بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس

          145- قوله: (قَالَ رَسُولُ(1) اللهِ صلعم : كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ....(2)). [خ¦2989]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى أنَّ مَن(3) فعل هذه الأفعال المذكورة فيه فله مِن الثواب على ذلك الأجر كثواب المتصدِّق وأجرهِ، والكلام(4) عليه مِن وجوه(5):
          الوجه(6) الأَوَّل: قَوْلُهُ ╕: (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لفظ(7) (السُّلامى)(8) بضمِّ السين وفتح الميم مع مَدِّها هي أعضاء ابن آدم، فكأنه ╕ يقول(9): «يصبح على(10) كلِّ عضو مِن أحدكم صدقة»، وقد ورد هذا بالنصِّ فعلى هذا فيعطي ظاهر الحديث أنَّه في كلِّ يوم يحتاج المرء إلى ثلاثمائة وستين صدقة على عدد الأعضاء إذ هي ثلاثمئة وستون وهذا(11) عَسِرٌ مِن جهة أنَّه(12) ليس كل الناس يقدر على هذا وهو ثلاثمائة وستون صدقة(13)، ألا ترى أنَّ الله تعالى لَمَّا أمر مَن أراد أن يكلِّم النبيَّ صلعم بتقديم الصَّدقة بِقَوْلِهِ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12] شقَّ ذلك على أكثرهم لقلَّةِ ما بأيديهم؟ فلمَّا أن عَلِم الله ╡ حقيقة أمرهم عذَرَهم وتاب عليهم بقوله(14) تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:13] فكذلك(15) فيما نحن بسبيله مِن باب أَوْلى لكثرة الضرورات التي تقع لكثير مِن الناس فيكون في حقِّ مَن أتى(16) بعد الصَّحابة مِن باب أَوْلى، إذ إنَّ الصَّحابة رضوان الله عليهم لا يوازيهم غيرهم في قوة إيمانهم ويَقينِهِم(17) وتعلُّقِهم بربِّهم، كيف لا والنبيُّ صلعم بين أَظهُرهم ونورُه صلعم مُشَعْشع(18) عليهم؟ فهم كانوا أَجْلَدَ على هذا الأمر وأقوى لبركة وجوده ╕ بينهم، ألا ترى إلى قول بعض الصَّحابة رضوان الله عليهم: ما نفضنا أيدينا مِن التراب حين دفنَّا رسول الله صلعم إلا ووجدنا النقص في قلوبنا؟ فعلى هذا فيتعيَّن رفع هذا الحرج فيمن يأتي بعدهم مِن باب(19) أَوْلى.
          وقد ورد عنه ╕ ما يبيِّن(20) هذا المعنى أتمَّ(21) بيان حين سأله أصحابه(22) رضوان الله عليهم حيث قالوا: فمن لم يستطع؟ قال: «أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، ونَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ» قالوا: فإن(23) لم يستطع؟ فعدَّد لهم حتَّى قال: «رَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْهُ» فعلى هذا فركعتا الضحى لمن لم يقدر(24) على شيء وعجز تجزئه(25) عن ثلاثمائة وستين صدقة: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:178] ولأجل ما فيها مِن(26) البركة قالت عائشة ♦(27): «لَوْ نُشِرَ لي أَبَوَاي(28) ما تركتُهما» فعلى هذا فركعتا الضحى تجزئ لمن عجز، ومَن قدر فالأمر له بقدر استطاعته: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].
