بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها

          287- قوله: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي...) الحديثَ(1). [خ¦7084]
          ظاهر الحديث يدلُّ على حُكْمَين:
          أحدهما: الإخبار بالخلل الواقع في الدِّين. والثَّاني: الأمر بالتَّمسُّك به مع جماعة / المسلمين وإمامهم، فإن عُدم ذلك فتبقى عليه وحدَك، وتفارق كلَّ مَن ليس عَلى طريقة الإسلام الحقيقيِّ، وإن آلَ الأمر بك إلى الخروج إلى البريَّة منفرداً، وتترك الأهل وَالمال والقرابة(2) والعشيرة وجميع أهل الوقت مِن قريب وبعيد(3).
          وإن كان الأمر(4) يَضِيق عليك في البريَّة حتَّى لا تجد أين تأوي، حتَّى تنحصرَ إلى أصل شجرة مع سلامة دينك، فَلْتَعَضَّ بها، أي: تشدَّ عليها حتَّى يأتيك الموت، وأنت على ما أُمرت به مِن أمر الله تعالى واجتناب نهيه، ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة:24]، وقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. وَالكلام عليه مِن وجوه:
          منها: النظر في حكمة الله تعالى في عباده، كيف يعطي لكلِّ شخص مَا شاء أن يقيمه فيه؟ يُؤخذ ذلك مِن أنَّه ╡ حبَّب للصَّحابة ♥ سؤالهم له صلعم عَن وجوه الخير كي يقتبسوها ويكونوا باباً لها، وَحبَّب لهذا السيِّد سؤاله له صلعم عن وجوه الشرِّ كي يحذَرَها(5)، ويكون سبباً في سدِّها عمَّن قدَّر الله تعالى له النَّجاة منها.
          ومنها النَّظر والاعتبار فيما أعطى الله تعالى سيِّدنا صلعم مِن سَعة الصدر والمعرفة لحكمة(6) الحكيم الذي يجاوب كلَّ شخص عمَّا سأل، ويعلم أنَّ ذلك / الذي شاء الحكيم أن يقيمه فيه ويَسَّرَهُ له(7)، ويدخل هذا تحت متضمَّن قوله صلعم : «إنَّما أنا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي» فهو(8) صلعم الذي أُرسل لقسم(9) الأمور عَلى ما اقتضتها الحكمة الربَّانيَّةُ، والله يقيم مَن يشاء فيما شاء، فهو ◙ المبيِّن لوجوه الخير والشَّرِّ، والله يعطي منها مَا يشاء لمن شاء كيف يشاء(10).
          ويترتَّب عَلى هذا مِن الحكمة والنَّظر أنَّ الذي حُبِّب لشخص هو الذي يفوق فيه غيرَه. يُؤخذ ذلك مِن حال حذيفة(11) ☺، لأنَّه لَمَّا حبَّب الله له مِن(12) معرفة وجوه الشَّرِّ كي يتَّقيهِ، ويُحذِّر عنه غيره، فضلَ فيه غيره مِن الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين(13)، ولَمَّا علم سيِّدنا صلعم هذا الذي أشرنا إليه خصَّه بأنْ أعلمه بجميع أسماء المنافقين، لأنَّه مِن هذا النوع الذي حُبِّب إليه، حتى كان عمر ☺ وهو خليفةٌ يأتيه ويناشده الله تعالى: هل هو ممَّن سمَّاه رسول الله صلعم مِن المنافقين أم لا؟ فيحلف له أنَّه ليس منهم. ورتَّب أهل الحكمة على هذا مِن الفائدة أنَّك إذا كان لك ابن أو غلام أو مَن لك عليه كفالة، وأردت أن تشغله بشغل مِن الأشغال أو عِلم مِن العلوم؛ أن تعرض عليه أنواع الأشغال إنْ أردتَ أنْ تشغله، أو أنواع العلوم إن أردت به طريق ذلك، وكانت تلك الأنواع(14) ممَّا تجيزها الشَّريعة، فالذي تراه يحبُّه(15) ويعجبه مِن ذلك ففيه اجعله، / فإنَّه يفوق فيه أهل زمانه، لأنَّ الَّذي حُبِّب إليه هُو المراد منه {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عمران:191] واختبروا ذَلك بعلم التَّجربة فوجدوه لا ينكسر(16)، ومَن جمع الله له بين الطَّريقين فهو الحالُ الجليل، وهو معرفة الخير والعمل عليه، ومعرفة الشرِّ واتقاؤه، وَلذلك كان مِن دعاء عليٍّ ☺: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِفْتَاحاً للخير، مِغْلاقاً(17) للشَّر، طيِّباً مُبَاركاً حيثُ كُنْتُ» أو كما قال عليٌّ(18)(19).
