بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: تسحرنا مع رسول الله ثم قام إلى الصلاة

          88- (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ(1): تَسَحَّرْنَا مَعَ رسولِ اللهِ صلعم...(2)) الحديثُ. [خ¦1921]
          ظاهرُ الحديثِ يفيدُ بأنَّ تأخيرَ السحورِ من السُّنَّةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم تسحَّرَ وكانَ بينَه وبينَ الفجرِ قَدْرُ قراءةِ(3) خمسينَ آيةً، وإنما فعلَ ذلكَ صلعم لأنَّه ◙ كانَ أبدًا ينظرُ ما هو أرفقُ لأمتِه فيعملُ عليهِ لطفًا منهُ بهم، وسحورُه ◙ مِن جملةِ الألطافِ بهم؛ لأنَّه لو لم يتسحَّرْ لكانَ أبدًا أهلُ الفضلِ مِن أُمَّتِه لا يتسحَّرونَ لاتِّباعِهم لهُ، فقدْ يكونُ على بعضِهم في ذلكَ مشقةٌ؛ لأنَّه(4) ليسَ كلُّ الناسِ يقدِرُ على ذلكَ.
          وكذلكَ أيضًا لو تسحَّرَ في جوفِ الليلِ لكانَ عليهم في ذلكَ شيءٌ آخرُ، وذلكَ أنَّ المرءَ إذا / أكلَ(5) في جوفِ الليلِ فالغالبُ عليهِ أنَّهُ ينامُ بعدَ الأكلِ وليسَ كلُّ الناسِ يقدِرُ على السهرِ، والنومُ عقيبَ الأكلِ فيهِ ضررٌ كثيرٌ على البدنِ؛ لأنَّ بخاريةَ الطعامِ تطلعُ إلى الدماغِ فيتولَّدُ مِن ذلكَ علَّةٌ أو مرضٌ، ولو سهرَ الإنسانُ مِن وقتِ أكلِه وكانَ الأكلُ في جوفِ الليلِ لوجدَ بذلكَ مُجاهدةً؛ لأنَّ الأكلَ والشربَ يستدعيانِ(6) النومَ فيكونُ ذلكَ سببًا إلى أنْ يكونَ النومُ يستدعيه(7) في وقتِ الحاجةِ إلى العبادةِ وهو وقتُ صلاةِ الصبحِ، وربَّما يغلبُ عليهِ النومُ مِن أجلِ ثقلِ الطعامِ الذي يكونُ في المعدةِ والبخاريَّة التي تطلعُ إلى الرأسِ، فإذا كانَ كذلك فقدْ يضربُ بهِ النومُ عن صلاةِ الصبحِ فيكونُ الأكلُ في ذلكَ الوقتِ سببًا إلى إيقاعِ الصبحِ فذًّا في غيرِ وقتِها المختارِ سيَّما في صلاةِ الصبحِ الذي(8) المُستحَبُّ التغليسُ بها، وإنْ هوَ لم ينمْ فإنهُ يجدُ مجاهدةً في وقتِ الصلاةِ بالنومِ، والمطلوبُ في الصلاة(9) الحضورُ بالقلبِ، فإذا كانَ يجاهدُ النومَ لم يتأتَّ(10) لهُ معَ ذلكَ حضورٌ.
          فلأجلِ هذهِ المعانِي وغيرِها(11) أَخَّرَ صلعم السحورَ إلى قريبٍ منَ الفجرِ؛ لأنَّ المرءَ إذا تسحَّرَ في ذلكَ الوقتِ لم يبقَ بينَه وبينَ الصلاةِ إلا قدرَ ما يأخذُ أُهبتَها، فكانَ ذلكَ سببًا إلى إيقاعِ الصلاةِ بحضورٍ؛ لأنهُ ليسَ معهُ في ذلك الوقتِ ما يزيلُ عنهُ ذلكَ؛ لأنَّ الصلاةَ وقعَتْ عقيبَ الأكلِ، وإنما يقعُ التشويشُ بالأكلِ مِن جهةِ النومِ بعدَ الأكلِ / بزمنٍ يسيرٍ بقدرِ ما تطلعُ بخاريةُ الطعامِ إلى الرأسِ.