          والمؤمن ينبغي له أن يكون في الدنيا نهَّابًا كما قيل(29): «يا بْنَ آدمَ الليلُ والنَّهارُ يَنْهَبانِ فِيْكَ فَانْهَبْ فِيْهِمَا» فالعقل والشرع يقتضي أنَّه مَن وجد السبيل إلى زيادة ذرَّة مِن فعل البرِّ مِن صدقة أو غيرها كان به أَوْلى وأرفع وأعظم، ولا تظنَّ أنَّ الصدقة محالة على هذا الأمر المحسوس مِن إنفاق الدرهم والدينار فالنفقة(30) عامَّة، فإن لم تكن الدرهم والدينار، كان اللِّسان، كانت العينان، كانت اليدان، كانت الرجلان، ألا ترى إلى ما أشار إليه(31) صلعم في هذا الحديث بِقَوْلِهِ: (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) فكلُّ هذه الأعضاء نفقتُها طاعةُ الله(32) تعالى بها، فاللسان صدقته ونفقته أشياء كثيرة منها: تلاوة كتاب الله تعالى، وقراءةُ حديث النبيِّ صلعم، ودرسُ العلوم، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وإرشادُ الضالِّ إلى غير ذلك وهو كثير، ثم كذلك في جميع الأعضاء وإنما ذكر(33) اللِّسان منها إشارة إلى باقيها(34) والله الموفق.
          قال(35) الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] وقوله ╕: «أكثر ما ينتهي السلام إلى البركات» والآي والأحاديث في ذلك أكثر، والصيغة معلومة مشهورة، والمجاز الذي تحرَّز مِنه ╕ هو ما كان بالواسطة أو بالكتب أو بالإشارة، فإنَّه سلامٌ لغة توسعة ومجازًا، والحقيقة ما ذكرنا وكذلك الكلام أيضًا عندهم حقيقيٌّ ومجازيٌّ، فما كان منه مشافهة فهو الحقيقي، وما كان بكتب أو إشارة أو بواسطة فهو المجازي، ولأجل هذا نَعَتَ تعالى كلامَه لموسى ╕ بالمصدر حيث قال: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164].
          الوجه الثاني: الصَّدقة، يحتمل أن يكون للذي يسلم، ومعنى الصدقة الأجر وهذا هو الظاهر والله أعلم، لأنَّ مساق الكلام يقتضي أنَّ الأجر للفاعل في السلام وفيما بعده مِن ألفاظ الحديث، ولأن الابتداء بالسَّلام جاء فيه مِن الخير كثير، ومِن جملة ما جاء فيه ما رُويَ «أنَّ عليًا ☺ لقي أبا بكر يومًا فلم يسلِّم عليه حتَّى سلَّم عليه أبو بكر ☺ فردَّ عليٌّ ☺ عليه السلام، وكان مِن عادته أن يبتدئه بالسلام إذا لقيه، فدخل أبو بكر ☺ على النبي صلعم فشكا له بعليٍّ، فإذا به ☺ داخلًا فسأله النبي صلعم : لِمَ لمْ تبتدئه اليوم بالسلام؟ فقال ☺: رأيتُ البارحةَ فيما يرى النائم قصرًا في الجنة لم أرَ مثله، قلتُ: لمن هذا؟ قيل: لمن يبتدئ أخاه بالسلام فأردتُ أن أؤثر أبا بكر به على نفسي».
          وقد جعله ╕ مِن الحقوق التي بين المسلمين، فقال: «مِنْ حَقِّ المؤمنِ عَلَى المؤمنِ أنْ يُسَلِّمَ عليهِ إذَا لقيه» واحتمل أن تكون الصدقة على الْمُسَلَّم عليه، ومعنى ذلك: أنَّه لَمَّا ابتدأه بالسلام تعيَّن عليه الردُّ وجوبًا، ومَن فعل الواجب كان مأجورًا، وقد قال ╕: «الدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» فكيف بمَن كان فيه سببًا كما فعل هذا، لأنه لولا ابتداؤه إياه بالسلام لم يكن ليحصل له أجر الرد، فبهذا التأويل تبيَّن أن الْمُسَلَّم عليه هو المتصدَّق عليه.
