بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث عائشة: ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت...

          243-قوله صلعم : (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ...) الحديثَ(1). [خ¦6014]
          ظاهر الحديث يدلُّ على الحضِّ على حفظ الجارِ، والإخبارِ بكثرة وصيَّة جبريل ◙ للنَّبيِّ صلعم به(2)، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: أن يُقال: هل هذه الوصيَّة مِن قَبيل الواجب أو المندوب؟ وَهل الوصيَّة به مِن أجل الإحسان إليه؟ وإن كان مِن أجل ذلك فما حدُّه؟ أو المراد غير ذلك مِن ترك الضَّرر إليه، أو الجميع(3)؟ وهل ذلك(4) عَلى الإطلاق على أيِّ حال / كان الجار؟ أو لها شروط؟ وأيُّ حدٍّ هو حدُّ الجار مِن القُرْب والبُعد؟ ومِن أيِّ الجهات يكون؟ وَهل القريب منهم والبعيد(5) في الحرمة سواء؟ وَهل هي مِن الأمور التي يحتاج فيها إلى نيَّة أم لا؟.
          أمَّا قولنا: هل هذه الوصيَّة مِن قبيل الواجب أو المندوب(6)؟ فهذه الصيغة لا تُستعمل إلَّا في المندوبات والمرغبات، مثل قول أبي هريرة ╩: «أَوْصَاني خَلِيلي بثلاث: ركعتَيِ الضُّحى، وأن أُوْتِر قبلَ أن أنام، وصيامِ ثلاثة أيَّامٍ مِن كلِّ شهر» وحفظ الجار مِن كمال الإيمان. وهو أيضاً ممَّا(7) كانت الجاهليَّة ترعاه وتحافظ عليه، وتفتخر بحفظه، وتعيب تارك ذلك وتذمُّه.
          وأمَّا قولنا: مَا حَدُّ الإحسان إليه؟ فهو عَلى ضربين: إمَّا الإحسان إليه بأنواع ضروب(8) الإحسان، وإمَّا كفُّ الأذى عنه على اختلاف أنواعه. وكفُّ الأذى(9) عنه(10) أشدُّ وأبلغ في حقيقة الإيمان، لقوله صلعم : «لا يَبْلُغُ أحدٌ حقيقةَ الإيمان حتَّى يأمنَ جارُهُ بوائِقَهُ» أو كما قال صلعم، فنفى صلعم أن تجتمع(11) حقيقة الإيمان مع إذاية(12) الجار، والإحسانُ إليه مِن كماله(13).
          والإحسان إليه يكون بالوجوه المحسوسة مثل الهديَّة، وألَّا يمنعه غرز خشبةٍ في جداره إن احتاج إليها، وما هو في معنى ذلك، ويكون بالمعنويات مثل إرادة الخير له، والدُّعاء له بذلك بظهر الغيب، وما في معناه، ومعاونته عَلى شيء إن احتاج إليه بقدر الجهد بأيِّ نوع كان ذلك مِن المحسوسات أو المعنويات. كلُّ(14) ذلك / عَلى قدر طاقتك بغير ضرر يلحق فيه للغير(15).
          وأمَّا قولنا: هل ذلك عَلى الإطلاق أوْ له شروط؟ فالجواب أنه مِن وجهٍ عَلى الإطلاق، ومِن وجه له شروط، فالذي هو على الإطلاق مثل إرادتك(16) الخيرَ له إن لم يكن مِن أهله، ودعاؤك له في ذلك بظهر الغيب ومَا في معناه. وَأمَّا الذي له شروط فإنَّه إذا كان عَلى الاستقامة فالمندوب قد أصاب محلَّه، فأحسِنْ له بما أمكنك(17) مِن وجوه الإحسان حِسَّاً وَمعنًى، وإن كان على غير الاستقامةِ فواجب عليك كفُّه عَن ذلك، إن كان ذلك في قدرتك، أو موعظته إن قَبِل منك، وإلَّا فهجرانه(18) عَلى قدْرِ جُرمه. ويكون يعلم أنَّ هجرانك له مِن أجل ذلك، لعلَّه يرجع ومِن أجل هَذا وَما أشبهه قيل: «الجار قبل الدار» وَقال العلماء: شؤم الدَّار سوءُ جارها.
