بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين

          12- (عَنْ مُعَاوِيَةَ ╩ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإنَّما أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ(1) قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)(2). [خ¦71]
          ظاهر الحديث يدلُّ على ثلاثة أحكام:
          (الحكم الأوَّل): تعلُّق الخير بالفقه في الدِّين. (الثَّاني): أنَّ(3) حقيقة الإعطاء إنَّما هو(4) لله تعالى دون غيره. (الثَّالث): إبقاء بعض(5) هذه الأمَّة على الحقِّ إلى يوم القيامة(6) حتَّى يأتي أمر الله(7) لا يضرُّهم مَن خالفهم، والكلام عليه مِن وجوه:
          الوجه الأوَّل: قوله ◙ : (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) الكلام عليه كالكلام على الحديث قبله لكن هنا زيادة (الدِّين) وهو(8) / يحتمل وجهين:
          (الأوَّل): أن يكون المراد به العلم الذي به يقوم(9) الدِّين. (الثَّاني): أن يكون المراد به التَّدين.
          فإن كان(10) المراد الأوَّل فيكون تأكيدًا لأحدِ(11) المحتملات في الحديث قبلَه.
          وإن كان المراد به(12) الثَّاني فمعناه أن يفهم المرء معنى ما تديَّن به وحقيقة الحكمة في التَّدين به وفي أمثاله نوعًا نوعًا، فيزداد إذ ذاك(13) إيمانه ويقينه عند فهمه بحسن(14) ما تديَّن به، وذلك(15) أنَّ حكمة الحكماء لو جُمِعَتْ في حكيم واحد ثمَّ رُزق صاحبها التَّوفيق وقوَّة اليقين ما كان يرى أنْ يزيد فيما حُدَّ وشُرع ذرَّة، ولا ينقص منه ذرَّة(16) لِمَا فيه مِن الحُسن واللُّطف(17) في الحكمة، ومَن ظهر له هذا المعنى فقد أُعْطِيَ خيرًا لم يُعطَ غيرَه مثلَهُ قال ╡ في كتابه:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. ولذلك أشار(18) عليُّ بن أبي طالب ☺ الذي هو باب مدينة العلم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال في حقِّه: «أَنَا مَدِيْنَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا»، فقال ☺: لكلِّ آية ظهر وبطن، ولكلِّ حرف حَدٌّ ومطلع(19)، فالحدُّ والبطن والظَّهر(20) تفاوت النَّاس(21) في ذلك بعضهم فوق بعض درجات، والمطلَع خصَّ الله تعالى به الخصوص مِن خلقه وأكرمهم به، وهو ما الحكمة في وضع(22) هذا على هذه الصِّفة.
          والأظهر مِن الوجهين هذا الوجه الذي نحن بسبيله وهو صعب عسير لا يستطيع الوصول إليه إلَّا مَن خالط الإيمانُ بشاشةَ قلبه، وثلَّج(23) اليقين فؤاده، وكان(24) عِلْمه وعَملهُ لله تعالى خالصًا(25)، وأُوتِيَ النُّور والحكمة، وأُمِدَّ بالعون / والرَّحمة، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والألف واللام للعهد؛ لأنَّ المراد به دين الإسلام.
          الوجه الثَّاني: قوله ╕: (وَإنَّما أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي) هذا أدلُّ دليل على علوِّ منزلتِه ◙ عند ربِّه وخصوصيته. إذ إنَّ هذا الخير العظيم الذي رحم الله به المؤمنين جعله على يديه(26)، وقد رُوي في الأثر «أنَّ الله ╡ يقول: أَنَا اللهُ(27) لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، خَلَقْتُ الخيرَ وخَلَقْتُ(28) لَهُ أَهْلًا، فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ للخيرِ، وخَلَقْتُ الخيرَ له، وأجريتُ الخيرَ على يَدَيْهِ». فالنَّبيُّ صلعم هو أجلُّ مَن أُجْرِيَ الخير على يديه.