          ثمَّ إنَّهُ إذا أوقعَ(12) الصلاةَ بعدَ أكلِه دخلَ في النهارِ فاشتغلَ بما لهُ مِن(13) الضروراتِ(14) والأورادِ عنِ النومِ، ويحصلُ لهُ بذلكَ فائدةٌ أُخرى؛ وهوَ: تركُه للنومِ بعدَ الأكلِ، وتركُ النومِ زيادةٌ في العمرِ؛ لأنَّ النومَ هو الوفاةُ الصُّغرى(15)، وقد قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام:60]، فجعلَ النومَ وفاةً، والعاقلُ مهما قدرَ على الزيادةِ في عمرِه(16) ولو بنَفَسٍ واحدٍ فعلَ(17)، وذلكَ أنَّ التاجرَ أبدًا عندَ الناسِ لا يُقَالَ لهُ: تاجرٌ حتى يكونَ أبدًا يحافظُ(18) على رأسِ مالِه ويكونَ عارفًا بالتجارةِ.
          والتاجرُ الحقيقيُّ هو المؤمنُ؛ لأنَّهُ يتَّجِرُ فيما يبقى، وهؤلاءِ(19) يتَّجِرون فيما يفنى، والمؤمنُ(20) رأسُ مالِه(21) عُمرُه فيحتاجُ أنْ يُحافظَ عليهِ، وحينئذٍ يطلبُ الربحَ؛ لأنَّ التاجرَ أبدًا يحافظُ على رأسِ المالِ، فإذا حضرَ لهُ رأسُ المالِ وحينئذٍ ينظرُ في الربحِ، والمؤمنُ كذلكَ يُحافظُ على رأسِ مالِه الذي هوَ عمرُه(22) فيحذَرُ مِن كثرةِ النومِ(23) والغفلاتِ، فإذا احترزَ مِن ذلكَ بادرَ إلى الكسبِ بالأعمالِ الصالحاتِ، وقدْ أخبرَ ╡ في كتابِه بأنَّهم همُ التجَّارُ حقًّا بِقَولِهِ تَعَالَى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(24) الآية [الصف:10] إلى آخرِها.
          ولا شكَّ أنَّ مَن فازَ بالجنانِ ونجا مِنَ النارِ وحصلتْ لهُ المغفرةُ من العزيزِ الغفَّارِ أنَّ ذلكَ هو أربحُ الرابحينَ، وقد أوحَى اللهُ ╡ إلى داودَ ◙ في الزَّبور:ِ ((يَا داود مَنْ تَاجَرَنِي فَهُو أَرْبَحُ الرَّابِحِيْنَ(25)))، فإذا لم يتحرَّزِ المرءُ في يقظتِهِ مِن كثرةِ / الغَفَلاتِ فهو كالنائمِ سواءٌ، لِقَولِهِ ◙ : «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ(26)» [خ¦6407]، فشبَّهَهُ بالميتِ وإن كانَ مستقيظًا لأجلِ أنَّ وقتَه عَرِيَ عن عبادةِ ربِّه فيكونُ رأسُ مالِه يتبدَّدُ وهو لا يشعرُ حتَّى ينفدَ، فإذا نفدَ(27) انتبهَ لحالِه وقَالَ: {ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] قيلَ لهُ: {كَلَّا} [المؤمنون:100].
          وأمَّا مَن نامَ أوَّلَ الليلِ للحاجةِ التي لا بدَّ للبشرِ منها فصاحبُ ذلكَ النومِ في عبادةٍ وخيرٍ، فنومُه وصلاتُه وذِكرهُ على حدٍّ واحدٍ في الأجرِ.
