بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات

          57- (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ(1) رَسُولُ اللهِ صلعم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ...) الحديث(2). [خ¦953]
          ظاهر الحديث أنَّ السُّنَّة في(3) يوم الفطر أن(4) لا يغدو أحدٌ للصَّلاة(5) إلَّا بعدما يفطر، والمستحبُّ أن يكون على التمر، وأن يكون(6) وِترًا، والكلام عليه من وجوه منها:
          هل هذا(7) معقول المعنى أم لا؟
          فالجواب: أنَّ المعنى فيه(8) ظاهرٌ وهو إظهار(9) امتثالِ الأمر؛ لأنَّه لـمَّا أن كان صومُ هذا اليوم محرَّمًا(10) والمشروع فيه الأكل فبادر للامتثال وهو الأكل، ولو كان لغير ذلك لكان يأكل الشبع من الطعام.
          وبقي البحثُ(11) على كونها تمرًا وكونها وترًا، فأمَّا كونها تمرًا فلوجوه: منها لحلاوتها، والحلاوة مما توافق الإيمان ويرقُّ بها القلب وقد جاء في ذلك أثر، ويترتَّبُ على هذا(12) من الفقه استعمال الأشياء الحلوة إذا لم يوجد(13) التمر، ومنها أنَّها أيسر الأشياء عندهم بالمدينة، وكان صلعم يحبُّ ما تيسَّر(14) من الأشياء.
          ويترتَّبُ على هذا الوجه مِن الفقه: أنَّ التكليفَ للفطر في ذلك اليوم مخالفٌ للسنَّة؛ لأنَّه تكون النفس مشغولة بذلك، وكان هو(15) صلعم وأصحابه رضوان الله عليهم همُّهم(16) الآخرة حتَّى إنَّهُ رُوِيَ عن عليٍّ ☺ أنَّه كان يقول لأهله: اعملوا / الطعام مشروبًا ولا تعملوه مأكولًا؛ لأنَّ بين المأكول والمشروب(17) كذا وكذا آية، فما كانوا رضوان الله عليهم يأخذون من الدُّنيا إلَّا قَدر الضرورة، واحتُمِل المجموع.
          و(أمَّا كونُها وترًا) فيُحتَمل أن يكون على معنى(18) التداوي لقوله ◙ : «مَنْ تَصبَّحَ بِسَبْعِ تمراتِ عَجْوةٍ لم يَضُرَّهُ في ذلكَ اليومِ(19) سمٌّ ولا سِحْرٌ».
          ويُحتَملُ أن تكونَ على وجه التبرُّك لقوله ◙ : «إنَّ اللهَ وِتْرٌ يحبُّ الوِتْرَ» فيكون استفتاحه هذه العبادة بما هو مستحبٌّ وهي(20) الوترية، كما سُنَّ في الاستجمار الواجب الإنقاء، والسنَّة الوترية(21).
          ويُحتَملُ أن يكون تنبيهًا على الوحدانيَّة(22) ليعرف قدر نعمها في هذا اليوم على العباد، وقد(23) جاء في تحريك السبَّابة في التشهُّد على أحد الوجوه أنَّه يعتقد بتحريكها أنَّ الله واحد، ويُحتَمل المجموع وأكثر من ذلك.
          وفيه من الفقه: أنَّ حقيقة الخير(24) هو نفس(25) الامتثال فيما أحبَّته النفس أو كرهته، فإنْ جاء ما تحبُّ في الامتثال(26) مثل هذا الموضع وما أشبهه(27) فهو من جملة النعم(28)؛ لأنَّها تفعل ما تحبُّ وتكون فيه مأجورة.
          وممَّا يقوِّي ما قلناه: ما جاء عنه ╕ في عيد الأضحى (أنَّه كان يخرج للمصلَّى(29) ولا يأكل شيئًا حتَّى يُقَرِّبَ أضحيته أو هَدْيَه، وأوَّلُ ما يأكل منه زيادة الكبد)؛ لأنَّ(30) أقرب ما يفعل الآدمي في يوم النحر هو(31) إراقة الدم، فأراد ╕ أنْ يكون فطره على ما فيه رضى مولاه.
          وهنا بحث(32): لِمَ(33) كان ╕ يأكل أوَّلًا زيادة الكبد؟ فذلك _والله أعلم_ لكي يقع التشبه(34) في ذلك(35) بأهل الجنة؛ لأنَّه روي «أن أوَّلَ طعام / يأكله أهلُ الجنة هو(36) زيادةُ كبد الحوت الذي عليه قرار(37) الأرضين».
          واحتُمِل أنْ يكون(38) بدأ به لأنَّه كالأصبع قائم فيكون فيه إشارة للوحدانيَّة(39)، ويُحتَملُ أنْ يكون بدأ به(40) لمجموع ما ذكرناه والله أعلم.
          ويترتَّبُ على هذا من الفقه أيضًا أنَّ(41) الذي يفعله اليوم المترفون من أبناء الدُّنيا: كونهم يقدِّمون من أول ليلة العيد لحمًا ويطبخون(42) الألوان ويأكلون قبل ذبح الأضحية هذا هو فعل الذي(43) يضحِّي منهم، وأكثرهم(44) مخالفون السنَّة(45) بتركها البتَّة(46).
