بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان فأتيت بطست من ذهب

          160- قوله: ((قَالَ النَّبِيُّ صلعم (1): بَيْنَا أَنَا(2) عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ، [وَذكرَ يعني: رجلًا](3) (بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ، (الْبُرَاقُ)، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِن ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فقالا: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قال: نعم، قيل: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: ومَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قال: نعم، قيل: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِن ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فقال: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فقال: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ الْفُرَاتُ والنِّيلُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فقال: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التخفيف، فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجُعِلَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجُعِلَت عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فقال مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فقال: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فقال مِثْلَهُ، فقُلْتُ سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا))(4). [خ¦3207]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى الإسراء بذات محمد المباركة، وفرض الصلاة بغير واسطة، والكلام عليه مِن وجوه:
          الأَوَّل: قَوْلُهُ ╕: (بَيْنَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ) فيه دليل على جواز النوم في الحرم، لكن هل ذلك(5) جائز مطلقًا أو لا يكون إلا(6) لعلَّة؟ الظاهر أنَّه لعلَّة، لأنَّه يعارضه قَوْلُهُ ╕: «إِنَّمَا المساجدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» والعِلَّة في نومه ╕ في الحرم ظاهرة مِن وجوه:
          فمنها: أنَّ البيت قلَّ أن يخلو مِن الطائف به، فقد يكون ╕ أتى إلى الحرم فوجد النَّاس يطوفون فقعد ينتظر فراغ النَّاس ثم يدخل في الطواف فغلبته عيناه. /
          ومنها: أن يكون ╕ قعد يشاهد البيت، لأنَّ مشاهدته مِن المرغَّب فيه(7) والمندوب إليه.
          ومنها: أن يكون ╕ قد طاف وتعب(8) مِن الطواف، فقعد قليلًا يستريح مِن التعب المتقدِّم، ولكي تجِمَّ النفس إلى عبادة أخرى، وإذا كان النوم بهذه النيَّة فهو طاعة، والطاعات سائغٌ(9) إيقاعها في الحرم، يشهد لِمَا قلناه مِن أنَّ النوم يكون طاعةً إذا صحبته(10) تلك النية مثل(11) قصة معاذ وأبي موسى، حيث سأل أحدهما(12) الآخر عن قراءة القرآن، فقال المسؤول: أقرأه قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وأُفوِّقُه تَفويقًا ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فأقوم وأنام وأحتسبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، فَلَمْ يُسلِّم أحدهما للآخر، فترافعا إلى النَّبيِّ صلعم، فقال ╕ للذي كان يفوِّقه تفويقًا: «هُوَ أَفْقَهُ مِنْكَ» يعني للذي(13) كان يَحْتَسِب نومَه(14) كقيامه.
          وهذا نصٌّ في أنَّ النوم إذا كان بالنيَّة التي ذكرنا(15) فهو طاعة، والطاعات(16) سائغة هناك، ومِن هذا الباب أجاز العلماء نوم المعتكف في المسجد، لأنَّه غلبة وعون على الطاعة، ومنعوه للغير، ولهم حُجَّة فيما نحن بسبيله على ما ذهبوا إليه مِن ذلك(17).
          الوجه الثَّاني: فيه(18) دليل على تحرِّي النَّبيِّ صلعم الصدق(19) في المقال(20)، وأنَّهُ لا يترك الحقيقة ويرجع إلى المجاز إلا لأمر لا بدَّ منه / في الكلام، لأنَّه مَن كان بين النائم واليقظان يسوغ أن يُطلِق عليه في اللغة نائمًا، ويسوغ أنَّ هنا التدقيق(21) يُطلِق عليه يقظانًا(22) لكن ذلك على المجاز، ولو قال(23): يقظانًا لكان نطق(24) بالحقيقة أو يقاربها(25)، لأنَّه ╕ قلبه في نومه كما هو في يقظَته يشهد لذلك قَوْلُهُ ╕: «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» فلم يبقَ نومه ╕ إلا في الجوارح الظاهرة، ثمَّ الجوارح في هذه المرة لم يكن النوم قد تسلَّط عليها، والظاهر(26) كان كالمتيقِّظ، والباطن متيقِّظ على كل حال، لكن عدل ╕ عن ذكر اليقظة ليبيِّن الأمر على ما كان عليه رفعًا للمجاز(27).
          الثَّالث: قوله: (وَذَكَرَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) يريد أنَّه كان مضطجعًا بين رجلين.
          وفي هذا دليل على تواضعه ╕(28) وحُسن خُلُقه إذ إنَّه في الفضل حيث هو ولكنَّه كان يضطجع مع النَّاس ويقعد معهم، ولم يجعل لنفسه المكرَّمة مزِيَّة(29) عليهم.
          الرَّابع: فيه دليل على جواز النوم جماعة في موضع واحد، لكن يشترط في ذلك أن يكون لكلِّ واحد منهم ما يستر به جسده عن صاحبه.
          الخامس: قَوْلُهُ ╕: (فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ(30)حِكْمَةً وَإِيمَانًا) الطست هو: إناء يعمل في الغالب مِن نحاس، وهو مبسوط القاع معطوف الأطراف إلى ظاهره يتَّخذه النَّاس لغسل أيديهم في الغالب.
          السَّادس: فيه دليل على فضيلة هذا الإناء إذ إنَّه أُتِي به للنَّبيِّ صلعم وخُصِّص به دون غيره.
          السَّابع: / لقائل أن يقول: لِمَ أُتِيَ(31) له ╕ بالطَّست مِن ذهب، والذهب في(32) شريعته ╕ محرَّم؟ و(الجواب عنه)(33): أنَّ تحريم الذهب إنَّما هو لأجل الاستمتاع به في هذه الدار، وأمَّا في الآخرة فهو للمؤمنين خالصًا، لقَوْله ╕: «هُوَ لَهُمْ في الدُّنْيَا وَهُوَ لَنَا في الآخرةِ»، ثمَّ إنَّ الاستمتاع بهذا الطست لم يحصل منه ◙ ، وإنَّما كان غيره هو السابق(34) له، والمتناول لِمَا كان فيه حتَّى وضعه في القلب المبارك، فسَوَقان الطَّسْت مِنْ هناك وكونه كان مِن ذهب، دالٌ على ترفيع المقام، فانتفى التعارض بدليل ما قرَّرناه.
          الثَّامن: فيه دليل على أنَّ الإيمان والحكمة جواهر محسوسات لا معانٍ(35)، لأنَّه ╕ قال عن الطست أنَّه أُتِيَ به مملوءًا حكمةً وإيمانًا، ولا يقع الخطاب إلا على ما يُفْهَم ويُعْرَف، والمعاني ليس لها أجسام حتَّى تَملأ الإناء، وإنَّما يمتلئ الإناءُ بالأجسام(36) والجواهر، وهذا نصٌّ مِن الشَّارع ╕ بضدِّ(37) ما ذهب إليه(38) المتكلِّمون في قولهم بأنَّ الإيمان والحكمة أعراض.