          وفيه دليل على أنَّ كلَّ ما كان يهدي إلى طريق الآخرة، ويهدي إلى أنواع الرَّشاد، وكلَّ ما / يقرِّب إلى الله سبحانه يُسمَّى خيراً لغةً وشرعاً، وأنَّ كلَّ كفر وضلالة أيَّ نوع ٍكانت كبرى أو صغرى، وكلَّ ما دعا إليها، يُسمَّى شرَّاً لغةً وشرعاً، يُؤخذ ذلك مِن قول حذيفة ☺: (كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ)، وكرَّر ذلك في الحديث مراراً، ووافقه عَلى ذلك رسولُ صلعم.
          أمَّا مِن طريق أنَّه لغة فلأنَّهم عرب، وأمَّا مِن طريق أنَّه بشرعٍ(20) فلأنَّ رسول الله صلعم وافقه على ذلك بأن سلَّم له فيه وجاوبه عليه بأن(21) جعل فيه اسم الشرِّ سواء للكفر(22) والجاهليَّة التي كانوا عليها، وسواء للضَّلال(23) الذي طرأ في الإسلام بعدَه صلعم مِن الفتن والمعاصي، غير أنَّ الفرق بينهما مِن طريق النَّظر أنَّ الأُوْلى _وهِي الكفر_ كُبرى، والتي بعدَه وفيها الخلل في الدِّين مِن طريق المعاصي صُغرى.
          وفيه دليل على أنَّه لا يُطلق عليه اسم «خير» حتَّى يكون تامَّاً لا عوج فيه، ويستدلُّ بذلك على أنَّه لا يطلق(24) (مسلم) إلَّا على المؤمن، وألَّا(25) يكون إيمانه فيه دخَن، كما أخبر الصَّادق ◙ بقوله: (وَفِيهِ دَخَنٌ).
          وفيه دليل على أنَّ كلَّ هَدْي أو علم يُخْتَبر بما جاء به(26) رسول الله صلعم مِن الكتاب والسنَّة. فالذي يكون على ذلك بلا زيادة ولا نقصان فهو طريق الحقِّ والمبلِّغ إلى الله ╡ ، وألَّا(27) يكونَ مِن أحد القسمين: إمَّا مِن القسم الذي فيه الدَّخَن، وإمَّا مِن أهل القسم(28) الذين هُم(29) على أبواب جهنَّم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها. يُؤخذ / ذلك مِن قوله ◙ : (وَفِيهِ دَخَنٌ)، ثم فسَّر ذلك الدَّخن بكونهم يهدون بغير هَدْيهِ صلعم.
          فاحذر هَديَ قوم جعلوا للدِّين أصلاً خلاف الكتاب والسنَّة، وجعلوا الكتاب والسُّنَّة له(30) فرعاً، لقد عمَّ دخَنُهم الأرض وَطبَّقها حتَّى تناهى فيه قوم، فوقفوا به على باب جهنَّم، فمَن أجابهم إليها قذفوه فيها.
          وفيه دليل على وجوب قبول الحقِّ حيث كان وتحقيقه. يُؤخذ ذلك مِن قوله صلعم : (تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ).
          وفيه دليل على وجوب ردِّ الباطل وَكلِّ مَا خالفَ هَدْيهُ صلعم، ولو قاله مَن كان مِن رفيع أو وضيع. يُؤخذ ذلك مِن قوله ◙ : (تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ).
