بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء

          42- (عَائِشَة عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَال: إذَا وُضِعَ العَشَاءُ...(1)) الحَدِيثُ. [خ¦671]
          ظاهرُه جوازُ تقدمةِ(2) العَشاءِ(3) إذا وُضِعَ وإنْ أُقيمتِ الصلاةُ، والكلامُ عليهِ مِن وجوهٍ:
          منها: هلِ الأمرُ هنا على الوجوبِ أو الندبِ أو الإباحةِ، أو هو(4) على جهةِ التَّوسِعَةِ ليتأَتَّى بذلكَ للمُكلَّفِ(5) العملُ بفقهِ الحالِ، فالذي يكونُ لحالِه(6) أرفَعَ يفعلُ؟ فالأمر محتمِلُ للجميعِ، لكنَّ الأظهرَ واللهُ أعلمُ أنْ يكون هذا(7) توسعةً ليكونَ المكلَّفُ(8) في كل وقتٍ يأخذُ بالأصلحِ له في دينِه، فإنْ كانَ مثلًا وُضِعَتْ له العشاءُ وله لها حاجةٌ أكيدةٌ من حيثُ أنْ قدَّمَ الصلاةَ عليها كانَ(9) خاطرُه فيها _أعني في عَشائه_ أو به ضعفٌ يَعجزُ بهِ عن توفيةِ أركانِ صلاتِه فإذا تعشَّى وجدَ بها قوةً على توفيةِ صلاتِه، وهذا وشبهُهُ(10) تقديمُ العَشاءِ في حقِّه أفضلُ، وإنْ كانَ ممَّن لا شهوةَ لهُ في عشائِه وقِواهُ مجموعةٌ، أو أنَّه يخافُ إن تعشَّى أنْ(11) يلحقُه ما يلحقُ بعضَ الناسِ إِثْرَ الطعامِ من الكسلِ، وهذا(12) وشبهُهُ(13) تقديمُ الصلاةِ خيرٌ لهُ، وإنْ كانَ مِمَّن الأمرُ عندَه سِيَّان(14) قدَّم العَشاءَ أو الصلاةَ ولم يَظهَرْ له ترجيحٌ بينهما فهنا يَنظُرُ لوقتِ الصلاةِ، فإنْ كانتْ مَغرِبًا فالأَوْلَى تقديمُها؛ لأنَّه الوقتُ المجمَعُ(15) على فضيلتِه، وإنْ كانَت(16) العِشاءُ فلا يخلو أنْ يُدرِكَ جماعةً أُخرى أو ليسَ؛ فإنْ كانَ يُدرِكُ جماعةً أُخرَى فتقديمُ العَشاءِ أفضلُ؛ لأنَّ تأخيرَ العِشاءِ(17) وتركَ الشغل(18) بعدها أفضلُ، وإنْ(19) كانَ لا يُدرِكُ جماعةً أُخرَى فتقديمُ العِشاءِ(20) أولى؛ لأنَّه من صلَّاها في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ ليلةٍ، وكما / رجَّحْنا(21) بالنسبة إلى النظرِ إلى حالِه، فكذلك يلزمه الترجيح لنظرِ الغيرِ إنْ كانت(22) عَشاء غيره ملتزمة مع عشائه لقولِه صلعم : «كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ».
          وهنا دليلٌ على أنَّ وقتَ المغربِ مُمتَدٌّ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ (23): (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤُوا بالعَشَاءِ) لأنَّ العَشاءَ ما لها مِن أوقاتِ الصلواتِ بجَرْي(24) العادة(25) عندَهم إلا صلاةَ المغربِ وصلاةَ العِشاءِ، والغالبُ منها موافقتُها لصلاةِ المغربِ بدليلَيْنِ:
          (أحدُهما): ما عُرِفَ من حالِ الصحابةِ ♥ مِن كثرةِ دوام صومهم.