          الوجه الثَّالث: لقائل أنْ يقول: لِمَ سَمَّى ◙ نفسَه المكرَّمة بهذه الصِّفة وهي: (القاسم)، وحقيقة هذه الصِّفة إذا تحقَّقت هي: إذا كان الإنسان يَقسِم شيئًا محسوسًا على أشخاص معلومين؟
          والجواب: أنَّه ◙ إنَّما وصف نفسه المكرَّمة بهذه الصِّفة للمعنى الذي ذكرنا(29)، وهو أنَّ الله تعالى قد قسم هذا الخير الذي(30) رحم به المؤمنين على يديه، فَبَيَّنَ ◙ الشَّريعة بأتمِّ بيانٍ، ثمَّ حدَّ الحدودَ ورغَّبَ وحذَّرَ فقال: مَن فعل كذا(31) فله كذا، ومَن فعل كذا فعليه كذا، على ما جاء في الأحاديث، وكذلك هو القاسم في الشَّيء المحسوس سواء، مثال ذلك الفَرَضِيُّ يحقِّق لكلِّ إنسان قِسْطَه فيبيِّن له قَدْر ما له مِن الحقِّ وما عليه مِن(32) الَّلوازم، فهذا مِن أبدع(33) التَّمثيل وأفصحه، ثمَّ انظر إلى الفَرَضِيِّ فإنَّه ليس عليه أن يبلغ صاحب الحقِّ حقَّه وإنَّما يبلغه ويعطيه مَن بيده الأمر، والنَّبيُّ صلعم جعل نفسَه المكرَّمة كذلك سواء؛ لأنَّه أخبر / عن(34) نفسِه بأنَّه(35) هو القاسم ثمَّ أخبر بأنَّ المنفِّذ(36) لذلك والمعطي إنَّما هو الله جل جلاله وذلك بقوله: (واللهُ يُعْطِي) فاللهُ تعالى هو المعطي(37) وهو المانع لأنَّ الأمور كلَّها بيده ومصدرها عن قضائه، وقد نصَّ تعالى على هذا المعنى وبيَّنه في كتابه في غير ما موضع، فمِن ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}الاية [البقرة:272]. ومِن ذلك قوله تعالى: {إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ(38)} [الرعد:7]. ومِن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام:35]. ومِن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...} [هود:118- 119]. إلى غير ذلك وهو كثير، وقد ظهر في(39) هذا المعنى ورُئيَ في الوجود حِسِّيًّا(40)، لأنَّه ◙ بيَّنَ طريق(41) الهدى على حدٍّ واحدٍ ولم يخصَّ بذلك بعض النَّاس دون بعضٍ، فهدى تعالى من شاء بفضله إلى(42) التَّصديق والاتباع، وخَذَلَ(43) مَنْ شاء بعدلِه فكذَّب وأعرض، وهدى مَن شاء بحكمته إلى قبول البعض والإعراض عن البعض.
          الوجه الرَّابع: في هذا دليل على أنَّ للعالم أنْ(44) يضرب الأمثال في تقرير الأحكام(45) بقدر ما يفهم المخاطب ما أُرِيْدَ(46) منه، إذ إنَّه ╕ شبَّهَ نفسه المكرَّمة (بالقاسم) على ما تقدَّم، ولهذا المعنى قال مالك ⌂: بالمعاني اسُتعبِدنا لا بالألفاظ. ولذلك قالت ذاتُ النِّطاقين للمؤدِّب حين أتته بولدها ليعلِّمه القرآن: (أدِّبه وأحسن تأديبه، والرَّحمنُ علَّم القرآن). فمثل هؤلاء فهموا مَن هو المعطي وكيف تصريف(47) الحكمة في الأشياء، ومَن غلب عليه الجهل بهذا المعنى يَنْسُب قلَّةَ حفظ الصبيِّ للمؤدِّب(48) وليس كما يزعم، وإنَّما المانع والمعطي هو الله تعالى في الأشياء كلِّها دِقِّهَا وجلِّها رزقًا كان أو(49) علمًا أو عملًا، وإنَّما وظيفة المكلَّف في ذلك عمل الأسباب / امتثالًا للحكمة(50) والتَّعلُّق في حصول الفائدة بربه ╡ .
