بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: ما كان النبي يصنع في البيت قالت كان في مهنة أهله

          210-قوله: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ ♦: مَا كَانَ النَّبيُّ(1) صلعم يَصْنَعُ(2) فِي الْبَيْتِ) الحديث. [خ¦5363]
          ظاهر الحديث يدلُّ على دوام(3) محافظةِ النَّبيِّ صلعم على أوقات الصلوات، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: أنَّ في هذا دليلًا على أنَّ خُلقه ╕ وسيرته على مقتضى القرآن، لأنَّ الله ╡ يقول: {إنَّ الصَّلاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] أي ملزومة بذلك الوقت فلا يؤخِّرها عنه(4) فكان حاله ╕ بمقتضى هذا الحديث كذلك.
          وفيه دليل على أنَّ الضرورات مع أوقات الصلوات لا يلتفت إليها وإنَّما يشتَغِل بالصلاة، يؤخذ ذلك مِن قولها: (كان فِي(5) مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ) أي:(6) اشتغل إذ ذاك بالخروج ولم(7) يلتفت / ╕ إلى شغل ولا غيره.
          وفيه دليل على حُسن خُلُقه ╕ وتواضعه، يؤخذ ذلك مِن إشغاله نفسَه المكرَّمة(8) ╕ في بيته بمهمات أهله أو بمهنة أهله(9).
          وفيه دليل على أنَّ مِن السُّنَّة التواضع مع الأهل والتصرف لهنَّ ومعهنَّ في الأشياء(10) الممتهنة، وإن حقر(11) قدرها، فإنَّ في ذلك تطييبًا لنفوسهنَّ(12).
          وفيه دليل على دوام اشتغاله ╕ بمهمَّات أهله، لأن ذلك حقٌّ لازم له، وأَداءُ الحقوق مِمَّا يُقرِّبُ إلى الله تعالى.
          وفيه دليل على أنَّ ما زاد على المهم الضروري هو دنيا، يؤخذ ذلك مِن عدم اشتغاله صلعم بذلك، لأنَّ الاشتغال بالشيء ترك لضدِّهِ، وفي رواية: ((مِهْنَةِ))، فإن قلنا: معناهما واحدٌ، فلا زيادة على ما قررناه مِن الأحكام، وإن قلنا: إنَّ معنى ((مِهْنَةِ)): الأشياء المحتقر قدرها عادة، فيكون فيه زيادة على كثرة تواضعه صلعم.
          وفيه دليل على أنَّ مِن السُّنَّة التواضع مع الأهل، والتصرف لهن ومعهن في الأشياء الممتهنة وإن حقر قدرها، فإنَّ في ذلك تطييبًا لنفوسهنَّ(13).
          وفيه دليل على جواز السؤال عن بواطن أحوال أهل الفضل لمن يعلمها، كرامة(14) لأنْ يُقْتدى في(15) ذلك بهم، يؤخذ ذلك مِن سؤال الأسود بن يزيد عائشة(16) ♦ عمَّا كان يفعل أو(17) يصنع(18) رسولُ الله صلعم في بيته(19) فجاوبَته ولم تنكِر عليه.
          وفيه دليل على فقه عائشة ♦ ونُبلِها، يؤخذ ذلك مِن حُسن جوابها بأن قالت: (كان فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ) لأنَّ هذا / لفظ(20) يعمُّ جميع أنواع ما تحتاج البشرية إليه ممَّا يحسن قوله، ومما يستباح(21) فأبدعت في حسن الجواب، والآنَ أيضًا مهمات الناس مختلفة(22).
          وفيه دليل على أنَّ مَن عَرَف مِن أحوال بواطن أهل الفضل شيئًا، ويُسْأَلُ عن ذلك يُخبِر به، لأنَّه مِن الدِّين، إلا أنَّه يحتاج إلى أدب ومعرفة في الجواب كمثل هذه السيِّدة، حتى تحصل الفائدة للسائل، ولا يكون فيما يذكره إلا ما إنْ لو كان الشخص حاضرًا لم يكره ذلك، ولا عزَّ عليه سماعه، ولا هو مما كره الشرع النطق به(23).
          وفيه دليل على ما فضَّل الله تعالى به سيِّدنا صلعم مِن القوة في الدِّين وسَعَة الصدر لذلك، وحمله ذلك على الدوام، يؤخذ ذلك مِن كونه ╕ إذا خرج إمَّا لصلاة كما أخبرت هنا، أو لِمَا يصلح لأصحابه ولأمَّته على ما تقرَّر مِن نقل أحواله ╕، فإنَّه لم يجئ عنه ╕ أنَّه خرج سُدًى، ولا فعل شيئًا عبثًا، فكان(24) ╕ في بيته حيث يستريح الناس مشغولًا بمهنة أهله كما أخبرت هنا، وبالليل في التهجُّد، فهذه مجاهدة دائمة لا يحملها(25) وضع البشرية إلا بمادة ربَّانية.
          وفي هذا دليل لأهل الطَّريق الذين جعلوا طريقهم دوام المجاهدة، وأن لا فترة لا باطنًا ولا ظاهرًا، فنِعْمَ ما به اقتدوا، فسمعوا وسمعنا، ففهموا ما عنه عجزنا، فأحسنوا فيما قالوا وفعلوا، فمِن(26) هذا فُضِّلوا علينا.


[1] في (ج): ((رسول الله)).
[2] صورتها في (م): ((يضع)).
[3] قوله: ((دوام)) ليس في (ج).
[4] في (ج): ((لا يؤخروها عنها)).
[5] قولها ((في)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[6] قوله: ((أي)) ليس في (م).
[7] في (ج) و (م): ((فلم)).
[8] في (ج): ((الكريمة)).
[9] في (م): ((حسن خلقه ◙ في بيته بمهنة أهله)).
[10] قوله: ((بمهمات أهله أو بمهنة...لهنَّ ومعهنَّ في الأشياء)) ليس في (ج).
[11] قوله: ((حقر)) في (م) ليست واضحة.
[12] في (ج): ((للنفوس)).
[13] في (ج): ((وفيه دليل على دوام اشتغاله...تطييبا لنفوسهن)) ليس في (ج) و (م).
[14] قوله: ((كرامة)) ليس في (م).
[15] في (ج): ((كأن يقتدي هو)).
[16] قوله: ((عائشة)) بياض في (ج).
[17] قوله: ((يفعل أو)) ليس في (ج).
[18] في (م): ((عنها عن ما كان يصنع)).
[19] قوله: ((في بيته)) ليس في (ج).
[20] في (ج): ((اللفظ)).
[21] زاد في (ج): ((وكثر)) وزاد في (م): ((ذكره)).
[22] قوله: ((والآن أيضًا مهمات الناس مختلفة)) ليس في (ج) و (م).
[23] قوله: ((ولا عزَّ عليه سماعه، ولا هو مما كره الشرع النطق به)) ليس في (ج) و (م).
[24] في (ج): ((وكان)).
[25] في (م): ((لا تحملها)).
[26] زاد في (ج) و (م): ((أجل)).