بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة

          62- (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ(1) رَسُولُ اللهِ صلعم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ...) الحديث(2). [خ¦1162]
          ظاهرُ الحديث يدلُّ على(3) الحضِّ على هذه(4) الاستخارة المذكورة في الحديث، والكلام عليه من وجوه:
          منها: قوله: (فِي الأُمُورِ(5)) هل / هو على عمومه أو هو عامٌّ والمراد(6) به الخصوص؟
          محتمِلٌ، لكنَّ الأظهرَ أنَّه عام والمرادُ به الخصوص بدليل أنَّ الواجباتِ مطلوبةٌ فإن أتى بها، وإلَّا عوقب تاركُها فلا يُستَخار فيما هو(7) العذاب على تركه(8)، والمحرَّمات أيضًا ممنوعٌ فعلُها والعذابُ معلَّقٌ على فِعلها، وما(9) العذاب معلَّقٌ على فعله فلا استخارةَ فيه.
          فالذي تكونُ فيه الاستخارةُ أمران(10): إمَّا نوعُ المباحات وهو ما إذا أراد الشخص أنْ يعمل أحدَ مباحين ولا يعرف أيَّهما خيرٌ له؟ جازت له الاستخارة ليرشده مَن يَعلَمُ الأمورَ وعواقبها على ما هو الأصلح في حقِّه.
          وإمَّا نوعُ المندوبات وهو: أن يَخطُر لأحد أن يفعل أحدَ المندوبات ولا يعرف أيَّهما(11) خيرٌ له؟ فيستخيرَ، وأمَّا نوع المكروه فمكروه أن يُستَخارَ فيه، فعلى هذا هو لفظ عامٌّ والمرادُ به الخصوصُ كما ذكرنا وهذا في اللسان كثير.
          وقوله: (كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ) احتمل أن يكونَ الشَّبَه(12) من جهة حفظ حروفه وترتيبها ولا يبدل منها شيء بشيء(13) كما هو القرآن يُقْرَأ بالفاء(14) والواو؛ لأن العلماء لم يختلفوا أن القرآن لا يُنْقَل ولا يُتْلَى إلَّا على وضعه بالفاء والواو، واختلفوا في نقْل الحديث فقيل: هو(15) مثلُ القرآن، وقيل: يجوز أن يُنقَل بالمعنى إذا فُهِمَ، فيكون مرادُه ╕ بهذا الحديث أنَّ حكمَه حكمُ(16) القرآن لا يغيَّر عن وضعه، واحتمل أن يكون أراد منع الزيادة على تلك الألفاظ والنقص / منها، واحتمل أن يكون الشبه في عدم الفَرْضيَّة.
          لأنَّ السورةَ(17) _ما عدا (أمِّ القرآن)_ تعليمها من طريق المندوب؛ لأنَّ ما في القرآن فرضٌ تعلُّمُه إلَّا (أمَّ القرآن) عندَ من يرى أنَّها فرضٌ في الصلاة، و(أمُّ القرآن) وإن كان يُطلق(18) عليها بمقتضى اللغة (سورة من القرآن) فقد غلب عليها اسمُها المختصُّ بها حتَّى أنَّه إذا أراد أحدٌ أن ينصَّ عليها ولا يسمِّيَها بهذا الاسم لا يُفهَم عنه، وهي قد غلب عليها هذا الاسم ونحوُه من الأسماء التي غلب عليها أيضًا(19) كما غلب(20) اسم (الثريا) عليها وإن كانت مِن جملة النجوم.
          واحتمل أن يكون الشبه مِن طريق(21) الاهتمام بها والتحقيق ببركتها(22) والاحترام(23) لها، واحتمل أن يكون الشبه من كونها(24) بوحيٍ من الله تعالى كما أنَّ السورةَ بوحيٍ(25) من الله ليس من عنده ◙ ، واحتمل أن يكون الشبه(26) في التدريس لها والمحافظة عليها والمعاهدة لذلك كما أخبر ╕ عن حامل القرآن أنَّه مثل صاحب الإبل المعقَلَة(27) إن عاهد(28) عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت، واحتمل مجموع ما وجَّهناهُ وأكثر.
