بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

الرؤيا الرابعة والعشرون

          الرؤيا الرابعة والعشرون
          كأن سيّدنا صلعم دخل منزل عبد الله بن أبي جمرة، ومعه جمع من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، والصحابة ♥، وعائشة أم المؤمنين ♦، ومريم بنت عمران ♀، ثم يدخل أصحاب عبد الله بن أبي جمرة، وفيهم أبو محمد المرجاني، ثم يدخل مشايخ عبد الله.
          ثم إن سيّدنا صلعم يُخرِج لهم خبزاً رفيعاً طيباً، ويأكل هو صلعم والأنبياء والصحابة وجميع من حضر. ثم يقوم صلعم يصلي ركعتين جهريتين، الواحدة بأم الكتاب وص، والأخرى بأم الكتاب والفتح، ويصلي معه كل من كان حاضراً. ثم يكسو عبدَ الله كسوة حسنة، ثم يقول: ارفع رأسَك، فإذا فوق رأسك جبل عظيم، نصفه أبيض ونصفه أحمر، فيقول له: ذلك لك. /
          ثم يكسو معه أهلَه وأصحابَه، كلُّ واحد على قَدْر حاله.
          ثم يؤتَى ◙ بالبُراق، فيركبه ويمشي نحو السماء، ويمشي معه كل من كان في المنزل حتى يأتي السماءَ، فتستقبله الملائكة بالسلام، ويرى لعبد الله فيها خيراً كثيراًن ثم كذلك في كل سماء، حتى يأتوا تحت العرش، فينزل عن البُراق ويجلس، ويجلس كل من كان صعد معه، ثم يدعو بأبوي عبد الله وأهله وقرابته الأموات، فلما اجتمعوا، وهم في زي حسن، فيأمر ◙ محمداً الفاسي بأن يأتي بالشرح والمرائي، فيأتيه بهما. ثم إنه صلعم يقدمهما للحق جلّ جلاله.
          ثم إن الحق سبحانه يتجلى له وللحاضرين، ويقول لبعضهم: اشهدوا أن هذا الشرح ليس فيه خلل، ويكون النظر باللغتين اللتين أخبر بهما نبيي، وهما لغة تميم ولغة ثقيف. وإني مننت به على عبدي، وأجريته على لسانه، لآتيه عليه هذا الثواب. ويكشف لهم عن الثواب الذي مُنَّ به على عبد الله من أجل ذلك الشرح. فيبصرون شيئاً لا تقدره العقول.
          ثم يقول جلّ جلاله: أثيبه عليه مثل هذا، ويكون فيه خلل؟ ومن كذّب بهذا الشرح كمن كذب بما جاء به النبيّ، وإن الذي يعمل بواحد من هذه الأحاديث أعطيه ما هو خير من جميع الدنيا وما فيها.
          ثم إن عبد الله يطلب من مولاه حوائج عديدة، فيُنعِم بها عليه، ثم إنه يستجير من الفتن، ويقول له الحق سبحانه: إنها لكائنة مثل الجبال، / ولكن ليس عليك منها شيء.
          ثم إن الحق سبحانه يُري محمداً الفاسي بعض أجره، لكونه كان السبب في هذا الشرح. ويقول له: لا أريد باقيه حتى توفي ما أريد منك. فيرغب الفاسي أن يريه ثواب المجد، فيريه خيراً كثيراً، ويقول له الحق سبحانه: مثل هذا يدخل عليك كل يوم.
          ثم إن سيّدنا صلعم يرغب من الحق سبحانه أن يُطَمْئِن قلبَ عبد الله، فيقول تعالى: المؤمن لا يأمن قلبه، بل يزداد رجاؤه فيَّ. ثم إن سيّدنا صلعم ينظر في حديث (الخيل لثلاثة)(1) فيعجبه ويقول: ليس أحد من المفسرين ذكر مثل هذا.
          ثم ينظر في حديث (أهل الجنة)(2) ثم حديث (الأحزاب)(3) ثم حديث (الطاعون شهادة)(4) ثم أحاديث الشفاء مثل (الحبة السوداء)(5) وغيره، ثم في حديث (أنا عند ظن عبدي بي)(6)، وفي كل حديث منها يقول مثل ما قال في الأول. وكان يزيد مدحاً وإعجاباً في الذي قيل في حديث (أنا عند ظن عبدي بي) فيقول صلعم : ما سبقك أحد في هذه المعاني، وإنها في غاية الحسن.
          فعند ذلك يقول أبو محمد المرجاني: أريد أن تمنّ عليّ بمثل هذا الشرح. فيقول له صلعم : اعلم أنه ليس له ثانٍ، وإني أعلم أنك من أصحابه، وإن كان ليس عندك منه خبر، وأنا أعلم أنك إذا سمعت به تأخذه كله.
          ثم إن عائشة ♦ تنظر في حديث / (يلعب السودان بالدَّرَق) وفي حديث (الإفك)(7) فتقول فيهما مثل ما قال صلعم في الأحاديث قبل، فيسلم لها مقالتها تلك، فيقول صلعم لعبد الله: انظر نحو الجنان. فيريه بستاناً فيه ستمائة قصر، كل قصر له نور وجمال. ويقول: ذلك ثواب أعمال أدخلت بها السرور على الإخوان بتبليغك لهم بعض ما قلت لك. ثم يعيّن له جملة من تلك القصور، ويقول له: ما أقول لك إن شئت تبلغه فمثل هذا ثوابه، وإن لم تفعل تضيع مثل هذا وأنت بالخيار.
          ثم ينزل صلعم، وينزل كل من كان صعد معه، حتى يأتوا منزل عبد الله كما كانوا أول مرة.
          ثم يقول لعبد الله: الحوائج التي طلبتها البارحة قُضِيت لك. ثم يعطيه ورقة فيقول له: هذه الأدعية التي أمرتك أن تجعلها في تلك الأحاديث الثلاثة، ويقول له: اعلم أن من جملة الفوائد التي في ذلك الدعاء الذي علّمتك، وأمرتك أن تعلّمه أصحابك أن من قاله صادقاً لا يضره في ذلك اليوم سحر، واعلم أنه يشفع في كثير من الناس، وأن أحداً من قوم، فيسميهم بأسمائهم، ينتقد فيه موضعاً ويكون ذلك سبب بخسه.
          والسبب الذي علّمتك ذلك الدعاء أني رأيت قوماً قد أكثروا لك بعمل الأسحار ولأصحابك، فجعلت ذلك دفعاً لضررهم من حيث لا يعلمون، وتخبر بهذا الذين تعلم أنهم أصحابك، وتعلم أن بتغيير المنكر في الوقت / اندفع عن الناس بلاء عظيم أو كثير شك.
          ثم كأن بئر زمزم ببيت عبد الله، وبإزائه بئر ثانٍ، وكأن الحجر الأسود في محراب المسجد، ويطلع عليه محمد الحلواني، وينادي بأذان الظهر.


[1] رقمه 138.
[2] رقمه 296.
[3] رقمه 133.
[4] رقمه 132.
[5] رقمه 227 و228.
[6] رقمه 291.
[7] رقمه 139 و119.