          والجمع بين الحديث وما ذهبوا إليه هو أنَّ حقيقة أعيان المخلوقات التي ليس للحواس(39) إليها إدراك ولا مِن النبوة بها إخبار: أنَّ الإخبار عن حقيقتها غير حَقيقةٍ(40) وإنَّما هو غلبةُ ظنٍّ، لأنَّ للعقل بالإجماع(41) مِن أهل العقل المؤيَّدين بالتوفيق حدًّا يقف عنده ولا يتسلَّط فيما عدا ذلك ولا يقدر أن يصل إليه، فهذا وما أشبهه منها، / لأنَّهم تكلَّموا على ما ظهر لهم مِن الأعراض الصادرة عن هذه الجواهر التي ذكرها(42) الشَّارع ╕ في الحديث، ولم يكن للعقل قدرة أن يصل إلى هذه الحقيقة التي أخبر بها ╕، فيكون الجمع بينهما أن يقال(43): ما قاله المتكلِّمون حقٌّ(44)، لأنَّه الصادر عن الجوهر(45)، وهو الذي يُدْرَكُ بالعقل، والحقيقة هي ما ذكره ╕ في الحديث.
          ولهذا نظائر كثيرة بين المتكلمين وآثارِ النبوة، ويقع الجمع(46) بينهما على الأسلوب الذي قررناه أو(47) ما أشبهه، وقد يشير لشيء مِن ذلك ليتنبه لِمَا عداه، فمثل ذلك (الموت) كيف أخبر ╕ في الحديث أنَّه يُؤتَى به يوم القيامة كبشًا أملح، فيُذْبَح بين الجنَّة والنار بعدما يُعْرَض لأهل تلك الدارين فيعرفونه(48)، ومثل ذلك أيضًا الأذكار والتلاوة، لأنَّ ما ظهر منها معانٍ(49) وتوجد يوم القيامة جواهر محسوسات، لأنها تُوزَنُ في الميزان، ولا يوزن في الميزان إلا جواهر.
          التاسع: فيه دليل لأهل الصُّوفة وأصحاب المعاملات(50) والتحقيق، لأنَّهم يقولون: إنَّهم يَرَوْن قلوبَهم وقلوبَ إخوانهم وإيمانَهم وإيمانَ إخوانهم بأعين بصائرهم جوهرًا(51) محسوسًا، فمنهم مَن يُعايِن إيمانَه مثلَ المصباح، ومنهم مَن يعاينه مثلَ الشمعة، ومنهم مَن يعاينه مثل المِشعل وهو أقواها، ويقولون: بأنَّه لا يكون المحقِّق محقِّقًا حتَّى يعاين قلبه(52) بعين بصيرته كما يعاين كفَّه بعين بَصره / فيعرف الزِّيادة فيه مِن النقصان، وكذلك أيضًا يقولون في الحكمة بأنَّهم يعاينونها(53) بأعين بصائرهم تَتَنابَع مِن جوانب أفئدتهم كما تَتَنابَع عيون(54) الماء على اختلافها، فبعضها تنبع(55) نبعًا يسيرًا، وبعضها تنبع نبعًا كثيرًا.
          فمَن قوي منهم إيمانهُ وكثرت حكمتهُ لا يطيق السكوت، لأنَّه يتنعم بذكر(56) تلك الحكم كما يتنعم صاحب الغذاء بحسن الغذاء، وربما إذا اشتدَّ عليهم الحال ومُنِعُوا مِن الكلام كان ذلك سببًا لحتف أنوفهم(57) حتَّى لقد حُكي عن بعضهم أنَّه كان إذا جاءه الحال وهو في مجلس شيخه لا يطيق السكوت فيغلب عليه الحال فيتكلم، فكلَّمه(58) شيخه في ذلك وأمره بالسكوت، فلما أن ورد عليه الحال بعد ذلك لم يطق الكلام لأجل نهي الشيخ عنه فتحمَّل ذلك فمات مِن حينه.
          يؤيِّد ما قررناه عنهم(59) أوَّلًا ويوضحه قوله ╡ : {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:35] نقل(60) صاحب «التحصيل» في مختصره عن العلماء أنَّهم قالوا: إنَّ الضمير عائد(61) على المؤمن، تقديره: مثل نور المؤمن كمشكاة، والمشكاة هي الحديدة التي في وسط(62) القنديل(63)، فقالوا: المشكاة مَثَل لصدر(64) المؤمن، والزجاجةُ قلبُه، والمصباحُ إيمانُه.
          ونقل أيضًا عن العلماء في معنى قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة:102] / أنَّ الذين يعلمون النَّاس السِّحْر ببابل إذا أتاهم مَن يريد تعلُّمَ سحرهم يقولون له: إنَّما نحن فتنة فلا تكفر، فإن أبَى إلا أن يتعلَّم قالا له: ائتِ هذا الرَّماد فَبُلْ فيه، فإذا بال في ذلك الرماد خرج منه نور يسطَع إلى السماء وهو الإيمان، وخرج مِن الرماد دخان أسود يدخل في أذنيه وهو الكفر فإذا أخبرهما بما رآه عَلَّماه، فهذه الآيُ بظواهرها ومعانيها مع نصِّ الحديث الذي نحن بسبيله حُجَّة لأهل التوفيق(65) والمكاشفات فيما نقلناه عنهم.
          وقد حُكِيَ عن بعض الفضلاء منهم وهو شيخ الجنيد(66) ☼ في حكاية يطول كَتْبُهَا هنا أنَّه قُدِّرَ عليه بأنَّه تنصَّر ثمَّ بعد ذلك عاد(67) إلى الإسلام(68) وحَسُن حالُه أكثر ممَّا كان أوَّلًا، فكان يقول: إنَّه رأى أوَّلًا قبل كفره طائرًا أخضرَ قد خرج مِن فمه، فمنذ خرج منه لم يلتفت إلى الإيمان ولم يرجع إليه، وكان إذا ذُكِّرَ بالإسلام ووُعِظَ(69) يقول: أعلمُ كلَّ ذلك، ولم يجد سبيلًا إلى الرجوع، فلمَّا أن تلافاه الله تعالى بعفوه وإفضاله(70)، فإذا بالطائر الأخضر قد أتاه فدخل في حلقه، فإذا هو رجع له الإيمان وانشرحَ صدره بالحكمة واتَّسَعَ.