          يشهدُ لذلكَ قصةُ الصحابيَّينِ _وهُما: معاذُ وأبو موسى الأشعريُّ_ لمَّا أنْ(28) أرسلَهما النَّبِيُّ صلعم يُعلِّمانِ الناسَ الدِّينَ ويقرِّرانِ الأحكامَ، فمضَيا إلى ذلكَ ثمَّ اجتمعا فسألَ(29) أحدُهما الآخرَ عن حالِه، فقَالَ أبو موسَى الأشعريُّ: أقرأُ القرآنَ قائمًا وقاعدًا وماشيًا ومُضطجِعًا ولا أنامُ، وقَالَ معاذٌ: أنامُ أوَّلَ الليلِ وأقومُ آخرَهُ واحتسبُ نَومتي كما أحتسِبُ قومَتي، فلمْ يسلِّمْ أحدُهما للآخرِ حتَّى أتيَا النبيَّ صلعم فذكرا لهُ(30)، فقَالَ رسولُ اللهِ صلعم لأبي موسَى الأشعريِّ: «هُوَ أَفْقَهُ مِنْكَ» يعني معاذًا الذي كانَ يقومُ وينامُ، ولا يطلقُ ◙ على أنَّ(31) مَن أخذَ بذلكَ (أفقهُ) إلا أنَّه أخذَ بما هوَ أقربُ إلى ربِّه وأحبُّ إليهِ، هذا هوَ حالُ النائمِ للضرورةِ التي هيَ مِن طبعِ البشرِ ولا غِنَى لهُ عنهُ، وأمَّا غيرُ ذلكَ / فهو نقصانٌ مِن العمرِ وقد تقدَّمَ، فتحصَّلَ مِن هذا بأنَّ(32) السحورَ في ذلكَ الوقتِ فيهِ خيرٌ(33) كثيرٌ بدليلِ ما أشرنا إليهِ.
          وأيضًا فإنَّ السحورَ في ذلكَ الوقتِ(34) فيهِ عونٌ على صيامِ النهارِ؛ لأنهُ إذا تسحَّرَ والفجرُ قريبٌ أصبحتِ المعدةُ مُمتَلئة بالطعامِ وقلَّ أنْ يحتاجَ إلى الطعامِ، وإنما يشهيهِ(35) مع آخرِ النهارِ فلا تجدُ النفسُ ولا الشيطانُ سبيلًا على فاعل هذا مِن قبلِ أنَّهُ لا تأخذُهُ الحاجةُ إلى الطعامِ إلَّا إلى آخرِ النهارِ، فيكونُ وقتُ الإفطارِ قريبًا فيسهلُ عليهِ الانتظارُ في ذلكَ الزمنِ القريبِ، ثمَّ إنَّه لم تكنْ لهُ إلى الطعامِ تلكَ الحاجةُ الكليَّةُ، فإذا كانَ المرءُ(36) على هذا الأسلوبِ كانَ حاضِرًا في يومِه ذلكَ، عَرِيًّا عنِ الوساوسِ والاشتهاءِ والتمنِّي، بخلافِ مَن لم يتسحَّرْ أو تسحَّر في جوفِ الليلِ؛ لأنَّ المعدةَ تصبحُ خاليةً مِنَ الطعامِ فيصبحُ وهو محتاجٌ إلى الأكلِ فيبقَى يومَه ذلكَ في مُكابدةٍ ومُجاهدةٍ معَ النفسِ مِنْ قِبَلِ ما تشتهي مِنَ الأطعمةِ؛ لأنَّ الجائعَ(37) أبدًا تكثرُ عليهِ الشهواتُ ويجدُ الشيطانُ إليهِ(38) سبيلًا في الوسوسةِ بذلكَ، وقدْ يغلبُ على بعضِ الناسِ من جهةِ الصفراءِ؛ لأنَّ الصفراويَّ لا يحتملُ ذلكَ فيُغشَى عليهِ فيكونُ ذلكَ سببًا للإفطارِ في رمضانَ.
          ولأجلِ هذا المَعنى الذي أشرنا إليهِ قَالَ رسولُ اللهِ(39) صلعم : «مَنْ رَأَى مِنْكُم امْرَأَةً تُعْجِبُهُ فَلْيَأتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ الذي عِنْدَهَا عِنْدَ الأُخْرَى»(40)؛ لأنَّ مَن رأى امرأةً فتلكَ / الشهوةُ القويَّةُ هي التي تُسَوِّلُ لهُ ما تُسَوِّلُ مِن إيقاعِ المُخالفةِ، فإنْ هوَ أتَى أهلَه فقدْ زالَ عنهُ ذلكَ الألمُ الكليُّ، وإنْ كانتِ المرأةُ التي رأى في الجمالِ ليسَ عندَه مثلُها فهوَ إذا واقعَ أهلَه لم تبقَ النفسُ تتشوَّفُ مثلَ ما كانتْ(41)، وهوَ قادر على زوال ما بقي مِن التشوُّف إلى الغير إن بقيَ.