          وأمَّا قولنا: أي حدٍّ هو حدُّها؟ فقد تكلَّم النَّاس في ذلك، فمِمَّا(19) قيل فيه: إنَّ(20) مَن بينك وبينه أربعون داراً فما دون ذلك فهو مِن جيرانك. وأمَّا مَا يدل عليه الحديث الذي بعد هذا فهو مِن الاثنين فدون، على(21) مَا يقع الكلام عليه في موضعه مِن الحديث إن شاء الله تعالى.
          وأمَّا قولنا(22): مِن أيِّ الجهات يكون؟ فقد قال العلماء: إنَّه مِن الأربع جهات، إن كانت الجهات عامرةً كلُّها.
          وأمَّا قولنا: هل القريب والبعيد في الحُرمة سواء؟ فهذا يحتاج إلى / تفسير: أمَّا في موضع(23) الضرر لهم فذلك سواء، وأمَّا في إرسال الخير إليهم فإنْ كان مثل المعنويات فَهُمْ في ذلك سواء، وإنْ كان مِن جهة المحسوسات فتعمل(24) في ذلك بحسب نصِّ الحديث الذي يأتي بعد هذا الحديث، وَهو تقديم أقربهم مِنك باباً، فتلك السُّنَّة، هذا إذا تساوَوا في حقِّ الجوار بلا زيادةٍ حقٍّ عَلى ذلك، فإنَّ مِن الجيران مَن له حقٌّ واحدٌ، ومَن له حقَّان، وهو الذي يكون جاراً مسلماً، ومَن له ثلاثة حقوق وهو أن يكون جاراً مسلماً قريباً(25)، ومنهم مَن يكون(26) له أربعة حقوق(27): القرابة والجوار والإسلام والصِّهر، فيكون إذ ذاك المتقدِّم منهم(28) الذي يكون أكثرهم حقَّاً، كفعل المواريث، أقواهم سبباً يكون أولى مِن غيره(29).
          وأمَّا قولنا: هل يحتاج في ذلك إلى نيَّة أم لا؟ فاعلم أنَّ كلَّ فعل يمكن عمله لله، ويمكن عمله لغير الله _والوجهان فيه سائغان عَلى لسان العلم_ فَلا بدَّ مِن النيَّة فيه إذا فُعِل لله، ليمتاز مِن غيره. والإحسان للجار هو ممَّا يمكن أن يكون لله وأن يكون لغير الله، مثل أن تفعل(30) الخير معَه مكافأة على إحسانٍ تقدَّم له عليك، أو لمن يلزمك(31) منه ملزم، أو لحبٍّ فيه، أو لحياءٍ منه، أو لرغبة(32) في مكافأته، أو لإحسانه(33)، أو لخوف منه(34)، وَأشياء عديدة إذا نظرتها تجدها، فِإذا كان لمجرد الجوار فالنِّيَّة فيه مطلوبة ليتميَّز مِن هذه الوجوه كلِّها، وَما(35) أقلَّ اليوم فاعل / ذلك!.
          وقد ذُكر عن بعض أهل الدِّين والفضل أنَّه كان له(36) أحد جيرانه وَكان مسرِفاً على نفسه، والسَّيِّد لا يعلم ذلك منه، وَكانت لذلك المسرف عادةٌ إذا كان يفيق مِن نشوته قريب السَّحر(37) يرفع صوته ويقول:
أَضَـاعُوني وأيَّ فتىً أَضَـاعُـوا؟                     وَمِثْلِـي فـي الحَقِيقـةِ لا يُضـاعُ
          فكان ذلك السيِّد يأنسُ بذلك القول منه كلَّ ليلة، إلى أن وقع الحاكم عليه، فأمرَ بسجنه، فلمَّا كان في السَّحَر لم يسمع ذلك(38) السَّيِّد القول المعتاد مِن جاره، فلمَّا أصبح قال للخديم الذي له: اذهب إلى جارنا(39) فاسأل عَن حاله، وما كان سبب قطعه العادة البارحة؟ فرجع الخديم إليه(40) وأخبره بشأنه ومَا هو عليه. فقال السيِّد: لَا يمكنني إضاعته. فوجَّه للحاكم في حقِّه، فقضى الحاكم حاجتَه وأطلقه، ووجَّهه إلى ذلك السيِّد، فلمَّا رآه قال له: هل ضيَّعْناك، أو فرَّطنا في حقِّك؟ فاستحيا مِن ذلك السيِّد، وتاب وحسُن حاله.