          يؤيِّد ما قالوه(71) وما شاهدوه قَوْلُهُ ╕: «مَنْ أَخْلَصَ للهِ أَرْبَعِيْنَ صباحًا ظَهَرَتْ ينابيعُ الحكمةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» وهم قد عاينوا ينابيع الحكمة كيف هي على ما نقلناه عنهم، وعاينوا / حقيقة الإيمان كما وصفنا، رزقنا الله من الهدى والنور ما رزقهم، وألحقنا في الدنيا والآخرة بهم بمنِّه وكرمه(72) إنَّه ولي كريم(73)، هذا ما تضمَّنه اعتقاد أهل التحقيق وما تضمنته أحوالهم.
          وأمَّا أئمتنا في الفقه فظاهر مذهب الشافعي ☼ موافق لأهل الكلام، لأنَّ أصحابه ينقلون عنه أنَّ(74) الإيمان يزيد موافقة(75) لِمَا ذكره(76) الله ╡ في كتابه، ويقولون بأنَّ(77) النقص لا يمكن فيه، لأنَّه على زعمهم عَرَض، والنقص في العَرَض ذهابه، وأمَّا أبو حنيفة ⌂ فيقول: بأنَّه لا يزيد ولا ينقص، وظاهر مذهب مالك ⌂ موافق لأهل الحقيقة فيما قررناه عنهم، لأنَّ أصحابه ينقلون عنه أنَّ الإيمان عنده يزيد وينقص، وقد مثَّلهُ بعض أصحابه بماء(78) العين يزيد مرة وينقص أخرى، ولم يعدم الماء مِن العين.
          وهذا هو الحقُّ الذي لا خفاء فيه، بدليل ما قرَّرناه مِن الآي والأحاديث وما شاهده أهل التحقيق عِيانًا، ولأنَّهُ ╕ قد قال: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِيْنَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» الحديث بكماله، وجاء(79) مِن طريق آخرَ قال(80): «إنَّ الإيمانَ يخرجُ مِنْهُ حينَ الفعلِ فَيَبْقَى عَلَى رأسِهِ كالظُّلَّةِ» ولو كان عَرَضًا لم يتأتَّ أن يقوم(81) بنفسه، حتَّى إنَّه يبقى كالظلَّة على رأسه.
          هذا ما تضمَّنه البحث في حقيقة الإيمان ما هو على طريقة أهل الفقه وأهل التحقيق مع أنَّه ليس أحد الوجهين، أعني: هل يكون / الإيمان جوهرًا أو عَرَضًا بالنسبة إلى القدرة مِن طريق المستحيل، ولهذا كان الصَّحابة والسلف والصدر الأَوَّل رضوان الله عليهم لم يتكلَّموا في هذا ولا(82) أمثاله، لأنَّ المقصود منا الذي لأجله أُنْزِلت علينا الكتب وأُرْسِلت لنا(83) الأنبياء والرسل ╫ إنَّما هو التصديق الخالص والعمل الصالح، والشغل بهذين الأمرين أَوْلى بل هو الواجب، ويجب الإضراب عن الشغل بغيرهما، لأنَّ الاشتغال بغيرهما شغل عنهما وذلك سبب إلى ترك ما أُرِيدَ منا.
          لكن لَمَّا تشاغل قوم بالأخذ في هذا وأشباهه، وأطلقوا أنَّ الأمر كما ظهر لهم مِن علم العقل على زعمهم حتَّى صار الأمر عندهم أنَّ مَن(84) لم يعتقد مثل اعتقادهم منسوب إلى المذاهب الفاسدة، فاحتجنا لأجل هذه العِلَّة أن نبيِّن مذهب أهل التحقيق والتوفيق ومذهب الصَّحابة والسلف رضوان الله عليهم بنصِّ الكتاب والسنة، كما ذكرناه قبل لكي يتبيَّن بذلك الحقُّ مِن الباطل، والضعيف مِن القوي.
          فإن اعترض معترض لتخصيص(85) لفظ الحديث مِن طريق علوم(86) العقل فقد سقط بحثه فلا يُعبَأ(87) به، لأنَّه قد قدَّمنا في الأحاديث المتقدمة قول فقهاء الدين وأئمته أن عموم القرآن يُخصَّص بالقرآن(88)، واختلفوا هل يُخصَّص عموم القرآن بالسنَّة المتواترة أم لا؟ على قولين، ولم يختلفوا أن القرآن لا يُخصَّص بأخبار / الآحاد(89)، وكذلك اتفقوا(90) على أنَّ عموم الحديث يُخصَّص بالحديث(91)، واختلفوا هل يُخصَّص بإجماع جلِّ الصَّحابة أم لا؟ على قولين.
          ولأجل ذلك اختلف مالك والشافعي ► في عمل أهل المدينة إذا وجد الحديث بخلافه، فقال مالك(92) ☼: أهل المدينة أهل دار الهجرة ومجمع(93) جلِّ الصَّحابة العارفين بأحكام الله وسُنَّة نبيه ╕، فلم يتركوا(94) العمل بحديث إلا وقد صحَّ عندهم نسخه ولم يبلغنا نحن ذلك، وأبى الشافعي ☼ ذلك وأخذ بمقتضى الحديث.
          وأمَّا تخصيص لفظ الحديث بنظر غير الصَّحابة ورأيه فلا يجوز بالإجماع، لأنَّ الحكم لقول الشَّارع ╕ لا لغيره، لكن قد يسوغ الجمع بين ما ذهب إليه المتكلمون وبين ما ذهب إليه أهل التحقيق بمعنى لطيف، وهو: أنَّه لَمَّا نظر أهل العقل إلى الآي والأحاديث بنفس الدعوى، وحصروا قدرة القادر بمقتضى دليل عقلهم جاء لأجل(95) هذه الدعوى في عين البصيرة ضعف فلم يروا شيئًا، فرجعوا إلى مقتضى ما دلَّ عليه عقلهم، فقالوا: الإيمان عَرَض، وغطَّى عليهم إذ ذاك مفهوم ما احتوى قَوْله ╕: «إيمانُ المؤمنِ نورٌ يَتَوقَّدُ في صَدْرِهِ»، ولَمَّا نظر أهل التحقيق بخالص الصدق والتصديق وتعظيم القدرة وإجلال القادر رأوا النور(96)، فقالوا: الإيمان نور والتصديق عَرَضه، فزادهم إيمانًا وقالوا حَسْبُنَا الله ونِعْمَ الوكيل.
