بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إن كان يدًا بيد فلا بأس وإن كان نساءً فلا يصلح

          92- قولُه: (فِي الصَّرْفِ(1)...) الحديثُ(2). [خ¦2060]
          ظاهرُه(3) يدلُّ على(4) جوازِ الصرفِ إذا كانَ يدًا بيدِ، ومَنْعِهِ إذا كانَ فيهِ نسيئةٌ(5) وإن قلَّتْ، وقدْ قَالَ عمرُ ☺: وإن أَنْظَرَكَ إلى أن يَلِجَ بيتَهُ فلا تفعلْ.
          وهو على ثلاثةِ أقسامٍ:
          جائزٌ: وهوَ ما نصَّ عليهِ صلعم مِن أنْ يكونَ يدًا بيدٍ.
          وحرامٌ: وهو ما نهى عنهُ عمرُ ☺ بأنْ يكونَ(6) فيهِ شيءٌ منَ التأخيرِ ولو بقدرِ(7) أن يَلِجَ بيتَه، حتى قدْ(8) نصَّ العلماءُ أنَّهُ لا يجوزُ للصَّيْرفيِّ أنْ يتحدَّث(9) في الصَّرفِ إلا وصندوقُه مفتوحٌ أو كيسُه قدَّامُه(10) كذلكَ مفتوحٌ.
          ومكروهٌ: وهو التواعدُ في الصَّرفِ بلا تناجُزٍ(11)، مثالُه: أنْ يقولَ كلُّ واحدٍ منهما لصاحبِه: أنا أُصارفُكَ، ويعزمان / جميعًا على ذلك ولا يسمِّيان مبلغَ الصَّرفِ ولا صفتَه.
          ولا يخلو الصرفُ من أنْ يكونَ مِن جنسٍ واحدٍ، وهو: إمَّا ذهبٌ بذهبٍ فيُشرَطُ فيه شرطين(12) وهما: التناجزُ والمماثلةُ، وليسَ في واحد(13) مِن هذينِ الشرطينِ مُسامحةٌ مِن أحدِ المُصارِفينَ(14)، وكفى في ذلك ما بَيَّنَه أبو بكر(15) ☺ بفعلِه معِ أبي رَافِعٍ(16) حينَ راطَلَ منهُ(17) خلخالًا مِن ذهبٍ فرجَحَ خلخالُ أبي رافعٍ، فقَالَ لأبي بكرٍ: أنتَ في حِلٍّ مِن رجحانِ الميزانِ، فقَالَ لهُ أبو بكر: إن كنتَ أنتَ أحلَلْتَهُ لي فإنَّ الله لم يُحِلَّه ووفَّاهُ ميزانَه.
          ومثلُ ذلكَ الحكم إن كانَ وَرِقًا بورِقٍ(18) لِقَولِهِ صلعم : «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ(19) يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهَا فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ(20)»، فإنْ كانتِ المُصارَفَةُ ذهبًا بوَرِقٍ فلا بُدَّ مِن المناجزةِ وهما في(21) التفاضلِ بحسبِ اختيارِهم(22)، وإن وقعَ فيهِ(23) خلافُ ما شرعَ فلا بدَّ مِن الفسخِ؛ لِقَولِهِ صلعم للسَّعدَينِ حينَ باعَ(24) آنيةً مِن فضةِ مِن المَغنمِ مِثلًا بمثلينِ(25): «أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا»(26).
          وأمَّا ما كانَ مِن بيعٍ وصرفٍ فاختلفَ العلماءُ فيهِ على ثلاثةِ أقوالٍ: بالمنعِ، وبالجوازِ(27)، وبالتفرقةِ إنْ كان أحدُهما في حكمِ التبعِ(28) ولم يكنْ مَقصودًا جازَ وإلَّا فلا، وأمَّا ما سوى ذلكَ مِن جزئياته في باب الفروع ذكره(29).
