بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

الرؤيا الثامنة

          الرؤيا الثامنة
          رئي كأن القيامة قد قامت، وحشر الناس في المحشر، وعبد الله في المحشر، والحق سبحانه قد قال: كيف حالك يا عبد الله بن أبي جمرة؟ فقال عبد الله: في نعمتك التي لم تحوجني إلى أحد غيرك. فكان الحق يعرض عليه أعماله، والشرح من جملتها، وهو أفضلها. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: كيف رأيت أعمالك، وكيف فضل الشرح عليها؟ فقال عبد الله: ولم لا يكون هذا مخفيّاً عن الناس؟ فيقول سبحانه: لا خفاء اليوم. اليوم يفتخر أهل الفخر.
          ثم إن الحق سبحانه وتعالى يقول: اليوم أزين المحشر بالأنبياء والرسل وبالشهداء وبك وبأصحابك. ثم يوضع في المحشر كراسيّ من اللؤلؤ والذهب والفضة، ثم يؤتى بالأنبياء والرسل فيجلسون على تلك الكراسي، ويجعل بإزاء كل نبي الخيرة من أمته، ويجلس سيّدنا محمد صلعم على كرسي ليس في الكراسي مثله في الحسن، ويجعل على يمينه الصحابة والخلفاء، وعن يساره ابن أبي جمرة وأصحابه.
          ثم إن المجد يأخذ أبويه وجميع أهله وعبدهم الذي مات، / والحق سبحانه وتعالى يقول له: أنت اليوم مالُك لأبويك وأهلك. فيجوز بجميعهم الصراط.
          ثم إن الله سبحانه يفرغ من الفصل بين العباد، وتبقى الأنبياء والرسل على ما كانوا عليه، فيقول الحق سبحانه: اشهدوا يا جميع أنبيائي ورسلي أن ما في أمة محمد بعد أصحابه أفضل من ابن أبي جمرة. ثم يقول سبحانه: شهدتم؟ فيقولون: شهدنا. فيقول عبد الله: يا مولاي، بم استوجبت ذلك؟ فيقول الحق سبحانه: بثلاث(1) خصال مننت بها عليك، وهي: اتباع السنة، وأنك لا تخاف سواي، وأن قلبك لا يتعلق بغيري، والرابعة جلوسك في منزلك ومعاداك الخلق في حقي وحق رسلي، وقليل من يفعلها.
          ثم إن الحق سبحانه يقول: تَمَنَّ عليَّ، واطلب مني عند حضورك بين يدي ما شئت أعطك. فيقول عبد الله: كيف لي أن أكون بين يديك وهذه القيامة؟ فيقول الحق سبحانه: ليس هو يوم القيامة حقيقة، وإنما هو وقت تجلّي لك، وإفضالي عليك، وإظهار أعمالك، وقت حكمي وفصلي بينك وبين هؤلاء بعدلي.
          وأما حضورك بين يدي ألست إذا كنت في الصلاة أنت بين يديّ وعند اضطرارك(2) فإني قلت في كتابي { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }[النمل:62] وقلت: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:186] فتمنّ عليّ. فيقول عبد الله: أسألك النصر. وأن ترزقني العمل بهذا الشرح، وأن تحفظه لي، وأن تيسر لي في مقابلته. /
          فيقول الحق سبحانه: وعزتي وجلالي (لأنصرنّك نصراً عزيزاً) وأما حفظه فَلأُحَفِّظَنَّكَ إياه كما حفّظتك الكتاب العزيز، وأما العمل به فلا تشك أني مننت به عليك وأنا أرزقك العمل به. وأما مقابلته: ألم يأتك على لسان نبيّي: أنه ليس فيه خلل؟ فيقول عبد الله: أتوقع ذلك فيه من طريق الهجاء ومن طريق العربية. فيقول سبحانه: ليس فيه خلل لا من طريق الهجاء ولا من طريق العربية، ولا فيه نقد لمنتقد(3).
          ثم إن الحق سبحانه وتعالى يقول للنبيّ صلعم : ألم تخبره بذلك؟ فيقول: بلى. فيقول الحق سبحانه: أبعد ذلك يبقى عليك فيه شك؟ فيقول عبد الله: أرغب منك أن يكون لي مؤيداً إلى يوم القيامة، ويظهر نوره. فيقول الحق سبحانه: قد مننت به عليك مكتوباً في اللوح المحفوظ(4)، وأنه مؤيد إلى يوم القيامة.
          واعلَمْ أنه من كان عنده، أو واحد من الثلاثة الأحاديث، وهي: حديث الإفك، وحديث ابن الصامت، وحديث المعراج(5)، فإن الملائكة تدخل كل يوم منزله ما لم تكن فيه بدعة، فتسلّم عليه، وتتبرك به. واعلم أني لا أجعله في قلب أحد ويبقى فيه من العلوم الفاسدة شيء.
          ثم إن عبد الله يرغب من الحق سبحانه أن يخفيه عن الناس. فيقول الحق سبحانه: كيف تطلب ذلك وأنا قد أشهرتك في الدنيا، وأخبرت بك آدم(6)، لأنت في الدنيا والآخرة / أشهر من المصباح في الظلام، لكن اطلب الاستعانة مني، فإني أعينك.
          ثم إن عبد الله يقول: أخاف على الشرح من الضياع، وأخاف من هؤلاء أن يبدلوه. فيقول الحق سبحانه: ما خطر لك من تحبيسه(7) فإنه حسن، ولا يدري أحد ما لك من الخير فيه، فحبسك هذه النسخة التي خطر لك أن تحبسها مع النسخة التي عندك حبستهما معاً، فإنه أحفظ لهما، وهو لا يحل بيعه.
          ثم إن الحق سبحانه يقول لمحمد الفاسي أن يحبس نسخته أيضاً. فيقول محمد: يا رب، الشرح عندي، وأخاف ألا أعمل به، فيكون عليَّ حجة. فيقول الحق سبحانه: استعن بي وأنا أعينك.
          ثم يأمر سبحانه أبا عثمان أن يحرص على تحصيل حديث الإفك وحديث المعراج فيحبسهما مع حديث ابن الصامت الذي عنده.
          وأما الحموي فلا يحبس، فإن له عقباً.
          ثم بعد ذلك انفصلنا من المحشر مع سيّدنا صلعم ودخلنا معه الجنان، ثم بعد هذا كأن عبد الله في منزله مع سيّدنا محمد صلعم وبعض الأصحاب، فإذا بالمجد دخل عليهم وهو يرغب في تعجيل نسخ الشرح، فيقول له عبد الله: لو حرصت عليه مثل هذا في حياتك كنت قد حصلته. فقال له محمد: ما كنت أعرف قدره، والآن فقد عرفت قدره، فما أريد أن يفوتني. فقال صلعم لعبد الله: سمعت خطاب الحق لك؟ قال: نعم. قال ◙ : هذا دليل / على صدق ما قلت لك أول البارحة(8).


[1] لعلَّه يريد: بأربع خصال.
[2] العبارة مضطربة.
[3] كذا.
[4] كذا.
[5] أرقامها: 119، 3، 160.
[6] كذا.
[7] تحبيسه: وقفه وجعله حَبْساً على الخير. ووزارة الأوقاف تسمى في الأندلس والشمال الإفريقي: وزارة الأحباس.
[8] كذا، ورسول الله صلعم لا يحتاج إلى دليل على صدقه.