بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: ألقوها وما حولها وكلوه.

          220-قولها: (أَنَّ فَأْرَةً(1) وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلعم عَنْهَا...) الحديث. [خ¦5540]
          ظَاهِرُ الحَدِيْثِ يَدُلُّ على / تنجيس الموضع الذي ماتت فيه الفأرة مِن السَّمن وطرحه معها، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها أن يقال: هل يتعدَّى الحكم في كلِّ الأطعمة(2)، وفي كلِّ الميتة مِن جميع الحيوان؟ وكذلك ما عداهم مِن جميع النجاسات؟ وهل يكون حكم الجامد مِن الطعام كحكم المائع؟ وهل يكون طول مقام(3) الشيء النجس مِن جيفة أو غيرها في الطعام الذي وقعت فيه سواء مِن قرب الزمان في ذلك أو بعده(4)؟ وهل يجوز الانتفاع به فيما(5) دون الأكل؟ وهل يمكن تطهير ما وقعت فيه مِن الطعام أم لا؟
          فأمَّا(6) قولنا: هل يتعدَّى(7) الحكم إلى جميع(8) الطعام ما عدا السمن أم لا؟
          فقد عَدَّى ذلك العلماء لوجود العِلَّة وهي تنجيس(9) موضع حلول الميتة، ولا فرق(10) أن يكون سمنًا أو غيره إذا كان طعامًا جامدًا، فإن كان مائعًا فلا يخلو أن يكون ماء أو غيره، فإن كان ماء فلا يخلو أن يكون جاريًا أو راكدًا وتفصيل هذا(11) في كتب الفروع، وأمَّا إن كان طعامًا مائعًا فهو نجس.
          وأمَّا قولنا: هل ذلك في كلِّ الميتات مِن أيِّ نوع كانت مِن الحيوانات؟ فالجواب:(12) أنَّه لا فرق بين موت الفأرة في ذلك أو غيرها مِن جميع الحيوان الذي له نفس سائلة، ولا يؤكل إلا بذكاة لوجود العِلَّة فيه وهي(13) / كونه جيفة، ولا خلاف في ذلك بين أحد مِن العلماء(14).
          وأمَّا ما عدا الميتة مِن أي نوع كانت(15) كما ذكرنا قبل مِن أنواع النجاسات فلا فرق بينها(16) وبين الميتة إذا كانت جامدة باردة في جميع أحكامها، فإن كانت سائلة باردة أو حارَّة(17) فتنويع الحكم فيها في كتب الفروع أيضًا.
          وأَمَّا قولنا: هل حكم الجامد مِن الطعام الذي وقعت فيه الميتة كحكم المائع؟ فليس حكم الجامد كالمائع(18)، فإنَّ المائع مِن حين وقوع الميتة فيه أو الشيء النجس يتنجَّس(19) جميعه فيُطرَحُ جميعُه ما عدا الماء فيه تقسيم(20) كما هو في كتب الفروع مذكور(21).
          وأما قولنا: هل طول مكث الميتة سواءٌ مع قربه أو بعده؟ فقد اختلف العلماء في ذلك وليس في الحديث مِن أين يستدلُّ عليه؟ بل هي مسألة نظرية، فمِن العلماء مَن جعل الحكم واحدًا(22)، ومنهم مَن قال: إذا طال مكثها في الطعام طُرِحَ جميعه، ومنهم مَن فرَّق في ذلك بحسب الأزمنة، فإن كان زمان الْحَرِّ طُرِحَتْ وجميع الطعام(23)، وإنْ كان زمن(24) البرد طرحت وما حولها، ومنهم مَن فرَّق بين كبر الإناء الذي وقعت فيه وبين(25) صغره، وفي طول الزمان الذي يطلق عليه هذا الحكم مع صغر الدابة وكبرها على خلاف أيضًا(26)، وذلك كلُّه مُسْتَوعَبٌ في كتب الفقه، وهذا البحث في الطعام الجامد، وأمَّا المائع فكما تقدَّم الكلام فيه، وحكم النجاسة كما ذكرنا في الميتة سواء.
