بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا

          135- قوله(1): أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ ╡ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا(2)...) الحديثُ. [خ¦2843]
          ظاهر الحديث يدلُّ على أنَّ مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله أو خلفَه بخير، فله مِن الثواب والأجر(3) مثل ما للغازي(4)، والكلام عليه مِن وجوه:
          الأول: هل هذا الثواب مقصور على مَن جهَّز غازيًا لم يستطع الجهاد(5) وعجز عنه؟ أو هو عامٌّ في المستطيع وغيره؟
          يحتمل الوَجهين(6) معًا لكن الأظهر أنَّه على العموم، وهو مثل قوله ╕: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ أَجْرُ صائِمٍ»، وهو عامٌّ في القادر على الفِطر وغيره؛ ولأنَّه قد يكون ممن يقدر على الجهاد(7)، لكن يمنعه الشُّحُّ على ماله، فإذا وجد مَن يجهزه خرج، / وكذلك أيضًا الكلام على مَن خَلَفَه بخيرٍ ومعناه: أنه يخلُفه(8) في توفية ما يلزمه من الوظائف مثل النفقة على عياله وما أشبهها ما دام الغازي في الجهاد.
          الثاني: هل مَن أعان غازيًا له(9) مثل ما لو جهَّزه أم لا؟ ظاهر اللفظ يفيد: أن لا، إلا أن يكون هو المحتمل لجهازه كله، فإن فعل بعضًا وترك بعضًا كان له الأجر على المعروف الذي فعل ولم يكن له هذا(10) الثواب المذكور، وكذلك أيضًا الكلام على مَن خَلَفه بخير، وهو أيضًا مثل إفطار الصائم في المعنى؛ لأنه(11) معلوم أنَّ إفطار الصائم لا يُرَاد به إلا إزالة حاجته إلى الطعام والشراب ليذهب ما به مِن عناء وظمأ، فلإذهاب الظمأ والعناء كان له مثل أجر مَن تحمَّله، فإذا فطَّره بشيء ما مثل التمرة وغيرها فليس المراد ذلك، وإنما المراد ما ذكرناه، نعم لا يخلو مِن الأجر في تمرته لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة:7]، وكذلك فيما نحن بسبيله سواء لا يخلو المعين للغازي مِن الأجر على معروفه، وأمَّا أن يكون له أجر غازٍ(12) فاللفظ لا يعطيه.
          الوجه(13) الثالث: هل مَن جهَّز غازيًا على الكمال وخلَفه بخير في أهله، هل له أجر غازيين أو غازٍ واحد؟ ظاهر اللفظ يفيد أنَّ له أجرَ(14) غازيَين؛ لأنَّه ◙ جعل كلَّ فعل مستقلًا بنفسه غير مرتبط بغيره، فقال: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ ╡ فَقَدْ غَزَا) فقد حصل أجر الغازي / لصاحب هذا الفعل، ثم قال بعد ذلك: (وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) فحصل للآخر(15) أيضًا مثل ما حصل للأول وهذا فضل من الله ورحمة.
          الرابع: هل جميع أفعال الطاعات مَن أعان عليها كان له مثلها أو ليس؟
          فإن قلنا بأن الحديث تنبيه بالأعلى على الأدنى لقوله ╕: «مَا(16) أَعْمَالُ البرِّ في الجهادِ إِلَّا(17) كَبَزْقَةٍ في بَحْرِ(18)» فهو كذلك.
          وإن قلنا بأن(19) هذا خاصٌّ بالجهاد للترغيب(20) فيه لِمَا فيه مِن التعب والمشاقِّ فقد(21) يرجى ذلك مِن طريق(22) آخر لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، ولقوله ╕: «الدَّالُّ عَلَى الخيرِ كَفَاعِلِهِ» فإذا كان الدالُّ عليه مثله(23) فكيف المعينُ عليه حسًا؟ والآي والأحاديث في هذا المعنى كثير(24)، فقد كثرت الدلائل فهلْ مِن عامل؟ أعاننا الله على ذلك وجعلنا مِن أهله بمَنِّه(25).


[1] في (م): ((عن زيد بن خالد)).
[2] قوله: ((وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا)) زيادة من (م) على النسخ.، وقوله بعدها: ((الحديث)) ليس في (م).
[3] في (م): ((الأجر والثواب))، وقوله بعدها: ((مثل)) ليس في (ل).
[4] في (م): ((مثل الغازي)).
[5] في (ج): ((الجهاز)).
[6] في (م): ((محتمل وجهين)).
[7] في (ج): ((الجهاز)).
[8] في (ل): ((يكلفه)).
[9] في (م): ((فله)).
[10] قوله: ((هذا)) ليس في (ج).
[11] في (م): ((لأن)).
[12] في (ل): ((غازي)).
[13] قوله: ((الوجه)) ليس في (ج) و(م) و (ل).
[14] قوله: ((أجر)) ليس في (ط) و (ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[15] في (ج): ((فقد حصل الأجر)).
[16] قوله: ((ما)) ليس في (ل).
[17] قوله: ((إلا)) ليس في (ل).
[18] في (م): ((البحر)).
[19] في (م): ((أن)).
[20] في (م): ((والترغيب)).
[21] في (م): ((هل)).
[22] في (ج): ((طرف))، وفي (م) و (ل): ((طرق)).
[23] في (م): ((كفاعله)).
[24] في (ج) و(م): ((كثيرة)).
[25] زاد في (م): ((وكرمه)).