          (والآخرُ): من الحديثِ مِن قولِه ◙ : (إذا أُقِيْمَتِ(26) الصَّلاةُ)، وإِقامةُ الصَّلاةِ لا يسمعُها إلَّا مَن يكونُ في المسجدِ أو ما قَرُبَ مِنَ المسجدِ، وهذا لفظٌ(27) عامٌ يتناولُ(28) مَن يكونُ في المسجدِ ومَن لا يكونُ في المسجدِ، بقُربٍ أو بُعدٍ(29) _وهم(30) الأكثر_ فكيف(31) يسمعُ الإقامةَ مَن لا يكون(32) في المسجدِ وهو بالبُعدِ منه(33)؟ فإذًا لا يمكن؛ لأن الإقامةَ فيما عدا المغرب إذ(34) ليس لها زمانٌ معيَّن يعرفُ بِه وقتُها؛ لأنه قد جاءَ عن سيدِنا صلعم أنَّه مرةً يُوقِعُ الصلاةَ في أول(35) الوقتِ، وأُخرى والوقتُ متمكِّنٌ، والخلفاءُ بعدَه كانوا يقعدونَ في آخرِيَّة(36) المسجدِ ولا(37) يقيمونَ الصلاةَ حتى يجتمعَ الناسُ، فدلَّ ذلكَ على عدمِ تعيينِ وقتِ الإقامةِ، ولم يختلفِ النقلُ عن سيدنا صلعم وعن الخلفاءِ بعدَهُ ومَن بعدَهم إلى هَلُمَّ جَرًا أنَّ المَغرِبَ لا تتأخر الإقامةُ عن وقتِ الأذانِ بها، وكان(38) سَمْعُ / الآذان سَمْعُ إقامتِها، فبانَ بهذين الدليلينِ أنَّ الظاهرَ مِنَ الإشارةِ بالصلاةِ في الحديثِ صلاةُ المَغرِبِ، وثبتَ بهذا(39) الظاهرِ أنَّ صلاةَ المَغربِ لَها(40) وقتٌ مُمْتَدٌ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (فَابْدَؤُوا بالعَشَاءِ)، فلو(41) لم يكنْ وقتُها مُمتدًّا ما(42) أمرَهم ◙ (43) بتركِ الصلاةِ حتى يخرجَ وقتُها وهم ذاكرونَ قادرونَ.
          وفيه أيضًا دليلٌ على أنَّ الأفضلَ في صلاةِ المَغربِ أولُ وقتِها، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ (44): (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ)، فلولا دوامُه ◙ على أنَّ إثرَ(45) الأذانِ لها(46) تقامُ حتى رجع ذلكَ لها(47) عَلَمًا لا يُحتاجُ فيه لغيرِهِ لَمَا أَخبرَ بسمعِ الأذانِ عن سمعِ الإقامةِ، وما دامَ(48) صلعم عليه هو الأفضلُ بلا خِلافٍ.
          ويُؤخَذُ مِن هذا مِنَ الفِقْهِ أنَّ العادةَ(49) إذا كانتْ لا تنخرِمُ قامتْ في الأشياءِ مقامَ الإفصاحِ بها وأَغْنَتْ عن النُّطقِ بما(50) دلَّتْ عليهِ أو إفصاحٍ(51) بهِ.
          ويُؤخَذُ منهُ من الفقهِ أنَّ مَن لازَمَ شيئًا من الأشياءِ لا يَنفَكُّ عنهُ كانَ وصفُهُ بذلكَ الشيءِ زيادةَ بيانٍ في تعريفِه.
          يُؤخَذُ ذَلِكَ مِن أنَّ الأذانَ شُرِعَ للإعلامِ(52) بدخولِ وقتِ الصلاةِ، والإقامةُ شُرِعَتْ للإعلامِ للدخول في الصلاةِ، فلمَّا لازمتِ الإقامةُ في المغربِ الأذانَ(53) زادتْ في تعريفِه وصفًا لأنه يُعلَم به الأمران معًا ويُخبَرُ عنهما(54) بأحدِهما، ويصدق عليه(55) كما فعل هنا سيدنا صلعم الذي أخبر عنه بالإقامة(56).
