بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: تزوج رسول الله ميمونة وهو محرم

          198-قوله: (تَزَوَّجَ النَّبيُّ صلعم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ...(1)). الحديث.(2) [خ¦4258]
          ظاهر الحديث(3) يدلُّ على جواز نكاح(4) المحُرِم، وليس الأمر على ظاهره، لأنَّه صلعم نهى عن نكاح المحُرِم، وإنَّما ذكر أهل العلم في هذا الحديث أنَّ النَّبي صلعم (5) وكَّل وهو حلالٌ مَن يعقِد نكاحه معها ♦، فإنَّها كانت خرجت برسم الحجِّ قبل خروج النَّبي صلعم، وكان توكيل(6) النَّبي صلعم لمن يعقد نكاحه معها وهو بالمدينة قبل خروجه للحجِّ أيضًا، فخرج مَن وكَّله على ذلك وعقد النِّكاح بعد إحرام النَّبي صلعم.
          فالذي رأى ذلك رَوَى(7) ما رأى، ولم يكن عنده علم بالتَّوكيل في ذلك، وهذا ليس يَقدح في الرِّواية، لأنَّه روى ما رأى كما فعل في إحرامه صلعم.
          فبعض النَّاس روى أنَّه ╕ أحرم(8) مِن المسجد، وبعضهم روى أنَّه أحرم حين استوت به راحلته، وبعضهم روى أنَّه أحرم حين توسَّط البيداء، فشقَّ ذلك على بعض السَّادة وقال: حَجةٌ واحدةٌ(9)، واختلف الناس في ذلك.
          فقال ابن عبَّاس وهو راوي هذا الحديث: أنا أُزِيل لكم هذا الإشكال كنت معه ╕، فأحرم مِن المسجد، فمَن كان(10) هناك روى / ما سمع، ثمَّ خرج وخرجت معه فلمَّا استوى على راحلته لَبَّى، فمَن كان هناك روى ما سمع، ثمَّ مشى ومشيت معه، فلمَّا توسَّط البيداء والناس أمامه وخلفه ويمينه ويساره مدَّ البصر، أحرم ولبَّى(11)، فمَن كان هناك روى ما سمع فالكلُّ قالوا حَقًّا.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الشَّاهد إنَّما(12) يشهد بما رأى أو علم، ولا يلزمه علم ما خفي مِن الأمر(13)، يؤخذ ذلك مِن كون الصَّحابي روى ما(14) رأى، ولم يكن له علم بما بطن(15) مِن الأمر كما ذكرنا، يؤيِّد هذا(16) قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف:81](17).
          وهنا بحث وهو أنْ يقال: ما الفائدة مِن(18) إخباره بأنَّها ماتت بِسَرِف وهو موضع بين مكَّة والمدينة؟ فهو إيضاح حال ليكون تصديقًا لِمَا به أخبر، فإنَّه(19) أخبر بزواجها ودخول الرَّسول صلعم بها وهو حلال، وموتها بعد ذلك(20) بسَرِف قبل بلوغها إلى المدينة(21)، فمَن يعرف هذه الجزئيات فهو صادق فيما أخبر به.
          ويترتَّب عليه مِن الفقه أنَّه ينبغي للمخبر بالأشياء أنْ يأتي مِن الدَّلائل(22) على تصديقه بما أمكنه، فإنَّ ذلك دالٌّ على تحرُّزه في النَّقل والإخبار، وأرفعُ / لتُهمة المتعرِّض(23) السَّيِّء الظَّنِّ.
          وفيه دليلٌ: على جواز الزَّواج(24) في السَّفر والدُّخول بالأهل فيه، يؤخذ ذلك مِن إخباره أنَّه ╕ دخل بها وهو حلال، وذلك في سفره ╕ إلى الحجِّ ورجوعه منه قبل دخوله(25) المدينة.


[1] قوله: ((وهو محرم)) ليس في (ج). وقوله: ((الحديث)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[2] قوله: ((الحديث)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[3] قوله: ((ظاهر الحديث)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[4] قوله: ((نكاح)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[5] زاد في (ج): ((نهى عن نكاح المحرم وإنَّما ذكر أهل العلم في هذا الحديث أن النبي صلعم)).
[6] في (ج): ((توكل)).
[7] في (ج): ((ردني)).
[8] في (ج): ((يعرف)).
[9] قوله: ((فشقَّ ذلك على بعض السَّادة وقال حَجةٌ واحدةٌ)) ليس في (ج) و (م).
[10] قوله: ((كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[11] في (ج): ((البصر لبى)) وفي (م): ((مد البصر ولبى)).
[12] قوله: ((إنَّما)) ليس في (ج).
[13] في (م): ((الأثر)).
[14] في (ج): ((لما)).
[15] في (م): ((يظن)).
[16] في (ج): ((ذلك)).
[17] في (ط) في هذا الموضع هناك هامش غير كامل، فيه اقتطاعات كثيرة من طرف الصحيفة، وبدايته: ((وفيه دليل على فضل هذه السيدة، ومكانتها عند.....، يؤخذ ذلك من قوتها....)).
[18] في (ج) و (م): ((في)).
[19] قوله: ((به أخبر فإنه)) ليس في (م).
[20] قوله: ((بعد ذلك)) ليس في (ج) و (م).
[21] قوله: ((قبل بلوغها إلى المدينة)) ليس في (ج) و (م).
[22] في (ج): ((بالدلائل)).
[23] في المطبوع: ((المعترض)).
[24] قوله: ((الزواج)) في (م) ليست واضحة.
[25] في (ج): ((دخوله)).