          وقوله: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ) هنا بحثٌ قوله: (إِذَا هَمَّ) هل هي على وضعها عند أهل الخواطر أو توسعةٌ(29) في المخاطبة فيريد بـ(همَّ)(30) النيَّة؟ احتمل، والأظهر _والله أعلم_ أن تكون على بابها(31).
          ونحن الآن نبيِّنُ(32) ما ذكره أهل الخواطر وحينئذ نبيِّنُ لِمَ كان ما ذكرناه(33) هو الظاهر؟ فأمَّا الخواطر عندهم فهي ستَّةٌ(34)، وإن كان قد / ذكرناها في أوَّل الكتاب لكن لبُعدِها احتاج الموضع إليها(35) فنذكر منها قدر ما نُبيِّنُ(36) به الفائدة في الترجيح الذي ذكرناه:
          فأوَّلُها الهمَّةُ، ثمَّ اللِّمَّة، ثمَّ الخَطْرة، وهذه الثلاثة(37) عندهم غيرُ مأخوذٍ(38) بها، ثمَّ نيَّةٌ، ثمَّ إرادةٌ، ثمَّ عزيمةٌ، وهذه الثلاثة(39) مأخوذٌ بها(40)، وبعضُها أشدُّ من بعض، فتكون(41) فائدة ترجيح الهمَّة أن يكون الحديثُ على بابه؛ لأنَّه أوَّلُ ما يخطُر له الخاطر وليس(42) فيه تلك الرغبة القوية فيستخيرُ عند ذلك فيَبِينُ له بعد الاستخارة بتوفيق الله الأرجحُ.
          وإنَّما قلنا ذلك؛ لأنَّه إذا تمكَّن الأمرُ عنده حتَّى صار له فيه نيَّةٌ وإرادةٌ وقد(43) حصل له إليه ميلٌ وحبٌّ، وقال(44) صلعم : «حُبُّكَ الشَّيءَ(45) يُعْمِي ويُصِمُّ» فهذا لا يظهر له وجهُ الأرشد، لميله للذي(46) عَزَم عليه، ولوجه آخر(47) لأنَّ فيه إظهارًا لحقيقة العبوديَّة، فأوَّلُ شيء يَرِد عليه في ذلك لجأه(48) بسببه(49) إلى مولاه، فلحُرمةِ(50) هذا المقام يُلطَف به(51)؛ لأنَّه عند أهل المعاملات أعلى المقامات.
          واحتمل أن تكون الهمَّةُ بمعنى النيَّة، ويكون وجه الفقه فيه(52) أن النفس لا تخلو من الخطرات، وأكثرها لا تثبت ولا يعمل عليها فلا يستخير إلَّا على شيءٍ ينويه ويعزم عليه لئلا يستخير في أمر لا(53) يعبأ به فيكون فيه سوء أدب، وعلى هذا التعليل(54) يرجح الثَّاني الأوَّل ويكون فيه معنى ما من قوله(55): (كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ) لأنَّ القرآن(56) لا يقرأ إلَّا بجمع القلب عليه كما قال صلعم : «اقْرَؤُوا القُرْآنَ مَا / ائْتَلَفَتْ عليهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ(57) فَقُومُوا عَنْهُ».