          الوجه الثالث: لفظ (الناس) في هذا الموضع يحتمل أن تكون الألف واللام فيه للعهد أو للجنس، فعلى التوجيه الأَوَّل فالألف واللام للعهد وهو الظاهر والله أعلم، لأنَّ السَّلام على الكفار ابتداءً لا يجوز، وعلى التوجيه الثاني فالألف واللام للجنس وهو بيِّنٌ، لأنَّ الردَّ على أهل الذِّمَّة بصيغة و(عليكم) هي السُّنَّة، ومن اتبع السُّنَّة كان مأجورًا، وذكره ╕ للناس على كِلا الوجهين تحرُّزٌ مِن سلام الملائكة، لأنَّ سلامهم رحمة، وتحرُّزٌ مِن سَلام الحق سبحانه على عباده، لأنه رحمة لقوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:59].
          الوجه الرَّابع(36): قَوْلُهُ ╕: (كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ / اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ) العدل هنا يحتمل وجوهًا:
          (الأَوَّل): أن يكون المراد به(37) الحكم بين المتخاصمَين وهذا خاصٌّ بالحكَّام.
          (الثَّاني): أن يكون مِن جهة الأحكام فيما(38) استُرعِي المرءُ عليه مِن ماله وأهله وعبيده وحواسِّه لقَوْله ╕: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
          (الثَّالث): أن يكون المراد به التَّفرقةَ بين الحقِّ والباطل، وإضافةَ كلِّ شيءٍ إلى جنسه، وهذا يعمُّ الوجهين المتقدِّمَين وغيرهما، مثل الوصايا والصُّلح بين النَّاس وغير ذلك على العموم.
          لكن يَرِد على هذا الفصل ثلاثة أسئلة:
          الأَوَّل: أن يقال: لِمَ ذكرَ هنا اليوم ولم يذكره(39) فيما قبل ولا فيما بعد؟
          الثَّاني: لِمَ ذكر طلوع الشَّمس وذِكْرُ اليوم يُغني عنه؟
          الثَّالث: لِمَ ذكر(40) النَّهار ولم يذكر الليل؟
          والجواب عن (الأَوَّل): أنَّه ╕ لـمَّا ذكر العدل، وهو التَّفرقة بين الحقِّ والباطل على ما مرَّ الكلام عليه، فذلك اليوم خير كلُّه أي: هو مأجورٌ فيه مِن أوَّله إلى آخره، لأنَّه إذا قام بالعدل فيه كان فيه(41) مأجورًا، وإن نام في بعضه واستراح(42) فكلُّ ذلك صدقةٌ، وخيرُ ما(43) يشهد لهذا ما حُكي عن معاذ حيث قال: ((وَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي(44) كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي)) فأجاز النَّبيُّ صلعم له ذلك وأقرَّه عليه، لأنَّ(45) النَّوم له إعانةٌ على القيام بالعدل.
          والجواب عن (الثَّاني) مِن وجهين:
          الأَوَّل: / أنَّه إنَّما ذكر طلوع الشَّمس، لأنَّ النَّهار لغةً(46): مِن وقت(47) طلوعها. وشرعًا(48): مِن طلوع الفجر للصَّائم، فأراد ╕ أن يبيِّن أنَّه أراد(49) اليوم اللغوي، لأنَّ عليه تتقرَّر الأحكام(50)، لكون(51) تصرُّف النَّاس في غالب أمرهم(52) إنَّما هو مِن وقت طلوعها وعند التَّصرف يكون الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وهو العدل المشار إليه(53).
          الثَّاني: أن يكون ╕ تحرَّز بذكر(54) طلوع الشَّمس مِن اليوم الذي لا تطلع(55) فيه حتَّى تطلع بَعد الغد(56) مِن مغربها، وذلك اليوم لا يُقبَل فيه(57) العمل، لأنَّ ذلك هو المراد بِقَوْلِهِ تعالى: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:158] لأنَّ ذلك وقت المعاينة، والإيمانُ والعملُ الذي ينفع معه إنَّما هو ما(58) كان بالغيب، وأمَّا مع المعاينة فلا، وقد آمن(59) فرعون حين رأى البلاء(60) قد حلَّ به وهو الغرق، فلم(61) ينفعه إذ ذاك لأجل أنَّه ما آمن حتَّى عاين.