          والسحورُ فيهِ شبهٌ(42) مِن ذلكَ؛ لأنَّه إذا تسحَّرَ كانَ على الحالِ(43) الذي قدَّمنا ذكرَهُ فلم يبقَ معهُ من الشهوةِ إلى(44) الطعامِ إلا قدرَ ما يُطيقُ على إزالتِه عنهُ، وإن هوَ لم يتسحَّرْ كانَ على الحالِ الذي قد(45) ذكرناهُ وذلكَ نقصانٌ سيَّما في رمضانَ الذي فيهِ من الفضلِ(46) ما قد عُلِمَ، فيحتاجُ المرءُ أنْ يكونَ فيه حاضرَ القلبِ مع(47) ربِّهِ، ساكنَ الخاطرِ مِن جهةِ نفسِه لئلا يروحَ عنه يومٌ لا يخلفُ مثلُه.
          وفي سحورِ النَّبِيِّ صلعم معَ الصحابةِ(48) دليلٌ على تواضعِ النَّبِيِّ صلعم إذْ إنَّهُ في الفضلِ حيثُ هوَ لكنَّهُ(49) كانَ يأكلُ مع أصحابِه ويُؤنِسُهم تواضعًا منهُ لهم.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ المشيَ بالليلِ للحاجةِ لا كراهيةَ(50) فيهِ؛ لأنَّ الصحابةَ رضوانُ اللهِ عليهم أكلوا معَ النَّبِيِّ صلعم بليلٍ، ومعلومٌ أنَّ منازلَهم كانت في الصغرِ والضِّيقِ مِن حيثُ لا يبيت(51) بعضُهم عندَ بعضٍ غالبًا، ولأجلِ هذا لمَّا نهاهُم النبيُّ(52) صلعم عنِ الجلوسِ في الطُّرُقِ قَالَوا: مالنا بدٌّ إنما هيَ مجالسُنا[خ¦2465] ؛ لأنَّهم كانُوا إذا أرادَ أحدُهم أن يجتمعَ بصاحبِه لم يجدْ إلى ذلكَ سبيلًا مِن ضيقِ بيوتِهم غالبًا فاحتاجوا إلى الجلوسِ في الطرقِ لضرورةِ اجتماعِ / بعضِهم معَ بعضٍ في النظرِ فيما يُصلِحُهم.
          فلمَّا أنْ تقرَّرَ هذا مِن حالِهم عُلِمَ(53) أنَّهم خرجُوا بليلٍ حتى اجتمعوا في موضعٍ تسحَّروا فيهِ، ويحتملُ أن يكونوا تسحَّروا في المسجدِ الجامعِ، أو في منزلِ النَّبِيِّ صلعم، أو في منزلِ أحدِهم.
          وتقديرُهم الزمانَ بخمسينَ آيةً فيهِ دليلٌ على أنَّ(54) الصحابةَ ♥ كانتْ أوقاتُهم مُستغرَقَةً في التعبُّدِ؛ لأنَّهم(55) قدَّروا الزمانَ بتلاوةِ القرآنِ، فلو كانت لهم(56) عادةٌ تغلبُ عليهم أكثرَ(57) من التعبُّدِ لقدَّرُوا الزمانَ بها، ولو كانتْ قلوبُهم متعلِّقة بغيرِ ذلكَ لقدَّروا بذلكَ(58) ولكنْ لمَّا كانتْ أوقاتُهم مُستغرقةً في أنواعِ التعبُّدِ وقلوبُهم متعلِّقةٌ بذلكَ قدَّروا الزمانَ بالقراءةِ؛ لأنهم أبدًا لا يزالونَ في التعبُّدِ(59)، وإنْ كانَ أحدُهم في شغلٍ مِنَ الأشغالِ فقلبُه متعلِّقٌ بالتعبُّدِ لا بذلكَ الشغلِ، فما كانَ هو الغالبُ على الإنسانِ(60) والقلبُ بهِ متعلِّقٌ فتقديرُ الزمانِ لا يعرفُه إلا بهِ غالبًا لتيسيرِ ذلكَ عليهِ.