          تنبيه: إذا كنت يُؤكَّد(41) عليك في حقِّ جارٍ بينك وبينه جدار، وتُمنع(42) أن يصل إليه منك إذاية(43)، وتُؤمر بحفظه، وإيصال الخير إليه، فكيف بمرافقة الملَكَينِ الحافظين اللَّذين(44) ليس بينك وبينهما جدار ولا حائل، وأنت تؤذيهما مع مرور الساعات بدوام التَّفريط، وإيقاع المخالفات؟ انظرْ بعقلك، هل يصحُّ لك مع ذلك حقيقة الإيمان؟ أمْ كيفَ حالُكَ يا مسكينُ، لأنَّه قَد جاء «إنَّ الحَفَظَة / الكِرَام يُسَرُّون بحسناتِ العبد أكثر ممَّا يُسرُّ العبدُ بها عِند رؤية ثوابِها، وأنَّهما(45) يَحْزَنانِ ويهتمَّانِ مِن سيِّئات العبدِ ومعصيتهِ أكثرَ ممَّا يحزنُ العبدُ إذا رأى جزاءَهُ عليها».
          فإساءتك لهما بخطيئتك وَأنت لا تستحي وَلا تنزجر، فانتبه يا بَطَّال قبل رفع الحجاب وغلْق الباب، إذا كنت نفسَك لا تحفظها، وجيرانك منك لا يَسْلَمُون، فالهربُ منك ثمَّ الهرب الهرب.
          وقوله صلعم : (حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) فيه دليلان: أحدهما أنَّ مَن أكثر له مِن شيءٍ رُجي له الانتقال إلى ما هو أعلى منه، لأنَّه لَمَّا كثُرت مِن جبريل ◙ الوصيَّةُ في حقِّ الجار ظنَّ سيِّدنا صلعم أنَّه سيبلغ(46) الاعتناء به إلى ما هو أعلى(47)، وهو الميراث، وفي هذا دليل لأهل المقامات والأحوال لأنَّهم يقولون: إذا فُتح على أحدٍ في مقام، ودام عليه بأدبه، رُجي له الانتقال إلى ما هو أعلى منه.
          والدليل الثَّاني أنَّ أعلى الحرمة هُو الميراث، والميراث عَلى ضربين: ميراث العَوامِّ وهو في حطام الدنيا(48)، وميراث الخواصِّ وهو العلم إذا كان لله. وهو على ضربين: منقول وموهوب(49). وهو الميراث الذي ورثه(50) أهل الخصوص عَن الأنبياء(51) عليهم أفضل السَّلام، لأنَّ العلماء ♥ ورثة الأنبياء ╫، كالذي رُوي عن بعض الصحابة _وأظنُّه أبا هريرة ╩_ «أنَّه مرَّ على بعض أصحابه في السوق فقال لهم(52): أتجلسون هنا / وميراثُ رسول الله صلعم يقسم في المسجد؟! وذلك بعد وفاته صلعم، فتسارعوا إلى المسجد، فإذا ناس مِن الصحابة ♥ يتذاكرون في العلم. فقالوا له: وأين ما قلتَ؟ قال: ذلك ميراث رسول الله صلعم، لأنَّ الأنبياء ╫ لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذ به فقد أخذ حظَّه مِن الميراث».
