2): يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: «إنَّه كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»(3). [خ¦31]
          ظاهرُ الحديث يدلُّ على لحوق(4) الوعيد بمَن اتَّصف بهاتين الصِّفتين المذكورتين والكلام عليه مِن وجوه:
          الوجه(5) الأوَّل: قوله ◙ : (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا) هل يُحمَل(6) على العموم أو على الخصوص؟ ظاهر اللفظ العمومُ، وليس هو كذلك في الحقيقة، وإنَّما هو محمولٌ على الخصوص، وبيان ذلك أنَّهما(7) قد يلتقيان بغير قصد، وإذا وقع القتل على هذه الحالة كان قتلَ خطأٍ، والإجماع قائم على سقوط الإثم عن قاتل الخطأ، وقد يكون التقاؤهما على اختلاف تأويل فيكون كلُّ واحد منهما تأوَّل فظهر له في تأويله الحقُّ فقاتل على الحقِّ، وإذا(8) كان قتالهما على هذه الحالة لم يتناولهما عموم الحديث، ومثل ذلك قتالُ بعض(9) السَّلف وهم(10) مشهود لهم بالجنة الفريقان معًا، وقد يكون التقاؤهما لتعلُّم الحرب فتكون الضربةُ خاطئةً فيقع القتل ولا يقع(11) الوعيد، لأنَّه خطأ.
          وقد يكون أحدهما يدفع عن نفسِه والآخر طالب له بالظلم فيتناول الوعيدُ الظالمَ(12) ولا يتناول الآخر(13).
          ولهذا أوجه(14) عديدة يطول(15) تتبُّعها، فبان بهذا أنَّ اللفظ محمول على الخصوص لا على العموم، / والخصوص هو أن يكون كلُّ واحد منهما قاصدًا(16) لقتل صاحبِه ظلمًا وعدوانًا بغير تأويلٍ ولا شبهةٍ ولا حقٍّ، وهنا تنبيه لمن أتاه لصٌّ أو محارب ليسفك دمَه أو يأخذ ماله أن لا يقاتلَه بنيَّة أن يسفك دمه وإنَّما يقاتله بنيَّة أن يدفعَه عن نفسه وماله، فإن خرجت الضربة منه خاطئة فمات بها(17) اللصُّ كان شر قتيل(18)، وإن قُتِل هو كان شهيدًا لقوله ◙ : «مَنْ قُتِلَ دونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ».
          وقد قال الفقهاء في هذا الموضع: إنَّه إذا كان في سَعَة ناشده الله تعالى في التَّرك، وإن لم يكن في سَعَة دفع عن نفسِه بالنيَّة التي ذكرناها، ثمَّ(19) إذا خرج له بهذه النيَّة فإن جرحه فلا يُجْهِز عليه، وإن هرب عنه فلا يتبعه، وإن سبقت منه الضربة فمات بها اللصُّ فليس له في سَلَبِه شيء.
          الوجه الثَّاني: فيه دليل لأهل السنَّة في كونهم لا يكفِّرون أحدًا مِن أهل القِبلة بذنب(20)؛ لأنَّه ◙ قال: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا» فسمَّاهما (مسلمَين) مع ارتكاب هذا الذَّنب العظيم ولم يخرجهما عن دائرة الإسلام.
          الوجه الثَّالث(21): لقائل أن يقول: لِمَ خصَّ ◙ هذا الالتقاء بالسَّيف دون غيره مِن الأسلحة؟ والجواب: أنَّ ذلك مِن باب الخاص والمراد به العام؛ لأنَّ السُّيوف كانت الغالب مِن عدَّة العرب، فَنَبَّه ◙ (22) بالغالب عن(23) الكلِّ، فكل مَن تلاقى(24) بأيِّ نوع كان مِن السِّلاح المعدَّة عادةً للقتل بهذه النِّية المحذورة تناوله الحديث، وقد جاء عن الشَّارع ◙ (25) النَّهي في أقل مِن هذا وهي الإشارة بالحديدة، ويؤيد / ذلك عموم قوله ╡ : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93]. فلم يُخصِّص آلةً مِن غيرها(26).