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ المرءَ لا يخاطِبُ كلَّ شخصٍ إلا بما(61) يَعلمُ أنهُ يَفهَمُ عنهُ؛ لأنهم قدَّروا الزمانَ بالقراءةِ التي هيَ كانتِ الغالبَ عليهم، ولو كانَ ذلكَ(62) الأمرُ بينَ غيرِهم(63) لكانَ التقديرُ بغيرِ ذلكَ بما يُعلَمُ أنهُ يصلُ إلى الذهنِ؛ لأنَّ المطلوبَ هو(64) إيصالُ الفائدةِ إلى فهمِ(65) السائلِ فلا يُقدَّرُ لهُ ذلكَ إلا بما يعلمُ أنهُ يصلُ بهِ(66) الفهمُ إليهِ، مثالُ ذلكَ: أنَّ العاميَّ الذي لا يقرأُ(67) القرآنَ لو قدِّرَ لهُ الزمانُ بالقراءةِ لم يتحصَّلْ(68) / لهُ مِن ذلكَ التقديرِ فائدةٌ؛ لأنَّهُ لا يعرفُ بها قدرَ الزمانِ المُشارِ إليهِ فيكونُ أبدًا(69) يخاطبُ صاحبَه على قدرِ(70) فهمِه وبحسبِ ما تتوصَّلُ الفائدةُ إليهِ، ولا يعاملُ الناسَ كلَّهم بمعاملةٍ واحدةٍ، فإنَّ ذلكَ مِن الخطأ والغلطِ، فإنْ عَلِمَ صاحبُه في المثالِ أنَّهُ يُحسنُ الخياطَةَ وهيَ الغالبةُ عليهِ أو النجارةُ(71) قدَّرَ لهُ الزمانَ بذلكَ، فيقولُ لهُ: قَدْرَ ما تَخيطُ كذا، أوتنجِّرُ كذا(72)، إنْ كانَ نجَّارًا أو تَنسجُ كذا إن كانَ قزازًا اقتداءً بهذا الحديثِ.
          ثم بَقِيَ بحثٌ، وهو: هلِ الألفُ واللَّامُ في (الصلاةِ) للجنسِ أمْ(73) للعهدِ؟ احتملَ الوجهينِ، فإنْ كانتْ للجنسِ فتكونُ الصلاةُ هنا نافلةً، ويكونُ على هذا الوجهِ مِن السنَّةِ أنْ يكونَ إثرَ السحورِ صلاةُ نافلةٍ.
          وإنْ كانتْ للعهدِ وهيَ الفريضةُ فيكونُ معنى (قُمنَا(74) إلى الصَّلاةِ) أي: للتأهُّبِ(75) لها مِن طهارةٍ وخروجٍ إلى المسجدٍ لانتظارِها؛ لأنَّهُ في صلاةٍ ما كانَ(76) ينتظرُ الصلاةَ.
          ويترتَّبُ على هذا مِن الفقهِ أنْ يكونَ السحورُ بقربِ الصبحِ حتَّى ما يكونَ بعدَهُ إلا الاشتغالُ بالصبحِ، وهو الأظهرُ واللهُ أعلمُ، لأجلِ أنَّ(77) سؤالَ صاحبِه عنِ الأذانِ إنما كانَ حتى(78) يعلمَ أيَّ قدرٍ يبقى لهُ(79) للصبحِ عندَ فراغِه مِنَ الأكلِ؛ لأنَّه لا يمكنُ لهُ الاتباعُ إلا بتحديدِ الوقتِ.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ مِنَ النُّبْلِ في العلمِ أو في الأخبارِ إذا أتى المُتكلِّمُ بأمرٍ فيهِ احتمالٌ أن يفسِّرَهُ للسامعِ(80) حتى يزيلَ ذلكَ الإشكالَ، / يُؤخَذُ ذلكَ مِن أنَّه لمَّا قَالَ الراوي: (ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ) احتملَتْ(81) أنْ تكونَ على المشهورِ مِن بابِها أنَّهم لم يقوموا إلى الصلاةِ إلا(82) بعد مهلةٍ، واحتملَ أن تكونَ (ثم) إلى(83) الأخبارِ من الانتقَالِ(84) مِن فعلٍ إلى فعلٍ لا ثانيَ بينَهما، ومثَّلَ للسامعِ على قدرِ(85) الزمانِ الذي كانَ بينَ فراغِهم مِنَ السحورِ والأذانِ بذِكْرِ الآيِ(86) فذهبَ الإِشكالُ.