          غير أنَّ بين الميراثين فرقاً عجيباً، وَهو أنَّ الميراث الذي هو(53) في حطام الدُّنيا تدخله(54) نسبة الدَّار، وهو الضِّيق، والنقص بالحجب(55) إمَّا كليٌّ وإمَّا بعضيٌّ، وبالعول(56) أيضاً نقصٌ ثانٍ(57). وأمَّا ميراث الخصوص فليس فيه شيء مِن ذلك، بل التَّوارد(58) واسع، ولهم الخير التامُّ نسبة الدَّار الذي هو لها، حكمة حكيم.
          وأمَّا اللَّدُنِّيُّ فكَذلك أيضاً، وهو حقٌّ، بدليل(59) الكِتاب وَالسُّنَّة:
          فأمَّا الكتاب فقصَّة الخَضِر ◙ معَ موسى ◙ ، حين قال الخَضِر: أنا عَلى علمٍ مِن علم الله تعالى(60)، لا تعلمُهُ أنت _وهو اللَّدُنِّيِّ على مَا ذكره أهل العلم_ وأنت على علمٍ مِن علمِ الله لا أعلمه(61) أنا، وهو المشروع.
          وكان من(62) قصَّتهما مَا قصَّ الله سبحانه وتعالى في كتابه(63) إلى قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] وقصَّة آدم ◙ حين علَّمه الله أسماءَ كلِّ شيءٍ بعدما سأل جلَّ جلاله الملائكة عَن / ذلك فقالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا} [البقرة:32] فقال تعالى: {يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33] كما قصَّ الله سبحانه وتعالى في كتابه إلى قوله: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] وَتعليمه جلَّ جلاله آدم أسماء(64) الأشياء كلِّها حتَّى اسم القَصعة والقصيعة إنَّما كان بالعلم اللَّدنِّيِّ، بلا واسطة بين آدم ومولاه، ولهذا ظهر عجز الملائكة و أقرُّوا(65) به.
          وأمَّا السُّنَّة فقوله صلعم : «إنَّ من أمَّتي لَمُحَدَّثِينَ، وإنَّ عُمرَ لَمِنْهُم»، وقصَّته صلعم مع أبي هريرة حين شكا له أنَّه يسمع الحديث وينساه، فقال له(66) صلعم : «امْدُدْ كِسَاءَك فمدَّه(67)، ثمَّ قال: ضمَّه فضمَّه، ثمَّ ثانيةً كذلك» أو كما قال صلعم، فكان أبو هريرة ☺ بعد ذلك أكثر الصحابة(68) حديثاً، وَقال ☺: «حَفِظتُ عن النبيِّ صلعم بِجَادَيْن(69) _وهما ذانِكَ الكِسَاءين اللَّذين ذكرناهما آنفاً_ فبَثَثتتُ منهما(70) الواحد، ولو بثثتُ الآخرَ لقَطَعْتُم(71) مني البلعوم(72)» أو كما قال ╩.
          يعني أنَّ جميع تلك الأحاديث التي رواها إنَّما هي مِن(73) ضمَّة الكساء الواحد(74). والصحَابة رضوان الله عليهم قد قالوا: أكثرتَ يا أبا هريرة مِن الحديث. فكأنَّه يقول: إذا الشيء(75) الواحد أقلقكم(76) وقلتم: إنِّي أكثرت مِن الحديث، فلو سمعتم الآخر لقتلتموني(77)، لأنَّكم كنتم تنسبونني(78) إلى أنَّ ذلك كَذِبٌ منِّي على النَّبيِّ صلعم. ولم يقل هذا أبو هريرة، وهو يقصد به الصَّحابة، لأنَّهم رضي الله عن جميعهم / يعرف كلُّ واحد منهم فضلَ صاحبه ودينَه، وإنَّما كان ذلك مِن أجل الجهَّال الداخلين في الدين، إذا كانوا يسمعون مِن الخلفاء وأكابر الصَّحابة رضوان الله عليهم: أكثرَ أبو هريرة مِن الحديث. وينكرون عليه ذلك.
