بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله

          28- عَنْ عَائِشَةَ ♦(1) قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُحِبُّ التَّيَمُّن ما استطاعَ فِي شأنِهِ كلِّهِ...(2)) الحديث. [خ¦426]
          ظاهرُ الحديثِ حبُّ النبيِّ صلعم / التَّيَمُّنَ في شأنِه كلِّه، والكلام عليه مِن وجوهٍ:
          منها: قولها(3) (كَانَ) فيهِ دليلٌ على أنَّ إِخبارَها بهذا الحديثِ كانَ بعدَ وفاتِه صلعم.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ عدمَ الاستطاعَةِ عذرٌ في تركِ المُستحبِّ، وكذلكَ هو(4) في الفرائضِ، فإذا كانَ في الفرائضِ فمِنْ بابٍ أَولى.
          وهنا بحثٌ: إذا(5) كانَ الأمرُ معلومًا في الفرائضِ هكذا، فلِمَ ذكرتْ(6) هذا في المُستحبِّ؟ فالجوابُ: أن إخبارَها باستصحابِ ذلكَ(7) في كلِّ الوجوهِ حتَّى تُوفِّي عليه(8)، إنَّما هو(9) تأكيدٌ(10) في فعلِ المُستحبِّ(11)؛ لأنه لا يمنعُه منه إلا ما يمنعُه من الفرضِ، لأن الدِّينَ مطلوبٌ فَرْضُه ونفلُه وندبُه على حدٍّ سواءٍ، كلٌّ منه على جهتِه(12)، وأنه(13) لا يترك ذلكَ اختيارًا وهو أصل كبيرٌ في الفقهِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ في(14) مثله.
          وقولُها: (فِي شَأْنِهِ) هذا أمرٌ مُجمَلٌ، ثم ذكرتْ ثلاثةَ وجوهٍ، فما الفائدةُ في ذلكَ؟ فالجوابُ: هو أنَّها(15) لمَّا ذكرَت الشأنَ، وهو أمرٌ مُجمَلٌ كما ذكرنا، فلو(16) سكتَتْ واكتفتْ بذلكَ لاختلفَتْ(17) التقديراتُ فيهِ، فلمَّا(18) أتَتْ ♦ بذكرِ تلكَ(19) الثلاثةِ كانَ فيهِ دليلٌ على فقهِها.
          وفيهِ زوالُ الإِلباسِ(20)؛ لأنها ذكرَت الطُّهور(21)، وهو أعلى(22) المَفروضات؛ لأنه ◙ قال فيه: ((إنَّه شَطْرُ(23) الإِيمانِ))، وذكرتِ التَّرَجُّلَ، وهو مِن آكَدِ السُّنَنِ، وذكرَت التَّنَعُّل وهو من أرفعِ المُباحات(24)، فبيَّنت أنَّه صلعم كانَ على ذلكَ الشأنِ في جميعِ المَفروضاتِ والمستَحبَّاتِ والمُباحاتِ، فحصَرَتْ(25) أفعالَه ◙ في(26) كلِّ الأشياءِ.
          ويترتَّبُ عليهِ مِن الفقهِ أنَّ مِنَ / الأَحسَنِ(27) في الإخبار والتعليمِ(28) الإجمالُ أولًا مِن أَجْلِ الحفظِ، والتقسيمُ بَعْدُ من أجْلِ التَّفهيمِ.
          وهنا بحثٌ: في قولِها: (وَكَانَ(29) يُحِبُّ) لِمَ عبَّرتْ بهذَا؟ ومَا الحِكمةُ في حُبِّهِ؟ فالجوابُ عن كونِها عبَّرت بذلكَ؛ لأنها تشعرُ أنَّ ذلكَ ليسَ مِمَّا أَمَرَ به مِن أجلِ أنْ لا يَعتَقِدَ(30) أحدٌ(31) أنَّها مِمَّا فُرِضَ، واحتملَ أن يكونَ(32) مما سَنَّ، فأزالتْ بقولِها (يحبُّ) كلَّ الاحتمالاتِ.