          والتشدُّدُ في هذا البابِ كثيرٌ(30) فلا ينبغي فيهِ المسامحةُ ولا الجهلُ؛ لأنَّ بابَ الربا مِن أعظم أبواب / الكبائرِ؛ لأنَّهُ لم يتوعَّدِ اللهُ ╡ على كبيرةٍ مِن الكبائرِ بالحربِ منهُ ╡ إلا على الربا، حيثُ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]، فقد يكونُ للشخصِ مالٌ حلالٌ فيصرفُه فيعودُ رِبًا(31) حرامًا.
          وفيهِ دليلٌ على جوازِ الجوابِ بإشارةٍ يُفهَمُ منها المقصودُ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ لَمَّا سُئِلَ عن الجوازِ في الصرفِ، فقَالَ: (إنْ كَانَ يَدًا بِيدٍ فَلَا بَأْسَ) لأنَّ هذا(32) إشارةٌ إلى الجوازِ؛ لأنَّ لفظَ الجوازِ أنْ يقولَ: ذلكَ جائزٌ، فلمَّا علمَ أنَّ السائلَ يفهمُ عنهُ أشارَ له بما يفهمُ وهوَ قَولُهُ ◙ : (وإنْ كانَ نَسِيْئَةً(33) فَلَا يَصْلُحُ)، معناه: لا يصلحُ جوازُه شرعًا فجاء جوابُه ◙ في الوجهينِ بالإشارةِ إلى المعنى، ولذلكَ قَالَ الإمامُ مالكٌ ☼: بالمعاني استُعبِدْنا لا بالألفاظِ.


[1] زاد في (ل): ((إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ)).
[2] زاد في (ل) في الحاشية حديثًا لم يوضح موضعه: ((عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا حَتَّى يَجِيءَ خَازِنُنَا مِنَ الغَابَةِ، قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ)) [خ¦2134].
[3] في (ل): ((ظاهر الحديث)).
[4] قوله: ((يدلُّ على)) ليس في (م).
[5] في (ج): ((نسبة)).
[6] في (م): ((وبأنْ يكون))، قوله: ((يكون)) ليس في (ج).
[7] في (ج): ((تقدر)).
[8] قوله: ((قد)) ليس في (ج) و(م).
[9] في (ج): ((أن يتخذ)).
[10] قوله: ((قدامه)) ليس في (ج) و(م).
[11] في (م): ((بلا تأخير)).
[12] في (ج) و(م): ((فيشترط فيه شرطان)).
[13] في (م): ((أحدٍ)).
[14] وردت في (ل): ((المتصارفين)).
[15] في النسخ: ((عمر)) والصواب المثبت من مصادر التخريج.
[16] في النسخ: ((خديج بن رافع)) والمثبت هو الصواب.
[17] في (ج): ((مسه)).
[18] في (ج): ((وزنا بوزن)).
[19] زاد في (ج): ((ربا إلا)).
[20] قوله: ((فإن اختلفت أصنافها فبيعوا كيف شئتم)) ليس في (ج) و(م)، والحديث أخرجه أحمد ░22727▒، ومسلم ░1587▒ ░81▒، وأبو داود ░3350▒ من حديث عبادة بن الصامت.
[21] زاد في (م): ((الصَّرف)).
[22] في (ج) و(م) و(ل): ((اختيارهما)).
[23] في (م): ((منه)).
[24] في (ج) و(م): ((باعا)).
[25] في الأصل (ط): ((بمثل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[26] أخرجه مالك في الموطأ ░2/632▒.
[27] في (م): ((والجواز)).
[28] في (المطبوع): ((المنع)).
[29] في (ج) و(م): ((فهو مذكور في كتب الفروع)) بدل قوله: ((في باب الفروع ذكره)).
[30] في (المطبوع): ((كبير)).
[31] في (ل): ((مالًا)).
[32] في (م): ((هذه)).
[33] في (ج) و(م) و(ل): ((نسيئًا)).