          وما أنكر مِن الصَّحابة مَن أنكر ذلك عَلى أبي هريرة أنَّه اتهمه وإنَّما رأوا أنَّ شُغْلَهُ(79) بالتعبُّد أَوْلَى مِن استغراقه الزَّمان كلَّه في رواية الحديث؛ فإنَّ كتاب الله قد كُتب، وأُثْبِت بالإجماع، وفيه جميع الأحكام، وإنَّ الصحابة رضوان الله عليهم قد نُقل عنهم مِن الأحاديث ما فيه كفاية وزيادة، فقد حصل مِن مجموع الثَّقلين _وهما: الكتاب والسنَّة_ ما فيه كفاية(80) لمن اشتغل بالدِّين(81)، وتوفية مَا به أَمر، لأنَّ الصَّحابة والصَّدر الأَوَّل رضوان الله عليهم إنَّما كانت هِمَّتُهم(82) في الأعمال، لأنَّها هي(83) ثمرة العلم.
          وكان مذهب أبي هريرة ☺ أنَّ بَثَّ(84) مَا سمعه مِن رسول الله صلعم بعد أداء الفرائض أفضل القُرَب. كما رُوي عنه أنَّه قال: «لو جَعَلتُم الصَّمْصَامة في عُنُقِي وعلمتُ أنِّي أُنْفِذُ حديثاً سمعتُهُ مِن رسول الله صلعم قبلَ أن تُجْهِزوا عليَّ فعلْتُ»، فلم يرجع واحد منهم عمَّا(85) ظهر له، والكلُّ على الحقِّ رضي الله عنهم أجمعين، كما فعل بعض أصحاب مالك معه، وكان ذلك الصَّاحب(86) ممَّن قد انقطع إلى(87) العِبادة، فكتب إلى مالك يحضُّه على ترك العلم والانقطاع إلى العبادة(88)، فأرسل مالك إليه وَهو يقول(89): يا أخي، ما أنتَ عليه بأفضلَ ممَّا أنا / عليه، والكلُّ عَلى خير(90). فلم يرجع إليه. أو كما قال.
          فإذا رأى الجاهل أبا هريرة بعدما سمع مِن(91) أكابر الصحابة ═ أنَّه أكثر مِن الحديث قد زاد في الحديث أضعافاً مضاعفة ينسبه إلى ما لا يليق به، وقد يفضي الأمر إلى القتل، فيكون قولهم ذلك مع الزِّيادة في الحديث قاطعاً للبلعوم كما ذكر(92)╩، لأنَّه مَن شارك(93) في قتل نفسٍ بأيِّ وجه شارك _وإن قلَّ_ مِن قولٍ أو فعلٍ سُمِّي قاتلاً لغةً وَشرعاً، فلذلك كفَّ ☺ عن الزِّيادة.
          وفي ذلك دليل للأخذ بسدِّ الذريعة، وَفي فعل سيِّدنا صلعم ذلك مَع أبي هريرة دليلٌ لأهل الأحوال الصَّادقة المستقيمة عَلى طريق الكتاب والسنَّة مَع أولادهم في السلوك، ينظرون إلى الذين فيهم الأهليَّة، فيورثونهم مِن أحوالهم المباركة التي(94) فُتح عليهم فيها(95)، لأنَّه صلعم الأصلُ في كلِّ خير: مِن علمٍ أو حالٍ(96) أو عملٍ، فإنَّه بحر الأنوار والحِكم والحُلى النفيسة، وجامع(97) الأعلى مِن العلوم والأحوال والشِّيم الرفيعة بَدْءاً وَعَوْداً، فكلُّ من(98) كانَ مِن أهل السَّعادة قد أخذ منه مشرباً(99).
          وفي قوله(100) ╕: (ظَنَنْتُ) وجه ثالث، وهو: أنَّ الظنَّ إذا كان في طريق الخير جائز شرعاً، ما صَحَّ منه، ومَا لم يصحَّ منه(101)، فإنَّه صلعم قد ظنَّ أنَّه سيورِّثه، وَلم يقع ذلك، ففائدة إخباره ◙ لنا بِذلك لنأخذ مِنه الدليل عَلى جواز ذلك، والفرق بينه وبين الظنِّ السوء بأنَّه ممنوع / شرعاً كما قال ╡ : {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12].