          وأمَّا قولنا: هل يجوز الانتفاع بالشيء الذي وقعت فيه الميتة أو الشيء النَّجس مِن الطعام؟ فظَاهِرُ / الحَدِيْثِ محتمل، لكن الأظهر عدم الانتفاع والله أعلم، وفي ذلك بين العلماء خلاف، وهذه أيضًا ليس في الحديث مِن أين يتوصَّل لها بل هي(27) نظرية.
          وأما قولنا: هل يصحُّ تطهير ما وقعت فيه الميتة مِن الطعام؟ فلا يخلو(28) أن يكون دُهنًا أو غيره، فإنْ كان دهنًا ففي تطهيره بين العلماء خلاف وهي مسألة نظرية أيضًا، وما عدا الدُّهن مِن الطعام الجامد فلا يخلو أن يكون مطبوخًا أو مملَّحًا أو على غير هذين النوعين، فإنْ كان على واحد مِن هذين النوعين، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال بتطهيره وعدمه، والثالث هو أن يكون قد استوى في توفية طبخه ونضجه في الملح ولم يقبل زيادة في ذلك، فإنْ كان استوى فإنَّه يغسل(29) ويؤكل، فإنَّما تنجَّس ظاهره ولم تدخل النجاسة باطنه، وإن كان لم يستوِ نضجه فلا يتطهر ويطرح فإنَّ النجاسة دخلت باطنه، لأنَّه يجذب(30) مِن الخارج إلى الباطن(31)، والذين قالوا بغسله وتطهيره(32) يقولون: إنَّه يُغْسَلُ أوَّلًا بماءٍ حارٍّ، ثم ثانية ببارد، ثم ثالثة بحارٍّ ثم بباردٍ، فإنْ كان على غير هذه الصفة فلا يطهر قولًا واحدًا بلا خلاف، وذكرت هذا مِن بين سائر الفروع لندارته في كتبهم(33)، وأمَّا ما عدا هذين النوعين فكما هو مذكور في كتب الفقه على تنويعه(34).
          وَفِيْهِ دَلِيْلٌ على أن لا يتصرَّف إلا بعلم، يُؤْخَذُ ذَلِكَ من كونهم لم يتصرفوا في السَّمن ولا في نزع الفأرة(35) إلا بعدما سألوا رسولَ الله صلعم، / وهو ◙ الأصل، وقد اختلف العلماء فيمَن عمل عملًا بغير علم، ووافق عمله لسان العلم، هل يكون مأجورًا أو مأثومًا؟ على ثلاثة أقوال وقد ذكرناها في أوَّل الكتاب، وقد قال(36):
بالعلم فتزيَّن إن أردت جمالًا                     وبالعمل(37) بهِ لك ارفع(38) حالًا


[1] العبارة في (م): ((قوله أن رسول الله صلعم مر بشاة ميتة الحديث ظاهر الحديث يدل على جواز الانتفاع بجلود الميتة والكلام عليه من وجوه منها في كيفية الانتفاع به هل ذلك عام في جميع وجوه الانتفاع أو انتفاع خاص والعموم في الانتفاع من كل من كل الوجوه ممنوع لأن من جملة الانتفاع بيعه وأكل ثمنه ولم يجيزوه ومنها الصلاة عليه وفيه ولم يجيزوه إن تعدي الحكم بالانتفاع بغير ذلك من أجزائها لقوله ◙ إنما حرم أكلها فيما عدا الأكل أم لا وبحث ثالث وهو كونه صلعم أباح لنا الانتفاع بإهابها وهي ميتة هل يجوز الانتفاع بغير ذلك من سائر النجاسات انتفاعا خاصا مثل الإهاب أم لا فأما الجواب على البحث هل يجوز لنا الانتفاع بباقي أجزائها مثل الإهاب أم لا فأمره صلعم بالانتفاع بإهابها لا يتعدى الانتفاع من أجل ذلك إلى غيره من أجزائها لأحد وجهين الواحد منهما أن الحظر والاباحة والتحريم والتحليل لا يكون إلا على نحو ما نص عليه صلعم لا يتعدى ذلك بالقياس إلا في المواضع التي علق صلعم الحكم بعلة كانت العلة نصا منه ◙ ومشار إليها على نحو ما تكلم الفقهاء في أنواع العلة الشرعية وتعداد أنواعها على ما هو مذكور في كتبهم وما لا يفهم له علة فيقضي الحكم فيه على ما نطق صلعم به مثل هذا الموضع وما أشبهه ولوجه آخر لأن هذا منه صلعم رخصة لأمته والرخص لا يقاس عليها ولا يتعدى محلها ونص بعض الفقهاء أنه إذا كان للمرء ميتة وله علج أو كلب لصيد أو ما يجوز اقتناؤه أنه لا يعطيه الميتة ولا يأمر العلج بأكلها فإن ذلك من جملة أنواع الانتفاع بها وإنما يمر بالعلج أو بالكلب على موضع الجيفة فإن هما تصرفا فيها من تلقاء أنفسهما فلا بأس وإلا فلا يرشدهما إلى ذلك ولا يأمرهما به وأما الجواب على البحث الذي معناه هل يقيس على الإهاب غيره من أنواع النجاسات أم لا فالجواب عليه كالجواب على البحث قبل قولها أن فأرة)).