          وهنا بحث وَهو: ما هو(31) هذا الشَّرُّ الذي أشار إليه صلعم ؟ ومَا هو هذا الخير الذي فيه الدَّخن؟ فنقول _والله الموفق_: يحتمل(32) أن يكون الشرُّ الذي أشار إليه ◙ هو ما كان بعدَهُ مِن الفتن إلى زمان قتل العلماء، وقدْ أخبر به ◙ (33) في حديث آخر _أعني بقتل العلماء_ فإنَّه ◙ قال فيه: «يا ليتَ العُلماءَ تَحَامقُوا» أو كما قال ◙ . معناه: لو أظهروا ذلك سَلِموا مِن القتل.
          وأمَّا الهدي الَّذي فيه الدَّخَن فهو مَا ظهر في الأمَّة مِن الشِّيَع والبِدَع. يُفسِّر ذلك قوله ◙ : «افْتَرقَت بنو إسْرَائيلَ عَلى اثنتينَ(34) وسَبْعينَ فرقةً، وستفترقُ / أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً(35)، كلُّها في النَّار إلِّا واحدةً». فكلُّ مَن حصل له(36) مِن الاثنين والسَّبعين(37) ولو مسألة واحدة، وإنْ كان لا يعلم بها، فقد دَخَل في دينه دَخن، وبالحديث الآخر وَهو قوله ◙ : «كلُّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النَّار»، وبقوله ◙ : «كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا مَا ليسَ فيه فَهُو ردٌّ» أو كما قال ◙ (38).
          فكلُّ مَن حصل على بِدْعة(39) مِن البِدَع فقد حصل في دينه وهديه دَخن، وَلا يغرُّه(40) كثرة عمل النَّاس لتلك(41) البدعة وانتشارها، فإنَّها مِن جملته(42)، وَقد قال صلعم في شأن تجنُّب الفتن(43): «وعَلَيكَ بخويصة نَفْسِك» أو كما قال ╕. ولا يغرُّك صاحب البِدع وإن كانت لديه علوم جمَّة(44) أو أعمال صالحة ونسك وتعبُّد أو مجموعها، فقد قال صلعم في القَدرية: «تَحْقِرون صَلاتَكُم مع صَلَاتِهِم، وصَيَامَكُم مع صِيامِهِم، وأعْمَالَكُم مع أعْمَالِهِم، يقرؤون القرآنَ ولا(45) يُجَاوِزُ حَنَاجرَهُم، يَمْرُقُون مِن الدِّين كما يَمْرُق السَّهم مِن الرِّمِيَّة، ينظر في النَّصْل فَلا يَرَى(46) شيئاً، وينظر في القِدْح(47) فلا يرى شيئاً، ويتمارى في الفُوق(48)»، أو كما قال ◙ .
          وقوله ◙ : «دعاةٌ على أبوابِ جهنَّم مَن أجابهم إليها قَذَفُوه فيها» أي: إنَّهم يُرْشِدُون إلى الطُّرق التي يدخل بها النَّار مِن الاعتقادات والأعمال المخالفة للسُّنَّة، وهم يظهرون أنَّها هي المبلِّغة / إلى الله تعالى، وهم الَّذين قال ◙ فيهم: «اتَّخذ النَّاسُ رؤوساً جُهَّالاً، فسُئلوا فأَفْتَوا بغير عِلْمٍ، فضَلُّوا وأضَلوا(49)، فَمَن صدَّقهم واتَّبعهم دخلَ النَّار».
          وفي قوله ◙ : «هُمْ(50) مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» دليل على أنَّهم مِن هذه الملَّة وبزيِّها وَعلى طريقها(51) ولغتها، لأنَّ معنى (مِنْ جِلْدَتِنَا) أي: على لغة العرب، حتَّى لا يُنْكِر أحدٌ منهم شيئاً(52).
          وفيه دليل على أنَّ أهم مَا على المرء في الدِّين نفسُه، يُؤخذ ذلك مِن قول(53) حذيفة ☺: (فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟) فما سأل إلَّا عَن نفسه كيف يكون خلاصه؟.
          ويترتَّب على هذا مِن الفقه أنَّ كلَّ وجهٍ يعلمُهُ(54) الشَّخص مِن وجوه الخير كان يدركه أو لا يدركه، يعتقد فعله إن أدركه فيكون على ذلك مأجوراً، وأيُّ وجه عَلِمَ مِن وجوه الشَّرِّ يكون بحيث يلحقه أو لا يلحقه، يعتقد(55) أنَّه لا يفعله، وأنَّه يتبع(56) السُّنَّة في الأعمال وَالأسباب المنجية منه، فإنَّ هذا هو طريق السُّنَّة، ومَن كان مرتكباً طَريق السُّنَّة فإنَّه مأجور.