          ويؤخذُ منه(57) بدلُ الأسماءِ الشرعيةِ(58) بالاصطلاحيَّةِ / والعاديَّةِ إذا لم يُخْرِجها(59) ذلكَ من الفائدةِ التي قُصِدَ بها، يُؤخَذُ ذلك من تسميتِه صلعم الأذانَ بالإقامةِ؛ لأنَّه لم يُخْرِجها بكونِه سمَّاها(60) بما جرتْ به العادةُ فيها عمَّا وُضِعَت له؛ لأنَّه لا تقامُ الصلاة حتى يدخلَ وقتُها، وقد قالَ مالك ☼: بالمَعانِي استُعْبِدْنا لا بالألفاظِ، فإذا بقي المعنى الذي(61) استُعبِدْنا به لم يلحقه خَلَلٌ جازَ لنا أن نعبِّر بما نشاءُ من العبارة الجائزةِ المعروفةِ(62).
          وهنا بحثٌ لِمَ(63) قالَ: (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ) ولم يقلْ: (إذا كان وقت العَشاءِ)؟ وبحثٌ آخرُ: هل هذا خاصٌّ بالعِشاء لا يُمكِنُ(64) في غيرِها؟ أو هو(65)جائزٌ في العِشاء وغيرِها، ويكون ذكر العِشاء هنا من بابِ التنبيهِ بالأعمِّ على الأخصِّ؟.
          فالجوابُ عنِ الأوَّلِ أنَّ وضعَ العَشاء وهو جعلُها بينَ يديْ صاحبِها سببٌ لتحريكِ الشهوةِ للطَّعامِ، وتحريكُ الشهوةِ للطعامِ مما يوجبُ تعلُّقَ القلبِ بهِ، وتعلُّقُ القلبِ به يُوجِبُ عدمَ الحضورِ في الصلاةِ، وعدمَ(66) الإخلاصِ وعدمَ الخشوعِ، وهذه الأشياءُ هي أحدُ الأسبابِ المَرجوَّةِ في قبولِ الصلاةِ(67)، فلمَّا كانَ حضورُ طعامِه علَّةٌ يتوقع(68) منها عدمَ القبولِ، قيلَ لهُ: داوي علَّتَك بأكلِكَ طعامَك، وحينئذٍ تقدُمُ على صلاتِكَ؛ لأنَّ مولانا جلَّ جلالُه يقولُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7- 8] قالَ علماؤُنا: إذا فرغتَ مِن أمور ضروراتِك فإنَّ القلبَ أبدًا مُتعلِّقٌ بضروراتِه، فإذا فرغَ منها حَسُنَ للدخولِ في العبادةِ، وكما(69) رُوي(70) عن عبد الله بن عمر / أنَّه إذا كانَ صائِمًا ورأى من بعضِ جواريهِ ما يُعجِبُه، إذا كانَ وقتُ المَغرِبِ يأكُلُ ويُجامِعُ ويتطهَّر، وحينئذٍ يُصلِّي، فهذا السيِّدُ عَرَفَ معنى الآيِ(71) والحديثِ، ولذلك كانَ أَتْبعَ الناسِ للسنة(72)، فإذا دخلَ وقتُ العشاءِ ولم تكنْ(73) قُدِّمت له فيجبُ على ذلكَ تَقديمُ الصلاةِ؛ لأنَّه يجتمعُ(74) له تضييع؛ لا هوَ يأكُلُ طَعامًا ولا هو يُؤدِّي ما عليه مِن صلاته.
          ويترتَّبُ عليهِ من الفقهِ أنَّ الحقَّ للمتقدِّمِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ (75): (إذا وضعت(76) العَشاءُ) لأنَّ وضعَ العَشاءِ مُقدَّمٌ(77) على الصلاةِ فكانَ الحقُّ لها(78).
          وفيه دليلٌ لأهلِ الخواطرِ؛ لأنَّهم يقولونَ: الحكمُ(79) للخاطرِ الأولِ.
          وأمَّا قولُنا: هل هذا خاصٌ بالعِشاء ليسَ إلَّا، أو هو فيها وفي غيرِها؟ فالجوابُ: إن قلنا: إنَّ هذا تعبُّدٌ غيرُ معقولِ المَعنى فيكونُ مقصورًا(80) على ما جاءَ فيهِ لا غيرُ.
          وإنْ قلنا: إنَّه لعلَّةٍ _وهو الأظهرُ واللهُ أعلمُ_ فإذا فَهِمْنا العلَّةَ عدَّيْنا الحكمَ. والعلَّةُ _والله أعلم_ هنا إن كانتْ ما أشرْنَا إليها قبلُ(81) من تعلُّقِ القلبِ بالطعامِ ليسَ إلَّا، فإذا كانَ هذا جائزًا(82) في المَغرِبِ(83) مع ضيقِ الوقتِ فمِن بابِ الأَحرَى في غيرِها.