          يؤيِّد هذا ويوضِّحه _أعني ما ذكرناه / مِن الجمع بين(97) المذهبين_ ما حُكِيَ عن بعض الفضلاء مِن أئمة التحقيق أنَّه كُشِفَ له عن شيء مِن آثار القدرة فنظر إليها عِيانًا فأدركه الخجل لعظيم(98) ما رأى، فأخذ في التذلُّل والاعتذار لكونه يرى أن ليست نفسه لذلك أهلًا، فَخُوطِب بأن قيل له: عملتَ على الحق فأُرِيتَ الحقيقة، وعملوا على التأويل فعوملوا بحسب ما عملوا وعند الله تجتمع الخصوم، ولأنَّ الحقيقة في الأمور كلها لقول الشَّارع ╕، وقولُ غيره في ذلك ردٌّ، وليس يمكن أخذ جميع الأمور بمجرد العقل لا بالحاضرة منها ولا بالغائبة، ومَن ادَّعى ذلك فهو منه جهل، لأنَّه لو كان ذلك كذلك لكان فيه مشاركة للربوبية وهو باطل، لأنَّه لا ينفرد بالغيوب إلا عَلَّامها وبذلك تصحُّ الوحدانية، فقلِّدْ أيُّها السامع أيَّ الطرق شئتَ فقد أَوضحتُ لك الطرق والله يرشدنا وإيَّاك لِمَا يرضيه بمنِّه.
          التاسع: لقائل أن يقول: لِمَ رأى ╕ مزيدَ الإيمان ولم يرَ الإيمان الذي كان عنده أوَّلًا، لأنَّ الأنبياء والرسل ‰ أقوى إيمانًا مِن جميع المؤمنين؟
          و(الجواب عنه)(99): أنَّ نفس رؤية المزيد فيها مِن الحكمة(100) وجوه:
          فمنها: رؤية حقيقة الإيمان والحكمة جواهر(101) حتَّى يتحقَّقها على ما هي عليه، وهذه مزية له ╕ خُصَّ بها.
          ومنها: أنَّ المعاينة لذلك بشارة برفع(102) المنزلة. /
          ومنها: أنَّ بنفس الرؤية لذلك يزيد الإيمان قوةً حِسًّا ومعنى، فالحسِّي هو وضعه في القلب، والمعنوي هو ما يحصل مِن قوة الإيمان بسبب تحقيق رؤية المزيد.
          ومنها: أنَّه ╕ لَمَّا أن كان في هذه الدار كان أقواهم إيمانًا بحسب ما هو إيمان(103) أهل الأرض، فلم يحتج(104) لرؤيته(105) لقوة ما عنده مِن التصديق، ولَمَّا أن شاء الله(106) الإسراء به إلى العالم(107) العُلوي وهو أقوى إيمانًا مِن هذا العالم، وهم مشاهِدون لأشياء لا يشاهدها أهل هذا العالم(108)، فُعِل ذلك للنَّبيِّ(109) صلعم حتَّى حصل له الإيمان بالتصديق والمشاهدة، وزيد له فيه بالحسِّ(110) والمعنى حتَّى كان أعلى ذلك العالم(111) إيمانًا، يشهد لذلك قوله تعالى:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:17- 18] ولم يقع الثبات مع معاينة تلك الآيات الكبار إلا لِمَا قوي عنده مِن الإيمان والحكمة، فكان ╕ جديرًا بما خُصَّ به مِن الثناء(112) والمدحة، وأوجه(113) كثيرة مِن هذه المعاني تتعدَّد(114)، وفيما أشرنا إليه كفاية.
          العاشر: فيه دليل على أنَّ ما بعد الإيمان أجلُّ مِن الحكمة ولولا ذلك ما(115) قرنت معه، ومنه قوله(116) تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269].
          الحادي عشر: في معنى الإيمان والحكمة، أمَّا الإيمان فَقَدْ تقدَّم الكلام عليه، وأمَّا الحكمة فقد اختلف العلماء(117) فيها، / فقيل: الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وقيل: الحكمة هي الفهم في كتاب الله ╡ ، والكلام معهم فيما قالوه(118) فيها قد أشرنا إلى بعضه(119) آنفًا، والجواب عليها كالجواب على الإيمان، وقد أشرنا لكل ذلك فأغنى عن إعادته.
          الثَّاني عشر: هل(120) الإيمان والحكمة متلازمان لا يوجد أحدهما حتَّى يوجد الآخر أو(121) كل واحد منهما مستقل بنفسه؟ الظاهر أنَّ كل واحد منهما مستقلٌّ بنفسه، لأنَّ الإيمان ليس مِن شرطه أن تكون الحكمة معه بدليل قَوْله ╕: «مَنْ أَخْلَصَ للهِ أَرْبَعِيْنَ صباحًا ظَهَرَتْ ينابيعُ الحكمةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» فقد شهد له ╕ بالإيمان والحكمةُ(122) لم تكن عنده إذ ذاك، لأنَّه ╕ قال: (مَنْ أخلَص) والإخلاص هو حقيقة الإيمان، فعلى هذا فكل واحد منهما مستقلٌّ بنفسه وجمعهما هو الأعلى والأرفع.
          لكن بقي بحث وهو أنَّه إن كانت الحكمة المراد بها الوجه الأَوَّل الذي ذكرناه مِن الاختلاف فيها فقد توجد مع الإيمان وتوجد مع عدمه، وبهذا التوجيه يتقرَّر ما ذكرناه، وهو أنَّ كلَّ واحد منهما مستقلٌّ بنفسه لكن هذا استدلالٌ مرجوحٌ وليس بالقوي، لأنَّه إذا قلنا بأنَّ الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فالإيمان أَولى أن تدلَّ عليه الحكمة، لأنَّه هو الأَولى، والكفر مِن الحمق، والحمق ينافي الحكمة، فعلى هذا فهي / مرتبطة بالإيمان لا بدَّ منه عند وجودها وإلا فلا حكمة إذ ذاك.
          وإن قلنا بأنَّ الحكمة هي الفهم في كتاب الله تعالى فهي(123) مرتبطة بالإيمان على كل حال لا بدَّ منه أوَّلًا، فعلى هذا فقد يوجد مؤمن عَرِيٌّ عن الحكمة، وقد يوجد بهما معًا ولا ينعكس وهو أن يوجد حكيم عَرِيٌّ عن الإيمان.
          الثَّالث عشر: فيه دليل على أنَّ الملائكة ‰ تعرف بني آدم وتميِّزهم كل واحد بعينه، لأنَّ الملائكة أتوا للنَّبيِّ(124) صلعم وأخذوه مِن بين أصحابه، وكذلك أخذوه(125) مِن بين إخوانه وهو صبيٌّ صغير السن(126)، وكذلك الآن فلو لم يكن لهم ميز بالأشخاص لاختلط عليهم وهذا دليل على عظيم قدرة(127) الله تعالى إذ إنَّ أهل العالم(128) العلوي يميزون أجزاء هذا العالم.