          وقوله ◙ : (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ) هنا بحثٌ: جاءت(58) عنه صلعم أدعية كثيرة ولم يشترط فيها صلاة، وهنا جعل من شرطها صلاة تختصُّ بها، فهل هذا تعبُّدٌ لا يُعقَل له معنى أو له معنى(59) معقول؟
          فإن قلنا(60) بأنَّه تعبُّدٌ فلا بحث، وإن قلنا بأنَّه معقولُ المعنى فنحتاج إذًا إلى بيان الحكمة في ذلك وهذا هو الأظهر، وهو أن يكون لحكمةٍ(61) إذْ بالقطع لا يفعل الشارعُ(62) شيئًا من الأشياء إلَّا لحكمةٍ، فنقول(63) والله أعلم: إنَّ الحكمةَ هو أنَّه(64) لـمَّا أن(65) كان هذا الدعاء من أكبر الأشياء؛ لأنَّه(66) ╕ أراد به الجمع بين صلاح الدين والدُّنيا والآخرة، فطالِبُ هذه الحاجة يحتاج(67) إلى قرع باب الملِكِ بأدب وحال يناسب ما يطلب، ولا شيءَ أرفعُ ممَّا(68) يُقرَع به(69) باب المولى(70) من الصَّلاة لِـمَا فيها من الجمع بين التعظيم لله سبحانه والثناء عليه والافتقار إليه حالًا ومقالًا(71)، وذِكرِه ╡ وتلاوةِ كتابه الذي به مفاتيح(72) الخير من الشفاء والهدى والرحمة وغير ذلك مما هو فيه منصوص.
          ويترتَّبُ على ذلك من(73) وجوه الحكمة أن يكون طالب الأشياء يَستَحِقُّها(74) أو لا بحسب ما تقتضيه(75) نسبة مطلبه، وقد مضى بين الناس في(76) بعض أمثالهم ما(77) يشبه(78) هذا وهو قولهم: من نصب إلى وزَّة أخذ وزَّة، ومن نصب إلى عُصفورٍ أخذ عُصفورًا، / معناه: أنَّ الشبكةَ التي تحبس الإوز(79) لا تحبس العصفور، والتي(80) تحبس العصفور لاتحبس الإوز(81) فقد ظهر بينهما مناسبة ما من طريق الحكمة؛ لأنَّ مقدِّماتِ الأشياء على اختلافها كلٌّ على(82) ما يليقُ بها، فهذا(83) هو وضع الحكمة.
          وقوله ◙ : (ثُمَّ يقولُ) ثمَّ هنا دالَّـةٌ على انتقال الفاعل من حالة(84) الصَّلاة عند تمامها إلى حال الدعاء؛ لأنَّها(85) تدلُّ على المهلة(86).
          وقوله ╕: (اللهُمَّ) هذه اللفظةُ هي من أرفع ما يُسْتَفْتَحُ به الدعاء، وقد ذكرنا هذا فيما(87) تقدَّم بما علل فيه.
          وقوله ╕: (إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) معناه: أن تنظر لي أنت الخير(88) بعلمك الذي أحاط بجميع الأشياء لا بعلمي أنا القاصر عن كلِّ(89) الأشياء.
          وقوله: (وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ(90)) أي: أطلبُ منك أن تقدِّره أنت لي بقدرتك التي(91) لا تعجز عن شيء من الأشياء، لا بقدرتي أنا العاجزة(92) عن جميع الأشياء.
          وقوله: (وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ) أي: ما سألتك إنَّما أسأله من فضلك، فإنَّه لا حقَّ واجبٌ عليك فما تفضَّلتَ به في مسألتي هذه أو في غيرها فإنَّما هو من فضلك العظيم(93)، و(العظيم): صفة لفضله(94) ╡ ولجميع صفاته ولذاته الجليلة.
          وقوله(95): (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ) رجع هنا إلى ما أبدينا(96) أوَّلًا بمقتضى قوَّة الكلام الذي(97) أبداه لنا، والفائدة في إبدائه لنا؛ لأنَّ الغالب من الناس عدمُ فهم ما(98) تقتضيه قوَّة الكلام؛ لأنَّه لا يعرف ذلك إلَّا أربابُه وهم قلائلٌ، والدعاء / يحتاجُ إليه من يعرف ذلك، ومن لا يعرفه لا يحصل(99) له بتلك الألفاظ ذلك التنازل المقصود من النفس فتسقط(100) فائدة كبرى من الأمر(101)، وقد تكون هي أقوى الأسباب في النجح، فأعاده صلعم لهذه الحكمة.