          الرَّابع(27): قوله صلعم : (القَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) إثمُ هذين هل هو واحد ويسمَّى المقتول قاتلًا كما سُمي القاتل قاتلًا(28)؟ أوْ ليس إثمهما واحدًا؟ وإنَّما يستوجبان جميعًا دخول النَّار بإثمين مختلفين كما يدخلها المؤمن العاصي والكافر وليس دخولهما على حدٍّ سواء.
          أمَّا صيغة قوله ◙ : (القَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) فلا يؤخذ منه تفرقة، وما ذكر ◙ آخر الحديث يقتضي أنْ لا تفرقةَ بينهما وهو قوله ◙ : (إنَّه كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) لأنَّه لمَّا أن سُئل: (هذا القاتل فما بال المقتول)؟ لأنَّهم قد علموا بمقتضى التَّنزيل أنَّ القاتل محكومٌ له بالنار، وأنَّ المقتول محكوم له بمغفرة الذنوب؛ لقوله تعالى حكاية عن ولد آدم ◙ : {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ(29)} [المائدة:29].
          فأزال ◙ الإشكال الذي وقع للصحابة(30) بما تقدَّم ذكره، فأعلمهم بأنَّه استوجب ذلك(31) بحرصِهِ وفسادِ(32) نيَّته، ولأنَّ الحرص عملٌ وبتضمنه فسادَ النِّية فقد(33) تساوى المقتولُ مع القاتل في هاتين الصِّفتين، لأنَّ ما في قوة البشر قد عمله كلُّ واحد منهما وإبقاءُ(34) عُمُرِ أحدهما، وإنفاذ عُمُرِ الآخر ليس مِن قوة البشر، ولأنَّه قد خَتَم عمره بالحرص(35) على قتل مسلم.
          وقد قال ◙ : «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا شِبْرُ أو ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ». ولأنَّ الشَّريعة قد شدَّدت في القتل حتى(36) جعلت أقلَّ الأجزاء منه كالفعل كلِّه، وهو أنَّه إذا اجتمعت جماعة على قتل واحد وتولَّى القتلَ واحدٌ منهم(37) ولم يحصل مِن الكلِّ / إلَّا المساعدة بالحضور فهم الكلُّ عند الشَّرع قاتلون يجب قتلهم عن آخرهم، فإذا كان هذا في حقِّ مَن حَضَر ولم يحصل مِنه غير ذلك فناهيكَ به فيمَن حَضَر وحرص واجتهد. وقد جاء في القتل ما هو أشدُّ مِن هذا كله وهو قوله ◙ : «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَو بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوْبٌ: آيسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ».
          فإذا كان هذا الـمُعين بشطر كلمة فمِن باب أَوْلى مَن جمع(38) ثلاثًا وهي غاية ما يمكن مِن(39) قوة البشر وهي الحضور والحرص والاجتهاد، فبان بهذه العلَّة التي أعطى ◙ أنَّه لا يبوء(40) القاتل بإثم صاحبه إلَّا إذا كان صاحبه لم يَنْوِ(41) له نيَّةً فاسدة ولم يَسْعَ له في ضَرر، فلـمـَّا كانت نيَّة هذا وعمله فاسدَينِ(42) استوى مع صاحبه في دخول النار كما تقدَّم.
          الوجه(43) الخامس: فيه دليل على أنَّ بعض(44) العصاة مِن هذه الأمَّة يدخلون النَّار؛ لأنَّه ◙ سمَّاهما مسلِمين وأخبر بأنَّهما يدخلان النَّار وقد زاد ◙ لهذا بيانًا وإيضاحًا في حديث آخر حيث قال: ((الإيمانُ إِيْمَانَانِ))، وقد بينَّا معنى ذلك حين أوردناه في الحديث المتقدِّم وهو حديث المحبَّة في الله والبغض(45) في الله.
          السَّادس(46): إخباره ◙ عن القاتل يدخل(47) النار هل المراد به التَّأبيد تابَ أو اقُتصَّ منه أو في الحال(48)، فإن تاب أو اقتص منه ارتفع الإثم عنه ولم يدخل النار؟(49).