          الوجه الرَّابع عشر: قَوْلُهُ ╕: (فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ) فيه دليل على أنَّ قدرة الله ╡ لا يُعجزها ممكن(129)، ولا تتوقَّف لعدم شيء ولا لوجوده، وليست مرتبطة(130) بالعادات إلا حيث شاءت القدرة(131)، لأنَّه على ما يُعْرف ويُعْهد أنَّ(132) البشر مهما شُقَّ بطنه كله(133) وانجرح ومات(134) ولم يعش، وهذا النَّبي صلعم قد شُقَّ على(135) بطنه المكرَّمة حتَّى أُخْرِج القلب فَغُسِل، وقد شُقَّ بطنه(136) كذلك أيضًا وهو صغير(137)، وشُقَّ على قلبه وأُخْرِجت منه نزغةُ الشيطان، ومعلوم / أنَّ القلب مهما وصل له الجرح مات صاحبه، وهذا النَّبيُّ صلعم شُقَّ بطنه في هاتين المرتين ولم يندمل(138) ولم يتألَّم بذلك ولم يمت لَمَّا أن أراد الله ╡ (139) أن لا يؤثر ما أجرى به العادة أن يؤثر بها موت صاحبها(140) عندها أبطل(141) تلك العادة مع بقاء جوهرها، لأنَّ الشقَّ قد وجد على البطن والقلب وما يتولَّد مِن ذلك مِن(142) جري العادة قد عدم.
          وكذلك جميع الأشياء على هذا الأسلوب مثل النَّار والماء وغيرهما مِن الخواص إن شاء ╡ أن لا يروي(143) الشارب بعلَّة الماء فَعَل، وإن شاء أن لا يحرق بالنار فعل، كما أزال العادة الجارية فيما نحن بسبيله وقد رُمِي(144) إبراهيم ╕ في النَّار فلم تحرقه وكانت عليه بردًا وسلامًا، وكلُّ الخواصِّ(145) بهذه(146) المثابة، إن شاء ╡ أبقى لها الخاصِّية وإن شاء سلبها مع بقاء جوهرها.
          الخامس عشر: لقائل أن يقول: لِمَ كان شقُّ البطن وحينئذ مُلِئَ بما مُلِئ، والله ╡ قادر على أن يوجد(147) له ذلك في بطنه مِن غير أن يُفْعَلَ به ما فُعِلَ؟
          والجواب عنه(148): أنَّه(149) ╕ لَمَّا أُعْطيَ(150) كثرة الإيمان والحكمة، وقُوَّةَ(151) التصديق إذ ذاك أُعْطِي برؤية شقِّ البطن والقلب عدم الخوف مِن جميع العادات الجارية بالهلاك، فحصلت له قوة إيمان(152) مِن ثلاثة أوجه: بقوة التصديق، والمشاهدة(153)، وعدم الخوف / مِن العادات المهلكات، فكمل له بذلك ما أُرِيد منه مِن قوة الإيمان بالله ╡ وعدم الخوف ممَّا سواه.
          ولأجل ما أُعْطِي ممَّا أشرنا إليه كان ╕ في العالَمين أشجعهم وأثبتهم وأعلاهم حالًا ومقالًا، ففي العلوي كان ╕ كما أخبر أن جبريل ╕ لَمَّا أن وصل معه إلى مقامه قال له: (ها أنت وربك هذا مقامي لا أتعدَّاه)، فزُجَّ ╕ في النور زَجَّةً ولم يتوانَ ولم يلتفت، وكان هناك في الحضرة كما أخبر ╡ عنه بِقَوْلِهِ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] وأمَّا حاله ╕ في هذا العالم فكان إذا حمي الوطيس في الحرب رَكَضَ بغلَته في نحر العدو وهم شاكون في سلاحهم ويقول: «أَنَا ابنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَا النَّبيُّ لا كَذِب(154)» وقد كانت(155) الصَّحابة رضوان الله عليهم يقولون: الشجاع منا(156) الذي كان يستتر(157) به عند شدة الحرب.
          السَّادس عشر: فيه دليل لأهل الصُّوفة في قولهم: بأنَّ عمل المبتدي كسب، وعمل المنتهي ترك، لأنَّ النَّبي صلعم في ابتداء أمره كان تخلِّيه(158) بالضَّم والغَطِّ وهي زيادة في الشدة(159) والقوة كما مرَّ الكلام عليه في حديث(160) ابتداء الوحي، وكان تخلِّيه(161) هنا بالغسل وهو تنظيف المحل وكذلك حال المبتدئ والمنتهي عندهم، فالمبتدئ شأنه الكسب وهو الأخذ في الأعمال الصالحات(162) وهي القوة والشدة، والمنتهي شأنه النظر في / الباطن وما يتعلَّق به مِن الشوائب(163)، فكل شيء يرى(164) فيه شيئًا ما مِن تعلُّق الشوائب تَرَكَه حتَّى يتنظَّف الباطن مِن الكدورات(165) ولا يبقى فيه غير الله تعالى.
          فإن قال قائل: فيلزم على هذا أن يكون في باطن النَّبيِّ صلعم شيء مِن الكدورات(166) حتَّى احتيج إلى غسله، وذلك باطل، قيل له(167): ذلك لا يلزم، لأنَّ الغسل له ╕ ليس مِن باب إزالة الكدورات(168) وإنَّما هو تشريع لأمته فيما أشرنا إليه وإعظام لشعائر الله ╡ ، لأنَّ ما يُلْقى في ذلك المحل(169) مِن شعائر الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ(170) شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]
          السَّابع عشر(171): قَوْلُهُ ╕: (فَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ) فيه دليل على أنَّ البُراق أفضل الدوابِّ وأشرفها، إذ إنَّه خُصَّ(172) بهذا المقام وهو سيره إلى العالم(173) العلوي وركوب خير البشر عليه مِن هنا إلى هناك.
          الثَّامن عشر: لقائل أن يقول: لِمَ اختصَّ ◙ (174) بركوب البُراق دون غيره مِن الدوابِّ مثل الخيل والنوق وغيرهما(175)؟
          والجواب عنه(176): أنَّه إنَّما خُصَّ ╕ بركوب البُراق زيادة له في التشريف والتعظيم، لأنَّ غيره مِن الدوابِّ يقدِر(177) غيره على ملكه والتمتع به، والبراق لم يُنقل أن أحدًا مَلَكه وتمتَّع به كما يتمتع(178) بغيره مِن البهائم، وهذا هو نفس التعظيم والتشريف، إذ إنَّ / القدرة قد أحكمت أنَّ كلَّ ما عدم في الوجود وُجدانُه غلا خطره.