          وقوله: (ثُمَّ قَالَ(102): وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ) هذا(103) زيادة في الثناء على المولى الكريم، كأنَّه(104) بقوة الكلام يقول: وإن كنتَ تعلم الغيب في مسألتي ليس علمك بالغيب فيها بحُكم الوِفاق ولا لعلَّة من العلل، بل إنَّك أنت علَّام جميع الغيوب على حدِّ الكمال والجلال، وزيادة الثناء على المولى من أنجح(105) الوسائل، فهذا هو حقيقة الافتقار والاضطرار، وهو الحقُّ الذي لم يُبْقِ لنفسه من الدعوى شيئًا، ورد الأمر إلى من هو أهله وهو له حقٌّ(106).
          وقوله: (ثم َّقالَ(107): اللهُمَّ) إنَّما(108) أعاد هذه اللفظة لِـمَا فيها من الخير والرغبة.
          وقوله: (إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي) إنَّما(109) قدَّم الدِّين؛ لأنَّه الأهمُّ في جميع الأمور، فإنَّه إذا سَلِم الدين فالخير حاصل تعب صاحبه أو(110) لم يتعب، وإذا اختلَّ الدين فلا خير بعده.
          وقوله: (وَمَعَاشِي) أي: في عيشي(111) في هذه الدار.
          وقوله: (وَعَاقِبَةِ أَمْرِي) أي(112): آخرتي.
          وقوله: (أَوْ(113) في عَاجِلِ(114) أَمْرِي وَآجِلِهِ) الشكُّ هنا من(115) الراوي والمعنى واحد، وإنَّما قال هذا هنا لِـمَا كان فيه وفي جميع الصحابة رضوان الله عليهم من التحرِّي في النقل والصدق.
          وقوله: / (فَاقْدُرْهُ لِي) مأخوذ من القَدْر.
          وقوله: (وَيَسِّرْهُ لِي) مأخوذ من التيسير مخافةَ أن يتركَ في ذلك لنفسه وإنْ قُدِّر له به(116) فيتعب في تحصيله.
          وقوله ثمَّ يقول(117): ((وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قالَ: في عَاجِلِ أَمْرِي وآجِلِهِ)) الكلام عليه كالكلام على الذي قبله. لكن هنا بحثٌ وهو أنَّا رأينا أن(118) من لازم قوله طلبَ الخير وقُضيَ له به ألا(119) يكون(120) فيه شرٌّ فما فائدة إعادة قوله: (وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي) إلى تمام(121) الكلام؟ فنقول: فائدة الإعادة لوجهين:
          (أحدُهما): ما قد ذكرنا أوَّلًا وهو أنَّ(122) ما(123) كان يدل(124) بقوَّة الكلام أعاده نصًّا للعلَّة التي ذكرنا.
          و(الوجه الآخر): مختَلَفٌ فيه هل الأمر بالشيء نهيٌ عن(125) ضِدِّه أو ليس؟
          و(وجه ثالث): وهو الإبلاغ في تحسين(126) الحال.
          وقوله: (ثُمَّ اصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ) البحث هنا كالبحث فيما تقدَّم آنفًا.
          وقوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ) هذه إشارة إلى تمام قدرة القادر وهو إبلاغٌ في التنزيه؛ لأنَّ قدرته جلَّ جلالُه البعيدُ(127) والقريبُ عنده على حالة سواء والإيمان به واجب، ومن الدليل على ذلك ما نصَّ ╡ في كتابه من(128) قصَّة عرش بلقيس الذي(129) أُتِيَ به سليمان(130) ╕ لـمَّا دعا الذي عنده عِلمٌ من الكتاب في لمحة البصر، وإن كان(131) من البُعْد حيث كان.