          وإن قُلنا: إنَّ قوةَ الشَّهوةِ للطعامِ لا تُراعَى إلا معَ الصومِ فيكونُ موقوفًا على وجود هاتين العلَّتين(84): الصومُ وتعلُّقُ القلبِ بالطعامِ.
          وإن قلنا: إنما احتيجَ(85) هذا في المغرِبِ وحدَها لكونِ العملِ على أنْ لا تؤخَّرَ(86)، وأنَّ غيرها من الصلواتِ لكَ أن تُؤخِّرَها إلى أيِّ وقتٍ شئتَ من أجزاء وقتها المختارِ بغيرِ علَّةِ أكلٍ ولا / غيرِه، فلا بحثَ.
          وفيه دليلٌ على(87) المحافظةِ على المندوباتِ ولا تُترَكُ إلا لضرورةٍ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاةُ)، وصلاةُ المرءِ في الجماعةِ من المَندوبِ على رأيِ أكثرِ جماعةِ أهلِ العلمِ(88)، ودلَّ(89) أنَّه إذا لم يكنْ لهُ عُذرٌ لا يتركُ المندوبَ؛ لأنه لم يُبَحْ لهُ تركُ الصلاةِ إلَّا مِن أَجْلِ علَّةِ الطعام وتَقدُّمِهِ.
          وهنا بحثٌ في قولِه ◙ : (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ) هل هذا(90) على ظاهرِه _أعني: أنَّها توضَعُ بينَ يدي صاحبها_؟ ويكونُ(91) وضعُها بمعنى أنَّها قد استوتْ ولا يمنعُ(92) من تقدُّمِها وأكلِها(93) إلا الصلاةُ؛ لأنَّ العرب(94) تُسمِّي الشيءَ مما يقربُ منهُ؟ احتَمَلَ(95) الوجهينِ، ونجد(96) أيضًا العلَّةَ مع وجودِها في الوقتِ سواءً كانتْ بينَ يَدَيْ صاحبِها أو حاضرةً في(97) المنزلِ ليسَ(98) بينَ يديْهِ موجودٌ(99) في النفس(100) ذلك التعلُّق.
          وفيه دليلٌ على أنَّ المتَّبِعَ للسنَّةِ تَصَرُّفُه كلُّه طاعةٌ مأجورٌ عليها(101)، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وأُقِيمَت الصَّلاةُ فَابْدَؤُوا بالعَشَاءِ) لأنَّ المُتَّبِعَ للسنَّةِ لا يَبدأُ هنا بالعَشاءِ إلا لأمرِ الشارعِ ◙ بها، فيكونُ مأجورًا لكونِه ما وقعَ أكلُه لهذهِ(102) العَشاءِ إلا للأمرِ بها، وغيرُه لم يأكلْ عَشاءه إلَّا اختيارًا منهُ ورَعْيًا لشَهوتِهِ إليها، وكثيرٌ بين(103) مَن يأكلُ للأمرِ وبين مَن(104) يأكلُ للشهوةِ، وكذلكَ يكونانِ في جميع أمورِهما، كلٌّ على مُقتضَى حالِه.
          وفيه دليلٌ لأهلِ الصُّوفَةِ الذين تركوا لحظ(105) الشهوةِ وعَمِلوا على ذلكَ حتَّى لم يَبْقَ لهم منها شيءٌ؛ لأنَّها هي(106) التي أَوجبَتْ / تأَخُّرَ(107) العبادةِ فإذا عُدِمَتْ أُوقِعَتِ العبادةُ في وقتِها المختار.