          فإن قيل: فلو كان ذلك زيادة في التشريف(179) والتكريم لكان ركوبه على دابة مِن دوابِّ الجنة، إذ هي أفضل وأبرك، أو لَرَفَعَه جبريل ╕ على جناحه أو أحد مِن الملائكة أو أعطي(180) قوة حتَّى يصعد بنفسه ولا يحتاج إلى مركوب؟
          والجواب عنه(181): أنَّ هذا كله إنَّما هو زيادة له ╕ في التشريف والتعظيم، ولو كان ركوبه ╕(182) على دابَّة مِن دوابِّ الجنة أو لأحد مِن الملائكة أو مشى بنفسه المكرَّمة لم يكن له فيه ما كان له في ركوبِ البُراق(183) والسَّيرِ به.
          بيان ذلك: أنَّه لو صعد بنفسه لكان ماشيًا على رجليه، والراكب أعزُّ مِن الماشي، فأُعطي(184) المركوب ليكون أعزَّ له وأشرف، ولكي يُعْلَم أن له صلعم عند الله تعالى مكانًا حتَّى إنَّه يأتي وهو راكب فيكون ذلك له بشارة بالخير والحظوة عند ربِّه(185)، لأنَّ الإتيان بالمركوب مِن عند(186) الله تعالى بشارة له ╕ برفع المنزلة والكرامة ومثل هذا في الدنيا والآخرة موجود، ففي الدنيا محسوسًا(187) وفي الآخرة بالأخبار منقولًا، أمَّا في الدنيا فلأن المَلِك إذا بعث إلى شخص بالخِلَع والمركوب، فبقدر الخِلَع وحسن المركوب يُسْتَدَلُّ على(188) منزلته عند الملك، وفي الآخرة ما رُوِيَ أن يوم القيامة يأتي المؤمنون(189) منهم مَن هو راكب نُوَق اللحم(190)، ومنهم مَن هو(191) راكب نُوق(192) الذهب / وَأَزِمَّتها الزَّبَرْجَدُ إلى غير ذلك ممَّا جاءت الأخبار به، كل إنسان بحسب منزلته والملائكة تأتيهم أفواجًا بالبشارة وتقول لهم: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103].
          وإنَّما لم يكن مركوبه ╕ دابَّةً مِن دوابِّ الجنة أو جناح مَلَك، لأنَّه لو ركب على ذلك لكان الظاهر(193) أنَّ المركوب حمل الراكب، فلمَّا أن ركب البراق الذي هو لحم ودم وهو مخلوق في الدنيا وليس مِن عادته الطيران في الهواء، وإنَّما هو مِن ذوات(194) الأربع أرضيٌّ، عُلِمَ عند ذلك أنَّ الراكب هو الحامل لنفسه والحامل لمركوبه، إذ إنَّ هذه الدَّابة لا طاقة لها بالصعود في الهواء أصلًا.
          فإن قيل: فالنبي صلعم مِن البشر ومحال في حقِّ البشر الصعود في الهواء كما هو محال في حق الدواب؟
          قيل: الجواب عنه(195): أنَّ البشر ليس هو الصاعد بنفسه، وإنَّما الحامل والصاعد به قوة الإيمان الذي مُنَّ عليه به، والنبيُّ صلعم لم يكن ليُسرَى به حتَّى مُلِئَ بطنه المكرَّم(196) إيمانًا وحكمة، فلمَّا أن امتلأ بالإيمان والحكمة كان له ِمن القوة ما يحمل نفسَه وغيرَه، فبقدر الإيمان وقوته يكون السلوك والترقي، ولهذا قال ╕: «رَحِمَ اللهُ أَخِي عِيْسَى لَوْ زَادَ يَقِيْنًا لطارَ في الهواءِ(197)» هذا مِن طريق مقتضى الحكمة.
          وفي الحقيقة(198) وهي القدرةُ وهي حاملة(199) للكلِّ كالعرش وحَمَلَته، لأنَّ حَمَلَة العرش حين أُمِروا أن يقوموا بالعرش لم يطيقوا حتَّى قيل لهم: قولوا: (لا حول ولا / قوة إلا بالله)،
          فلمَّا أن قالوها قاموا بالعرش، فالتفتوا فإذا أقدامهم على غير شيء فهم متمسِّكون بالعرش لا يفترون مِن قولهم: (لَا حَول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله) خيفة لئلا ينقلب(200) أحدهم فلا يعرف أين يهوي؟ فهم حاملون للعرش، والعرش حامل لهم، والكل محمولون بالقدرة، وهم في عِظَم خَلقهم كما أخبر ╕ عن بعضهم حيث قال: «(201)أُمِرْتُ أنْ أُحَدِّثَكُمْ عنْ أَحَدِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ غِلَظُ قَرْنِهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ» ولكلِّ واحدٍ منهم على ما جاء في حديث آخر: «قَرْنانِ مثل قُرونِ الوُعُول» فإذا كان(202) كل واحد مِن هذين القرنين غِلَظُه(203) هكذا فناهيك بالرأس الذي يكون فيه ذانك(204) القرنان، وناهيك بالجسد الذي يكون فيه هذا الرأس، فسبحان مَن أظهر بديع حكمته بعظيم قدرته.
          التاسع عشر: فيه دليل لأهل الصُّوفَةِ(205) حيث يقولون: فلان مقامه في سماء(206) الدنيا، وفلان مقامه في الثانية ثمَّ كذلك إلى أن يبلغوا إلى (قابَ قَوْسَيْنِ أو أَدنى)، ويعنون(207) بذلك ما رزقوا مِن قوة الإيمان واليقين، فكاشفوا بأسرارهم ذلك العالم كل منهم بحسب قوته في إيمانه ويقينه.
          ولهم فيما نحن بسبيله أدلُّ دليل، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يُسْرَ / به حتَّى مُلِئ حكمةً وإيمانًا، ثم لَمَّا أن مُنَّ عليه(208) بذلك أُسْرِي(209)به مِن سماء إلى سماء إلى (قاب(210) قوسين أو أدنى)، وهم الوارثون له ╕ فلهم في ذلك نسبة لكن بينهم وبين النَّبيِّ صلعم في ذلك فرق، وهو أنَّه ╕ حصلت له الخصوصية لكونه سرى بذاته المباركة، وتكلَّم بلسان فمه، ورأى بعين رأسه على ما قاله ابن عباس، وسمع الخطاب بأذني(211) رأسه وأذن قلبه، وغيرُه مِن الوارثين له لم يصلوا هناك إلا بأسرارهم، ولم يروا إلا بأعين قلوبهم.
          ومما يبيِّن هذا ويوضِّحه ما حُكِيَ عن بعض فُضَلائهم أنَّه لمَّا أَنْ مُنَّ عليه بقوة الإيمان واليقين، واتبع سُنَّة هذا(212) السيد صاحب(213) هذا المقام العظيم صلعم في كل حركاته وسكناته وأنفاسه أسري(214) بِسِرِّه مِن سماء إلى سماء إلى (قاب قوسين(215) أو أدنى) ثم نُودِي: هناك(216) أُسْرِي(217) بذات محمَّدٍ السَّنِيَّةِ حيث أُسْرِي(218) بِسِرِّك.
