بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة

          38- (عَن أَبِي قَتَادَةَ قالَ(1): بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ الرِجَالِ(2)...) الحديث. [خ¦635]
          ظاهرُ الحديثِ إتيانُ الصلاةِ بالسَّكينةِ وإتمامُ ما فاتَ منها، والكلامُ / عليهِ مِن وجوهٍ:
          منها: أنَّ الحكمَ الشرعيَ لا يكونُ إلا(3) بعدَ تحقيقِ مُوجَبِهِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (مَا شَأْنُكُمْ؟)، فلما ذكروا استعجالَهم إلى الصلاةِ حينئذٍ قالَ لهم الحُكمَ في ذلكَ؛ لأنَّ استعجالَهم احتمَلَ أنْ يكونَ لِمَا ذَكروا أو لعُذرٍ عَرَضَ لهم؛ لأنَّ الحوادثَ لا تَنحصرُ.
           وفيه دليلٌ على أنْ يجتهدَ المُكلَّفُ برأيِهِ فيمَا لم يكنْ فيهِ نصٌّ(4) مِن الشرعِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن كونِ النبيِّ صلعم لم ينهَهُمْ إلا فيما يُستَقْبَلُ، ولم يأمرْهم بإعادةِ الصلاةِ، ولا أبطلَ(5) عملَهم، فدلَّ ذلكَ على جوازِ فعلِهم فيما مضى.
          وهنا بحثٌ: هل هذا على الوجوبِ أو الندبِ؟ وهل لهُ حدٌّ معلومٌ؟ _أَعنِي السكينةَ المذكورةَ_ أم لا؟
          فأما الجوابُ على(6): هل هو على الوجوبِ(7) أو غير ذلكَ؟ فصيغةُ الأمرِ مُختلَفٌ فيها(8) على ما تقدَّمَ في غيرِ ما موضعٍ، لكنَّ الأظهرَ هنا: أنَّه على الندبِ، بدليلِ أنَّ التأدُّبَ والخشوعَ في الصلاةِ نفسِها مختلفٌ فيهِ، وأكثرُ الفقهاءِ على أنَّهُ شرطُ كمالٍ، وقد قالَ صلعم في حديث آخَرَ: «لا يَزالُ العَبْدُ(9) في صَلاةٍ ما دَامَ يَنْتظِرُ(10) الصلاةَ». فأعظمُ حُكْم الوسيلةِ إلى الشيءِ أن نجعلَه كالشيءِ نفسِه، فهذه الصفةُ في الصلاةِ نفسِها مختَلَفٌ فيها، فكيفَ في الوسيلةِ؟
          ولوجهٍ(11) آخرَ: لو كانَ على(12) الوجوبِ لأشارَ ◙ إليهِ بزيادةٍ ما(13) ؛ لأنَّه المُشرِّعُ، وهذا وقتُ بيانِ الحكمِ، وتأخيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ لا يجوزُ.
          ولوجهٍ آخرَ: وهو إنَّما كانَ سُرعَتُهم في المشيِ رغبةً في الصَّلاةِ من أجلِ الأَجرِ وطلبِ(14) المزيدِ فيهِ، فأَرادَ ◙ إخبارَهم بأنَّ لهمُ الأجرَ فيما / أمرَهم بهِ لأنْ تسكنَ نفوسُهم بذلكَ، هذا مِنَ الحديثِ الشاهدِ الذي أوردناهُ، وأمَّا مِن الحديثِ نفسِه فلأَنَّه ◙ فَهِمَ منهمْ إظهارَ الجِدِّ مِن أجلِ ما وقعوا فيهِ مِن الماضِي، فَسَكَّنَ خواطِرَهم بإعطاءِ العُذرِ لهم في ذلكَ وتبيينِ الحكمِ بعدُ.
