بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

الرؤيا الثانية والثلاثون

          الرؤيا الثانية والثلاثون
          كأن سيّدنا صلعم دخل منزل عبد الله بن أبي جمرة ومعه الخلفاء وجمع من الصحابة ♥، وكان بيده قدح في غاية الحسن مملوء ماء. فيقول صلعم : هذا من النهرين الباطنين اللذين في سدرة المنتهى، ويسقي منه لعبد الله وأهله وأصحابه، فيجدون طعمه في غاية الحسن، ثم يخرج لهم طعاماً في غاية الحسن، ليس يشبه طعام الدنيا لا في الطعم ولا في الصفة، ويأكل صلعم ويأكلون معه، ثم يصلي بهم الظهر، ثم يدعو لهم بعد ذلك.
          ثم ينظر في (حديث الإسراء) فيقول صلعم : في قول عبد الله في الأنهار الأربعة التي في أصل الشجرة التي في سدرة المنتهى: (هل قوله: ينبع في أصل الشجرة هل هو على الحقيقة أو هو من باب تسمية الشيء بما قرب منه)؟ فيقول صلعم : ليس فيه مجاز، بل هو حقيقة. وكذلك في قول عبد الله (هل / الشجرة مغروسة في شيء أم(1) لا؟ محتمل) فقال صلعم حقيقة إنها في شيء، لا مجاز. وكذلك قول عبد الله في الأرض التي فيها الشجرة (هل هي من تراب الجنة أو غير ذلك)؟ فقال صلعم : (ليس هنا محتمل بل حقيقة). فتخصص بقوله (بل حقيقة إن الأرض هي فيها من تراب الجنة).
          ثم قال ╕: كل ما قلت في هذا الحديث (يحتمل) ليس فيه محتَمَل، بل كل موضع من ذلك حقيقة، وكان ذلك حقًّا بلا احتمال.
          ثم ينظر صلعم ما ذكره عبد الله في تقسيم الصلاة وأسمائها ويعجبه ويقول: كل مرة أنظر فيه يزداد عندي حسناً.
          فيذكر له بعض الأصحاب عن تأخر نَسْخ الإخوان هذا الشرح، فيقول صلعم : لم يرد الله أن يُنسَخ حتى يكون يُعدّله ويقابله، ولا يبقى لأحد فيه مطعن، ولو كان نسخ قبل هذه المرائي لقال فيه كل أحد بحسب ما يظهر له. وكان صلعم يحب قول ابن أبي جمرة في الخطبة: (وعدالة المبلِّغ شرط في صحة التبليغ). ثم يقف ◙ ، على الدعاء الذي عمله عبد الله لحديث ابن الصامت وحديث الإسراء ويستحسنهما. ويقول لعبد الله: منّ الله عليك بما دعوت فيه، ويحقل لمثل هذين أن يكونا إثر هذين الحديثين.
          ثم يكسو ◙ ، لعبد الله كسوة حسنة، ولجميع أصحابه وأهله، ثم يصعد بهم جميعاً إلى موضع في غاية الحسن، ويقدم لهم عنباً وفقوساً(2) ليس يشبه ما في الدنيا، ويأكل صلعم ويأكلون معه كلهم أجمعون.
          ثم يري لعبد الله جملة بساتين، / لا يأخذها حرز، في غاية الحسن، وجملة دور كذلك، وجملة قصور كذلك، فيقول صلعم : هذه كلها ثواب (حديث الإسراء).
          ثم إن الحق سبحانه يخاطب عبد الله بخير، كما يليق بجلاله، ويطلب منه عبد الله أن يبقى له كل خير منّ الله به عليه في الشرح موفوراً، ويقيه ضرر الحاسدين. فيقول جلّ جلاله: الدعاء الذي يأتيك في آخر المرائي يوفي بهذا كله وغيره.
          ويقول جلّ جلاله: قل لمحمد الفاسي يجتهد، ولا يعظم عليه شيء، ولا ينظر في الأمور بنفسه، ويطلب العون مني فأنا أعينه، فإذا أعنته فلا يصعب عليه فيه شغل، وإن كان عليه شغل الدنيا كله.
          وكأن سيّدنا صلعم قبل أن يصعد بعبد الله وأصحابه ينظر في حديث (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان)(3) ويعجبه، وينظر فيه إلى قول عبد الله (وظننت بسوء فهمك أنك في الغالب تراه) يكرره ويعجبه ويقول: هذا حق.
          وينظر في (حديث السقاية)(4) ويعجبه، ويقول: حق هذا. ثم ينظر ما ذكر عبد الله فيه (فإن العين إذا لم تركم لم ترَ شيئاً يسرّها وإذا أبصرتكم لم ترَ شيئاً يسوءها). فيعجبه ويكرره.
          ثم إن محمداً الفاسي يشكو له ما به من التشويش من بعض الناس، فيقول: تصدّق كل يوم بما تقدر اتباعاً لسنتي تُكْفَ ضرره، وإن لم تقدر على الصدقة فاقرأ كل يوم بعد الصبح حزباً من القرآن وقل: ثواب هذا صدقة على والدي أن يكفيني شر هذا الشخص، وتقرأ المعوذتين وتدعو بهذا الدعاء:
          «اللهم اكفنا شر / كل ذي شر، وحسد كل ذي حسد، وسحر كل ذي سحر، وارزقنا الاستقامة حتى لا يضرنا أعداؤنا، لا في الباطن ولا في الظاهر، واسترنا بسترك، واحمنا بحمايتك التي لا يقدر أحد على زوالها، وارزقنا اتباع سنّة نبيّك محمد ◙ ، وملة أبينا إبراهيم خليلك ◙ ، وارزقنا ما رزقت الخواص من عبادك، ولا تجعل خوفنا ولا رجاءنا إلا فيك، واملأ قلوبنا بحبك وحب نبيك ╕ حتى لا يضرنا معه ضرر كل ذي ضرر، من إنس وجن، واحفظنا في السر والعلانية، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم».


[1] كذا وردت. والأفصح أو.
[2] الفَقّوس: في الشام: نوع من البطيخ الصغير لم يتمَّ نُضْجُهُ بعد، وفي مصر: نوع من القثّاء.
[3] رقمه 180.
[4] رقمه 80.