          الوجه الخامس: في هذا مِن الفقه وجهان: (الأوَّل): أنَّ الأسباب لا تأثير لها بذواتها إلَّا بحسب ما يشاء القادر(51). (الثَّاني): أنَّه لا بدَّ من الأسباب إذ إنَّها أثر الحكمة وتركها مخالفة وعناد.
          الوجه السَّادس: لقائل أن يقول: قد حضَّتِ الشَّريعةُ ونَدَبَتْ في أعمال البرِّ ومِن ذلك ما نحن بسبيله وقد ذمَّت الدنيا وزهَّدَتْ في أسبابها وذلك كثير ومِن ذلك قوله ◙ : «لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ».
          والجواب: أنَّه لمَّا(52) كانت هذه الدَّار قد قُسِمَتْ فيها الأرزاق وضُمِنَتْ بمقتضى الآي والأحاديث، أمر الشَّارع ◙ لأجل ذلك بالزُّهد في التَّسبب، لأنَّه مقتضى(53) الإيمان، لأنَّ الله تعالى يقول في كتابه: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]. والحرص في التَّسبب(54) عاهةٌ في(55) الإيمان وضعفٌ في التَّصديق(56) وتعبٌ في تحصيل حاصل، والرَّغبة في التَّسبب في أعمال البرِّ يقوى به(57) الإيمان ويكون موافقًا(58) لِمَا به قد أَمَر، ومع ذلك فرِزْقُه الذي قُدِّرَ له في الدنيا لابدَّ له منه حتمًا(59) لقوله ◙ : «مَنْ بدأَ بحظِّهِ مِنْ آخرتِهِ نالَ مِنْ آخرتِهِ ما أَرَادَهُ، ولم يَفُتْهُ مِنْ دُنْياه مَا قُسِمَ له».
          والآي والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والحثُّ هنا مِن حقيقة الإيمان وكلُّ ما هو مِن حقيقة الإيمان أو لازمه كان صاحبه مشكورًا مثابًا، ومثل هذا: المجتهد إذا اجتهد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد(60)؛ لأنَّه قد(61) بذل جهده في الأدوات، فلمَّا أخطأ لم يضيِّع الله ╡ له تعبه؛ لأنَّه لم يترك من جهده شيئًا / بمقتضى ما أمر بخلاف العامل بالجهل فإنَّه لا يُؤجر(62) وإن أصاب الحقَّ على أظهر الوجوه وأولاها.
          الوجه السَّابع: في هذا دليل على أنَّ الزُّهد لا يسهل إلَّا بالتَّقوى لقوله ◙ (63): «فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ». ومثل ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} [البقرة:282]. والواو فيهما: واو الحال، فالأصل هو التَّقوى فإذا حصل ذلك حالًا أتى إذ ذاك الزُّهد راغبًا ولأجل هذا المعنى كان أهل الصُّوفة(64) أكثر مِن غيرهم زهدًا ورفضًا للتَّسبب(65) لكثرة تقواهم، وقد قال ╕: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا».
          مع أنَّه قد قال بعض مَن غلبت(66) عليه شهوة الطَّلب في معناه: إنَّ طيران الطَّائر(67) في الهواء سببٌ في رزقه فهو تحضيض على التَّسبب وهذا ليس بشيء، وقد أجابه بعض أهل التَّحقيق بجواب مقنع وهو(68) الحقُّ الذي لا خفاء فيه فقال: إنَّ طيران الطَّائر كحركة يد(69) المرتعش سواء، لا حكم لها.
          والمجاوب بهذا هو الذي فهم تخصيص الشَّارع ◙ للطَّير(70) بالذِّكر مِن بين سائر الحيوانات من الوحوش(71) والحشرات وغير ذلك؛ لأنَّ الوحوش(72) والحشرات تتبع أسباب معاشها(73)، فمَن كان(74) منهم يرعى تراه أبدًا يتبع أرض الخصب ويترك أرض الجَدْب فلا تراهم قطُّ في أرض جَدْبة، ومَن كان منهم يقتنص تراه أبدًا يتبع أثر الصَّيد بالشَّمِّ حتَّى يقتنصه، فلـمـَّا كان هؤلاء تشبَّهوا ببني آدم في التَّسبب عدل ◙ عن ذكرهم وذكر الطَّير الذي هو يطير في الهواء وليس في الهواء جهة تُقصَد، ولا حَبٌّ يُلْتَقَط ولا شيء يُرعى إلَّا هواء وضياء ثمَّ يمرح في ذلك ويتردَّد فيه حتَّى يُؤتى / به إلى رزقه(75) أو برزقه إليه، فلأجل(76) هذا المعنى(77) خصَّ الطَّير بالذِّكر مِنْ غيره مِنَ الحيوانات وإن كانت الكلُّ تغدو خِماصًا وتروح بطانًا.