          واليوم الذي تبقى الشَّمس لا تطلع فيه، قد أخبر به ╕ وجعله عَلَمًا على قيام السَّاعة، وجعله مِن الآيات الكبار الدَّالة على قيامها، فأخبر(62) أنَّ الشَّمس تأتي في(63) كلِّ ليلةٍ إلى موضع تحت العرش حيث قُدِّر لها، فتسجد هناك وتبقى ساجدةً ما شاء الله، فيؤذن لها في القيام والطُّلوع مِن موضعها الذي تَعهد، ثمَّ يأتي القمر كذلك، فيسجد فيبقَى ساجدًا ما شاء الله، ثمَّ يؤذن له في الرَّفع والطُّلوع مِن موضعه الذي(64) يَعهد(65)، فهما كذلك(66) لا يجتمعان حتَّى إلى تلك(67) الليلة، فتأتي الشَّمس فتسجد فينصرم الليل ولا(68) يؤذَن لها في الرَّفع(69) فتبقى على حالها، فيأتي القمر على عادته فيجدُها / هناك فيسجد هو أيضًا، ويبقى كذلك ما شاء الله ثمَّ يؤذَن لهما بالرفع(70) وأن يَطلُعا معًا مِن مغربهما، فمَن كان عنده في(71) ذلك الوقت إيمانٌ فهو السَّعيد، ومَن كان عَرِيًّا عنه فقد خسر الخسران المبين، لأنَّه ما بعد المعاينة إلَّا الثواب لأهل الإيمان والأعمال، والطَّرد لأهل الكفر والعناد.
          والجواب عن (الثَّالث)(72): أنَّه ╕ إنَّما ذكر اليوم ولم يذكر الليل، لأنَّ الليل جُعل للنَّوم، وجُعل النَّهار للتَّكسُّب والمعاش وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا. وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ:10 -11] فلمَّا أن(73) كان الليل للنَّوم في الأغلب أو للتَّهجد(74) للموفَّقين لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] سكت عنه ╕، إذ ليس فيه إلَّا هذان الفعلان غالبًا(75)، وذكر النَّهار لكونه فيه التَّكسُّب فيُحتاج فيه إلى العدل، وإن احتيج إلى إقامة(76) العدل بالليل مِن نصر مظلوم وأداء(77) حقٍّ فذلك نادرٌ، والنَّادر لا يُرَاعى حتَّى يُحتاج إلى ذكره، وإن وقع فهو مَقِيسٌ على العدل بالنَّهار. فترك ذِكرَه بلاغًا(78) في(79) الاختصار مع حصول الفائدة فيهما معًا.
          الوجه الخامس(80) مِن البحث المتقدِّم: قَوْلُهُ ╕: (وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أو يَرفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ(81)) يحمل أو يرفع / شكٌّ مِن الرَّاوي في أيِّهما قال ╕ والكلام عليه مِن وجهين:
          الأَوَّل: أنَّ المتاع والدَّابة لشخصٍ واحدٍ، لكن عجز عن رفع متاعه(82) على دابته فكانت الإعانة له(83) سببًا لتبليغ متاعه على ظهر دابَّته، فحصل له الأجر على مشاركته له في هذا(84) المقدار اليسير.
          الثَّاني: إنَّه ليس على العموم، والكلام فيه مِن ثلاثة أوجه: في الحامل، والمحمول(85)، والمحمول عليه.
          أمَّا الحامل: فهو أن يجتنب فيه أن لا يكون ظالمًا ولا بِدْعيًّا ولا فاسقًا وما أشبههم، لأنَّ هجرتهم واجبةٌ(86) فلا تجوز إعانتهم.
          وأمَّا المحمول: فهو أن يجتنب فيه(87) مِن حمل خمر أو متاع مغصوب أو ما(88) أشبه ذلك، لأنَّ المعين لذلك كالفاعل له(89)، لأنَّه ╕ قد لعنَ شاربَ الخمرِ وحاملَها وشاهدَها، وكذلك سائر الممنوعات.