          ومن الدليل على ذلك من طريق العقل: أنَّه لو عجِزَت / قدرتُه ╡ عن ممكنٍ ما صحَّ له(132) الكمال، والكمال(133) لابدَّ من وصفه ╡ به(134) فلا يَعجِز إذًا عن شيء(135) من الأشياء.
          وقوله: (ثُمَّ أَرْضِنِي) أي: أرضني به؛ لأنَّه إذا قضى له مافيه الخَيْر ولم يرضَ فقد تنغَّص، ومن(136) تنغَّص حالُه ما كَمُلَتْ له عافية(137)، فهذا من كمال العافية أيضًا.
          وقد ذكر أهل الصُّوفيَّة(138) أنَّه من استخار في شيء فقُضِيَ له فيه قضاءٌ ولم يرضَ، فإنَّه عندهم من الكبائر الذي يجب منه التوبة والإقلاع(139)؛ لأنَّه من سوء الأدب، وما قالوه ليس يخفى؛ لأنَّه لـمَّا رجع هذا العبدُ المسكينُ إلى هذا المولى الجليل ورغب منه(140) أن ينظر له بنظرهِ فكيف لا يرضى؟!
          فهذه صفةٌ تشبه النفاق(141) بل هو النفاق نفسه(142)؛ لأنَّه أظهرَ الفقرَ والافتقارَ والتسليمَ ثمَّ أبطن(143) ضد ذلك، فأين هذا الحال(144) من قوله: (أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) على ما بيَّنَّاه أوَّلًا، وقد ورد في الحديث ما معناه أنه ╡ يقول: «ما غَضبتُ غضبًا أشدّ من غضبي على من استخارني في أمرٍ فقضيتُ له فيه قضاءً فكرهه» أو كما قال(145).
          وهنا بحث(146): لمَ سُمـِّيت الحاجة وهو ╡ يعلمُها؛ لأنَّها من جملة الغيوب؟
          والبحث(147) هنا كالبحث في قوله: (وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ(148) لِي) لكن هنا(149) زيادة؛ لأنَّه(150) قد يكون في إيمان بعض العوامِّ ضعفٌ فيلحقه الشكُّ هل يعلمُ حقيقةً(151) أم لا؟ وإن كان جهلُ بعض العوامِّ ببعض الصفات لا يُخرجه من(152) دائرة الإيمان على ما اجتمعت عليه العلماء(153).
          لكن لـمَّا كان هذا الموضعُ من المواضعِ التي لا يُمكنُ فيها إلَّا الإيمان الجازم(154) من أجل قضاء الحاجة أتى صلعم / بما يحقِّقُ الإيمان الذي هو الأصل في هذه الفائدة؛ لأنَّه فرق بين البقاء في دائرة الإيمان وقضاء الحاجة؛ لأنَّه قد يكون في دائرة الإيمان ولا تُقضَى له حاجة إلَّا أن يأتي الله من(155) يشفع له؛ ولأنَّ دعاءَه هو الشفيع له، فإذا كان إيمانُه ناقصًا لم ينفعه.
          فهذا أقوى دليلٍ لأهل الصُّوفَة الذين يرون(156) بدوام(157) الفقر والافتقار والتخلِّي في كلِّ الأنفاس، إذ بفقر(158) ساعة يستفيد هذه الفائدة، فما بالك به إذا كان دائمًا؟ وقد كان بعض أهل هذا(159) الشأن إذا وقعت لبعض الفقراء حاجة فيلجأ فيها إلى الله فيتفضَّلُ عليه بقضائها، فيقول له: يا سيِّدي، ما أجلَّ اللَّجْأ إلى الله! فكان جوابُه ☼ أن يقول: لِمَ تَحيدوا(160) عنه حتَّى تحتاجوا الرجوعَ إليه؟
          فانظر عباراتهم(161) كيف تخرج مع أصول الشريعة على حدٍّ سواء، وإن كان بعضُهم لا يعرِفُ القاعدة في ذلك الموضع، أليس قد قال صلعم (162): «مَنْ رُزِقَ مِنْ بابٍ فَليَلْزَمهُ».