          ولأجل هذا(219) كانوا أبدًا ليس لهم شغل غير النظر في تقوية إيمانهم ويقينهم، لأنَّ به يسلكون وهو حاملهم، ومما(220) يزيد هذا وضوحًا وبيانًا قَوْلُهُ ╕: «مَا فَضَلَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةٍ ولا بِصِيامٍ ولكنْ بِشَيءٍ وَقَرَ في(221) صَدْرِهِ» والشيء الذي وَقَر في صدره(222) هو قوة اليقين والإيمان، وقد صرَّح ☺ بذلك حيث قال: «لَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ(223) يَقِيْنًا».
          العشرون: فيه دليل / لأهل الصُّوفَةِ(224) في قولهم: (لا يكون تَحَلٍّ إلا بعد تَخلٍّ(225))، لأنّه لم يوضع الإيمان والحكمة في البطن المباركة(226) حتَّى شُقَّت وغُسِلت وحينئذ مُلِئت، فالشَّق والغَسل هو التخلِّي، وما مُلِئَ به(227) مِن الإيمان والحكمة هو التحلِّي، فعلى قدر التخلِّي يكون التحلِّي، ولهذا أشار بعضهم بِقَوْلِهِ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَرى مَا لا يسوؤه فلا يتخذ له شيئًا(228) يخاف له فقدًا، لأنَّ ما سوى الله مفقود)، فمَن أراد الفوز بهذا التَّحَلِّي(229) فليعزم على قوة هذا التخلِّي حالًا ومقالًا، ومَن لم يقدر على الكُلِّ فَلْيَعْمَل على البعض، لأنَّ التحلِّي يكون بقدر التخلِّي، والحذَرَ الحذَرَ مِن أن تهملَ نفسك وترضَى بحظٍ بخسٍ، فذلك هو الحرمان العظيم(230).
          الواحد(231) والعشرون: قَوْلُهُ ╕: (ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ) ما المراد بالبطن هنا؟ هل البطن نفسه أو ما في البطن وهو القلب؟
          الظاهر أنَّ المراد القلب، لأنَّه جاء في رواية أخرى ذكر القلب ولم يُذْكَرِ البَطنُ، وقد يحتمل أن تُحْمَل كلُّ رواية على ظاهرها، ويقع الجمع بينهما بأن يقال: أخبر ╕ مرةً بغسل البطن ولم يتعرَّض لذكر القلب، وأخبر مرةً بغسل القلب ولم يتعرَّض لذكر البطن، فيكون الغسل قد حصل فيهما معًا مبالغة في تنظيف المحلِّ.
          الثَّاني والعشرون: لقائل أن يقول: لِمَ غُسِلت البطنُ وقد كانت(232) طاهرة مطهَّرة وقابلة لِمَا يُلقَى إليها مِن الخير، وقد غُسِلت / أوَّلًا وهو ╕ صغيرُ السِّنِّ، وأُخْرِجت مِن قلبه نزغة الشيطان، فما فائدة هذا الغسل الثَّاني؟
          والجواب عنه: أنَّ هذا الغَسل إنَّما كان إعظامًا وتأهبًا لِمَا يُلْقَى هناك، وقد جرت الحكمة بذلك في غير ما موضع مثل الوضوء للصلاة لمن كان مُتَنَظِّفًا، لأنَّ الوضوء في حقِّه إنَّما هو إعظام وتأهُّب للوقوف بين يدي الله تعالى ومناجاته، وكذلك أيضًا الزِّيادة على الواحدة أو الاثنتين إذا(233) أسبغ بالأولى، لأنَّ الإجزاء قد حصل وبقي ما بعد الإسباغ إلى الثلاث إعظامًا لِمَا يُقْدِم عليه، فكذلك(234) غسل البطن هنا، وقد قال تعالى: {ذَلكَ(235) وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] فكان(236) الغسل له ╕ مِن هذا القبيل، وإشارة لأمته بالفعل بتعظيم الشعائر كما نص لهم عليه بالقول وإشارة لهم أيضًا فيما تقدم ذكره مِن التَّخَلِّي والتَّحَلِّي(237).
          فإن قال قائل: لو كان الأمر في الزيادة على الإسباغ إعظامًا للشعائر لكانت الزِّيادة على الثلاث أَوْلى، إذ إنَّه بحسب الزِّيادة كان تعظيم الشعائر أكثر.
          قيل له: الأمر كذلك لكن الله ╡ بالمؤمنين رحيم، فمِن رحمته ╡ بهم أن منعَهم الزِّيادة على الثلاث(238) تخفيفًا عليهم(239) ولطفًا بهم: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].
          الثالث والعشرون: فيه دليل على فضيلة بئر زمزم على غيره / مِن المياه، إذ إنَّه اختص بأنْ غسل منه هذا المحل الجليل في هذا الموطن الرفيع.
          الرَّابع والعشرون: لقائل أن يقول: لِمَ لمْ يُغْسَل(240) بماء الجنَّة الذي هو أطيب وأَبْرَك؟
          والجواب عنه(241): أنَّه لو غُسِلَ بماء الجنَّة دون استقراره بالأرض لم يبق لأمته أثر بركةٍ، فلـمَّا غُسِلَ بماء زمزم وهو ممَّا استقر مِن ماء السماء بالأرض على ما قاله ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:18]، فقال: كلُّ ماء في الأرض إنَّما هو ممَّا نزل(242) مِن السماء مِن الماء، وقد جاء في الأثر: «أنَّ مَا مِنْ مَطَرٍ يَنْزِلُ إِلَّا وفِيْهِ مِزَاجٌ مِن الجنَّةِ، وتكونُ البركةُ فيه بقدرِ المِزاجِ»، فعلى هذا فقد حصل ماء كله مِن الجنَّة أو بعضه مع زيادة فوائد جملة:
          منها: ما ذكرناه مِن إبقاء البركة للأمة.
          ومنها: أنَّه خصَّ مقره بهذه الأرض المباركة.
          ومنها: أنَّه خصَّ به الأصل(243) المبارك وهو إسماعيل ╕.
          ومنها: أنَّه خصَّ بما لم يخص غيره مِن المياه بأن جعل فيه لهاجر أم إسماعيل ╕(244) غذاء فكان يغنيها عن الطعام والشراب.