          وأمَّا ما الحكمةُ في كونِه صلعم يُحبُّهُ؟ فإنَّما كانَ ذلكَ إيثارًا لِمَا آثرَهُ الحكيمُ بحكمتِهِ، والله أعلم، وذلكَ لمَّا رأى ◙ ما فضَّل اللهُ تعالى اليمينَ وأهلَه وما أَثْنَى عليهم فأَحَبَّ هو(33)(34) ما آثرَهُ العليمُ الحكيمُ، فيكونُ مِن(35) بابِ التَّناهِي في تعظيمِ الشعائرِ حتى يجدَ ذلك وُلُوعًا في فؤادِهِ(36) المباركِ، فيكونُ ذلكَ دالًّا على قوةِ الإيمانِ، فمَن وجدَ حُبًّا لذلكَ كما وجدَهُ(37) صلعم (38) فَلْيشكرِ اللهَ على ما منحَهُ مِن ذلكَ، وإنْ لم يجدْ فيتَّبِعُ ويَستعمِلُ أسبابَه ويتشَبَّهُ بالمُحبِّينَ، ولذلكَ قالَ بعضُ الحُكماءِ: إنَّ(39) التشَبُّهَ بالكرامِ فَلَاحُ. ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ ☺ أنَّه رأى شخصًا قرأَ سجدةَ {كهيعص} وسجدَ، فقالَ لهُ: هذا(40) السُّجودُ فأينَ البُكاءُ؟ إذا لم تَبْكوا فتَبَاكُوا.
          ويترتَّب على ذلكَ مِن الفقهِ أنَّ التشبُّهَ(41) بأهلِ الخيرِ من الخيرِ إذا كانَ حُبًا فيهم مِن أجلِ الله ╡ ، وأنَّ التَشَبُّهَ(42) بأهلِ الشرِّ مِنَ الشرِّ، يَعضُدُ ذلكَ ما نَهَى صلعم عنهُ(43) مِنَ التشَبُّهِ(44) بأهلِ الكتابِ، وقد وَرَدَ عنهُ ◙ : ((مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم)). مَنَّ اللهُ علينا بأَحوالِهم حالًا ومقالًا.


[1] قوله: ((☺)) ليس في (ف)..
[2] زاد في (ج) و(ل) و(ف): ((في طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ)).
[3] في (م): ((قوله)).
[4] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[5] في (ل) و(ف): ((فإذا)).
[6] في (م): ((ذكرنا)). وقوله بعدها: ((هذا)) ليس في (ل) و(ف).
[7] في (ج) و(ل) و(ف): ((الأعذار)).
[8] زاد في (ل): ((السلام)).
[9] قوله: ((هو)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[10] في (م): ((تأكيدا)).
[11] في (م): ((المستصحب)).
[12] في (م): ((على حد سواء)).
[13] في (ج): ((فإنه))، وفي (ف): ((أن)).
[14] قوله: ((في)) ليس في (ط) و(م) و(ل) و(ف)، وقوله: ((الكلام)) ليس في (م) و(ل) و(ف).
[15] قوله: ((هو أنها)) ليس في (م).
[16] في (ل): ((لو)).
[17] في (م): ((لاختلف)).
[18] في (ج): ((لما)).
[19] قوله: ((تلك)) ليس في (م).
[20] في (ف): ((الالتباس)).
[21] في (ف): ((الظهور)).
[22] في (ل): ((على)).
[23] في الأصل: ((شرط)) والصواب المثبت من النسخ الأخرى.
[24] في (م): ((التنفل وهو من أرفع المناجات)).
[25] في (م) و(ل): ((فحضرت)).
[26] قوله: ((في)) ليس في (م).
[27] في (ف): ((الإحسان)).
[28] في (ج): ((والتعظيم)).
[29] في (م) و(ل) و(ف): ((كان)).
[30] في (ل): ((يعتقدها)).
[31] في (م): ((أحدا)).
[32] في (ج) و(ل): ((تكون)).
[33] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[34] قوله: ((◙)) ليس في (ف)..
[35] في (ج): ((زمن)).
[36] في (م): ((كيانه)) وعلقها في الهامش: ((فؤاده)).
[37] في (م) و(ف): ((وجد))، وزاد في (ل) و(ف): ((هو)).
[38] في (ف): ((◙)).
[39] في (ط) و(م) و(ف) و(ل): ((فإن)). وبعدها في (م): ((التشبيه)).
[40] زاد في (ج): ((هو)).
[41] في (ل): ((التشبيه)).
[42] في (ل): ((التشبيه)).
[43] في (م) و(ف): ((عنه صلعم)).
[44] في (ل): ((التشبيه)).