          فإذا رأى أنَّ الخير كلَّه في الرجوع إليه فَلِمَ يَحُودُ(163) عنه حتَّى يحتاجَ الرجوع(164)؟كما ذكر هذا السيِّدُ سواء، وقد قال ╕ كنايةً عن مولانا جلَّ جلالُه: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي(165) أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ(166) مَا أُعْطِي السَّائِلِيْنَ» فانظر بعين بصيرتك(167) بباب من(168) تقف وأي جهة تقصد(169)؟.


[1] في (ج) و(م): ((سواها..قوله كان)).
[2] لم يذكر في (ج) و(م) اسم الراوي، وابتدأ بقوله: ((قوله: كان))، وذكر (ل) تتمة الحديث في حاشيته فقال: ((في الأمور كلِّها كما يعلِّمُنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمَّ ليقل: اللهمَّ إنِّي أستخيركَ بعلمك، وأستقدِرُك بقدرتك، وأسألكَ من فضلك العظيم، فإنَّك تقدِر ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلم، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدُره لي ويسِّرهُ لي ثمَّ بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخيرَ حيث كان ثمَّ أَرْضِني به، ويسمِّي حاجته)).
[3] قوله: ((يدل على)) ليس في (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[4] قوله: ((الحض على هذه)) ليس في (ج).
[5] في (م): ((العموم)).
[6] في (م): ((المراد)) بلا واو.
[7] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[8] في (ج): ((فيما العذاب على تركها)).
[9] في (م): ((وأما)).
[10] في (ل): ((أمران)) مكرر.
[11] في (ج) و(م): ((أيها)).
[12] في (م): ((التشبيه)).
[13] قوله: ((بشيء)) ليس في (ل).
[14] في (م): ((بالألف)).
[15] في (م): ((هل)).
[16] في (ج): ((كحكم)).
[17] قوله: ((لأن السورة)) ليس في (م).
[18] في (ل): ((ينطلق)).
[19] قوله: ((أيضاً)) ليس في (ف).
[20] زاد في (م): ((عليها)). تراجع: اسم الثريا ((عليها)) المفترض أنها غير موجودة في (م). زاد في(م): ((عليها)).
[21] في (م): ((الشبه بكونها)).
[22] في (ج): ((بتركها)).
[23] في (ل): ((واحترام)).
[24] في (م): ((الشبه بكونها)).
[25] قوله: ((بوحي)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[26] في (م): ((التشبه)).
[27] في (م) و(ل): ((المعقلة)).
[28] في (ج): ((عاقد)).
[29] في (م) و(ل): ((وتوسعة)).
[30] في (ط) و(ل): ((باهَمَّ)).
[31] قوله: ((بابها)) ليس في (ج).
[32] زاد في (م): ((كيفية)).
[33] في (م) و(ل): ((ماذكرنا)).
[34] في (ج): ((سنة)).
[35] في (ج) و(م) و(ل): ((لها)).
[36] في (ج): ((نبين)).
[37] في (ج): ((الثلاث)) في الموضعين. وفي (م): ((الثلاث)).
[38] في (م): ((مأخوذة)).
[39] في (ج): ((الثلاث)) في الموضعين، وزاد في (ج) و(ل): ((عندهم)).
[40] قوله: ((بها ثمَّ نية مأخوذ بها)) ليس في (م).
[41] في (ج) و(ل): ((فيكون)).
[42] زاد في (ج) و(م): ((له)).
[43] في (ج) و(م) و(ل): ((فقد)).
[44] قوله: ((قال)) ليس في (ل).
[45] في (ط): ((للشيء)).
[46] في (م): ((الذي)).
[47] زاد في (م) و(ل): ((أيضاً)).
[48] في (ج): ((فأول شيء يرد عليه يلطف به في ذلك لجأ)).
[49] قوله: ((بسببه)) ليس في (ط) و(ل) والمثبت من النسخ الأخرى.