          وفيه دليلٌ لمَن يقولُ: إنما لَحِقَ المأمومُ مِن الصلاةِ معَ الإمامِ أنَّهُ أولُ صلاتِه(15)، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِه ◙ : (فَأَتِمُّوا(16))، وتمامُ العملِ هو آخِرُه، لكنْ يُعارضُنا قولُه ◙ في حديثٍ غيرِه: «ومَا فَاتَكُمْ(17) فَاقْضُوا»، فدلَّ هذا أنَّ(18) الذي أدركَه المُصلِّي هو آخرُ صلاتِه ويقضِي ما فاتَه، والحديثانِ صحيحانِ، فمِن أجلِ(19) ذلكَ اختلفَ العلماءُ في البناءِ والقضاءِ؛ فمنهم مَن قالَ بالبناءِ مُطلقًا، ومنهم مَن قالَ بالقضاءِ مُطلقًا، ومنهم مَن جمعَ بين الحديثينِ، وهو مالكٌ ☼ ومَن تَبِعَهُ، وقالَ: يكونُ بانيًا في الأفعالِ قاضيًا(20) في الأَقوالِ، وهوَ أحسنُ الوجوهِ؛ لأنَّ إعمالَ الحديثينِ خيرٌ مِن إسقاطِ أحدِهما(21).
          وفيه دليلٌ على أنَّ(22) التفاتَ الخاطرِ إلى النوازلِ إذا كانَ في الصلاةِ مالم يُخرِجْهُ مِن الشغلِ بصلاتِه جائزٌ وليسَ بمُفسِدٍ(23) للصلاةِ إذا كانَ يَسيرًا، يُؤخَذُ ذلكَ مِن سمعِهم ♥ وسمعِ رسولِ اللهِ صلعم جَلَبَةَ الرجالِ وهم في الصلاةِ، ولم يأمرهم بإعادةٍ ولا ذكرَ لهم أنَّ في عملِهم خَللًا(24).
          وفيه دليلٌ على أنَّ حسبانَ(25) الحاجةِ في السرِّ في الصلاةِ لا يُفسدُها(26) إذا كانَ الغالبُ على القلبِ الشغلُ بصلاتِه، يُؤخَذُ ذلكَ مِن تمادِي ذكرِ أمرِ الجلَبة(27) في قلبِ النبيِّ صلعم / حتى فرغَ مِن صلاتِه، وحينئذٍ سألَ عنها.
          وجواز هذينِ الوجهينِ إذا عَرَضَ الأمرُ وهوَ في نفسِ الصلاةِ ولا يتعمَّدُهُ هو، يُؤخَذُ ذلكَ مِن مجموعِ معنى هذا الحديثِ وقولِه صلعم حينَ سُئِل عن المرءِ يلتفتُ في صلاتِه(28)، فقالَ: «تِلكَ خُلسةٌ يختلسُها الشيطانُ مِن صَلاةِ أَحدِكُم»؛ لأنَّ الالتفاتَ بالاختيارِ مِن المُصلِّي دونَ عُذرٍ طرأَ عليهِ(29) خروجٌ عما كانَ بسبيلِه، ومِن قولِ مولانا جلَّ جلالُه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ(30)} [البينة:5]، فإذا دخلَ بغيرِ إخلاصٍ فأينَ(31) توفيةُ ما أُمِرَ بهِ؟ وقولُه صلعم : «إِذَا دخلَ الرجلُ في الصَّلاةِ أَقبلَ اللهُ عليهِ بوجهِهِ، فَإن التفتَ أَعرضَ عنهُ». فإذا دخلَ بغيرِ إقبالٍ أو مُعرِضًا بقلبِه لشُغلِه(32) بما كانَ فيهِ فما لَه(33) وللإقبالِ؟ هَيْهَاتَ، بينهم مفازاتٌ لا يَقطعُها إلا المُشمِّرُونَ(34)، فانتبِهْ إنْ كنتَ نائمًا وشمِّر إنْ كنتَ يقظانًا.
          وفيه دليلٌ لأهلِ الصوفَةِ الذينَ يقولونَ: إنَّ أحسنَ(35) الصلاةِ أنْ يبقى مِنَ البشريَّةِ شيءٌ مَا(36) لتلقِّي(37) الخطابِ وتوفيةِ أركانِ ما أُمِرَ به، وأحسنُ الذِّكْر أن(38) يَفنَى الذاكرُ في المذكورِ حتى لا يعلمَ(39) مَن على يمينه ولا مَن على شمالِه(40) لأنَّه لو لم يكنْ ذلكَ كذلكَ ما كانَ سيدُنا صلعم في هذا الموضعِ يسمَعُ الجَلَبَةَ، وحين الذكر(41) يقولُ ◙ (42) : «إِنَّه لَيُغَانُ على قَلبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ في اليومِ واللَّيلةِ سَبعينَ مَرَّةً»، فكيفَ يُغَانُ على قلبِه ◙ ومِن خصائصِهِ أنَّهُ يقولُ: «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي»؟.
