بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا...

          197- قوله: (إنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ...) الحديث. [خ¦4244]
          ظاهر الحديث يدلُّ على منع التَّفاضل بين النَّوعين مِن التَّمر، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: أنْ يُقال: هل هذا خاصٌّ بالتَّمر أو هو في كلِّ مطعومٍ إذا كان مِن جنس واحدٍ؟ لأنَّ العلَّة التي في التَّمر إذا اختلفت أجناسه موجودة في غيره مِن المطعوم إذا كان مِن جنس واحد؟(1)
          والجواب: أنَّه في كلِّ مطعومٍ إذا كان مِن(2) جنسٍ واحدٍ(3)، لأنَّ العلَّة التي في التَّمر إذا اختلفت أجناسه موجودة في غيره مِن المطعوم، إذا كان مِن جنسٍ(4)، لأنَّ الاسم يجمعهم(5)، فالتَّفاضل فيها ممنوعٌ، مثل الزَّبيب أحمرُه وأسودُه وجيِّدُه ورديئُه، الاسم يجمعه فلا يمكن التَّفاضل بين أجناسه، وكذلك غيره مِن المطعومات إذا كان مِن جنسٍ واحدٍ لوجود العلَّة فيه.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ الشَّيء الفاسد إذا وقع ولم(6) يعرف صاحبه لا يفسخ، يؤخذ ذلك مِن نهيه ╕ فيما يستقبل أنْ قال له: (لَا تَفْعَلْ) ولم يأمره بردِّه، لأنَّه قد جمعه مِن مواضع مختلفة، / واختلط الجميع وبقي الاحتمال في أنَّه لا يعرف(7) ما صنع به، فما كان فيه الفساد فالقطع أنَّه لا يتناول هو(8)(9) منه شيئًا، والظَّاهر تفريقه للمساكين، وقد قال ╕ للسعدَين(10) حين باعا آنيةً مِن الفضَّة(11) مِن المغنمِ مِثلًا بمثلين: «رُدَّا فقد أربيتما»، لأنَّ صاحبهما كان معروفًا فالفسخُ ممكن فأمرهما به.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ من وظيفة(12) الآمر أنْ يسأل عمَّاله(13) عن تصرُّفهم حتَّى يعلم كيف هو؟ وكذلك يلزم كل مَن استناب أحدًا(14) يتصرَّف له في شيءٍ حتَّى يعلم ببراءة ذمَّته منه(15)، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕ حين أتوه بالتَّمر: (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟) فلولا ما سأل ╕ حين أتوه بالتَّمر(16) ما كان يعلم بهذا(17) الذي وقع.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ أكل الطَّيِّب لا يقدح في الزُّهد، يؤخذ ذلك مِن أنَّ سيِّدنا صلعم أزهد البريَّة بلا شكٍّ(18)، وهذا عاملُه قد ساق له الطَّيِّب مِن التَّمر، ولم ينهه عن ذلك، وإنَّما نهاه عن الرِّبا، وزاد ذلك تأكيدًا أعني في جواز أكله أنْ قال ◙ له: (بِـعِ الْجَمْعَ(19) بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا(20)) فأمره بشراء الطَّيِّب.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ مِن السنَّة حُسن التَّعليم، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕ لعامله: (لَا تَفْعَلْ(21)) ولم ينتهِره.
          وفيه دليل: على أنَّ(22) تنفيذ الحكم لا يكون إلَّا بعد تحقيق موجبه، يؤخذ ذلك مِن(23) سؤاله ╕(24) قبل نهيه / بقوله: (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟) وهو صلعم يعلم أنَّ تمر خيبر ليس على صفةٍ واحدةٍ، فلم يقتنع بعلمه في تمر خيبر حتَّى سأل مِن أجل الاحتمال، لعلَّ العامل باع ذلك على وجه يجوز واشترى هذا، أو غير هذا(25) مِن الاحتمالات.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ رؤية ما يعرف(26) على صفة لا(27) تعرفها توجب السُّؤال عن(28) موجب التَّغيير، يؤخذ ذلك مِن أنَّ سيِّدنا صلعم لمَّا رأى التَّمر على خلاف ما يعرف سأل.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ حسن السُّؤال مِن السنَّة، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕: (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟) فهذا(29) اختصار في اللفظ، وغاية في حقيقة كشف الأمر.
          وفيه دليلٌ: على جواز القَسَم في دَرْج الكلام، وهو الذي يسميه بعض العلماء: لغو اليمين، يؤخذ ذلك مِن قوله: (لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ) ولم ينكر عليه النبيُّ(30) صلعم ذلك.
          وفيه دليلٌ: على أنَّ ذكر اسم العالم عند ردِّ الجواب عليه(31) عن ما سأل من الإكرام له، يؤخذ ذلك مِن قوله: (لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ)، فقد حصل بقوله: (لَا وَاللهِ) ردُّ الجواب، وما بقي ذكر اسمه ╕ إلَّا إعظامًا(32) له وتبرُّكًا به.
نطقي بذكركم أُنسي، ورؤيتكم                      غايتي والمنا ويحلو لفظي بكناكم(33)
          والصلاة عليك مِن الله رحمة لنا(34). /


[1] قوله: ((لأنَّ العلَّة التي في التَّمر إذا... إذا كان من جنس واحد)) ليس في (م).
[2] في (م): ((في)).
[3] قوله: ((والجواب: أنَّه في كلِّ مطعومٍ إذا كان من جنسٍ واحدٍ)) ليس في (ج).
[4] زاد في (ج) و (م): ((واحد)).
[5] في (ج) و (م): ((يجمعها)).
[6] في (ج): ((لم)).
[7] في (ج): ((نعرف)).
[8] في (ج): ((الفساد لا يتناوله)).
[9] العبارة في (م): ((ما صنع به فما فيه الفساد لا يتناول ◙)).
[10] في (ج): ((لك سعدين))، وفي (ط): ((للمستعدين)) والمثبت من (م).
[11] في (ج) و (م): ((فضة)).
[12] في (ط): ((وصيفة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[13] في (ط): ((عن ماله)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (ج): ((أحد)).
[15] قوله: ((منه)) ليس في (ج) و (م).
[16] قوله: ((حين أتوه بالتمر)) ليس في (ط) و(ج) والمثبت من (م).
[17] زاد في (ج) و (م): ((الفاسد)).
[18] قوله: ((بلا شك)) ليس في (ج) و (م).
[19] في (ط) و(ج): ((الجميع)) والمثبت من (م).
[20] في (ج): ((جنينا)).
[21] في (ج): ((لعاملها تفعل)).
[22] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[23] قوله: ((من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[24] زاد في (م): ((لعامله))، وزاد في (ج): ((العاملة)).
[25] في (ط) و(ج): ((ذلك)) والمثبت من (م).
[26] في (ج): ((تعرف)).
[27] في (ج): ((ما)).
[28] في (ج): ((عنه)).
[29] في (ج): ((فهو)).
[30] زاد في (ج) و (م): ((النبي)). كالاصل.
[31] زاد في (ج) و (م): ((عليه)).كالاصل.
[32] في (ج): ((عظاما)).
[33] قوله: ((بكناكم)) ليس في (ج)، وزاد في (ط): ((كفاتح الصلاة)) والمثبت من النسخ الأخرى. وفي المطبوع: ((بكنايتكم)).
[34] في (م): ((عليك من رحمة لنا)).