[2] قوله: ((الأطعمة)) ليس في (ج).
[3] قوله: ((طول مقام)) مكرر في (ج).
[4] العبارة في (ج): ((وقعت فيه كسواء قرب الزمن أو بعد)).
[5] في (ج): ((الانتفاع فيه فيما)).
[6] في (م) و (ج): ((أما)).
[7] في (ج): ((سلك)).
[8] في (ج): ((غير)).
[9] في (ج): ((تنجس)).
[10] زاد في (ج): ((بين)).
[11] العبارة في (ج): ((وإذا كان مائعا فلا يخلو أو يكون جاريًا أو راكدًا ويفصل ذلك)).
[12] في (ط): ((وأمَّا إن كان طعامًا مائعًا فلا خلاف في تنجيسه إلى كتب الفقه والخلاف، والخلاف الذي فيه هناك موجود في الأمهات منها، وأما إن كان طعامًا مائعًا فلا خلاف في تنجيسه. وأما قولنا هل ذلك الحكم في كلِّ الميتة من أي نوع كانت من الحيوانات؟ فالجواب)). والعبارة في (ج): ((وأما إن كان طعاما فهو نجس وأما قوله ذلك في كل الميتات أم من أي نوع كان من الحيوانات فالجواب)) والمثبت من (م).
[13] في (ج): ((وهو)).
[14] قوله: ((ولا خلاف في ذلك بين أحد من العلماء)) ليس في (م) و (ج).
[15] في (ج): ((كان)).
[16] في (م): ((بينهما)) وفي (ج): ((ولا فرق بينهما)).
[17] في (ط) و(ج): ((جارية)) والمثبت من (م).
[18] العبارة في (م) و (ج): ((الذي وقعت فيه الميتة حكم [في (ج): ((كحكم)).] المائع فالجواب أنه ليس حكم الجامد كالمائع)).
[19] في (ج): ((ينجس)).
[20] في (م): ((يقسم)).
[21] قوله: ((مذكور)) ليس في (م) والعبارة في (ج): ((ما عدا الماء وفيه تقسيم كما في كتب الفروع)).
[22] في (ج): ((واحدٌ)).
[23] قوله: ((الطعام)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[24] في (ج): ((زمان)).
[25] في (ط) و(م): ((من)).
[26] قوله: ((على خلاف أيضا)) ليس في (م) و (ج).
[27] قوله: ((ليس في الحديث من أين يتوصل لها بل هي)) ليس في (م) و (ج).
[28] في (م): ((تطهير ما وقعت فيه الميتة فالجواب أنه لا يخلو)). وفي (ج): ((من الطعام فالجواب أنه لا يخلو)).
[29] العبارة في (م): ((والثالث هو أن يكون قد استوى فإنه يغسل)).
[30] في (م): ((يحدث)).
[31] في (ج): ((من الباطن إلى الخارج)).
[32] في (ج): ((والذي قالوا بتطهيره وغسله)).
[33] قوله: ((قولًا واحدًا بلا خلاف وذكرت هذا من بين سائر الفروع لندارته في كتبهم)) ليس في (م) و (ج).
[34] قوله: ((على تنويعه)) ليس في (م) و (ج).
[35] زاد في (م): ((منه)).
[36] في (ج): ((وقد قيل)).
[37] في (م) و (ج): ((والعمل)).
[38] في (ج): ((أرفع لك)).