          وفي ذلك دليل على الطمع في زيادة خير المولى سبحانه عند توالي نِعَمِهِ على عبده، بلغ ذلك حدَّه أو لم يبلغه(102)، لأنَّه _أي: توالي نِعَمه(103)_ أكبر مِن كثرة(104) ترداد جبريل ◙ بالوصيَّةِ في حقِّ الجار إلى خير البشر صلعم.
          وفيه دليل عَلى الندب إلى(105) التحدُّث بما يقع في النفس مِن الخير، قُضي بذلك أم لا. وقد قيل:
في فَضْلِ مَولاكَ فاطْمَعْ إن كُنْتَ طَامعاً                      فليسَ عارٌ على عَبْدٍ في فضل(106) مولاه طَمِع


[1] في (ب): ((عن عائشة ╦ عن النبي صلعم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
[2] قوله: ((به)) ليس في (ب).
[3] في (ج) و(ت): ((الجمع)).
[4] قوله: ((مِن ترك الضَّرر إليه، أو الجميع؟ وهل ذلك)) ليس في (ب).
[5] في (ب): ((وهل القريب والبعيد منهم)).
[6] في (ت): ((الواجب المندوب)).
[7] في (ج): ((ممن)).
[8] في (ج): ((ضرب)).
[9] في (ج): ((الأذاء)).
[10] قوله :((وكفُّ الأذى عنه)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[11] قوله :((أن تجتمع)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[12] في (م) و(ج): ((إيذاءه))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[13] قوله :((والإحسانُ إليه مِن كماله)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[14] في (ج): ((على)).
[15] زاد في المطبوع: ((دينًا ودنياً)).
[16] العبارة في (م) و(ت): ((وأمَّا قولنا: هل ذلك عَلى الإطلاق أوْ له شروط؟ مِن وجهٍ عَلى الإطلاق، فالجواب أنَّه أراد إرادتُكَ)) والمثبت من (ج) و(ب)، إلا أن في (ب): ((فالذي على الإطلاق إرادتك)).
[17] في (ج): ((يمكنك)).
[18] في (ب): ((فهجران)).
[19] في (م): ((فما)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[20] في (ب): ((إنه)).
[21] قوله: ((على)) ليس في (ب).
[22] قوله :((قولنا)) ليس في (م) و(ت) والمثبت من (ج) و(ب).
[23] في (ج) و(ت): ((منع))، وفي (ب): ((أما مع)).
[24] في (ب): ((فعمل)).
[25] زاد في المطبوع: ((مِن القرابة أو مِن الرحم)).
[26] قوله: ((يكون)) ليس في (ج).
[27] زاد في (ب): ((وهو)).
[28] قوله: ((منهم)) ليس في (ج). وفي (ت) و(ب): ((المقدم منهم)).
[29] زاد في المطبوع: ((كفعل المواريث، أقواهم سبباً يكون أولى من غيره)).
[30] في (ج): ((يفعل)).
[31] في (ج): ((إحسان له تقدم عليك وأن يلزمك)).
[32] في (ج): ((رغبة)).
[33] في (م) و(ت): (إحسانه)) والمثبت من (ج)، وفي (المطبوع): ((لإحسان)).
[34] قوله: ((أو لرغبة في مكافأته، أو لإحسانه، أو لخوف منه)) ليس في (ب).
[35] في (ج): ((وأما)).
[36] قوله: ((له)) ليس في (ب).
[37] في (ت): ((في نشوته...))، وفي (ب): ((لذلك المسرف أن يفيق من نشويته قريب من السحر)).
[38] قوله: ((ذلك)) ليس في (ب)، وهو غير واضح في (ت).
[39] في (م): ((جارك))، والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (ب): ((فاسأله)).
[40] في (ب): ((له)).
[41] في (ج): ((يؤخذ)).
[42] في (ج): ((ويمنع))، في (ت) غير منقوطة.
[43] في (المطبوع): ((أذى)).
[44] في (ج) و(ت): ((الذي)).
[45] في (ب): ((وإنما)).
[46] في (ب): ((سيؤول)).
[47] زاد في (ب): ((منه)).