          قد اختلف العلماء في توبة القاتل(50)، فمِن قائل يقول: ليس له توبة وهو ابن عبَّاس وزيد بن ثابت ╠ في أحد قوليهما(51)، ومِن قائل يقول: له توبة(52) وهو المشهور وهو مذهب أهل السنَّة، واحتجَّ المانعون لتوبتِه(53) / بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
          واحتجَّ أهل السنَّة(54) بالآي والحديث(55)، أمَّا الآي فقوله تعالى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68 - 70]. فاستثنى تعالى التَّائبين مِن غيرهم وتأوَّلوا ما احتجَّ به(56) الأوَّلون بأن قالوا: ذلك جزاؤه إن جازاه(57)، وأمَّا الحديث فقوله(58) ◙ : «التَّوبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَها»، وهذا اللَّفظ(59) يعمُّ القتل وغيره، فمَن أخرج القتل مِن تحت هذا العموم يحتاج إلى دليل.
          وقد كان بعض العلماء إذا سُئِلَ هل للقاتل مِن توبة؟ ينظر في حال السَّائل، فإن ظهرت له عليه تهمة القتل قال: له توبة، وإن ظهرت له منه الشراهة وإرادة الإقدام على القتل قال: لا توبة له، فبلغ ذلك بعض الفضلاء مِن العلماء فاستحسنه، هذا ما تضمَّنه اختلافهم في التَّوبة.
          وأمَّا القِصاص فقد اختلفوا فيه أيضًا فمِن قائل يقول: بأنَّ القِصاص لا يرفع الإثم، واحتجُّوا بقوله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:179]. فقالوا: إنَّما جُعل القِصاص مصلحة للناس وردع بعضهم عن بعض، والمقتول المظلوم حقُّه باقٍ يأخذه يوم القيامة، ومِن قائل يقول: يُرْفَع الإثم إذا وقع القِصاص واحتجُّوا بالحديث الذي تقدَّم قبل هذا، فهو نص في الباب، فهذا هو الحقُّ الذي لا خفاء فيه لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. وهو ◙ أعلم بمقتضى الآية مِن المتأوِّلين فيها(60).
          وأمَّا مَن اقْتُصَّ مِنه فهو غير متَّبع في الآخرة، والوعيد غير نافذ عليه(61) إجماعًا على مقتضى حديث عُبادة، فإن لم يُقْتَصَّ منه ولم يَتُبْ فهو في المشيئة عند أهل السنَّة(62).
          الوجه السَّابع: إخباره ◙ عن المقتول أنَّه في النَّار(63) هل ذلك على التَّأبيد أو له الخروج بعد ذلك منها؟ محتملٌ للوجهين معًا، ومثله أيضًا القاتل إن مات / قبل التوبة أو القصاص، فلـهمـا(64) في هذا الأمر مِن الخطر وهو أن يتردَّد كل واحد منهما بين أمرين:
          (أحدهما) فيه ما ذكرناه(65) مِن الخطر والخوف الشَّديد وهو المقتول هل يُخلَّد في النَّار أو لا يُخلَّد؟ والقاتل مثله في ذلك الخطر العظيم إن مات قبل أن يتوب أو يُقْتَصَّ منه.
          (الثَّاني): ما في القاتل مِن الخلاف إذا تاب أو اقْتُصَّ منه هل يكون ذلك مانعًا له مِن دخول النَّار أم لا؟ على ما بيَّناه وكلُّ واحد منهما عند الشَّرع(66) محتمل لأحد الموضعين المذكورين فلأجل هذا أخبر ◙ بذلك ليكون رَدعًا وزجرًا(67)، هذا البحث مِن جهة ظاهر اللفظ، وقد تقدَّم أنَّ قاعدة أهل السنَّة أنَّهم لا يكفِّرون ولا يخلِّدون أحدًا مِن المِلَّة(68).
          الثَّامن(69): الظَّالم والمظلوم هل يلتحقان بالقاتل والمقتول _أعني في الإثم_ وأمَّا التَّخليد فلا إذا قصد كل واحد منهما ظلم صاحبه أم لا؟
          أمَّا الظُّلم فليس يشبِه القتل مِن كل الجِّهات، لأنَّ الظُّلم على نوعين: حسيٌّ ومعنويٌ، فالحسيُّ منه ما كان في الدِّماء والأموال والأعراض كما نصَّ ◙ عليه(70) في حجَّة الوداع، فالدِّماء قد تقدَّم الكلام عليه(71)، والظُّلم في الأموال لا يلتحق بما تقدَّم وهو القاتل والمقتول لأنَّا لا نقول للثاني(72): (ظالمـًا) إلا مِن جهة التَّجنيس كما قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]. فالسيئة الثَّانية ليست بسيئة(73) حقيقية(74) وإنَّما هي قصاص(75) فَسُمِّيَتْ (سيئة) مِن جهة المجانسة وهو مِن فصيح الكلام.