[50] في (م): ((فلأجل)).
[51] في (ج): ((في ذلك لجأ بسببه إلى مولاه فلحرمة هذا المقام أيضا))، وفي (م): ((تُلُطِّف به)).
[52] قوله: ((فيه)) ليس في (ج).
[53] قوله: ((لا)) ليس في (م).
[54] في (ج): ((التقليل)).
[55] في (م): ((ما كقوله)).
[56] قوله: ((لأن القرآن)) ليس في (م).
[57] في (ل): ((افترقت)).
[58] في (م) و(ل): ((بحث قد جاء)).
[59] قوله: ((أو له معنى)) ليس في (ج).
[60] في (ل): ((فإنه إن قلنا)).
[61] في (ج): ((الحكمة)).
[62] قوله: ((الشارع)) ليس في (ج).
[63] قوله: ((فنقول)) ليس في (ج).
[64] في (ج) و(م) و(ل): ((الحكمة هنا هي أنه)).
[65] قوله: ((إن)) ليس في (م).
[66] في (ج) و(م): ((إذ أنه)).
[67] قوله: ((يحتاج)) ليس في (ج).
[68] في (م): ((أرفع بما به يقرع)).
[69] قوله: ((به)) ليس في (م).
[70] في (ج): ((الملك)).
[71] في (ج): ((حلا ومقلا)).
[72] في (ل): ((مفتاح))، في (ج): ((مفاتح)).
[73] قوله: ((مما هو فيه...ذلك من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[74] في النسخ: ((بساطة))، والعبارة في (المطبوع): ((طلب الأشياء بواسطة)). ولعل المثبت هو الصواب.
[75] في (م) و(ل): ((يقتضيه)).
[76] قوله: ((في)) ليس في (م).
[77] قوله: ((ما)) ليس في (ج). في (م): ((في)).
[78] في (م): ((تشبه)).
[79] في (م) و(ل): ((الوز)).
[80] في (م): ((والذي)).
[81] قوله: ((والتي تحبس العصفور لا تحبس الأوز)) ليس في (ج)، وفي (م) و(ل): ((الوز)) في الموضعين.
[82] قوله: ((على)) ليس في (ج).
[83] في (ج): ((هذا)).
[84] في (م) و(ل): ((حال)).
[85] في (م): ((إلا أنها)).
[86] في و(ل): ((المهملة)).
[87] في (م): ((بما)).
[88] في (ج) و(م) و(ل): ((الخيرة)).
[89] في (ج): ((جميع)).
[90] قوله: ((بقدرتك)) زيادة من (ف).
[91] في (ل): ((أن تقدره أنت لي بقدرتك التي)).
[92] في (م): ((العاجز)).
[93] قوله: ((العظيم)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[94] في (م): ((لذاته)).
[95] قوله: ((وقوله)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[96] في (ج) و(م) و(ل): ((أبديناه)).
[97] قوله: ((أبداه لنا)) ليس في (ج)، وقوله: ((الذي)) ليس في (م) و(ل).
[98] في (ج): ((لا)).
[99] في (ج): ((ومن لا يعرف فمن يعرف لا يحصل))، وفي (م): ((ومن لا يعرف فمن لا يعرفه لا يحصل)).وفي (ل): ((ومن لا يعرفه فلا يحصل)).
[100] في (ج): ((فيسقط)) وفي (م): ((فسقط)).
[101] في (م): ((الأم)).
[102] قوله: ((ثم قال)) ليس في (ج) و(م).
[103] في (م): ((هذه)).
[104] في (ج): ((كأن)).
[105] في (م): ((أكبر)).
[106] قوله: ((حق)) ليس في (ج).
[107] قوله: ((ثم قال)) ليس في (ج) و(م).
[108] قوله: ((إنما)) ليس في (م).
[109] قوله: ((إنما)) ليس في (ج).
[110] في (ج): ((أم)).
[111] في (م): ((عيشتي)).