          وقد اختلفَ(43) الناسُ(44) في مَعنى قولِهِ ◙ : «يُغَانُ(45) على قَلْبِي» بأقاويلَ(46) عديدةٍ، فانفصلْنا عنها ولم نرجِّح إلا ما أذكرُه(47) / بعدَ ذكرِ ما أجمعوا على أنه أحسنُ ما قيلَ فيهِ، والانفصالُ عنهُ إنْ شاءَ اللهُ(48).
          فأحسنُ ما قالوا(49) فيهِ أنَّه ◙ (50) كانَ في ترقٍّ مِن مقامٍ إلى مقامٍ، فإذا ترقَّى مِنَ المقامِ الذي كانَ فيهِ إلى ما هو أَعلى اسْتغفرَ اللهَ مِنَ(51) المقامِ الذي كانَ فيهِ، وكأنَّه(52) الآنَ بالنسبةِ للحالةِ(53) التي كانتْ قبلُ كمَنْ غِيْنَ على قلبِهِ، والانفصالُ عنْ هذا الوجهِ بأنْ نقولُ: سلَّمنا هذهِ المقالةَ وهيَ حسنةٌ إلى ليلةِ المعراجِ حينَ ارتقى الحضرةَ العليَّةَ، والمشاهدةَ بعينِ الرأسِ على مذهبِ ابن عباسٍ، وهو الحقُّ، فبعدَ هذا التَّرَقِّي لا زيادةَ في التَّرقِّي، وبقي الجوابُ فممَ(54) كانَ يُغانُ على ذلكَ القلبِ المباركِ؟ فنقولُ بفضلِ اللهِ: إنه كانَ مِن صفتِه ◙ لمَّا وصفَه الواصفُ طويلَ الفكرةِ كثيرَ الذكرِ قليلَ اللَّفظِ، ففِكرتُه صلعم قد تكونُ في صفةٍ من الصفاتِ أو اسمٍ من الأسماءِ، ولا يمكنُ في الزمنِ الفردِ الفكرةُ في جميعِ الأسماءِ والصفاتِ، فإذا اشتغلَ القلبُ بالفكرةِ في أحدِ الأسماءِ والصفاتِ استولَى على القلبِ المباركِ من تعظيمِ ذلكَ(55) ما صارَ عليهِ كالرَّانِ؛ لأنَّ الرَّانَ هو الشيءُ الذي يُغطِّي القلبَ مِن حُسنٍ أو ضدِّه، فإذا سُرِّيَ عنه مِن تلكَ الحالةِ الجليلةِ استغفرَ من شيئينِ؛ (أحدُهما) مِن شُغله عنِ الذي بقيَ من الأسماءِ والصفاتِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم(56) يطلبُ حقَّه(57) مِن التعظيمِ في كلِّ نَفَسٍ يَرِدُ، (والوجهُ الآخرُ) هو تقصيرُه عن توفيةِ حقِّ تلكَ الصفةِ أو الاسمِ بوضعِ البشريةِ لأنَّ الفاني لا يمكنُ أنْ يوفِّيَ حقَّ الباقِي قطعًا حتمًا، ولذلكَ / قالَ صلعم : «أَعوذُ برضاكَ مِن سخطكَ وبمعافاتِكَ مِن عقوبتِكَ وبكَ منكَ لا أُحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أَثنيتَ على نفسِكَ»(58).