          ويقوِّي ذلك قوله صلعم : «نيَّةُ المؤمِنِ أبلَغُ مِن عَمَلِهِ»، لأنَّه ينوي عملاً مِن أعمال الخير، أو ترك عمل مِن أعمال الشرِّ، وقد لا يدرك مِن ذلك شيئاً لقصر عمره، فكانت نيَّتهُ أكثرَ مِن عمله، وَلكونه صلعم كان يستعيذ مِن فتنة الدَّجَّال، وهو بالعلم القطعي عندَه أنَّه لا يدركه، وقد قال ◙ : «إنْ(57) يَخْرجْ وأنا فِيْكُم فأنا أَكْفِيكُمُوه»، / فقد علم ◙ أنَّه إن لحقه فلا يضرُّه، بل هو ◙ يكفي المسلمين ضرَره، ومع ذلك كان ◙ يستعيذ مِن فتنته، فهذا مِن باب الإرشاد لنا إلى مَا أشرنا إليه.
          وقوله صلعم : (تَلْزَمُ(58) جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ) يعني الفرقة الناجية الثالثة والسَّبعين، الَّذين هُم على ما هو عليه وأصحابه صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. جعلنا الله منهم ومعهم في الدارين بمنِّه وفضله.
          وقوله: (وَإِمَامَهُمْ) يعني الذي يقتدون به، ويكون الإمام(59) على تلك الطريق(60) المباركة أيضاً(61). وفيه دليل عَلى أنَّ مِن السنَّة ألَّا تكون جماعة إلَّا وَلها إمام.
          وقوله: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟) يعني أنَّ الموضع الَّذي يكون فيه ليس فيه مِن أهل الخير جماعةٌ ولا إمام، لأنَّ هذه الأمَّة لاتزال جماعة مِن أهل الخير فيها باقية، وَكذلك أئمَّة الخير لَا ينقطعون منها، لكن قد يقِلِّون، أو يكونون(62) في موضع مِن الأرض دَون غيره. يشهد لهذا قوله صلعم : «لاتزالُ طَائفةٌ مِن أمَّتي ظاهِرين(63) على الحقِّ إلى قيام الساعةِ لا يضرُّهم مَن خَالَفَهم حتَّى يأتيَ أمرُ الله» أو كما قال ◙ .
          وقوله ◙ في(64) نزول عيسى ابن مريم ◙ : (وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ(65)) أي: إنَّه يكون على طريق هديي، متَّبعَ(66) الكتابِ(67) والسُّنَّة.
          وفيه بحث وهو أنَّه إن كان واجداً(68) لأحد الطرفين(69)، إمَّا جماعة عَلى الخير ولا إمام(70) معهم، أو إمام على خير ولا جماعة له، / فالبقاء مع أحدهما خيرٌ مِن الانفراد لأنَّه أعون عَلى الدِّين، ولفظ الحديث يدلُّ على ذلك، فإنَّ الأمر بأن(71) يتَّبع الجماعة والإمام لا ينفي إذا لم يجد إلَّا الواحد منها(72) ألَّا يتبعه، غير أنَّه يأخذ أوَّلاً الأكمل فالأكمل(73)، فإذا كانوا في مَوضع مجتمعين، وكان في موضع آخر أحدُهما، فحيثُ جمعهما أولى، فإن لم يجد إلَّا أحدهما فهو خيرٌ مِن أصل(74) الشَّجرة، فإنَّ تلك هي الغايةُ(75) في الهروب والاحتياط للدِّين(76).
          وقد قال صلعم : «الجليسُ الصَّالحُ خيرٌ مِن الوحدةِ، والوحدةُ خيرٌ مِن الجليسِ(77) السُّوءِ». ففقه الموضع أن يكون صلاح الدين هو المعوَّل(78) عليه، ويكون الصَّلاح على مقتضى الكتاب والسنَّة، فإن قَدِر على الاجتماع بإخوانه المسلمين وبالإمام أو بأحدهما إنْ أمكنه ذلك مَع الإقامة مع الأهل فحسن، وإن لم يمكن ذلك وأمكنه الجلوس في العمارة منفرداً(79) فحَسَنٌ أيضاً، وإلَّا فالبرِّيَّة عَلى هذه الحالة الموصوفة في الحديث.