          وفيه دليلٌ على رفقِ المَولى بعبيدِه وأنَّه ╡ غنِيٌّ عن عبادَتهم، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ أَمرِهِ ◙ بتقديمِ العَشاءِ عن(108) الصلاةِ؛ لأنَّ الغذاءَ(109) مما(110) تشتهيه النفوسُ وتستريحُ به وتتنعَّمُ(111)، والعبادةُ إنما فيها التعبُ في الغالبِ من أحوالِ الناسِ؛ لأنَّ أهلَ الخصوصِ يتنعَّمونَ بالعبادةِ كما يتنعَّمُ غيرُهم بالأطعمةِ الطيِّبةِ، ولذلك(112) ذُكِرَ عن إبراهيمَ بن أَدْهَمَ أنَّه قال: مساكينٌ أهلُ الدنيا خرجوا مِنها(113) ولم يذوقوا مِن نعيمِها شيئًا(114)، قالوا: ومَا نعيمُها؟ قالَ: لذَّةُ الطاعةِ، خرجُوا ولم يذوقوها فلا دُنيا لهم ولا آخرة، وقد كان سيِّدنا صلعم يقولُ: «أَرِحْنَا بِها يَا بِلَالُ» أعني(115) الصلاةَ.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الأحكامَ الشرعيةَ أتتْ على الغالبِ مِن أحوالِ الناسِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن تقديمِ العَشاءِ على الصلاةِ؛ لأنَّه جُبِلت(116) النفوسُ بالمَيلِ إلى طعامِها، هذا هو الغالبُ في(117) أحوالِ(118) الناسِ، فجاءَ الشرعُ(119) على حُكمِ(120) الغالبِ.
          ويُؤخَذُ منهُ أنَّ الخطابَ العامَّ يشتركُ فيهِ أهلُ الخُصوصِ والعوامُّ، والخِطابُ الذي هو للخواصِّ لايُشارِكُهم فيهِ العوامُّ، مثلُ هذا الأمرِ هُنا اشتركَ فيهِ الكلُّ ومثلُ المُحسِنينَ لم يدخلْ مع المُحسنِينَ غيرُهم. /
           وأمَّا الدليلُ على كونِه ╡ غنيٌ عن عبادةِ(121) العابدينَ؛ فلأنَّه لو(122) كانَ محتاجًا(123) إليها لم يكن ╡ يُسامحُهم في تأخيرِها عن وقتِها واشتغالِهم بما فيه راحةُ نفوسِهم.
          وفيه دليلٌ على أنَّ أمورَ الدنيا ما يُباحُ استعمالها(124) إلا أن تكونَ عَونًا على الآخرةِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن أنَّه ◙ لم يُبِحْ لهم تقديمَ الطعامِ الذي هوَ من حظوظِ النفوسِ، وحظوظُ النفوسِ كلها دنيويَّةٌ(125) إلَّا مِن أجلِ حُسنِ الصلاةِ وإتمامِها والصلاةُ أُخرَويَّةٌ(126)، فأعظمُ أمورِ الدنيا هو الأكلُ الذي(127) الكلُّ محتاجون إليه وغيرُه قد يُستغنى عنه ولا يَضُرُّ، والأكل إذا عُدِمَ أوجبَ العدمَ(128)، وهو عونٌ على أعلى(129) أمورِ الآخرةِ وهي الصلاةُ؛ لأنَّه قال صلعم : «بَيْنَ المُؤمِنِ والكافرِ تركُ الصَّلاةِ». فنبَّهَ(130) في الحكمِ(131) بالأعلى مِن أمورِ الدنيا على الأعلى مِن أُمورِ الآخرةِ، فالغيرُ منهما(132) في حكمِ التَّبَع لهما فَهُما(133) من بابِ التنبيهِ بالأعلى على الأدنى(134).


[1] في (ج) و(ل): ((قَوْلُهُ صلعم : إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ _ أَيْ: وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ _ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ...)) وفي (م): ((قَوْلُهُ صلعم : إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ...)) في (ف): ((قوله صلعم : إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء)).
[2] في (ل) و(ف): ((تقديم)).
[3] في (ج) و(م): ((ظاهرُ الحديثِ يدلُّ على جوازِ تقديمِ العَشاءِ)).
[4] في (ف): ((وهو)).
[5] في (ج): ((بالنبأ بذلك التكلف)).
[6] في (ج): ((بحاله)).
[7] قوله: ((هذا)) ليس في (ج).
[8] قوله: ((المكلف)) ليس في (ج).
[9] في (ط): ((فإن)).
[10] في (ط) و(م) و(ل): ((فهذا وما أشبهه)) في (ف): ((وهذا ومااشبهه)).
[11] قوله: ((أن)) ليس في (ج) و(ل) و(ف).