          وهنا بحثٌ(59): هل ما قالوهُ هو الحسنُ(60) في الصلاةِ كلِّها على اختلافِ أنواعِها، أو ذلكَ في الفرضِ ليسَ إلَّا(61)؟ الظاهرُ والله أعلمُ أنَّهُ في المكتوبةِ بالإجماعِ والمشروعِ(62)، وأمَّا(63) النافلةُ فالأظهرُ فيها أنَّها مِن قبيلِ الذِّكرِ، يُؤيِّدُ ذلكَ مسألةُ عليٍّ ☺ حينَ كانَ في فخذهِ سهمٌ قد آذاهُ، فقالوا له(64) فيهِ أنْ ينزعوهُ فيَأْبَى عليهم ويُمهِلُهم قليلًا قليلًا، فقالَ(65) بعضُهم: لا تستطيعونَ أن تزيلوه(66) حتى يكونَ في الصلاةِ، ففعلوا ذلكَ فنزعوه منهُ وهو ساجدٌ في النافلةِ، فلما انصرفَ مِن الصلاةِ رآهُمْ مُحْدِقينَ بهِ، فقالَ: ما بالكمْ؟ أتريدونَ نزعَ السهمِ؟ فقالوا له: هاهو ذا، قد(67) أخذناهُ(68)، فقالَ: واللهِ ما عرفتُ بكم. ومثلُه كثيرٌ عن المُبارَكينَ.
          وأمَّا الجوابُ على(69): هل للسكينةِ(70) حدٌّ أم(71) لا؟ فقد قالَ العلماءُ: إنَّ حدَّها مالم يُخرِجْك عن الوَقَارِ، وقد رُوِيَ عن ابنِ عمرَ أنَّه كانَ إذا سمعَ الإقامةَ وهوَ يأتي المسجدَ يمدُّ في الخُطَا ويُخَفِّفُ وقعَ(72) قدمِه، وهذا الحالُ آخِرُ(73) حالِ السكينةِ.
          وبَقِيَ الكلامُ على مَا يُدرَكُ مِنَ الصلاةِ: ما يُحسَب منهُ وما لا يُحسَبُ، قدْ(74) بيَّنَهُ ◙ في حديثٍ آخرَ، وهو قولُه ◙ : «ادْخُلُوا مَعِي على الحالةِ التي تجدونِي عليها، فإنْ وَجَدْتُموني راكعًا فاركعوا، وإنْ وجدْتُموني(75) ساجدًا فاسجدوا ولا تحسبُوها شَيئًا».
          وفيه دليلٌ على أنَّ الدِّينَ يُسرٌ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن أنَّهم لمَّا اهتمُّوا مما(76) وقعَ منهم / مِن التأخيرِ(77) عن الصلاةِ فأسرعوا جعلَ لهم المَخْرَجَ بأنْ قِيلَ لهم: (عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ...) إلى آخرِه، والذي يقعُ ذلكَ منهُ _أعني تأخيرَ الصلاةِ عن وقتِها المستحبِّ(78)_ يدخلُ(79) تحتَ قولِه جلَّ جلالُه(80) : {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]، ورُوِيَ عن عائشةَ ♦ أنَّها(81) قالت: واللهِ ما تَركُوهَا، وإنَّما أخرجوها عن وقتِها المختارِ(82). فإذا كان الأمر في تفضيلِ الأوقاتِ على هذا المَعنى، فكيفَ بهِ في تضييعها(83) معَ النبيِّ صلعم ؟ لأنَّ الوقتَ فيه خلافٌ بين العلماءِ(84) والصلاةُ معهُ صلعم لا خلافَ أنَّها(85) أفضلُ الصلواتِ.