          الوجه الثَّامن: قوله ◙ : (وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ).(الأمَّة) هنا هل المراد بها العموم أو المراد بها الخصوص؟ محتمل للوجهين معًا:
          فإن كان المراد بها(78) الخصوص فهو ظاهر مِن وجوه:(79) (الأوَّل): أنَّ العرب تُسمِّي البعضَ بالكلِّ والكلَّ بالبعضِ(80). (الثَّاني): أنَّه ◙ قد أخبر بالفتن التي(81) تكون في آخر الزمان مِن رفع العِلم وظهور الجهل(82) وظهور الجَوْر إلى غير ذلك ممَّا جاء في أحاديث الفتن وكلُّها أخبار، وما نحن بسبيله خبر(83)، والأخبار لا يدخلها نسخ فإذا حملنا الخبر الذي نحن بسبيله على الخصوص صَحَّت(84) الأخبار التي تعارضه كلُّها، يؤيِّد هذا قوله ◙ : «افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ عَلَى اثْنَيْنِ وسبعينَ فرقةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فَرَقَةً، كُلُّهَا(85) فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً»، فهذه الواحدة الباقية في هذا الخبر هي(86): هذه الأمَّة المنصوص عليها فيما نحن بسبيله، فتكون الطَّائفة النَّاجية(87) مِن الثلاث وسبعين هي هذه الأمَّة المنصوص عليها.
          وقد ثبت في بعض الرِّوايات ما هو نصٌّ فيما نحن بسبيله فقال فيها: «لا تزالُ طائفةٌ منْ هذهِ الأمَّةِ»،ومعنى هذا على ما قاله بعض العلماء: أنَّه(88) لا تزال طائفة مِن (أهل العلم) قائمة بوظيفة العلم على ما يُرضي الله تعالى، وطائفة مِن (أهل الحقيقة) كذلك، وطائفة مِن (أهل الأعمال الزَّاكية)كذلك، وكذلك في كلِّ نوع مِن أنواع الخير، علمًا كان أو عملًا / أو حالًا، لا تزال (طائفة من المؤمنين) قائمين بذلك الشَّأن لا يضرُّهم من خالفهم حتَّى يأتي أمر الله.
          وإن كان المراد بالأمَّة المذكورة العموم فوجهه ظاهر أيضًا؛ لأنَّ الأمَّة الحقيقية(89) هي التي اتَّصفت بهذا الوصف المذكور في الحديث وهي(90) المراد بقوله ◙ : «أُمَّتِي كلها في الجنَّةِ» يعني الأمَّة الحقيقية الماشية على سَنَنهِ وسُنَّته وما عداهم في حكم المشيئة، فمنهم من لا يكون من الأمَّة أصلًا وهم الذين يبدل بهم عند الخاتمة نعوذ بالله من ذلك.
          ومنهم من يدخل في ضمن قوله ◙ يوم القيامة(91) «فسُحقًا فسُحقًا فسُحقًا» فيكون لهم طَرَف مِن الإيمان، لأنَّهم يحشرون بعلامة مِن(92) هذه الأمَّة عليهم.
          ومنهم مَن تناله(93) الشَّفاعة بعد ما ينال ما قدِّر له(94) من ذلك الأمر العظيم يدلُّ على ذلك قوله ◙ : «اخْتَبأتُ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ أُمَّتِي».
          ومنهم مَن يُعذَّب بأنواع العذاب بحسب اختلاف معاصيهم؛ لأنَّه رُوي في غير ما حديث أنَّ لكلِّ نوعٍ مِن المعاصي عذابًا يخصُّه أو ما في معناه.
