بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها

          173-قوله صلعم : (إنَّ فِي الجنَّة لشَجَرَةً...(1)) الحديث. [خ¦3251]
          ظاهر الحديث الإخبار بحسن ثمَر الجنة إذ إنَّ الراكب يسير في ظلِّ الشجرة(2) الواحدة مئةَ عام لا يقطعها لأنَّه كلما كبر ظل الشجرة عظم حسنها، والكلام عليه مِن وجوه: منها أنْ يقال: ما فائدة الإخبار بهذا وما يترتب عليه مِن الفقه.
          أما فائدة الإخبار ففيه وجوه: منها الدلالة على عظيم قدرة الله تعالى، لأنَّ خلقه ╡ لتلك الشجرة على ذلك القدر بلا معالجة أحدٍ(3) دالٌّ على القدرة العظيمة التي ليس كمثلها شيء.
          وفيه دليل: على اطلاعه صلعم على أمور الآخرة، فهي تقويةٌ في الدلالة على رفع منزلته ╕ عند مَلِك الدارَينِ، وفيه تشويق(4) للسامع إذا كان مِن أهل / التصديقِ، والترغيبُ له في العمل عليها، ويترتَّبُ عليه مِن الفقه قوة الإيمان وهو أعلى المراتب، فإنه إذا صدَّق الصادِق صلعم فيما به أخبر عَظُم قَدرُ(5) القادرِ في قلبه، وذلك قوة في(6) الإيمان ولا تُبْلَغ بعمل(7)، لأنَّ زيادة ذرة في الإيمان خير من عمل الدهر، لأنَّ المولى جلَّ جلاله قد مدَحَهم بذلك حيث قال: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}(8) [البقرة:3].
          وهنا بحث وهو: أنْ يقال: لِمَ ذكر ╕ الشَّجَرةَ نكرةً ولم يُعَرِّفْها بأن يقول: هي مِن كذا أو كذا(9)؟ والجواب: أنه لما كان المقصود ما ذكرناه(10) أوَّلًا مِن الفائدة على اختلافها كان مِن الحكمة تنكيرها أتم في الشأن، بدليل أنَّ شهوات النَّاس في الثِّمَار المعيَّنة مختلفة، مثال ذلك قد يكون بعض النَّاس يحبُّ شجرةَ(11) التين ولا يحب شجر الجوز وبالعكس، فقد كان يحصل لبعض النَّاس زهادة(12) في تلك الشجرة فكان التنكير أولى، وفي ذلك دلالة على ما منَّ الله ╡ به(13) على سيِّدنا محمد صلعم مِن تمام المعرفة بالأشياء وحسن إرشاده لأمَّته وحسن مسايسته(14) في شأنهم كله.
          وفيه دليل: على أنَّ مشي الراكب في الغالب أكثر مِن غيره، ولذلك مثَّل به ╕.
          وهنا بحث أيضًا(15) وهو: أنْ يُقال: لمَ قال: (الرَّاكِبُ)؟ ولم يبيِّن أيَّ راكبٍ هو؟(16) وما هو المركوب؟ / لأنَّ المركوبات تختلف في الأجناس، مثل الخيل والحمير والإبل، وكلُّ جنس منها يختلف(17) في السرعة والإبطاء اختلافًا كثيرًا؟
          والجواب هنا كالجواب على الشجرة سواء، وقد يحتمل وجهًا آخر، وهو: أنْ يؤخذ بالوسط مِن ذلك(18) حتى يكون فيه طريق لمعرفة(19) قدْرِها.
          وفيه دليل: على ارتفاع هذه الشجرة وعظمها لأنَّ ما يكون ظلُّها ذلك القَدْر يكون(20) ارتفاعها أكثر مِن ذلك، وجاء أنَّ المؤمن إذا اشتهى مِن جَنَى ثمرةٍ ما هو في أعلى الشجرة(21) أنَّه يتدانَى له حتى يأخذه بيده، والمؤمن على أيِّ حالة كان عند اشتهائه ذلك مِن قيام أو قعود أو اضطجاع، فسبحان مَن هذه قُدرتُه وإبداعُ(22) حكمته، جعلنا الله ممَّن جعله مِن سكَّانها بلا محنة إنه وليٌّ حميد(23).


[1] في (ط): ((شجرة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[2] في (ط): ((الشجر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[3] في (ج) و (م): ((أحد)). كالأصل.
[4] في (ج): ((تشويف)).
[5] في (ج): ((قدرة)).
[6] قوله: ((في)) ليس في (ج).
[7] في (ج) و (م): ((بعمل)). كالأصل.
[8] في (ج): ((حيث قال بالغيب وهو أن يقال يؤمنون)).
[9] قوله: ((بأن يقول هي من كذا أو كذا)) ليس في (ج) و (م).
[10] في (ج): ((ذكرنا)) وفي (م): ((لما ذكرنا)).
[11] في (م): ((شجر)).
[12] في (ج): ((هادة)) وهي تصحيف.
[13] قوله: ((به)) ليس في (ج).
[14] زاد في (م): ((لأمته)).
[15] قوله: ((أيضا)) ليس في (ج).
[16] قوله: ((هو)) ليس في (ج).
[17] في (ج): ((مختلف)).
[18] في (م): ((بالوسطين ذلك)).
[19] في (ج) و (م): ((لمعرفة)). كالأصل.
[20] في (ج): ((تكون)).
[21] في (م): ((الثمَّرة)).
[22] في (ج): ((وأبدع)).
[23] زاد في (م): ((بمنه وكرمه)).