          وفي كيفية انتصاف الثَّاني مِن الأوَّل(76) نتكلَّم عليه في موضعِه مِنْ داخل الكتاب إن شاء الله تعالى، وكذلك الأعراض والأموال يأتي الكلام عليها(77) في موضعها(78) مِن داخل الكتاب إن شاء الله تعالى، وبقي الكلام هنا على الظُّلم المعنويِّ الذي هو مناسب للموضع، وهو على قسمين: نيَّة بلا عمل ولا / تسبُّب، ونيَّة بعمل وتسبُّب. فالذي هو نيَّة بلا عمل ولا تسبُّب(79) فهو مثل البغي والحسد والبغض وما أشبه ذلك مِن النِّيات السوء المحذورة شرعًا لقوله ◙ : «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا».
          فهذا وما أشبهه ليس كالأعراض والأموال يتحاسبان فمَن فضل له عند أخيه أو(80) صاحبه شيء(81) اقْتُصَّ منه، وإنَّما ذلك مثل القاتل والمقتول وهو أنَّهما(82) يعذَّبان معًا في النار(83) ولا ينقص عذاب أحدهما مِن عذاب الآخر شيئًا، لأنَّ أمور الباطن في الشرِّ والخير أشدُّ مِن الظاهر، ولذلك قال ◙ : «مُضْغَةٌ(84) في الجَسَدِ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّه(85)، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه(86)، أَلَا وَهِيَ(87) القَلْبُ، أَلَا وَهِيَ(88) القَلْبُ». وليس المراد بالقلب هنا: الجارحة، وإنَّما المراد به ما يكون في القلب. يزيد هذا(89) إيضاحًا وبيانًا قوله ◙ لابن عبَّاس: «إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُمْسِيَ وتُصْبِحَ ولَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ»، ثمَّ قَالَ له: «يَا بُنَيَّ، هي(90) سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فكأنما أَحْيانِي، وَمَنْ أَحْيانِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ». وقال ◙ : «مَنْ أصبحَ وأَمْسَى لَا يَنْوي ظُلْمَ أَحَدٍ غُفِرَ لَهُ مَا جَنَى».
          وقال ◙ في ضده: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» و «مَنْ ضَارَّ بِمُسْلِمٍ(91) ضَرَّ الله تعالى بهِ، ومَنْ مَكَرَ بِمُسْلِمٍ مَكَرَ اللهُ به». والآي والأحاديث في ذلك كثيرة(92).
          وأمَّا الذي هو بالنِّية والعمل فهو مثل قطيعة الرَّحم، لأنَّهما إذا تقاطعا معًا لا ينقص كل واحد منهما من الوعيد الذي توعد على ذلك شيئًا، ولا عذر له في أن قاطعَه غيره قبل لقوله ◙ : «وَأَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ»، ولإخباره ◙ بأنَّ الله تعالى لمَّا أنْ(93) / خلق الخلق: ((قالتِ الرَّحِمُ: يا ربِّ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يا رب، قَالَ: فهو لَكِ)).