[48] قوله: ((وهو في حطام الدنيا)) ليس في (ب).
[49] في (ج) و(ت): ((وموهبي))، وفي (ب): ((ووهبي)).
[50] في (ت): ((وهبه)).
[51] في (ب): ((وهو الذي ورثه الأنبياء)).
[52] في (ب): ((أنه مر على بعض الصحابة في [بياض بمقدار كلمة] فقال له)).
[53] كذا في (م)، وقوله: ((هو)) ليس في باقي النسخ.
[54] في (ت): ((يدخله)).
[55] في (ج): ((بالعجب)).
[56] في (ج): ((بالعجب إما كلي وبعضي بالعول)). في (ت) و(ب): ((بالحجب إمَّا كليٌّ أو بعضيٌّ وبالعول)).
[57] قوله: ((نقص ثان)) ليس في (ب).
[58] في (ج): ((التواد))، في (ت): ((التوادد))، و قوله: ((التوارد واسع و)) مكانها بياض في (ب).
[59] زاد في (ج): ((من)).
[60] في (ب): ((علم من الله)).
[61] في (م) و(ت): ((لا أعلم)) والمثبت من (ج) و(ب)، وقوله: ((أنا)) ليس في (ج).
[62] في (ب): ((في)).
[63] في (م): ((سبحانه ما قص)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[64] في (م) و(ب): ((الأسماء))، وقوله: ((أسماء)) ليس في (ج). والمثبت من (ت)، وقوله بعدها: ((الأشياء)) ليس في (ب).
[65] في (ب): ((فأقروا)).
[66] زاد في (ب): ((رسول الله)).
[67] في (المطبوع): ((ابسط رداءك)).
[68] في (ج): ((أكثرهم)).
[69] في (المطبوع): ((وعاءين)).
[70] في (م): ((منها))، وفي (ت): ((بثثت منها))، وفي (ب): ((بثثت منهما))، والمثبت من (ج).
[71] في (ج) و(ت): ((قطعتم)).
[72] في (ب): ((الحلقوم)).
[73] في (ب): ((في)).
[74] في (المطبوع): ((بسطة الرداء)).
[75] في (ج): ((شيء)).
[76] في (ج) و(ب): ((قلقكم)).
[77] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((قتلتموني)).
[78] في (ب): ((تنسبوني)).
[79] في (ج): ((وإنما أشغله)).
[80] قوله: ((وزيادة، فقد حصل مِن مجموع الثَّقلين _وهما: الكتاب والسنَّة _ ما فيه كفاية)) ليس في (ب).
[81] قوله: ((بالدين)) ليس في (م) و(ت) والمثبت من (ج) و(ب).
[82] في (م) و(ج): ((همهم)).
[83] قوله: ((هي)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[84] في (ب) و(ث) و(ج): ((يبث)).
[85] في (ج): ((على ما)).
[86] في (ت): ((بالصاحب)).
[87] في (ب): ((عن)).
[88] قوله :((فكتب إلى مالك يحضُّه على ترك العلم والانقطاع إلى العبادة)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[89] زاد في (ت) و(ب): ((له)).
[90] زاد في المطبوع: ((إن صلُحت النية)).
[91] في (ت): ((عن)).
[92] زاد في (ب): ((عنه)).
[93] قوله :((شارك)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[94] قوله: ((التي)) مكانها بياض في (ب).
[95] في (ج): ((بها)).
[96] في (ب): ((مال)).
[97] زاد في (ج): ((إلى))، وبعدها في (ب): ((للأعلى)).
[98] في (م): ((ما)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[99] في (م) و(ت): ((مشروبًا)) والمثبت من (ج) و(ب).
[100] في (ج): ((وقوله)).
[101] قوله: ((منه)) زيادة من (م) على النسخ.
[102] في (ب): ((لم يبلغ)).
[103] في (م) و(ج) و(ت): ((نعم))، ولعل المثبت هو الصواب.
[104] في (ج): ((كثر))، وفي (ب): ((أكثر من)).
[105] في (ج): ((على)).
[106] قوله: ((فضل)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.