بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث ابن عمر: ذهب فرس له فأخذه

          153- قوله: (ذَهَبَ(1) فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ العَدُوُّ(2)...) الحديث. [خ¦3067]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى ردِّ الفرس لابن عمر ☺ بعدما ملكه العدو، والكلام عليه مِن وجهين:
          الأَوَّل: قوله: (ذَهَبَ) يَرِدُ عليه سؤال وهو أن يُقال(3): لمَ قال (ذهب) وَلَمْ(4) يأتِ بغيرها مِن الصِّيغ؟
          فالجواب عنه: إنَّما(5) عدل عن ذكر غيرها إليها، لأنَّها جامعة لأنواع طرق(6) الذهاب لأنَّك تقول: ذهب مال فلان، وقد يكون ذهابه بالسرقة(7) أو الإنفاقِ أو النسيانِ أو الغَصْبِ إلى غير ذلك مِن وجوه الذهاب، / و(ذهب) يَدُلُّ عَلَى كلِّ واحد منها(8) على حدٍّ سواء، فهذا مِن الفصيح في(9) الكلام.
          الثَّاني: قوله(10): (رُدَّ عَلَيْهِ) فيه بحث، وهو أنَّه(11): هل رُدَّ عليه مِن طريق إحسان النَّبيِّ صلعم إليه، فهو كالنفل؟ أو رُدَّ(12) عليه، لأنَّ حصوله بيد المشركين لم يُزِل مِلكَه عنه، فكان ردُّه مِن طريق الوجوب؟ يحتمل الوجهين معًا، وقد اختلف العلماء هل المشركون يملكون أموال المؤمنين أم لا؟
          على قولين: فذهب قوم إلى الجواز مطلقًا واحتجوا بِقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:128] والاحتمال الذي في الحديث وهو كون الفرس رُدَّ(13) على طريق التنفُّل(14)، وذهب قوم إلى المنع مطلقًا، وحُجَّتهم الاحتمال الذي في الحديث، وهو كون الفرس رُدَّ على طريق المِلك، وبالقياس، وهو أن المشركين لم(15) يَحِل لهم ملك رقاب المسلمين، فأموالهم(16) كذلك.
          وفَرَّق قوم، وهو قول ثالث(17)، فقالوا: لا يخلو أن يُدْرِبَ العدو بها أم لا: فإن أَدْرَبَ مَلَكَ، وإن لم يُدْرِب لم يَملِك، وكأن صاحب هذا القول يرى أنَّهم ما(18) لم يُدْرِبُوا فصاحب(19) الشيء لم ينقطع رجاؤه منه، لأنَّه قد تعود الكرَّة عليهم فتؤخذ منهم ويغنَمون أو يتركون ما أخذوا ويهربون، وأمَّا إذا أَدرَبوا فقد انقطع الرجاء مِن العودة(20) عليهم، وهذا(21) استحسان قول بين قولين.
          والأظهر والله أعلم أن العدو لا يَملِك بدليل الحديث والقياس، أمَّا الحديث / فأحد الاحتمالين المذكورين في(22) الحديث الذي نحن بسبيله، ويرجِّحه على الوجه الآخر ما رُوِيَ أنَّ العدوَّ غنم مرَّة المدينة وأخذ منها ناقةَ النَّبيِّ صلعم المسمَّاة بالعضباء، وأُخِذَت امرأة مِن المسلمين في الأسر في(23) جملة ذلك، فلما جَنَّ عليها اللَّيلُ قامت تريد الفرار بنفسها فأرادت أن(24) تركب ناقة تنجو عليها فأتت تأخذ ناقة لتركبها، فكل ناقة أو دابَّة تضع يدها عليها تنفر فتتركها وتذهب لغيرها حتَّى أتت إلى العضباء، وكانت ذلولًا فلم تنفر فركبتها وأتت بها إلى المدينة ونذرت في طريقها أنَّها إن نجت عليها فهي(25) تنحرها وتهديها فلمَّا أتت المدينة رآها(26) النَّاس فعرفوها فأتوا بها إلى النَّبيِّ صلعم فذكرت له القصة، فقال لها ╕: «لَا نَذْرَ فِيْمَا لَا يُمْلَك»(27) ووجه الحُجَّة فيه أنَّها لو أتت على ناقة كانت مِلكًا(28) للمشركين قَبْلُ لم تؤخذ منها، فلمَّا أن كانت ممَّا غُنِم(29) مِن المسلمين(30) قال لها ╕: «لَا نَذْرَ فِيْمَا لَا يُملك(31)» وأُخِذَت منها، وهذا يبين أن الاحتمال الذي في الحديث وهو كون الفرس ردَّ مِن طريق الملك أو الوجوب(32) أنَّ الوجوب هو المراد، وهو الأظهر في الموضع، وفي هذين دليل واضح لا خفاء فيه أنَّهم لا يملكون الرقاب فالأموال كذلك(33)، وأمَّا القياس فقد تقدَّم لصاحب هذا المذهب وهو(34) أنَّهم لا يملكون الرقاب فالأموال كذلك(35). /


[1] في (م): ((من سقمه عن ابن عمر قال ذهب)).
[2] زاد في (م): ((فظهر عليهم المسلمون فرد عليهم في زمان رسول الله صلعم)).
[3] قوله: ((وهو أن يقال)) ليس في (م).
[4] زاد في (م): ((يقل)).
[5] في (م): ((والجواب أنه إنما)).
[6] في (م): ((طريق)).
[7] في (م): ((وقد يكون ذهب ماله بالسرقة)).
[8] في (م): ((منهما)).
[9] في (م): ((من)).
[10] في (ج): ((وأما قوله)). وبعدها في (م): ((فرد)).
[11] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[12] في (م): ((كالنقل أو ورد عليه)).
[13] قوله: ((رد)) ليس في (م).
[14] في (ج) و (م): ((النقل)).
[15] في (م): ((لا)).
[16] في (م): ((وأموالهم)).
[17] قوله: ((وهو قول ثالث)) أتى في (ج) و (م) قبل قوله الآتي: ((وكأن صاحب هذا القول...)).
[18] قوله: ((ما)) ليس في (م).
[19] زاد في (م): ((هذا)).
[20] في (ط): ((العدوة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[21] في (ج): ((وهو)).
[22] في (ط): ((وفي)).
[23] قوله: ((في)) ليس في (م).
[24] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[25] قوله: ((فهي)) ليس في (ج).
[26] في (م): ((فرآها)).
[27] زاد في (ج): ((أو كما قال ◙))، وفي (م): ((فيما لا تملكي أو كما قال ◙)).
[28] قوله: ((ملكا)) ليس في (م).
[29] قوله: ((مما غنم)) محلها بياض في (ج).
[30] في (م): ((مما غنم المسلمون)).
[31] في (ج): ((تملك)). وزاد في (ج): ((أو كما قال ◙)) وقوله: ((قال لها ╕ لَا نَذْرَ فِيْمَا لَا يُملك)) ليس في (م).
[32] في (م): ((والوجوب)).
[33] قوله: ((الرقاب فالأموال كذلك)) ليس في (ج) و (م).
[34] قوله: ((وهو)) ليس في (م).
[35] قوله: ((وأمَّا القياس فقد تقدم... الرقاب فالأموال كذلك)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.