          وأمَّا المحمول عليه: فهو أن لا يُكلَّف ما لا يطيق، لأنَّ الإعانة على ذلك لا تجوز.
          الوجه السَّادس(90) مِن البحث الأَوَّل: قَوْلُهُ ╕: (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) الكلمة الطَّيبةُ هنا احتملت وجهين:
          إن كان المراد بها إدخالَ السُّرور على المتكلِّم(91) معه فليست على العموم لِمَا جاء: (إِنَّ الرَّجُلَ يتكلَّمُ بالكلمةِ لِيُضْحِكَ بِهِا أَهْلَهُ لَا يُبَالِي بِهَا(92) يَهْوى بِهَا(93) في النَّارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفًا) ومثل ذلك(94) اليوم كثيرٌ لِتَمَلُّقِ بعضهم لبعض في الظَّاهر وبغض بعضهم لبعض(95) في الباطن(96)، وقد أخبر بذلك(97) ╕ حيث قال: «يأتي آخرَ(98) الزَّمَانِ أَقْوامٌ أصدقاءُ العلانيةِ، أعداءُ السَّريرةِ» / قالوا: وكيف يكون ذلك(99)؟ قال: «ذَلِكَ بِرَغْبَةِ(100) بَعْضِهِمْ لِبَعْض، ورهبةِ بَعْضِهِمْ منْ بَعْض(101)» فهذا وما أشبهه ممنوعٌ وإن كان المراد بها في ذاتها فتكون طيِّبة على مقتضى لسان العلم.
          الوجه السَّابع(102): قَوْلُهُ ╕: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ) ظاهر الحديث(103) أنَّه معارضٌ لقَوْله ╕: «يُكْتَبَ لهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ، وتُمْحَى عَنْهُ بالأخرى سيئةٌ» يعني: بالخُطَا(104) إلى المساجد، لكن إن وقع التحقيق في النظر في معناهما فهما لا يتنافيان(105)، إذ إنَّ الصدقة(106) إنَّما هي عبارة عن كسب الحسنة(107)، ولا تُمْحَى السيئة إلا بكسب الحسنة لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] فالحسنة التي تُكْتَسَبُ في الخطوة الواحدة تَذهَب بالسيئة.
          وقد اختلف العلماء هل محو السيئات محسوسة أو معنوية؟ على قولين: فمَن قال بالمحسوس: ذهب إلى أنَّ السيئات تُمحى مِن السِّجِلِّ حتَّى يأتي صاحبها يوم القيامة فلا يجدها، ومَن قال بالمعنوي: ذهب إلى أنَّها باقية في السِّجِلِّ لكن إذا جُعِلَتْ في كِفَّةٍ والحسنات في كِفَّةٍ فتساوت فلم يبقَ عليه في السيئات عقاب فكأنها مَمْحُوَّة، لأنَّ(108) عقابها سقط، وهذا هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] فلو مُحِيَتْ بالحسِّ على ما ذهبت(109) إليه الطائفة الأولى لم يبق ما يوزن.
          الوجه الثامن(110): قَوْلُهُ ╕: (وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) والكلام / عليه مِن وجهين: في الإماطة، وفي الأذى، فالإماطة بمعنى الإزالة، والأذى: هو كلُّ ما يُتَأذَّى منه(111) في الطريق فيكون الذي يزيله مأجورًا فيه دقَّ أو جَلَّ.
          ومثل ذلك ما روى مالك في «موطئه» عن النبي صلعم : «أنَّ رَجُلًا أَمَاطَ شَوْكَةً عَنِ(112) الطَّرِيْقِ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
          التاسع: في الحديث تنبيه(113) معنوي، لأنَّه إذا كنت مطلوبًا بهذا فحسبك(114) به شغلًا ولهذا المعنى(115) قال ╕: «كَفَى بِالعِبَادة شُغلًا» لأنَّ مَن لم ينفرد لهذا الشأن فاته مِن الخير كثير، ولهذا المعنى(116) انقطع أهل التحقيق للعبادة(117)، لأنَّ نظرهم إلى هذه الأشياء وتتبعها لا يسعهم معها غيرها وهي طريق السعادة، والله الموفق.


