بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام

          228- قوله صلعم : (في الحَبَّةِ السَّوْدَاء شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ...) الحديث. [خ¦5688]
          ظَاهِرُ الحَدِيْثِ الإخبار بأنَّ الله ╡ جعل الحبَّة السوداء الذي هو الشونيز(1) شفاء مِن كلِّ داء(2) إلا الموت، والكلام عليه مِن وجوه:
          وهي كما تقدَّم في الحديث قبله مِن تلك التوجيهات في الشفاء لا غير، والانفصال عنها(3) كالانفصال عن تلك، غير أنَّ هنا زيادة في التوجيه وهو(4) أنَّ عادة العرب إذا نعتت(5) الشيء بالمصدر، أو(6) استثنت مِن(7) العامِّ بعضَه دلَّ على أنَّ(8) ما بقي حقيقة في العموم لا يحتمل التخصيص، وقد قال سيدنا صلعم هنا إنَّها: (شِفَاءٌ مِنْ كلِّ داءٍ) فهذا لفظ(9) عامٌّ، وقد يحتمل التخصيص، فلمَّا استثنى منه البعض بقوله ◙ : «إِلَّا السَّامَّ(10)» دلَّ على أنَّه شفاء عامٌّ لا يحتمل التخصيص.
          وقد قال بعض العلماء في هذا الحديث ما قدَّمنا ذكره في الحديث قبلُ إنَّه(11) يرجع في ذلك لِمَا يقوله الأطباء، وهذا غلط محضٌ، و الجواب له(12) مثل الجواب في الحديث قبل، وقد قال أهل صنعة(13) الطب: إنَّ الحبَّة السوداء تنفع عندهم لخمسة(14) عشر داءً بالتجربة.
          وقد ذكر لي بعض مشايخي في الحديث والفقه وكان قَدْ جَمعَ(15) الله له الحديث و الفقه والعمل بهما والتقوى العجيب(16) أنَّ شيخه _رحم الله(17) جميعَهم وإيَّانا بفضله_ كان له بعض أصحابه و كان مِن الزاهدين المباركين، وكان يحضر مجلسه كلَّ يوم، فلمَّا كان يومًا(18) قرأ هذا الحديث وتكلَّم الشيخ عليه بنحو ما أشرنا إليه في / الحديث قبله، فلمَّا كان بعد ذلك(19) جاء يومًا ولم يأت ذلك الزاهد مجلس الشيخ، فلمَّا أتاه بعد سأله: ما حبسك عنا؟ فقال(20): إنَّ عيني رمدت فأوجعَتني فأخذتُ الشونيز فمضغته وألقيتُه داخلَها فزاد وجَعُها فقلت مخاطبًا لها: أوجِعي أو طيري فما أخبر الشيخ إلا عن النَّبيِّ ◙ ، ولا يقول النبيُّ ◙ إلا حقًّا، فبرئتُ مِن ليلتي، و ما بقي لي فيها شيء مِن الأشياء المؤلمة و لا أثر منها.
          فقال الشيخ للفقهاء: مثل نيَّة هذا هي النيَّة المباركة التي تظهر فيها(21) فائدة الحديث، ولو استعمله أحد منكم مع الشكِّ الذي في نيَّاتكم لطارت عينه.
          وفي(22) هذه الحكاية دليل على ما قلناه(23) في الحديث قبله أنَّ الأمور التي تتلقى(24) مِن الشَّارع صلعم أنَّ الفائدة في استعمالها إنما تكون(25) بحُسن النية، وإنْ لم يكن هناك حسن نيَّة خيف على الشخص مِن زيادة الضرر، وقد بينَّا الدليل على ذلك مِن كتاب الله تعالى، والله الموفق للخير بفضله.


[1] العبارة في (م): ((الحبة السوداء التي هي في الشونيز)).
[2] في (ج): ((الحبة السوداء التي هي الشونيز شفاء من داء)).
[3] العبارة في (م) و (ج): ((قبله من التوجيهات في الشفاء والانفصال عنها)).
[4] في (م) و (ج): ((وهي)).
[5] في (م): ((إذا أكبرت)) وفي (ج): ((إذا أكدت)).
[6] في (ج): ((و)).
[7] قوله: ((من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[8] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[9] في (ج): ((فهو اللفظ)).
[10] في (م): ((الموت)).
[11] في (م): ((أن)).
[12] العبارة في (م)و (ج): ((الأطباء. وهذا ليس بالبين والجواب عنه [قوله ((عنه)) ليس في (ج)])).
[13] قوله: ((صنعة)) ليس في (م) و (ج).
[14] في (م) و (ج): ((لسبعة)).
[15] في (ط): ((وكان أجمع)).
[16] قوله: ((العجيب)) ليس في (ج).
[17] العبارة في (م): ((والعمل بها والتقوى أن شيخه ▓)).
[18] قوله: ((كان يوما)) ليس في (م) و (ج).
[19] قوله: ((فلما كان بعد ذلك)) ليس في (م) و (ج).
[20] زاد في (م) و (ج): ((له)).
[21] في (ج): ((المباركة تظهر بها)).
[22] العبارة في (م) و (ج): ((مع الشك الذي نياتكم لطارت عيناه أو كما جرى وفي)).
[23] في (ج): ((ما قدمناه)).
[24] في (م): ((تلقى)).
[25] قوله: ((تكون)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.