          يقوِّي ذلك قوله صلعم : «بشِّر الفرَّارين بدِيْنِهِم مِن قريةٍ إلى قريةٍ، ومِن شاهقٍ إلى شاهقٍ، أنَّهم مَعَي ومع إبراهيمَ في الجنَّة كهاتينِ، وأَشَارَ بالسَّبَّابةِ والوسْطَى» أو كما قال ◙ .
          فقدَّم ◙ الفِرار مِن العمارة إلى العمارة(80) على الفِرار إلى الجبال، ويقوِّيه أيضاً مِن كتاب الله ╡ قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيْهَا} [النساء:97
          وفي تسميته(81) مَا جاء به سيِّدنا صلعم / خيراً دليلٌ عَلى أنَّ(82) ما(83) سمَّينا به الكتابَ الذي هذا شرحه بـ «جمع النَّهايةِ في بَدْء الخيرِ وغاية(84)» أنَّ ذلك موافقٌ بفضل الله لِمَا قاله(85) الصَّحابيُّ ☺، ووافقه عليه سيِّدنا صلعم، فقويَ عند ذلك رجائي في فضل الله أن يكون كلُّ ما سلكتُ فيه وفي شرحه موافقاً لِمَا يُرضي الله ورسوله، ودالًّا عَلى الخيرات وأبوابها، ومسدَّاً للشرِّ وأبوابه بفضله وَرحمته.


[1] في (ب): ((عن حذيفة بن اليمان ☺ قال: كان الناس يسألون رسول الله صلعم عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر مخالفة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخَن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لي. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)).
[2] قوله: ((منفرداً، وتترك الأهل وَالمال والقرابة)) ليس في (ب).
[3] في (م) صورتها: ((إلى بعيد))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[4] قوله: ((الأمر)) ليس في (ج).
[5] في (ج): ((يحذروها)).
[6] في (ب): ((بحكمة)).
[7] في (ب): ((فيه ويسد دلاله)).
[8] في (ب): ((فالنبي)).
[9] في (ب): ((لقسمة)).
[10] في (ت): ((منها ما شاء لمن شاء كيف يشاء)). في (ب): ((منها ما شاء كيف يشاء)).
[11] في (ج): ((ذلك حديث حذيفة)).
[12] قوله: ((من)) ليس في (ب).
[13] في (ت): ((عن جميعهم)).
[14] في (ج): ((وكانت الأفعال)).
[15] في (ج) و(ت): ((يحب)).
[16] في (ب): ((واختبروا بذلك بعلم التجربة فوجدوه لا ينعكس)). وقوله: ((التجربة فوجدوه)) ليس في (ج).
[17] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((ومغلاقاً)).
[18] قوله: ((علي)) زيادة من (م) على النسخ.
[19] زاد في المطبوع: ((وفي هذا بيان الطريق لأهل السلوك والمعاملات مع الله تعالى، فإنَّهم يقولون: المبتدِي حالُهُ الكَسْب، والمنتهِي حالُهُ التَرْكُ. ومعناه: أنَّ المبتدي يسأل عن وجوه الخير ويعمل عليها، كما كان حال الصحابة ♥، في الحديث الذي نحن بسبيله، وأنَّ المنتهي يسأل عن الشَّرِّ كلِّه، وأنواع المفاسد كلِّها فيتركُها ويتَّقِيها، كما كان حالُ حذيفة.
وحقيقة المعنى فيما أشاروا إليه أنَّ هذا هو الغالب على أحوالهم، لأنَّ المبتدي يقع في الشَّرِّ -أعوذ بالله مِن ذلك_ ولا يترك عمل الخير ولو كان ذلك ما صحَّ له فعل خير، وكذلك حال الصحابة ♥. وإن المنتهي الغالب عليه تنقيةُ النفس والبحث عن المفاسد كلِّها، ولا أنَّهم أيضاً يتركون عمل الخير، ولو كان ذلك كذلك ما صحَّ منهم ترك شرٍّ. وكذلك كان حذيفةٌ ☺)).