[1] في (م): ((والله الموفق للصواب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم)). وفي (ج): ((قوله ╕)).
[2] في (ج): ((كل سلامى من الناس عليه صدقة... الحديث)). وزاد في (م): ((ويعين الرجل على دابته صدقة فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة وكل خطوة يخطو بها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة)).
[3] قوله: ((من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[4] في (م): ((على أن كل من فعل خصلة من الخصال المذكورة فيه فهو له صدقة والكلام)).
[5] في (ج): ((ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى أنَّ من فعل خصلة من هذه الخصال المذكورة فيه فهو له صدقة، والكلام عليه من وجوه)).
[6] قوله: ((الوجه)) زيادة من (ج) على النسخ.
[7] قوله: ((من الناس عليه صدقة. لفظ)) ليس في (ج).
[8] في (م): ((الأول لفظ السلامى السلامى)).
[9] قوله: ((يقول)) ليس في (م).
[10] قوله: ((على)) ليس في (م).
[11] في (م): ((ثلاثمئة وستين عضوا وهذا)).
[12] في (م): ((لأنه)).
[13] قوله: ((وهو ثلاثمائة وستون صدقة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (م): ((لقوله)).
[15] في (ج): ((فذلك))، و في (م): ((وكذلك)).
[16] زاد في (م): ((من)).
[17] في (ط): ((تثبتهم)).
[18] في (م): ((يسطع)).
[19] قوله: ((من باب)) ليس في (م).
[20] في (م): ((ما بين)).
[21] قوله: ((أتم)) ليس في (م).
[22] في (م): ((الصحابة)).
[23] في (م): ((فمن)).
[24] في (ط): ((لمن يقدر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[25] في (ط) و (م): ((تجزئ)) والمثبت من (ج).
[26] زاد في (م): ((هذه)).
[27] في (م): ((رضوان الله عنهما)).
[28] في (ط): ((أبوابي)) وخطأه ظاهر، والمثبت من النسخ الأخرى.
[29] في (م): ((قال)).
[30] في (م): ((والنفقة)).
[31] قوله: ((إليه)) ليس في (م).
[32] في (م): ((لله)).
[33] في (ج) و (م): ((ذكرت)).
[34] في (ط): ((ما فيه))والمثبت من النسخ الأخرى.
[35] من قوله هنا: ((قال)) إلى قوله: ((الوجه الرابع)) وهي قرابة العشرين سطراً ليس في (ج) و (م).
[36] في (ج) و (م): ((الثاني)).
[37] قوله: ((به)) ليس في (م).
[38] في (م): ((فيها)).
[39] في (م): ((يذكر)).
[40] في (م): ((يذكر)).
[41] قوله: ((كان فيه)) ليس في (ج).
[42] في (م): ((وإن نام فيه واستراح)).
[43] قوله: ((ما)) ليس في (ج) و (م).
[44] في (م): ((نومي)).
[45] في (م): ((وسلم ذلك له وأقره لأن)).
[46] قوله: ((لغة)) ليس في (م).
[47] في (ج): ((لأنها النار لغة ومن وقت)).
[48] في (ج) و(م): ((واليوم)).
[49] قوله: ((أراد)) ليس في (م).
[50] قوله: ((لأنَّ عليه تتقرر الأحكام)) ليس في (ج) و (م).
[51] في (م): ((لكي)).
[52] في (ج): ((أمورهم))، وقوله بعدها: ((إنما)) ليس في (م).
[53] قوله: ((لكون تصرف الناس في غالب أمرهم إنما هو من وقت طلوعها وعند التصرف يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو العدل المشار إليه)) زيادة من (ج) على النسخ.
