بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث عائشة: أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي ثم أراه..

          21- (عَنْ عَائِشَةَ ♦ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلعم، ثُمَّ أَرَاه(1) فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا...) الحديث(2). [خ¦232]
          ظاهرُ الحديثِ يدلُّ على غسلِ المَنِيِّ، والكلامُ عليهِ مِن وجوهٍ:
          منها أنَّ غَسلَهُ يدلُّ على نجاسَتِهِ، وهوَ مذهبُ مالكٍ ومَن تَبعهُ، وهل نجاسته(3) مِن نفسِهِ أو بالمُجاوَرَةِ؟ بحثٌ آخرٌ هوَ(4) في كتبِ الفقهِ.
          وفيه دليلٌ على جوازِ النيابةِ في الفُروضِ التي ليستْ في(5) الأبدانِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِها: (كُنْتُ أَغْسِلُ المَنِيَّ).
          وفيه دليلٌ على جوازِ ذِكرِ(6) ما يُخجِلُ ذِكرُه إذا دعتِ الضرورةُ(7) إليهِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن ذِكرِها المَنِيَّ؛ لأنَّه مما يُخجِلُ / ذكرُه(8)؛ لأنه يدلُّ على ما قَدْ جاءَ الكتابُ والسنَّةُ بالكِنايَةِ عنه، أمَّا الكتابُ فقولُه تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ(9)} [البقرة:187]، ومِن السنَّةِ قولُه ◙ : «حتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ». لكنْ مِن أجلِ تقريرِ الأحكامِ ذَكَرَتْهُ، ولذلكَ قالَ صلعم : «نِعْمَ النساءُ نساءُ الأَنْصَارِ، لم يَمنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ».
          وفيه دليلٌ على(10) التيسيرِ في أمرِ النجاسةِ(11)، وإنَّما نحنُ(12) مكلَّفونَ بما رأينَا ولا تتوغَّلُ النفسُ بالمُحتَملاتِ؛ لأنَّها لم تَغسلْ إلا المَنِيَّ الذي رأتْ، ومُحتمَلٌ (أنْ ضُرِبَ) في موضعٍ آخرٍ مِنَ الثوبِ نفسِهِ أو غيرِه، يزيدُ ذلكَ إيضاحًا قولُهُ صلعم (13): ((النَّضْحُ طَهورٌ لما(14) شُكَّ فيهِ))؛ لأنَّ فائدةَ النَّضْحِ ما هي(15) إلا لزوالِ ذلكَ الأَمرِ الذي يَحُكُّ(16) في النفسِ، أو اعتِقادِ(17) النجاسةِ التي ليستْ بمُتَحقِّقَةٍ، أو لهما معًا(18)؛ لأنه إنْ كانتِ النجاسةُ وصلتْ للثوبِ فليسَ الرشُّ بالماءِ يُزيلُ عينَها، وإنْ كانتْ لم تَصِلْ فليسَ الماءُ يزيدُ في طهارةِ الثوبِ شيئًا.
          وفيه دليلٌ على رفعِ حُكمِ النجاسةِ(19) وإنْ بَقِيَ لونُها إذا غُسِلَتْ بالماءِ وذهبَ عينُها، يُؤخَذُ ذلكَ من قولها: (ثُمَّ أَرَاهُ بُقَعًا بُقَعًا).
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ المؤمنَ في حالِ(20) حَدَثَ الجِمَاعُ في اليَقَظَةِ أوِ النومِ طاهرُ العينِ وثوبُه طاهرٌ، يجوزُ لهُ الصلاةُ فيهِ مالم يَرَ فيهِ شَيئًا، فإنْ رأَى غَسَلَ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِها: (مِنْ ثَوْبِ رَسولِ اللهِ صلعم)، ولا يُصيبُ الثوبَ المَنِيُّ إلا بأَحدِ وَجهينِ؛ إمَّا بجِماعٍ وإمَّا باحتلامٍ، وإنَّما الطَّهورُ على الجُنُبِ تعبُّدٌ، وذلكَ مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ.
          وفيه دليلٌ على جَوازِ خِدمةِ المرأةِ زوجها إِذا رَضِيَتْ ذلكَ وإِنْ كانَتْ ذاتَ بالٍ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن قولِها: (كُنْتُ أَغْسِلُ)، فإنَّ الغسلَ مِن جُملةِ الخِدمةِ، وأي رفعةٍ مثلُ / رفعةِ هذهِ السيِّدةِ؟


[1] في (ط): ((أرا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[2] زاد في (ج): ((وفِي روايةٍ أُخرَى: بُقَعًا بُقَعًا)) وليس فيه قوله: ((الحديث)).
وزاد في حاشية (ل): ((قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلعم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ.
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سمعْتُ عَائِشَةَ_ أو قالَ: سَأَلْتُ_ عَائِشَةَ عَنِ المَنِيِّ، يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَأَثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ_ بُقَعُ المَاءِ_)).
[3] في (ج): ((وهو نجاسته)).
[4] في (ل): ((وهو)).
[5] في (ل) و(ف): ((على)).
[6] قوله: ((ذكر)) ليس في (م).
[7] في (م) و(ف): ((الضرورة)).
[8] قوله: ((إذا دعت الضرورة.... ذكره)) ليس في (ج).
[9] زاد في (ج): ((علم الله)).
[10] قوله: ((دليل على)) ليس في (م).
[11] في (ج) و(م) و(ل) و(ف): ((النجاسات)).
[12] قوله: ((نحن)) ليس في (م).
[13] في (ف): ((◙)).
[14] في (ل) و(ف): ((ما)).
[15] في (ط): ((هو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[16] في (ط): ((يحل))، وفي (م): ((يحد))، وقوله: ((يحك)) ليس في (ف) وأشار إلى وجود نسخة فيها. والمثبت من النسخ الأخرى.
[17] في (ط) و(ج) و(ل) و(ف): ((اغتفار)).
[18] قوله: ((أو لهما معاً)) ليس في (م).
[19] في (ج): ((النجاسات)).
[20] قوله: ((حال)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.