          ويترتَّبُ على هذا(86) الوجهِ مِن الفقهِ لأَربابِ القلوبِ: أنَّ الهمَّ(87) على عملٍ مِنَ الخيرِ إذا فاتَ بُدِّل(88) منهُ لكنْ ليسَ البدلُ كالمُبدَلِ منه مِن كلِّ الوجوهِ، ويؤيِّدُ(89) هذا قولُه صلعم حينَ سألَهُ زيدٌ: ما عَلامةُ اللهِ على مَن(90) أحبَّهُ؟ فقالَ: «يا زَيدُ، كيفَ أصبحتَ؟»، فقالَ: أصبحتُ أُحِبُّ الخيرَ وأهلَهُ، وإنْ قدرْتُ عليهِ بادرتُ إليهِ، وإن فاتَني حَزنْتُ عليهِ ونِبْتُ(91) إليهِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلعم : «ذلِكَ(92) علامةُ اللهِ فيمَن يُريدُه، ولو أرادَكَ لغيرِها لهيَّأَكَ لها(93)». فلمَّا قالَ: (ندمت(94) عليه)، فحينئذٍ صحَّ لهُ ما تضمَّنه الحديثُ، ويقوِّيه أيضًا قولُه ◙ : «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»،وفي هذا مِن الفقهِ معنًى عجيب(95)؛ وهو: أنَّ نفسَ الندمِ والحُزنِ(96) إما يكونُ(97) مُذهِبًا للإثمِ إذا كانَ على فعلِ ممنوعٍ وقعَ إنْ(98) حملنا قولَه صلعم (99) على ظاهرِه بأن قال: / «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»(100).
          وإنْ تأوَّلْنا(101) بأنْ تقولوا(102): هو أعظمُ الأسبابِ في التوبةِ أو أكبرُ(103) أجزائِها كقولِه(104) ◙ : «الحَجُّ عَرَفَةَ»، فعلى وجهِ(105) التأويلِ يكونُ أقوى الأسبابِ في الخلاصِ ممَّا(106) وقعَ فيهِ، وكلاهُما خيرٌ عظيمٌ، ويكونُ لِمَا فاتَه(107) مِن الخيرِ جابرًا(108) كما تقدَّمَ، يزيدُ ذلكَ إيضاحًا قولُه ◙ (109) : «مَا أَمْسَى المُؤمِنُ فِيهَا _يعني في الدنيا_ ولا أَصْبَحَ إلا حَزِينًا»؛ لأنَّه بالضرورةِ بين أحدِ أَمرينِ؛ إمَّا غفلةٌ عن مندوبٍ، وإمَّا سهوٌ حتى يقعَ في مكروهٍ، وهذا أقلُّها.
          ويترتَّبُ أيضًا(110) على هذا المعنى وجهٌ مِن الفقهِ ووجهٌ مِن طريقِ أهلِ الحقائِقِ؛ فأمَّا الذي مِن الفقهِ فيكونُ وجودُ الحُزْنِ على فواتِ شيءٍ مِن الخيرِ أو الوقوعِ في شيءٍ مِن ضدِّهِ مِن علامةِ الإيمانِ، وأمَّا الذي هو مِنْ طريقِ أهل الصُّوفَةِ فإنَّ قولَهم: إن القلبَ إذا خلَا مِن الحُزن خَرِبَ، ويترتَّبُ عليهِ مِن طريقِهم أيضًا وجهٌ آخرُ: وهو أنَّ مَن كانَ حالُه هذا كانَ حالُه(111) حالَ المُراقبةِ، وهو أجلُّ الأحوالِ، ولابدَّ لصاحبِ هذا الحالِ أن يتخلَّل خوفَه رجاءٌ وإلَّا كانَ ناقصًا عن حالِ الكمالِ، بدليلِ قولِه صلعم : «المُؤمِنُ تَسرُّهُ حَسناتُه وتَسُوؤُهُ سَيِّئاتُهُ»، فإنَّه إذا وجدَ في(112) نفسِه هذا الخوفَ سُرَّ بهِ فيجتمعُ(113) له علامتان مِن الإيمان(114): وجودُ الخوفِ في موضعِه، والفرحُ في موضعِه، ولذلكَ قيلَ لبعضِهم في بعض(115) مناجاتِه: يكونُ خوفُك(116) خوفَ مُحبٍّ ومَحبوبٍ(117)، لأنَّ المُحِبَّ مهما رأى أقلَّ شيءٍ خافَ مِنه(118) أنْ يكونَ ذلكَ سببًا للبعدِ(119)، والمحبوبُ وإنْ رأى ما يوجبُ / البعدَ يعلمُ أنَّ المحبوبَ لا تَضُرُّه الذنوبُ فلا تُحزنه فيكونُ حالُه في(120) الزمنِ الواحدِ محبوبًا مُحبًّا، وهذه أكملُ الحالاتِ، جعلنا اللهُ مِن أهلِها بمنِّه(121).


