بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال: المسجد الحرام

          186- قوله: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أوَّلا؟...) الحديث. [خ¦3425]
          ظاهر الحديث الإخبار بثلاثة أحكام: (الواحد) منها أنَّ المسجد الحرام أوَّل مسجد وضع للصلاة، و(الثاني)(1) المسجد الأقصى وضع بعده(2) وبينهما أربعون، و(الثَّالث) جعل الأرضِ لنا مسجدًا وطهورًا وحيثمَا أدركتنا الصلاة نصلِّي. والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: الدليل على فضل سيِّدنا صلعم وأمَّته على مَن(3) تقدَّم، يؤخذ ذلك مِن تيسير العبادة عليهم بأن جُعِلت لهم الأرض(4) مسجدًا وطهورًا، ولم يكن ذلك لمَن تقدم.
          ومنها: أنْ يقال: ما معنى قوله: (مَسْجِدًا(5)؟)، وما معنى: (طَهُورًا)؟، فأمَّا معنى: (طَهُورًا) فقد جاء في حديث آخر منصوصًا عليه، وهو قوله ╕: «وترابها طهورًا»، وهو الذي مُنَّ به علينا مِن إبدال الوضوء بالتيمم، بجميع أنواع الأرض عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله، وأمَّا ما معنى: (مَسْجِدًا)(6) أي موضع إيقاع الصلاة لأنَّ كل موضع يُصَلَّى فيه فهو مسجد، أي موضع السجود وكانت الأمم(7) قبلُ لا يفعلون الصلاة إلا في المواضع(8) التي بُنِيت لها.
          وفيه دليل: على / أنَّ تخصيص الأشياء ليست بالاستحقاق وإنَّما هي بحسب ما جرت حكمة الحكيم.
          يؤخذ ذلك مِن أنَّ الصلاة قبل هذه الأمَّة(9) لم يكونوا يُوقِعونها إلا في مواضع مخصوصة وجعلت جميع الأرض لهذه الأمَّة محلًا لفعلها فيه.
          وفيه دليل: على أنَّ حُسن النية في السؤال يعقب(10) زيادة خير على ما قصده، يؤخذ ذلك مِن كون هذا الصحابي ☺، لَمَّا سأل سيِّدنا رسول الله(11) صلعم أنْ يخبره عن أوَّل مسجد وضع أوَّلا، فلِمَا يُعْلم مِن حسن مقاصد الصحابة رضوان الله عليهم وتعظيمهم لشعائر الله تعالى، فإنَّه لم يكن(12) سؤاله عن ذلك إلا ليحترمه أكثر مِن غيره، فجاوبه سيدنا صلعم (13)، فزاده ╕ بأن أخبره بهذا الخير(14) العظيم وهو جَعل الأرض لنا مسجدًا وطهورًا.
          وفيه دليل: على أنَّ للعالم(15) أنْ يجاوب بأكثر ممَّا سئل(16) عنه، يؤخذ ذلك مِن كون السائل(17) سأل عن أي المساجد وُضِعَ أوَّلا؟ فجاوبه صلعم على ذلك، وزاده الإخبار بجعل الأرض مسجدًا وطهورًا.
          وفيه دليل: على أنَّ مِن فصيح الكلام الاختصار في الألفاظ بشرط أنْ لا يخلَّ بالمعنى(18)، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕: ((19)حَيْثمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاة فَصَلِّ) والمقصود حيثمَا أدركك وقت الصلاة، فإنَّ الصلاة فعل للمصلِّي فكيف(20) يدركه / فعله؟ هذا مستحيل، فلمَّا لم يكن هذا الأمر يمكن فيه الناس اختصره، ولِعِلْمِهِ أيضًا بأنَّ المخاطب فهم عنه وإلاَّ كان يزيده فيه(21) بيانًا.
          وفيه دليل: على المحافظة على أوقات الصلوات، يؤخذ ذلك مِن قوله ╕: ((22)حَيْثمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاة فَصَلِّ) أي: لا تؤخِّرْها، فيدلُّ(23) هذا بضمنه على المحافظة على الصلاة، ويدلُّ أيضًا على التحضيض على المعرفة بأوقات الصلوات، لأنَّه مِن اللازم أنَّه(24) لا يعلم وقتها حتى(25) يكون له بذلك علم.
          وفيه دليل: على ما خصَّ الله ╡ به(26) سيِّدنا صلعم مِن الفصاحة، يؤخذ ذلك مِن كون(27) لفظة منه ╕ تحتوي(28) على أحكام عديدة مثل ما نحن بسبيله مِن هذا الحديث.


[1] زاد في (م): ((أن)).
[2] في (ج): ((والثاني أن المسجد الأقصى بعده)).
[3] في (ج): ((ما)).
[4] في (ج): ((الأرض لهم)).
[5] في (ج) و (م): ((مسجد)).
[6] قوله: ((وما معنى طهورا...ما معنى مسجدا)) ليس في (ج) و (م).
[7] في (ج): ((الأمام)).
[8] زاد في (ج) و (م): ((المواضع)). كالاصل.
[9] قوله: ((الأمة)) ليس في (ج).
[10] في (ج): ((تعب)).
[11] قوله: ((رسول الله)) ليس في (ج) و (م).
[12] قوله: ((يكن)) ليس في (ط) ولعل الصواب إثباتها.
[13] في (ج): ((أولا فلما...فجاوبه سيدنا صلعم)) ليس في (ج) وقوله: ((فلما يعلم.... فجاوبه سيدنا صلعم)) ليس في (م).
[14] في (م): ((الخبر)).
[15] في (ج): ((العالم)).
[16] في (ج): ((يسأل)).
[17] زاد في (ج): ((سائل)).
[18] في (ج): ((في المعنى)).
[19] زاد في (ج) و (م): ((ثمَّ)).
[20] في (ج): ((المصلي وكيف)).
[21] قوله: ((فيه)) ليس في (ج) و (م). ولا في الاصل.
[22] زاد في (ج) و (م): ((ثم)).
[23] في (ج) و (م): ((فيدل)). كالاصل.
[24] قوله: ((أنه)) ليس في (ج).
[25] في (ج): ((حيث)).
[26] قوله: ((به)) ليس في (ج).
[27] في (ج) و (م): ((كون)). كالاصل.
[28] في (ج): ((يحتوي)).