[112] زاد في (م) و(ل): ((في)).
[113] زاد في (م) و(ل): ((قال)).
[114] في (ج): ((أو في قال عاجله)).
[115] في (ج): ((في)).
[116] قوله: ((به)) ليس في (م).
[117] قوله: ((ثم يقول)) ليس في (ج) و(م).
[118] زاد في (ج) و(م): ((كل)).
[119] في (م) و(ل): ((لا)).
[120] في (ج): ((وقضى به ما يكون)).
[121] في (م): ((آخر)).
[122] قوله: ((وهو أن)) ليس في (ج).
[123] في (م) و(ل): ((:ما ذكرناه أولًا وهو إنما)).
[124] قوله: ((يدل)) ليس في (م).
[125] قوله: ((عن)) ليس في (م).
[126] في (ج): ((تحسن)).
[127] في (ج): ((للبعيد)).
[128] في (م): ((في)).
[129] في (م): ((التي)).
[130] في (ج) و(م) و(ل): ((لسليمان)).
[131] في (ج) و(م) و(ل): ((البصر وكان)).
[132] قوله: ((له)) ليس في (ل).
[133] في (ج): ((والكلام)).
[134] في (م): ((له)).
[135] في (ج): ((وصفه إذا فلا يعجز ╡ عن شيء)).
[136] قوله: ((تنغص ومن)) ليس في (ج).
[137] في (ج): ((عاقبة)) في الموضعين.
[138] في (ج) و(م) و(ل): ((الصوفة)).
[139] في (م): ((الاقلاع والتوبة)).
[140] قوله: ((منه)) ليس في (ف).
[141] في (ج): ((الانفاق)) في الموضعين.
[142] في (ج): ((بعينه)).
[143] في (م): ((أنظر)).
[144] في (ط): ((الحالة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[145] قوله: ((وقد ورد في الحديث ما معناه أنه ╡ يقول ما غضبت غضبًا أشدّ من غضبي على من استخارني في أمر فقضيتُ له فيه قضاءً فكرهه أو كما قال)) ليس في (ط) و(ل).
[146] زاد في (م): ((وهو)).
[147] في (ج) و(م) و(ل): ((فالبحث)).
[148] في (م): ((خير)).
[149] في (ف): ((هذا)).
[150] قوله: ((لأنه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[151] في (م): ((حقيقته)).
[152] في (م): ((عن)).
[153] في (ج) و(م): ((على ما عليه أكثر أهل السنة))، وفي (ل): ((على ما أجمع عليه العلماء)).
[154] في (ج) و(م): ((لايمكن فيه إلا الإيمان الجزم))، وفي (ل): ((لا يمكن فيها الإيمان الجزم)).
[155] في (ج) و(م) و(ل): ((بمن)).
[156] في (م): ((يريدون)).
[157] قوله: ((بدوام)) ليس في (ج).
[158] في (ل): ((إذ يفتقر)).
[159] قوله: ((هذا)) ليس في (ل).
[160] في (ج) و(م): ((يحودوا))، وفي (ل): ((تحودوا)).
[161] في (ل): ((عبارتهم)).
[162] في (ج) و(م) و(ل): ((الموضع، لأن النَّبي صلعم قد قال)).
[163] في (ل): ((يحد)).
[164] في (ج) و(م): ((يحتاج إليه يرجع)) وفي (ل): ((يحتاج أن يرجع إليه)).
[165] في (م): ((ذكري ومسألتي)).
[166] في (ج): ((فوق)).
[167] في (م): ((خبرتك)).
[168] قوله: ((من)) ليس في (ج).
[169] بعدها في (ط): ((وقد ورد في الحديث ما معناه أنَّه ╡يقول: ما غضبتُ غضبًا أشدَّ من غَضبي على من استخارني في أمرٍ فقضيتُ له فيه قضاءً فكرهه، أو كما قال، وهذا الحديث ليس من الأصل)) وهو مكرر، فقد تقدم قبل قليل.