[20] في (ب): ((شرع)).
[21] في (ج): ((فإن)). كذا في (ت).
[22] في (ب): ((الكفر)).
[23] في (ت): ((الضلال)).
[24] زاد في (ج): ((اسم)). وزاد في (ب): ((عليه اسم)).
[25] في (ج): ((ولا)).
[26] قوله: ((به)) ليس في (ج).
[27] في (ج): ((ولا)).
[28] في (ج): ((من القسم أهل)).
[29] قوله: ((هم)) زيادة من (م) على النسخ الأخرى. والعبارة في (ب): ((وإما من القسم الذي)).
[30] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[31] قوله: ((هو)) ليس في (ج).
[32] في (ب): ((احتمل)).
[33] في (ج): ((◙ به)). كذا في (ت).
[34] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((اثنين)).
[35] قوله: ((وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة)) ليس في (ج).
[36] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[37] في (ج) و(ت): ((وسبعين)).
[38] قوله: ((كل من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو ردٌّ، أو كما قال ◙)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[39] في (ب): ((حصل بصفة)).
[40] في (ب): ((ولا يغيره)).
[41] في (ب): ((بتلك)).
[42] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((جملة الدخن)).
[43] قوله: ((وَقد قال صلعم في شأن تجنُّب الفتن)) ليس في (ب).
[44] في (ج): ((علومه جملة)).
[45] في (ب): ((لا)).
[46] في (م): ((ينظر)) والمثبت من (ج) و(ت).
[47] في (م): ((قدح)) والمثبت من (ج) و(ت).
[48] في (ت): ((فلا ترى شيئاً ويتمارى في الفرق))، وفي (ب): ((تنظر في النصل فلا ترى شيئاً وتنظر في القدح فلا ترى شيئاً وتتمارى في الفرق)).
[49] في (ت): ((فأضلوا وضلوا وأضلوا)).
[50] قوله: ((اتخذ النَّاس رؤساء جهالاً، فسألوا... واتَّبعهم دخل النَّار. وفي قوله ◙: هم)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[51] في (ت): ((طريقتها)). و قوله: ((وبزيها)) مكانها بياض في (ب).
[52] في (ج): ((شيء)).
[53] في (ج): ((قولة)).
[54] في (ب): ((يعمل)).
[55] قوله :((يعتقد)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[56] زاد في (ب): ((بعمله)).
[57] في (ج): ((إن لا)).
[58] في (ت): ((يلزم)).
[59] قوله: ((الإمام)) زيادة من (م) على النسخ الأخرى.
[60] كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ((الطريقة)).
[61] قوله :((أيضاً)) زيادة من (ج) على النسخ الأخرى.
[62] في (ب): ((يكون)).
[63] قوله: ((ظاهرين)) ليس في (ج).
[64] قوله :((وقوله ◙ في)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[65] قوله: ((منكم)) ليس في (ج).
[66] في (م) و(ج): ((متبع)).
[67] كذا في (ج)، وفي باقي النسخ: ((للكتاب)). و في (ب): ((هي متبع للكتاب)).
[68] في (ج): ((وجداً)).
[69] في (ج): ((الطريقين)). في (ت): ((لأحدٍ الطرفين)) بضبط الحركات.
[70] في (ج): ((إمامهم)).
[71] قوله :((بأن)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[72] في (ت) و(ب): ((منهما)).
[73] قوله: ((فالأكمل)) ليس في (ب).
[74] زاد في (ج): ((من)).
[75] في (ج): ((العناية)).
[76] في (ب): ((في الدين)).
[77] قوله :((الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من الجليس)) ليس في (م)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[78] كذا في (ج)، وفي باقي النسخ : ((المعمول)).
[79] في (ج): ((مفرداً)).
[80] قوله: ((إلى العمارة)) ليس في (ب).
[81] في (ب): ((تسمية)).
[82] قوله: (أن)) ليس في (ج).
[83] في (ج): ((خير دليل على ما)).
[84] في (المطبوع): ((والغاية)).
[85] في (ت): ((قال)).