          ولذلك قد(47) تنكَّرت(48) معارف الشرع بالبدع والمخالفات التي أقاموها لأنفسهم(49) ويحتجُّون بأنْ يقولوا: هذه عادة الناس، وكيف يقولون(50) (تأسِّيًا)(51) لمن تركوا سُنَّة نبيهم ╕ ويؤثرون عادة نفوسهم الذميمة؟
          وفي أكله ╕ يوم(52) الفطر أيضًا قبل الغدوِّ فائدةٌ أخرى وهي: تقرير قاعدةٍ شرعيَّةٍ بالفعل؛ لأنَّه كما تقدَّم لنا في غير ما موضع أنَّ تقعيده صلعم القواعد الشرعية وأحكامها بالفعل أبلغ.
          وبقي بحث فيمن لم يجد ولم(53) يقدر على التمر ولا على شيء حلو، فالجواب أن نقول: إنَّما يُؤمَرُ بذلك مع الإمكان، وعند(54) عدم الإمكان قام العذر وصاحب العذر مسامَح في الترك، لكنَّه يفطر ولو على الماء حتَّى تحصل(55) له نسبة ما(56) في الاتباعية؛ لأنَّه قد جاء عنه(57) صلعم أنَّه كان إذا لم يجد تمرا وكان صائمًا يفطر على الماء(58) وتكون نيَّتُه / أنْ لو قدر على ما ذُكِر فَعَلَ، وإن لم يجد ماء ولا شيئًا فينوي الفطر، وإن يسَّر الله تعالى(59) له بعد ذلك في شيء أكل ولا يجوز خلاف ذلك، ولذلك قال: عدمُك الإمكانَ لـِمَا أُمرتَ به عذر، وتركك إيَّاه مع الإمكان له وِزر، وطالبُ(60) العذرِ مع الإمكان مضيِّعٌ عُمرًا.


[1] في (ج) و(م) و(ل): ((بمنه..قوله كان)).
[2] في (ج) و(م) و(ل): ((قوله: كان)) بدون ذكر اسم الصحابي، وقد ذكر في حاشية (ل) تتمة الحديث: ((حتى يأكل تمرات ويأكلهنَّ وتراً)) ثمَّ أشار إلى راوي الحديث بقوله: ((عن أنس بن مالك قال)).
[3] قوله: ((في)) ليس في (م).
[4] قوله:((في))، وقوله: ((أن)) ليسا في (م).
[5] في (ج) و(م) و(ل): ((للمصلى)).
[6] قوله: ((أن)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[7] في (ج): ((هو)).
[8] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[9] في (م): ((ظاهر)).
[10] في (ل): ((محرمٌ)).
[11] في (ج) و(م) و(ل): ((بحث)).
[12] في (ج): ((ذلك)).
[13] في (م): ((يجد)).
[14] في (م): ((يتيسر))، وفي (ط): ((يحبُّ الأيسر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[15] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[16] في (ج) و(م) و(ل): ((همتهم)).
[17] في (ج): ((المشروب والمأكول)).
[18] في (م): ((وجه)).
[19] قوله: ((اليوم)) ليس في (ج).
[20] في (ل): ((وهو)).
[21] في (ج): ((والسنة والوترية))، وفي (ل): ((والسنة الوتر)).
[22] في (م): ((الواحدانية)).
[23] في (ج) و(م) و(ل): ((كما)).
[24] في (م): ((الخبر)).
[25] في (ط): ((لكن)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[26] في (ج): ((امتثال))، وقوله: ((فيما أحبته النفس... جاء ما تحب في الامتثال)) ليس في (م).
[27] في (ف): ((وما أشبه)).
[28] في (م): ((المنعم)).
[29] في (م): ((إلى المصلى)).
[30] في (ط) و(ل): ((لأنه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[31] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[32] قوله: ((وهو)) ليس في (ج).
[33] في (م): ((ولم)).
[34] في (ط): ((التشبيه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[35] قوله: ((في ذلك)) ليس في (م).
[36] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[37] في (ف): ((مدار)).
[38] قوله: ((يكون)) ليس في (ل).
[39] في (ج) و(م) و(ل): ((إشارة إلى الوحدانية)).
[40] في (م): ((يكون بداية)).
[41] قوله: ((أن)) ليس في (ف).
[42] في (ج): ((ويطحنون)).
[43] في (ج) و(م): ((هذا فعل بعض من)).
[44] في (م): ((وكثير منهم)).
[45] في (م) و(ج): ((هذا فعل بعض من يضحي منهم)) وتابع في (م) بقوله: ((وكثير منهم مخالفون للسنة))، وفي (ج) بقوله: ((بتركهما النية مخالفون للسنة)).
[46] قوله: ((بتركها البتة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[47] في (م): ((قال)).
[48] في الملف: ((تتكون)).
[49] قوله: ((التي أقاموها لأنفسهم)) ليس في (م).
[50] في (ج) و(م) و(ل): ((يقول)).
[51] في (م) و(ل): ((ناساً)).
[52] في (ج) صورتها: ((يقولم)) وهو تصحيف والصواب المثبت.
[53] في (م) و(ل): ((أو لم)).
[54] في (م): ((عند)) بلا واو.
[55] في (ج): ((يحصل)).
[56] قوله: ((ما)) ليس في (ج).
[57] في (ط): ((أنه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[58] في (ط) و(ل): ((على ما يفطر إذا كان صائمًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[59] زاد في (ج): ((تعالى)).
[60] في (ج) و(م) و(ل): ((وطالب)).