          الوجه التَّاسع: في هذا دليل على أنَّ مَن وجدت فيه الصِّفات المذكورة في هذا الحديث ومات عليها قُطِعَ له بالسَّعادة حتمًا للوعد الجميل(95)، ومن كان على غير هذه(96) الصِّفة المذكورة بقي في المشيئة متوقعًا لِمَا ذكرناه من هذه الأمور الخطيرة(97) أيقظنا الله مِن سِنَة الغفلة وحملنا على سبيل(98) الهدى بفضله.
          الوجه العاشر: في هذا(99) الحديث بشارة عظيمة وأيُّ بشارة لمن أراد الخير وصدق فيه، لأنَّه ◙ قد أخبر أنَّ(100) هذه الأمَّة لا تزال أبدًا على هذا الحال الذي أخبر به(101) / إلى يوم القيامة، فعلى هذا فخيرهم متعدٍّ(102)؛ لأنَّه لو كان غير متعدٍّ لانقطعت آثارهم ولكنَّهم يخلفون(103) جيلًا جيلًا، فمَن أراد الخير وصدق فيه يُرجى أنَّ الله تعالى ييسر له مِن(104) هذه الطَّائفة مَن يدلُّه عليه ويُلهمه إليه، لأنَّ المخبر صادق فالأمر كذلك لا شكَّ فيه، ولولا هذا الخَبَر لكان لكثرة ما ظهر مِن(105) الفساد أن يَقطَع الإنسان بأنَّ هذه الطَّريق قد انقطعت أو يَقطَع(106) الإياس مِن نفسه بأنَّه لا يصل إلى هذه الطَّريق ولا يجدُ مَن يدلُّه عليه ولا مَن يرشده إليه.
          الوجه الحادي عشر: قوله ◙ : (قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ) (قائمة) يحتمل وجهين: (الأوَّل): أن يكون معناه (مُوَفِّية)(107)، لأنَّ العرب تقول: فلان قام بالأمر أي وفَّى حقَّه. (الثَّاني): أن يكون معناه ثابتة وقد جاء ذلك في الكتاب وهو قوله تعالى(108):{قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر:5]. أي(109): ثابتة على أصولها.
          وقوله: (عَلَى أَمْرِ اللِه) أي: بأمر الله، لأنَّ العرب تبدِّل الحروف بعضها ببعض هذا إذا كان المراد بـ(قائمة) الوجه الأول، وإن كان الثَّاني فتكون (عَلَى)(110) هنا على بابها و(أَمْرُ اللهِ) هنا هو اتِّباع ما أمر واجتناب ما نهى على واجبه ومندوبه، ولذلك أتى بلفظ الأمر الذي يحتمل الوجوب والنَّدب وجميع محتملاتِه على ما هو معروف بين المتكلِّمين.
          الوجه الثَّاني عشر: في هذا دليل على ظهور الباطل(111) وكثرتِه، لأنَّه إذا لم يكن على الحقِّ إلَّا طائفة واحدة فالباقي على الضَّلال، قال تعالى في كتابه:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]. فإذا وجد الحقُّ فما سواه فهو الباطل، وقد وصف تعالى هذه الطَّائفة في / كتابه حيث قال: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24].
          فإنْ كنتَ لبيبًا فافزع(112) عن الأكثر ومِلْ إلى الأقلِّ تحظَ بالسَّلامة، لهذا(113) قال ◙ : «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا(114)، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ منْ أُمَّتِي». قيل: يا رسول الله وَمَنِ الْغُرَبَاءُ منْ أُمَّتك؟ قال: «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس».
          الوجه الثالث عشر: قوله ◙ : (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ) الضرُّ هنا يحتمل ثلاثة أوجه: (الأوَّل): أن يكون المراد به الأشخاص القائمون(115) بالأمر لا يقدر أحد(116) على ضرهم. (الثَّاني): أن يكون المراد أنَّ الضَّرر لا يلحق فعلهم ويقبل منهم ولا ينقص لهم من أجورهم(117) شيء، وإن كانوا مجاورين للمخالفين لهم ومخالطين لهم.