          وأمَّا الذي هو بالنِّية والتَّسبُّب فهو مثل الذي يسعى لشخص في خديعة أو مكر أو ما يضرُّه(94)، وإن(95) لم يصل إليه(96) ما قصده به مِن الأذى(97)، لأنَّ نيَّته الفاسدة وتسبُّبه فيما فيه الإذاية لمسلم ممنوعان(98) معًا، وصل ذلك أو لم يَصِل، فكان مثل مَن تقدَّم لا ينقص مِن ظلم(99) أحدهما للآخر شيء، لأنَّ كل واحد منهما قد سعى في ظهر الغيب لأخيه فيما منع منه شرعًا مِن نية فاسدة وتسبُّب فاسد(100)، ولأجل هذا كان الفضلاء مِن أهل العلم والعمل الذين رُزِقُوا نور البصيرة لم يبغضوا أهل المعاصي والمخالفات لذواتهم، وإنَّما بغضوا(101) منهم تلك الأفعال التي نهى الشَّرع عنها وذمَّها، وأشفقوا عليهم لِمَا به ابتلوا مِن سابق القدر عليهم، وخافوا على أنفسهم لاحتمال تعدِّي الأمر إليهم، فكانوا بين بغض لأجل ما به أُمروا، وإشفاقٍ(102) على ما به طُبعوا، وخوفٍ مِن(103) ممكن يتوقَّعون(104)، وكفى في ذلك تنبيهًا قوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} [النور:2]. أي: لا يحملكم ما جُبلتم عليه مِن رأفة الإيمان على أن تضيعوا ما كُلِّفتم به من توفية الحدود، والله الموفق(105).


[1] قوله: ((أنَّه)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[2] في (ف): ((قلت)).
[3] قوله: ((فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه)) ليس في (ط) و(ل) و(م) والمثبت من (ج) و (ف)، وزاد في (م) و(ل): ((الحديث)).
[4] في (ف): ((إلحاق))، والعبارة في (م): ((على الخوف والوعد و)).
[5] قوله: ((الوجه)) ليس في (ف).
[6] في (م): ((يلزم)).
[7] في (ف) و (م) و (ل): ((بيان ذلك أنه)).
[8] في (ف): ((فإذا)).
[9] قوله: ((بعض)) ليس في (ل).
[10] في (ط): ((هم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[11] زاد في (ف) و (م) و (ل): ((عليه)).
[12] في (ط) و (ف): ((للظالم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[13] في (ط): ((للآخر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (ج) و (ف) و (م) و (ل): ((وجوه)).
[15] قوله: ((يطول)) ليس في (م).
[16] في النسخ: ((قاصد)) والمثبت من (ل).
[17] زاد في (ف): ((بها)) مكررة.
[18] في (ج): ((قتل)).
[19] زاد في (م): ((إنَّه)).
[20] قوله: ((بذنب)) ليس في (ف).
[21] في (ط): ((الثاني))، والمثبت من النسخ الأخرى، وقوله: ((الوجه)) زيادة من (ف).
[22] زاد في (ف): ((عليه)).
[23] في (م) و (ل): ((على)).
[24] في (ف): ((تلاقا)).
[25] قوله: ((السَّلام)) ليس في (م).
[26] في (ف): ((فلم يخصص بآلة غيرها)).
[27] في (ف): ((الوجه الرابع)).
[28] في (ف): ((مقتولًا)).
[29] زاد في (ف): ((فتكون من أصحاب النَّار)).
[30] قوله: ((للصحابة)) في (ل) مكانه طمس.
[31] قوله: ((ذلك)) ليس في (ف).
[32] في (ل): ((فساد)).
[33] في (ل): ((وقد))، وبعدها في (ف): ((ساوى)).
[34] في (ط) و (م): ((و إنفاذ)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[35] قوله: ((بالحرص)) ليس في (م).
[36] في (ج): ((حيث)).
[37] في (ل): ((منهم واحد)) بتقديم وتأخير ووضع فوقها علامة.
[38] في (ط) و (م) و (ل): ((أجمع)) والمثبت من (ج) و(ف).
[39] قوله: ((من)) زيادة من (ج) على النسخ.
[40] في (ل): ((لا يبق)).
[41] في (م) و (ل): ((يبق)).
[42] في (ط): ((فاسدًا))، وفي (ف): ((فاسدان)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[43] في (ج): ((الوجه الخامس)).
[44] قوله: ((بعض)) زيادة من (ج) على النسخ.
[45] في (ف): ((والبغض والبغض)).
[46] في (ف): ((الوجه السادس)).
[47] في (ف) و (م) و (ل): ((بدخول)).
[48] زاد في (ط) في هذا الموضع: ((فإن تاب أو اقُتصَّ منه أو في الحال)) والمثبت من (ف) و (ج).
[49] قوله: ((هل المراد به التأبيد تاب أو اقتص منه...ولم يدخل النار)) ليس في (م) و (ل).