          والألفُ واللامُ أيضًا في(87) (الأذانِ) هُنا إنَّما هيَ للعهدِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم كانَ يقولُ: «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ(88) ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» [خ¦620] وكانَ لا يؤذِّنُ إلا معَ الفجرِ، وسؤالُه هنا إنما(89) عنِ الأذانِ الذي يمنعُ(90) معهُ الأكلُ والشربُ.
          وفيهِ بحثٌ آخرُ: أنَّ الأكلَ يكونُ قَطْعهُ قبلَ الفجرِ بيسيرٍ أقلُّهُ مثلُ هذا، ولقولِه ◙ في حديثٍ آخرَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ(91) الصِّيَامَ منَ الليلِ»(92)، وقد تقرَّرَ مِنَ الشريعةِ أنَّهُ لا بدَّ للصائمِ أنْ يُمسِكَ جزءًا مِن الليلِ قبلَ الفجرِ ولا يحسبُه(93) واجبًا لكونِه ◙ قَالَ(94) ما تقدَّمَ ذكرُه،(95) وقد بيَّن ذلكَ قولًا وفعلًا.
          وفيهِ منَ الحكمةِ أنَّ مَن كُلِّفَ شيئًا فأخرجَه عَن عادتِه أنَّ(96) مِنَ الرفقِ بهِ أنْ يُعَان عليهِ؛ لأنَّ الصومَ خروجٌ عنِ العادةِ فرفقَ بهِ(97) في السحورِ.


[1] في (ج) و(م) و(ل): ((قوله)) بدل قوله: ((عن زيد بن ثابت قال)).
[2] زاد في (ل): ((ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ " قال: قدر خمسين آية)).
[3] في (م): ((الفجر مقدار)).
[4] في الأصل (ط) و(ل): ((لأن)).
[5] في (ل): ((أن المراد الكل)).
[6] في الأصل (ط) و (ل): ((يستدعي)).
[7] في (م): ((مستدعيه)).
[8] قوله: ((الذي)) ليس في (ج).
[9] في (ج): ((بالصلاة)).
[10] في (ج): ((مجاهد النوم لا يتأتى))، وفي (م): ((يجاهد النوم لا يتأتى)).
[11] قوله: ((وغيرها)) ليس في الأصل (ط) و(ل).
[12] في (ج) و(م): ((وقع)).
[13] في (م): ((عن)).
[14] في الأصل (ط) وفي (ل): ((الضرائر)).
[15] في (م): ((لأنَّ النوم وفاة)).
[16] في (ج): ((عمر)).
[17] في (ج): ((فعله))، وفي (ل): ((لفعل)).
[18] في (ج) و(م): ((حتى يكون محافظا))، وفي (ل): ((حتى يكون يحافظ)).
[19] في (ج): ((وهم لا)).
[20] قوله: ((لأنَّه يتَّجر فيما يبقى وهؤلاء يتَّجرون فيما يفنى، والمؤمن)) ليس في (م).
[21] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((هو)).
[22] قوله: ((لأن التاجر أبدا... عمره)) ليس في (ج) و(م).
[23] في (ل): ((كثرة التوبة)).
[24] في (ل): (({يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ....})).
[25] قوله: ((وقد أوحى الله... الرابحين)) ليس في (ج).
[26] قوله: ((والميت)) ليس في الأصل (ط).
[27] في (ج): ((ينفذ فإذا نفذ)).
[28] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[29] في (ج): ((فسألا)).
[30] في (م) و(ل): ((ذلك)).
[31] قوله: ((أن)) ليس في (ج) و(م).
[32] في (ج): ((أن)).
[33] في (ل): ((تأخير)).
[34] قوله: ((فيه خير كثير... الوقت)) ليس في (ج).
[35] في (م): ((الطعام ويشتهيه))، وفي (ل): ((تشتهيه)).