          (الثَّالث): أن يكون المراد لا يضرُّهم ولا يضرُّ عملهم وهذا هو أظهر الوجوه بدليل قوله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. وقوله تعالى:{لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105].
          الوجه الرَّابع عشر: في هذا بشارة(118) عظيمة لمن اتَّصف بالصِّفة المذكورة في هذا الحديث إذ إنَّه لا يُخاف الضَّرر وإن كثُر أهله فيكون أبدًا مطمئن النَّفس منشرح الصَّدر، لأنَّ الْمُخْبِرَ صادقٌ والْمُخْبَرُ عَنْه عالم قادر، وقد نبَّه تعالى على هذا المعنى وصرَّح به في كتابه حيث قال:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]،كما تقدَّم، والمؤمنون الذين أوجب الله تعالى(119) لهم النَّصر بمجرَّد الفضل هم الموصوفون في هذا الحديث، ولهذا قال بعض الفضلاء وهو يُمْنُ بنُ رِزقٍ ⌂: إذا وافقتَ(120) الشَّريعة ولاحظتَ الحقيقة فلا تبالِ وإن خالف رأيُك / جميعَ الخليقة.
          الوجه الخامس عشر: قوله ◙ : (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)، (حَتَّى) احتملت وجهين:
          (الأوَّل)(121): أن تكون على بابها للغاية. (الثَّاني): أن تكون بمعنى قرب.
          و(أَمْرُ الله) احتمل وجهين:
          (الأوَّل): أن يكون المراد به قيام السَّاعة. (الثَّاني): أن يكون المراد به الآيات الكبار، ونعني (بالآيات الكبار) هنا ما رُوي أنَّ بعد ما ينزل(122) عيسى ◙ ويُحيي الله به هذا(123) الدِّين، ويعيش ما شاء الله تعالى بحسب ما جاء في الأحاديث ويموت ويُدفن بين المسلمين(124)، ثمَّ يبقى المسلمون بعده يسيرًا، ثمَّ يقع فيهم الخلل ويكثر، فإذا تفاحش ذلك فيهم يرسل الله تعالى ريحًا ليِّنة من تحت العرش تقبض أرواح المؤمنين ثمَّ يرفع القرآن، ولم يبق إذ ذاك إلَّا الشِّرار، فيخرج إليهم الشَّيطان فيغويهم حتَّى يرجعوا إلى الجاهليَّة الأولى، فإن كان المراد بـ(الأمر) هذا الوجه فتكون (حَتَّى) على بابها للغاية، وإن كان المراد به(125) الوجه الأوَّل فتكون (حَتَّى)(126) بمعنى (قَرُب) كما تقدَّم.
          الوجه السَّادس عشر: فيه(127) دليلٌ على فضل(128) هذه الأمَّة(129) على غيرها مِن الأمم، إذ إنَّ الله تعالى أبقاها على دينها إلى قيام السَّاعة مِن غير أن يدخل عليها في ذلك خلل ولا تتعبَّد(130) بغير ما شُرِع لها، وغيرها مِن الأمم ليس كذلك، لأنَّه لم تَأتِ قطُّ أمةٌ حتَّى تنقرض الأخرى.
          السَّابع عشر(131): في هذا دليل على شرف النَّبيِّ صلعم وعُلوِّ منزلتِه عند ربِّه، إذ إنَّ تشريف الأمَّة(132) وتفضيلها(133) يتضمَّن تشريفه مِن باب أَوْلى ورفع قَدْره(134) إذ إنَّ بسببه حصلت لها هذه السَّعادة العظمى جعلنا الله تعالى مِن أمَّته وأسعدنا باتِّباع سنَّته، إنَّه وليٌّ كريم.
          الوجه الثَّامن عشر: في الحديث إشارة(135) لأهل الصُّوفة(136) وهو أنَّ أمر الله تعالى عندهم عامٌّ والمراد به الخصوص أي: يختصُّ بكلِّ واحد / بِحِدَتِهِ دون مشاركة غيره وهو الموت، فيكون المراد بسياق الحديث بأن يَموتوا(137) على الخير فتنشرحُ صدورهم للوعد الجميل ويتنظرون الموت يفرحون به كالغائب(138) على أهله يَقْدُمُ(139)، جعل الله تعالى به فرحنا، وجعله خيرَ أيامنا بِمنِّه ويُمنِهِ وكرمِهِ(140).