[50] قوله: ((توبة القاتل)) ليس في (ف)، وزاد في (ف): ((ذلك سلفًا وخلفًا)).
[51] في (ف): ((وهو ابن عبَّاس ومن تبعه من العلماء.. ومن قائل)).
[52] في (ف): ((التوبة)).
[53] في (ف): ((واحتج الأولون)).
[54] في (ف): ((واحتجَّ الآخرون)).
[55] في (ل): ((والأحاديث)).
[56] في (ط): ((له)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[57] في (م): ((جزاه)).
[58] في (ل): ((فلقوله)).
[59] في (ف) و (م) و (ل): ((لفظ)).
[60] قوله: ((وأما القصاص فقد اختلفوا فيه أيضًا فمن قائل يقول...الآية من المتأولين فيها)) ليس في (م) و (ل).
[61] في (ج) و (م): ((إليه)).
[62] قوله: ((وأمَّا من اقتصَّ منه..... فهو في المشيئة عند أهل السنَّة)) ليس في (ف).
[63] زاد في (م) و (ل): ((الكلام عليه كالكلام على الوجه الذي قبله)).
[64] في (ف): ((فلما)).
[65] في (ف): ((ذكرنا)).
[66] في (ف): ((الشروع)).
[67] في (ف): ((وجزرًا)).
[68] قوله: ((هذا البحث من جهة ظاهر اللفظ _إلى قوله_ من الملة)) زيادة من (ج) على النسخ. وقوله: ((هل ذلك على التأبيد أو له الخروج...أحدًا من الملة)) ليس في(م).
[69] في (ف): ((الوجه الثامن)).
[70] قوله: ((عليه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[71] في (ل): ((عليها)).
[72] في (ف): ((الثاني)).
[73] في (ف): ((سيئة)).
[74] في (ط) و (م): ((حقيقة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[75] في (ف): ((قصاصًا)).
[76] في (ط): ((الأموال)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[77] في (ج) و(م): ((عليهما)).
[78] في (ج) و (ف) و (م) : ((موضعهما)).
[79] قوله: ((ولا تسبب)) ليس في (ف).
[80] قوله: ((أخيه أو)) ليس في (ف) و (م).
[81] قوله: ((شيء)) ليس في (ف)، وفي (ل): ((فمن فضل عند صاحبه شيء)).
[82] في (ف): ((أنَّه)).
[83] قوله: ((في النار)) زيادة من (ج) على النسخ.
[84] في (ط) و (ف) و (ل): ((بضعة)) والمثبت من (ج) و (م).
[85] قوله: ((كله)) ليس في (ط) و(ج) و(ل) و(ف).
[86] قوله: ((كله)) ليس في (ط) و(ج) و(ل).
[87] في (ط) و (ف): ((هي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[88] في (ط) و (ف): ((هي)) والمثبت من النسخ الأخرى، وقوله: ((ألا وهي القلب)) مكرر ليس في (ل).
[89] في (ل): ((ذلك)).
[90] في (ف): ((وهي))، وفي (ج) و (م): ((ذلك من سنتي)). وفي (ل): ((وذلك من سنتي)).
[91] في (ف) و (م): ((مسلم)).
[92] في (م): ((كثير)).
[93] قوله: ((أنْ)) ليس في (م).
[94] في (ط) و (م): ((يغيره)) وفي (ل): ((أو ما يغيره)) والمثبت من (ج).
[95] زاد في (م) و (ل): ((كان)).
[96] قوله: ((والتَّسبُّب فهو مثل... وإن لم يصل إليه)) ليس في (ف).
[97] في (ط): ((من الأذى به))، وفي (ف) و (ل) و(م): ((الإذاية)) والمثبت من (ج).
[98] في (ط) و (ف): ((ممنوعين)).
[99] قوله: ((من ظلم)) زيادة من (ج) و(م). وفي (ف): ((من إثم)).
[100] قوله: ((تسبب فاسد)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[101] في (ط) و (ج): ((يبغضوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[102] في (ط): ((وإشفاقًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[103] قوله: ((من)) ليس في (ف).
[104] في (ط): ((يتوقعوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[105] في (ط): ((والله بمنه)) والمثبت من النسخ الأخرى.