[1] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((قوله)) بدل قوله: ((عن أبي قتادة قال)).
[2] في (ج): ((رجال)). وزاد في (ج): ((فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ؟) قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)). وقوله: ((الحديث)) ليس في (ف) و (ج).
[3] قوله: ((إلا)) ليس في (ل).
[4] في (م): ((نقص)).
[5] في (ف): ((ابطال)).
[6] زاد في (ج) و(م): ((قولنا)).
[7] في (ف): ((للوجوب)).
[8] في (ط) و(ف): ((فيه)).
[9] أشار في هامش الأصل إلى نسخة: ((ما يزال المرء)).
[10] في (ط): ((يعمد)).
[11] في (ف): ((ووجه)).
[12] في (ج): ((عليه)).
[13] قوله: ((ما)) ليس في (ف).
[14] في (ج): ((وطالب)).
[15] في (م): ((صلاة)).
[16] في (ف): ((أتموا)).
[17] في (ف): ((فما فاتكم)).
[18] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[19] في (م): ((فلأجل)).
[20] في (ط): ((بان في الأفعال قاض)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[21] في (م): ((خير من إسقاطهما)).
[22] كلمة: ((أن)) من (م).
[23] في (ج): ((بمعتد)).
[24] في النسخ: ((خلل)) والمثبت من (م).
[25] في (م): ((إمساك))، وفي (ط) و(ج) و(ف): ((حبسان)).
[26] في (ج): ((يفسد)).
[27] في النسخ: ((الوجبة)) والمثبت هو الصواب وهو المطابق للمطبوع.
[28] في (ف): ((الصلاة)).
[29] زاد في (ج) و(م): ((فإن ذلك)).
[30] زاد في (ج): ((له الدين)) وهي مشطوب عليها في الأصل، وزاد في(ف): ((له)).
[31] في (ج): ((أين)).
[32] في (ف): ((واشغله)).
[33] زاد في (ط): ((له))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[34] في (ج): ((المشرمون)) والصواب المثبت.
[35] قوله: ((أحسن)) ليس في (م).
[36] قوله: ((ما)) ليس في (م).
[37] في (ف): ((ليلقي)).
[38] في (ج): ((الذاكرات)).
[39] في (ج): ((يعرف))، وفي (م): ((حتى يعرف)).
[40] في (ج) و(م): ((يساره)).
[41] في (ج) و(م): ((وفي غير الصلاة)) بدل: ((وحين الذكر)).
[42] قوله: ((◙)) ليس في (ف)..
[43] في (ج) و(م): ((ذكر)).
[44] في (ف): ((اختلف العلماء)). و في (ج) و (م): ((ذكر الناس)).
[45] في (ف): ((ليغان)).
[46] في (ج) و(م): ((أقاويل)).
[47] في (ج): ((يرجحوا إلا ما ذكره))، وفي (ف): ((ماذكره)).
[48] قوله: ((فانفصلْنا عنها ولم نرجح إلا ما أذكرُه... فيهِ، والانفصالُ عنهُ إنْ شاءَ اللهُ)) ليس في (م).
[49] في (ج): ((قالوه)). وقوله: ((والانفصال عنه إن شاء الله فأحسن ماقالوا فيه)) ليس في (ف).
[50] قوله: ((◙)) ليس في (ف)..
[51] في (ج) و(م): ((استغفر من)).
[52] في (م): ((كان)).
[53] في (م) و(ف): ((إلى الحالة)).
[54] في (ف): ((عما)).
[55] في (ف): ((خلل)).
[56] في (ف): ((منهما)).
[57] في (ف): ((حظه)).
[58] في (ج): ((والغَينُ في اللُّغةِ الغَيمُ الرقيقُ، ويُقالُ: غِينَ على كذا أي: غَطَّى عليه ومنه الحديث، فالغَيْنُ ما لَطُفَ من الغطاءِ والرَّيْنُ ما كُشِفَ منه))، وفي (م): ((والغَينُ في اللُّغةِ الغَيمُ الرقيقُ، ويُقالُ: غِينَ على كذا أي: غَطَّى عليه ومنه الحديث، فالغَيْنُ ما لَطُفَ من الغطاءِ والرَّيْنُ ما كثف منه)) بدل قوله: ((والانفصال عن هذا الوجه بأن نقول.... أثنيت على نفسك)).