[1] قوله: ((الأُمَّة)) ليس في (ف).
[2] قوله: ((وَلَنْ تَزَالَ.... إلى نهاية الحديث)) قوله: (()) ليس في النسخ، وهو مثبت من (ج). وزاد في (ل): ((الحديث)).
[3] قوله: ((أنَّ)) ليس في (ف).
[4] في (ج) و (م) و (ل): ((هي)).
[5] قوله: ((بعض)) ليس في (ف).
[6] قوله: ((إلى يوم القيامة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[7] قوله: ((حتى يأتي أمر الله)) ليس في (ف).
[8] في (ف): ((وهي)).
[9] في (ج) و (م): ((العلم الذي يقوم به)).
[10] قوله: ((كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[11] في (ط): ((لأجل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[12] قوله: ((به)) ليس في (م).
[13] في (ف): ((ذلك)).
[14] في (ف): ((لحسن)).
[15] في (ط): ((لذلك)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[16] قوله: ((ذرة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[17] في (ط): ((اللفظ)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[18] زاد في (ف): ((◙ بقوله: لكلِّ آية ظهر وبطن، ولكلِّ حرف حد ومطَّلع وإليه أشار)).
[19] في (م): ((لكل آية ظهر وبطن وحد ولكل حرف مطلع)).
[20] في (ف): ((والحدُّ والظَّهر والبطن)).
[21] العبارة في (ل): ((فالحد البطن والظهر تقارب الناس)).
[22] في (ف): ((موضع)).
[23] في (المطبوع): ((وأبلج)).
[24] في (ل): ((فكان)).
[25] العبارة في (ل): ((وعمله خالصا لله)).
[26] في (ج): ((يده)).
[27] زاد في (ج): ((الذي)).
[28] في (م): ((وجعلت)).
[29] في (ف) و (م) و (ل): ((ذكرناه)).
[30] زاد في (ف): ((قد)).
[31] قوله: ((كذا)) ليس في (ل).
[32] قوله: ((من)) ليس في (م).
[33] في (م): ((أنواع))، وفي (ج): ((إبداع التمثل)).
[34] في (م): ((من)).
[35] في (ف): ((أنَّه)).
[36] في (ل): ((المنقذ)).
[37] قوله: ((فالله تعالى هو المعطي)) ليس في (ف).
[38] في (ف): ((نذير)).
[39] قوله: ((في)) ليس في (م) و (ل).
[40] في (ف): ((حسا)).
[41] في (ف): ((طرق)).
[42] قوله: ((إلى)) زيادة من (ج) على النسخ.
[43] في (ط): ((حدر))والمثبت من النسخ الأخرى.
[44] قوله: ((أن)) زيادة من (ج) على النسخ.
[45] في (ط): ((الحكم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[46] في (م): ((ما يريد)).
[47] في (ج): ((تعريف)).وفي (م): ((تصرف)).
[48] في (ف): ((إلى المؤدِّب)).
[49] في (ل): ((رزقا أو)).
[50] قوله: ((للحكمة)) زيادة من (ج) على النسخ.
[51] في (م): ((شاءت العادة))، وفي (ل): ((ما شاء القادر)).
[52] زاد في (ف) و (ل): ((أن)). وفي (م): ((إنما)).
[53] صورتها في (ل): ((مقضى)).
[54] في (ط): ((السبب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[55] قوله: ((في)) ليس في (ل).
[56] في (ج): ((اليقين)).
[57] قوله: ((به)) زيادة من (ج) على النسخ.
[58] في (ط): ((موفقًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[59] زاد في (ج): ((يأتيه))، وفي (ف) و (ل) و (م): ((يأتيه حتمًا)).
[60] قوله: ((واحد)) ليس في (م).
[61] قوله: ((قد)) ليس في (ف).
[62] في (ف): ((يؤجره)).
[63] في (ف): ((إلَّا بالتَّقوى لأنَّه ◙ قال)).
[64] في (ج): ((الصوفية)).
[65] في (ف): ((للسبب)).