[54] في (م): ((تحرز من ذكر)).
[55] في (ج): ((يطلع)).
[56] قوله: ((الغد)) ليس في (ج).
[57] في (م): ((لا تطلع فيه الشمس حتى تطلع معه من مغربها اليوم الذي لا يقبل الله فيه)).
[58] في (م): ((بما)).
[59] في (م): ((المعاينة فلأن قد آمن)).
[60] قوله: ((البلاء)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[61] في (ج): ((فلا)).
[62] في (م): ((وأخبر)).
[63] قوله: ((في)) ليس في (م).
[64] قوله: ((الذي)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[65] قوله: ((الذي يعهد)) ليس في (م).
[66] في (ج): ((لذلك)).
[67] في (م): ((فهما كذلك يجتمعان إلى تلك)).
[68] في (م): ((فيصرم الليل فلا)).
[69] في (ط): ((الرفوع)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[70] في (ط): ((بالرفوع)) وفي (م): ((في الرفع))، والمثبت من (ج).
[71] في (ج): ((من)).
[72] في (ج): ((والجواب عن ذلك)).
[73] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[74] في (ج): ((والتهجد)).
[75] قوله: ((غالباً)) ليس في (ج)، وفي النسخ: ((هذين الفعلين)) والمثبت هو الصواب وهو مطابق للمطبوع.
[76] في (ج): ((قيام)).
[77] في (م): ((أو أداء)).
[78] في (ج) و (م): ((إبلاغاً)).
[79] زاد في (م): ((الإيضاح و)).
[80] في (ج) و (م): ((الوجه الثالث)).
[81] في (ط): ((فيحمل عليها متاعه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[82] في (ج) و (م): ((المتاع)).
[83] في (ط): ((إليه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[84] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[85] قوله: ((والمحمول)) ليس في (ط) و(ج) والمثبت من (م).
[86] في (ج) و (م): ((أن يكون ظالماً أو بدعياً أو فاسقاً ومن أشبههم لأنَّ هجرانهم واجب)).
[87] زاد في (ج): ((أن)).
[88] في (م): ((و ما)).
[89] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[90] في (ج) و (م): ((الوجه الرابع)).
[91] زاد في (م): ((هو)).
[92] زاد في (م): ((أن)).
[93] قوله: ((بها)) ليس في (ج).
[94] في (م): ((هذا)).
[95] قوله: ((الظاهر وبغض بعضهم لبعض)) ليس في (ط) والمثبت من (ج).
[96] قوله: ((وبغض بعضهم لبعض في الباطن)) ليس في (م).
[97] قوله: ((بذلك)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[98] في (ج) و (م): ((يأتي في آخر)).
[99] قوله: ((ذلك)) ليس في النسخ والمثبت من مسند أحمد، ولفظه في المسند: ((إخوان العلانية)) بدل: ((أصدقاء العلانية)).
[100] في (ج): ((الرغبة)) وفي (م): ((لرغبة)).
[101] في (م): ((بعضهم لبعض)).
[102] في (ج) و (م): ((الوجه الخامس)).
[103] في (ج) و (م): ((ظاهر هذا)).
[104] في (ج) و (م): ((في الخطا)).
[105] في (م): ((ينافيان)).
[106] صورتها في (م): ((المصدقة)).
[107] قوله: ((الحسنة)) ليس في (م).
[108] في (ج) و (م): ((إذ)).
[109] في (م): ((ذهب)).
[110] في (ج) و (م): ((السادس)).
[111] في (ط): ((به))والمثبت من النسخ الأخرى.
[112] في (ط): ((من)).
[113] في (ج): ((السابع في الحديث تنبيه))، وفي (م): ((الوجه السابع في الحديث وجه)).
[114] في (م): ((كنت مطلوبها فحسبك)).
[115] قوله: ((المعنى)) ليس في (م).
[116] قوله: ((المعنى)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[117] في (م): ((إلى العبادة)).