[59] زاد في (ج): ((وهو أن يقال)).
[60] في (ج) و(ف): ((الأحسن))، في (م): ((قالوه هؤلاء أحسن)).
[61] قوله: ((إلا)) ليس في (ف).
[62] قوله: ((والمشروع)) ليس في (ج) و(م).
[63] زاد في (م): ((في)).
[64] قوله: ((له)) ليس في (ط) و(ف) و(ج) و(ل).
[65] في (م): ((فلا)).
[66] في (ج) و(م) و(ف): ((تنزعوه)).
[67] في (ج): ((فقد)).
[68] قوله: ((فيها، فكيفَ في الوسيلةِ، ولوجهٍ آخرَ:...)) إلى قوله: ((...فقالوا له: هاهو ذا، قد أخذناهُ)) بياض في (ل).
[69] في (ج): ((عن قولنا))، وفي (م): ((على قولنا)).
[70] في (م) و(ف): ((السكينة)).
[71] في (ف): ((أو)).
[72] في النسخ: ((رفع)) ولعل الصواب هو المثبت وهو مطابق للمطبوع.
[73] في (ل): ((أخرج)).
[74] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((فقد)). وبعدها في (م): ((نبه)).
[75] قوله: ((راكعاً فاركعوا، وإنْ وجدْتُموني)) ليس في (م).
[76] في (ج): ((فيما))، وفي (ف): ((بما)).
[77] في (ج): ((التأخر)).
[78] قوله: ((المستحب)) ليس في (ج) و(م).
[79] في (م): ((تدخل)).
[80] في (ف): ((تعالى)).
[81] في (م): ((أنه)).
[82] قوله: ((المختار)) ليس في (م).
[83] في (ج): ((فوت شيء منها))، وفي (م): ((فوات شيء منها)).
[84] قوله: ((لأن الوقت فيه خلاف بين العلماء)) ليس في (ج) و(م).
[85] في (ج): ((لأنها)).
[86] قوله: ((هذا)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[87] صورتها في (م): ((الفم)).
[88] في (ط): ((بدلاً)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[89] في (م) و(ل): ((يؤيد)).
[90] في (ج): ((فيمن)).
[91] في (ل): ((وتبت)).
[92] في (ف): ((فذلك)).
[93] في (م): ((هيأك إليها))، وزاد في (م): ((قال)).
[94] في (ج) و(م): ((حزنت)).
[95] قوله: ((عجيب)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[96] قوله: ((والحزن)) ليس في (ط) و(ج) و(ل).
[97] قوله: ((إما يكون)) ليس في (ج)، وفي (م) (ل): ((يكون إما)).
[98] في (م): ((أو)).
[99] في (ف): ((◙)).
[100] في (ج): ((قوله صلعم الندم توبة على ظاهره)).
[101] في (ل): ((قولنا)).
[102] كذا في (ط)، وفي باقي النسخ: ((نقول)).
[103] في (ف): ((أكثر)).
[104] قوله: ((لقوله)) ليس في (م).
[105] في (ج) و(م): ((هذا)).
[106] زاد في (ل): ((قد)).
[107] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((فات)).
[108] في (ج): ((جائزاً)).
[109] في (ف): ((صلعم)).
[110] قوله: ((أيضا)) ليس في (ج) و(ل).
[111] في (ج): ((هذا كان حاله)) ليس في (ج).
[112] في (م) و(ل): ((من)).
[113] في (ل): ((فتجتمع)).
[114] قوله: ((من الإيمان)) ليس في (ج).
[115] قوله: ((بعض)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[116] زاد في (ج): ((للعبد)).
[117] في (ط): ((محبوب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[118] في (ج) و(م) و(ل): ((من)).
[119] في (ط): ((إلى البعد))، وفي (ج): ((للعبد))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[120] قوله: ((وإن رأى ما يوجب البعد....حاله في)) ليس في (ج)، وفي (م) و(ف): ((الزمان)).
[121] زاد في (ج): ((وكرمه)).