[12] في (ج) و(م): ((فهذا)).
[13] في (م): ((وما أشبهه)).
[14] في (ج) و(م): ((الأمران عنده بالسواء)).
[15] في(ط) و(ل) و(ف): ((المجموع)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[16] في (ج): ((كان)).
[17] في (المطبوع): ((الصلاة)).
[18] في (ج): ((الصلاة وترك الغسل))، وفي (م): ((الصلاة وترك الشغل)).
[19] في (ج): ((إن)).
[20] في (ج) و(م): ((الصلاة)).
[21] صورتها في (م): ((وكان جحنا)).
[22] في (ج): ((كان)).
[23] في (ف): ((صلعم)).
[24] في (ل): ((تجري)).
[25] في (ج): ((الصلاة)).
[26] في (ج) و(م): ((وأقيمت)).
[27] في (ل) و(ف): ((اللفظ)).
[28] في (ج): ((اللفظ عام ليتناول)).
[29] قوله: ((أو ما قَرُبَ مِنَ المسجدِ، وهذا لفظٌ عامٌ يتناولُ مَن يكونُ في المسجدِ ومَن لا يكونُ في المسجدِ، بقُربٍ أو بُعدٍ)) ليس في (م).
[30] في (ج) و(م): ((وهو)).
[31] في (ج) و(ل) و(ف): ((وكيف)).
[32] في (ج) و(ل) و(ف): ((من ليس)).
[33] قوله: ((مَن لا يكون في المسجدِ وهو بالبُعدِ منه)) ليس في (م).
[34] في (ج): ((أو))، وقوله: ((إذ)) ليس في (م).
[35] في (ج): ((فحاول)).
[36] في (ج) و(م): ((آخر)).
[37] في (ل) و(ف): ((فلا)).
[38] في (م) و(ل) و(ف): ((فكان)).
[39] قوله: ((بهذا)) ليس في (ج).
[40] كلمة: ((لها)) ليست في (ط) و(ج).
[41] في (ج): ((ولو)).
[42] في (ف): ((لما)).
[43] قوله: ((◙)) ليس في (ف)..
[44] قوله: ((◙)) ليس في (ف)..
[45] صورتها في (م): ((أكثر))، وفي (ل) و(ف): ((إثر)).
[46] في (م): ((بها))، وفي (المطبوع): ((على أنَّ إثرَ الأذان لها تُقام)).
[47] في (م): ((بها)).
[48] زاد في (ل): ((هو)).
[49] في (ج): ((العبادة)).
[50] في (م): ((بها)).
[51] في (ج): ((صاح))، وقوله: ((أي)) ليس في (م)، وفي (ل): ((بلا إفصاح)) في(ف): ((بالإفصاح)).
[52] في الأصل: ((للصلاة)) والمثبت هو الصواب.
[53] في (ط) و(ل) و(ف): ((للأذان)).
[54] قوله: ((عنهما)) ليس في (ف).
[55] في (ج): ((ولصدق رعيته)).
[56] زاد في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((كما تقدم)).
[57] زاد في (ج) و(ل) و(ف): ((جواز)).
[58] قوله: ((كما فعل هنا سيدنا... الأسماء الشرعية)) ليس في (ج).
[59] في (ج): ((يخرجهما)).
[60] الكلمة غير مفهومة في (ج).
[61] قوله: ((فإذا بقي المعنى)) ليس في (ج) قوله: ((الذي)) ليس في (ف).
[62] قوله: ((ويؤخذُ منه بدلُ الأسماءِ الشرعيةِ بالاصطلاحيَّةِ والعاديَّةِ...... به لم يلحقه خللٌ جازَ لنا أن نعبِّر بما نشاءُ من العبارة الجائزةِ المعروفةِ.)) ليس في (م).
[63] زاد في (ج): ((عليه كما فعل هنا سيدنا صلعم الذي أخبر عنه بالإقامة كما تقدم ويؤخذ منه جواز بدل الأسماء)) وليس فيه قوله: ((لم)).
[64] في (م): ((لا يمكن بالعشاء)).
[65] قوله: ((ولم يقل: إذا كان وقت العشاء وبحث آخر هل هذا خاص بالعشاء لا يمكن في غيرها أو هو)) ليس في (ف)..