[66] قوله: ((غلبت)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[67] في (ف): ((الطير)).
[68] زاد في (م): ((أنَّ)).
[69] قوله: ((يد)) ليس في (ل).
[70] في (ف) و (م) و (ل): ((الطير)).
[71] في (ف): ((الوحش)).
[72] في (ف): ((الوحش)).
[73] في (ط): ((معايشها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[74] في (ل): ((فمن ذلك)).
[75] زاد في (ف) و (م): ((أو)).
[76] العبارة في (ل): ((إلى رزقه أو يرزقه إليه ولأجل)).
[77] زاد في (ف): ((والله أعلم)).
[78] في (ل): ((به)).
[79] زاد في (م): ((الوجه)).
[80] في (م): ((تسمي الكل بالبعض والبعض بالكل)).
[81] في (م): ((الذي)).
[82] في (ط): ((طور الجهل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[83] في (ل): ((خير)).
[84] صورتها في (ف): ((تحت)).
[85] قوله: ((كلها)) ليس في (م).
[86] في (م): ((على)).
[87] في (ج): ((النجية)).
[88] قوله: ((أنَّه)) ليس في (م).
[89] صورتها في (م): ((الحقيقة)) في الموضعين.
[90] في (ف): ((وهو)).
[91] قوله: ((يوم القيامة)) ليس في (م).
[92] قوله: ((من)) زيادة من (ج) على النسخ.
[93] في (ف): ((يناله)).
[94] في (ف): ((عليه)).
[95] في (ط): ((المحتمل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[96] قوله: ((هذه)) زيادة من (ج) و(ف) على النسخ.
[97] في (ل): ((الخطرة)).
[98] في (ط) و(ف): ((سبل)).
[99] قوله: ((هذا)) ليس في (ف) و (م) و (ل).
[100] قوله: ((أنَّ)) ليس في (ف).
[101] قوله: ((به)) زيادة من (ج) على النسخ.
[102] في (ج): ((متصل)).
[103] في (ل): ((يخلقون)).
[104] في (ف): ((في)).
[105] قوله: ((من)) ليس في (ف).
[106] في (م): ((أو يقع)).
[107] صورتها في (م): ((موقنه)).
[108] في (ف): ((في الكتاب قال الله تعالى)).
[109] قوله: ((ثابتة وقد جاء ذلك في...أي)) ليس في (م).
[110] قوله: ((على)) ليس في (م).
[111] في (ل): ((الباطن)).
[112] في (ف): ((فافرغ)).
[113] في (م) و (ل): ((ولهذا)).
[114] في (ط): ((وسيعود غريبًا وسيعود غريبًا)) ط ط مكررة فقط؟ كيف العبارة؟. في (ط): (ط) نعم. مكررة.
[115] في (ف) و (م) و (ل): ((القائمين)).
[116] في (م): ((واحد)).
[117] في (م): ((أمورهم)).
[118] في (م): ((إشارة)).
[119] في (ط) و(ل) و (ف): ((الذين أوجب لهم النصر)) والمثبت من (ج).
[120] في (م): ((وفِّقتَ)) وفي (ل): ((رافقت)).
[121] في (ط): ((أولًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[122] قوله: ((بعد ما ينزل)) ليس في (م).
[123] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[124] قوله: ((بين المسلمين)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[125] في (ج): ((بها)).
[126] قوله: ((حتى)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[127] في (ج) و(ف): ((في هذا)).
[128] في (ج) و (م) و (ل): ((فضيلة)).
[129] قوله: ((الأمة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[130] في (م): ((ولا تتغيَّر)).
[131] في (ف) و (م) و (ل): ((الوجه السَّابع عشر)).
[132] في (ف): ((الأُمَّة)) وكتب في حاشية (ف): ((صح: أمَّته)).
[133] في (ل): ((وتفضلها)).
[134] زاد في (ف): ((وتشريفه)).
[135] في (م): ((دليل)).
[136] في (ج): ((الصوفية)).
[137] في (ط): ((يموت)).
[138] زاد في (ف): ((القادم)).
[139] قوله: ((يقدم)) ليس في (ف).
[140] قوله: ((وكرمه)) زيادة من (ج) على النسخ.