بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به

          194- قوله صلعم : (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ...) الحديث. [خ¦3485]
          ظاهر الحديث الإخبار بخسف الذي جرَّ إزاره خيلاء، وأنَّه في جوف الأرض لا يستقر له قرار إلى يوم القيامة. والكلام عليه مِن وجوه:
          منها أنْ يقال: ما الفائدة لنا بالإخبار بحاله؟ فيه وجوه(1):
          منها: التحذير عن ارتكاب هذا الأمر الخطر.
          ومنها: بيان فضل هذه الأمَّة على مَن تقدَّم، يؤخذ ذلك مِن أنَّ مَن تقدم كانوا إذا وقعوا في الذنوب لم يؤخَّر لهم عقاب مثل ما فعل بهذا، والأحاديث في هذا النوع كثيرة، وكان إذا أذنب أحد منهم أصبح على باب داره تسمية(2) الذنب الذي فعله، وما هو المخرج منه، وهذا خزي عظيم وقد مَنَّ الله بفضله على هذه الأمَّة ببركة نبيُّها(3) صلعم (4) أنْ عافاهم مِن هاتين الخصلتين.
          أما الكَتب(5) فما وقع مِنه في هذه الأمَّة شيء، وأمَّا الخسف فعوفوا(6) منه إلا القليل مِن بعض / المتمردين في بعض الأزمان وذلك نصرة للدين، وقد قال صلعم في شأن جَرِّ الإزار خيلاء: «مَن جرَّ إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة».
          وفيه دليل: على عظيم قدرة الله تعالى، وأنَّها(7) لا تجري على قياس، يؤخذ ذلك مِن كون الذي خسف به لا يستقرُّ له قرار إلى يوم القيامة، وهذا الزمان فطوله(8) في مقدار الأرض وهو خمس مئة عام.
          وفيه دليل: على حسن(9) طريق القوم، يؤخذ ذلك مِن أنَّ كِبْرَ نَفْس هذا الشقي هو الذي رمى به إلى هذا الأمر العظيم، وأهل الطريق قد عملوا على ذُلِّها وهوانِهَا، لأنَّ ضد المذموم هو مشكور، فلمَّا ذمَّ الله تعالى كِبْرَ النفس وجعل مِن أجل ذلك لصاحب الخيلاء هذا العقابَ الأليم فضدُّ ذلك محمود عنده، وقد نص الشَّارع صلعم على ذلك بقوله: «أوحي إليَّ أنْ تواضعوا(10) ولا يفخر بعضكم على بعض»، وقال ╕: «المؤمن هيِّن ليِّن»، وقال ╕: «ألا أخبركم بمَن تحرم النَّار عليه(11) ؟ تحرم(12) النَّار على كل قريب هيِّن سهل»، والأخبار في هذا كثيرة(13).
          وفيه دليل على أنَّ هذا الذنب مِن أكبر الذنوب، يؤخذ ذلك مِن أنَّه إذا كان يُفعل به هذا الأمر العظيم حتى إلى يوم القيامة كيف يكون حاله يوم القيامة؟ لا تقدره العقول مِن شدته، ولا تتوهمُّه الأذهان وكذلك(14) قال:
بالفقـر فاستغـنِ تكـن لبيبـًا                      وبالتـواضع فارتفـع تكـن حسيبًا
وبالتقـوى فتزوَّد(15) / تكـن حبيبـًا                      وبالله فاستعـن تكـن نجيبـــًا


[1] قوله: ((منها أنْ يقال ما الفائدة لنا بالإخبار بحاله فيه وجوه)) ليس في (م).
[2] في (ج): ((اسمية)).
[3] في (م): ((نبينا)).
[4] زاد في (ج): ((وزده يا رب شرفا وكرما)).
[5] في (المطبوع): ((الكتاب)).
[6] في (م): ((فعرفوا)).
[7] في (ج): ((أنها)).
[8] في (ج) و (م): ((وطوله)).
[9] في (ج): ((حسن على)).
[10] في (ط) و(ج): ((تتواضعوا)) والمثبت من (م).
[11] قوله: ((تحرم النار عليه)) ليس في (ج).
[12] في (ط) و(م): ((وتحرم)) والمثبت من (ج).
[13] في (ج): ((كثير)).
[14] في (م): ((ولذلك)).
[15] قوله: ((فتزود)) ليس في (ج)، وفي (المطبوع): ((تزود)).