[66] في (ج): ((عدم)).
[67] العبارة في (المطبوع): ((وهذه الأشياء من الأسباب الموجبة لعدم قبول الصلاة)).
[68] في (ج): ((تتوقع)).
[69] في (ل) و(ف): ((كما)).
[70] في (ج): ((يقتدى)).
[71] في (ج) و(م): ((الآية)).
[72] قوله: ((ولذلك كان أتبع الناس للسنة)) ليس في (ج) و(م).
[73] في (ج) و(ف): ((يكن)).
[74] في (ج): ((يجمع)).
[75] في (ف): ((صلعم)).
[76] في (ج) و(م) و(ل): ((وضع)).
[77] في (م) و(ل) و(ف): ((تقدم)).
[78] في (م): ((الوضع بها)).
[79] في (ج): ((بالحكم)).
[80] في الأصل: ((مقصور)).
[81] في (م): ((هل)).
[82] في الأصل: ((جائز)).
[83] في (م): ((الوقت)).
[84] قوله: ((للطعام لا تراعى إلا مع الصوم فيكون موقوفاً على وجود هاتين العلتين)) ليس في (ف)..
[85] في (ف): ((احتج)).
[86] في (ج): ((يؤخر)).
[87] زاد في (ج) و(م): ((أن من السنة)).
[88] في (ط) و(ل) و(ف): ((بإجماع أهل السنة)) والمثبت من النسخ الأخرآ.
[89] زاد في (ج): ((على)).
[90] قوله: ((هل هذا)) ليس في (ف)..
[91] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((أو يكون)).
[92] في (ف): ((فلا يمنع)).
[93] في الأصل(ط) و(ل) و(ف): ((والأكل لها)).
[94] في الأصل: ((الصلاة)).
[95] في (ج) و(ل): ((فاحتمل)).
[96] في (ل): ((تجد)).
[97] قوله: ((في)) ليس في (ج).
[98] في (ج) و(م): ((ليست)) قوله: ((ليس)) ليس في (ف).
[99] في (ط) و(ج) و(م): ((موجودة)).
[100] في (م): ((يدي موجود في الوقت)).
[101] في (ج) و(م) و(ل): ((عليه)) في (ف): ((ومأجور عليه)).
[102] في (م): ((لهذا)).
[103] قوله: ((بين)) ليس في (ج).
[104] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((ومن)).
[105] في (ج) و(م): ((ملاحظة)).
[106] زاد في (م): ((الوقت)).
[107] في (ل): ((تأخير)).
[108] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((على)).
[109] في (ل): ((الغداء)).
[110] في (م) و(ف): ((ما)).
[111] قوله: ((وتتنعم)) ليس في (ف)..
[112] في (ج) و(م): ((ولهذا المعنى))، وفي (ل): ((وكذلك)).
[113] قوله: ((خرجوا منها)) ليس في (م).
[114] في (ج): ((شيئا من نعيمها)) بتقديم وتأخير.
[115] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((يعني)).
[116] في (ج): ((صلة)).
[117] في (ج) و(م) و(ل): ((من)).
[118] قوله: ((أحوال)) ليس في (م).
[119] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((الأمر)).
[120] قوله: ((حكم)) ليس في (م).
[121] في (ج): ((مستغنياً عن عبادته))، وفي (م) و(ل) و(ف): ((مستغنياً عن عبادة)).
[122] في (ل) و(ف): ((العابدين فلو)).
[123] في (ج): ((يحتاج)).
[124] في (ج) و(م): ((تستباح عند أهل الإرادة)) بدل: ((يباح استعمالها)).
[125] في (ل) و(ف): ((دنياوية)).
[126] في (ل) و(ف): ((أخراوية)).
[127] في (ط): ((الدنيا الأكل الذي هو))، وفي (م): ((الدنيا هو الأكل الذي هو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[128] زاد في (ج) و(م): ((في العادة المستمرة)).
[129] قوله: ((أعلى)) ليس في (م).
[130] زاد في (ف): ((◙)).
[131] في (ج) و(م): ((بالحكم)).
[132] في النسخ: ((منها)) والمثبت من (ل) و(ف).
[133] في (ج): ((لها فيهما)).
[134] زاد في (ف): ((والله أعلم بالصواب)).