[36] في (م): ((الأمر)).
[37] قوله: ((الجائع)) ليس في (ج).
[38] في الأصل (ط) و(ل): ((عليه)) والمثبت من (ج)، وقوله: ((إليه)) ليس في (م).
[39] قوله: ((رسول الله)) ليس في (ج) و(ل).
[40] زاد في (ج) و(م): ((أو كما قال ◙)) والحديث أخرجه أحمد ░14537▒، ومسلم ░1403▒ ░9▒، وأبو داود ░2151▒، والترمذي ░1158▒ من حديث جابر.
[41] في (ج): ((كان)).
[42] في (ج): ((شبهة)).
[43] في (ج): ((الحلال)).
[44] في (ج): ((إلا)).
[45] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[46] في (م): ((الأجر)).
[47] في (م): ((إلى)).
[48] في (ل): ((أصحابه)).
[49] في (م): ((لكنْ))، وفي (ل): ((لكونه)).
[50] في (م) و(ل): ((لاكراهة)).
[51] في (ط): ((يثبت)).
[52] قوله: ((النبي)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[53] في (ج): ((على)).
[54] قوله: ((أن)) ليس في (ل).
[55] زاد في (ل): ((كانوا)).
[56] كلمة: ((لهم))، ليست في (ط).
[57] في (م): ((عبادة تغلب أكثر)).
[58] في (م): ((لقدَّروا بغير ذلك)).
[59] في (م): ((القراءة)).
[60] في (ج): ((المرء))، وفي (ل): ((الآخر))، قوله: ((على الإنسان)) ليس في (م).
[61] زاد في (م): ((هو)).
[62] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[63] في (ل): ((بين غير هؤلئك)).
[64] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[65] في (ج): ((فيهم إلى))، قوله: ((فهم)) ليس في (ل).
[66] قوله: ((به)) ليس في (م).
[67] زاد في (ل): ((إلا)).
[68] في (ج) و(م): ((يحصل))، وفي (ل): ((لايتحصل)).
[69] في (ل): ((فيكون أبدًا المرء))، وفي (م): ((فيكون المرء أبدًا)).
[70] قوله: ((قدر)) ليس في (ج).
[71] في (ج): ((التجارة)).
[72] قوله: ((أو تنجر كذا)) ليس في (ل).
[73] في (م): ((أو))، وفي (ل): ((للعهد أو للجنس)).
[74] في (ج): ((قائم))، وفي (م): ((قام)).
[75] في (ج): ((التأهب))، وفي (م): ((إلى التأهب)).
[76] في (م): ((ما كانت)).
[77] في (ج): ((لأن)) بدل قوله: ((لأجل أن)).
[78] قوله: ((حتى)) ليس في (ج).
[79] قوله: ((له)) ليس في (م) و(ل).
[80] في (م): ((السامع)).
[81] في (م): ((فاحتملت)).
[82] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((من)).
[83] قوله: ((إلى)) ليس في (ج).
[84] في (ج): ((بالانتقال))، والعبارة في (م): ((واحتمل أن يكون الإخبار الانتقال)).
[85] في (م) و(ل): ((ومثل السامع عن قدر))، وفي (ج): ((ومثل للسامع عن)).
[86] قوله: ((بذكر الآي)) ليس في (م).
[87] في (ج): ((من)).
[88] في (م): ((يؤذنَ))، وفي (ل): ((حتى تسمعوا أذان ابن مكتوم))، وقوله: ((بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي)) ليس في (ج).
[89] زاد في (م): ((هو)).
[90] قوله: ((يمنع)) ليس في (م).
[91] في (ل): ((لا يجمع)).
[92] قوله: ((ولقوله ◙ في حديث آخر.... الليل)) ليس في (ج) و(م) والحديث أخرجه النسائي ░2335▒ من حديث حفصة ♦.
[93] في (م): ((ولايحتسبه)).
[94] في (ج) و(م): ((فعل)).
[95] زاد في (ل): ((وفعل ماتقدم ذكره)).
[96] في (ط): ((عبادته أن)) والمثبت من باقي النسخ إلا قوله ((أن)) ليس في (م).
[97] في (ج): ((مرفق به))، وقوله: ((به)) ليس في (ل).