          ومنها: أنَّ ظهوره كان بوساطة(245) الأمين جبريل ◙ ، فكان(246) أصلٌ مباركٌ(247) في مقرٍّ مباركٍ لسيِّدٍ مباركٍ بوساطة فعلِ أمينٍ مباركٍ، فاختصَّ به هذا السيِّد المبارك، فكان في(248) ذلك زيادة له في التشريف والتعظيم، والله ╡ يُفَضِّل ما شاء مِن مخلوقاته حيوانًا كان أو جمادًا، فجاء / بالحكمة العجيبة في المِلَّة الجليلة ملَّةِ أبيكم(249) إبراهيم بالمقال، وفي الماء ملَّة أبيكم(250) إسماعيل بلسان الحال.
          الوجه الخامس والعشرون: قَوْلُهُ ╕: (ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا)
          وقد(251) مَرَّ الكلام على معنى الحكمة والإيمان، وبقي الكلام هنا على المملوء ما هو؟ هل البطن أو القلب؟
          فعلى ظاهر هذه الرواية هو البطن، وعلى ما جاء في(252) رواية غيرها هو القلب، فاحتمل أن يكونا مُلِئا معًا وأخبر ╕ في هذه الرواية بالبطن وأخبر في الأخرى بالقلب، واحتمل أن يكون أراد القلب وذَكَرَ البطنَ توسعةً، لأنَّ العرب تُسمِّي الشيء بما قاربه أو بما كان فيه، وقد قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:125] ومعنى الصدر في الآية: القلب، فَسَمَّاه باسم ما هو فيه وهو الصدر.
          الوجه السَّادس والعشرون: قَوْلُهُ ╕: (فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) إلى قوله: (وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ) فيه دليل على أنَّ قدرة الله ╡ لا يعجزها شيء ممكن(253) لأنَّه ╕ قال: (حَتَّى أَتَيْتُ(254) السَّمَاءَ) فأفاد ذلك أنَّهم كانوا يمشون في الهواء، وقد جرتِ العادةُ بأنَّ(255) البشر لا يمشي في الهواء سيما وقد(256) كان راكبًا على دابة مِن ذوات(257) الأربع، لكن لَمَّا أن شاء الله(258) ذلك كان، فكما بسط ╡ لهم الأرض ومهَّدها لهم يمشون عليها، كذلك يُمشيهم في الهواء كل ذلك / بيده لا ترتبط قدرته بعادة جارية حتَّى يظهر عند وجودها تأثير في الوجود ويُعدم عند عدمها، بل القدرة صالحة لأنَّ تُبْدي ما شاء الله عند وجود العادة(259) وعند عدمها، وإنَّما العادة مِن الله تعالى لحكمة استأثر بها، فإن شاء أبقاها وإن شاء أزالها، وقد سُئِل ╕ حين أخبر عن الأشقياء المساكين الذين يمشون على وجوههم يوم القيامة: كيف يمشون؟ فقال ╕: «الذي أَمْشَاهُمْ فِي الدُّنْيا عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى(260) أَنْ يُمْشِيهم يومَ القيامةِ علَى وجُوهِهِمْ».
          السَّابع والعشرون: فيه دليل على أنَّ النَّبيَّ صلعم كان مستقلًا(261) بنفسه في صعوده ولم يَحْتَجْ إلى مَن يعينه، لأنَّه ╕ قال(262): (انْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ) فأفاد ذلك أنَّهما صعدا معًا لا يحتاج أحدهما للآخر، ولو قال: (انطلق بي جبريل) لأفاد ذلك أنَّ جبريل ╕ كان حاملًا له أو معينًا، وهذا (أدلُّ دليل) على عظيم قدرة الله تعالى، وأنَّه لا يعجزها(263) شيء(264) كما تقدَّم قبل، وعلى كرامة النَّبيِّ صلعم وعلوِّ منزلته، لأنَّ الله ╡ قد أجرى العادة بأنَّ البشر لا يصعد(265) في الهواء، وأجرى العادة للملائكة بالصعود والنزول بحسب ما شاءت القدرة، لأنَّهَم(266) خُلقوا مِن جوهر لطيف، وخُلِقَ البشرُ من جِوهر كثيف، فأبقى على النَّبيِّ صلعم صفة البشرية / وأُعْطِي حال العالم العلوي حتَّى صار مع جبريل ╕ كما ذكر، بل زاد على ذلك ما هو أعظم في المعجزة وأبهر، وهو ركوبه على دابة مِن دوابِّ الأرض التي(267) لا استطاعة لها بالصعود، كلُّ هذا إكرامًا له صلعم وتعظيمًا وإظهارًا لقدرة الله تعالى حتَّى رجع له ╕ ما كان عنده علمَ يقين مِن أن القدرة صالحة لكلِّ شيء عينَ يقين في هذه الأحوال المذكورة، فما طلبه أبوه إبراهيم ◙ مِن الانتقال مِن علمِ يقينٍ إلى عينِ يقينٍ في قوله: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] أعطي ذلك للنَّبي صلعم بغير طلب.
          الثَّامن والعشرون: فيه دليل على أنَّ للسماوات أبوابًا وعليها بوّابين وخُدَّامًا، وأنَّه لا يصعد أحد مِن الملائكة ولا مِن غيرهم ممَّن شاء الله ╡ حتَّى يستأذنهم في الفتح، لأنَّه ╕ أَخبَر أنهم حين أتَوا إلى السماء قَرَع جبريل الباب فقيل: مَن هذا؟ فأَخبَر باسمه واسم مَن معه وحينئذ فتح له، وفائدة هذا الإيمانُ بعظيم القدرة وصنعها ما شاءت كيف شاءت(268).
          التاسع والعشرون: سؤال الملائكة ‰ لجبريل ◙ بِقَوْلِهِم: (مَنْ مَعَكَ؟) احتمل وجهين:
          (أحدهما): أن تكون تلك عادة لهم لا يصعد أحد ولا ينزل حتَّى يسألونه(269): هل هو وحده أو مع غيره؟ وإن كان جبريل ╕ هو الأمين لكن اقتضت الحكمة أنَّه لا ينفذ / هو وغيره إلا بعلمهم وسؤالهم تمشية للحكمة وإظهارًا للقدرة.
          (الثَّاني): أن يكون سؤالهم له لِمَا رأوا حين إقباله عليهم مِن زيادة الأنوار وغيرها مِن المآثر الحسان زيادة على ما يعهدونه منه، فكان لهم ذلك دليلًا على أنَّ معه غيره فسألوا(270) عنه، وهذا هو الأظهر بدليل قولهم: (مَنْ مَعَكَ؟) ولو كان لغير زيادة رأوها لكان الاستفهام بأن يقولوا: (أمعك أحد)؟ فلمَّا جاءت الصيغة بِقَوْلِهِم: (مَنْ مَعَكَ؟) دلَّ ذلك على أنهم سألوا: مَنِ الشخص الذي مِن أجله هذه الزِّيادة التي معك؟ فأخبرهم بما أرادوا وهو تعيين الشخص باسمه حتَّى عرفوه.
          الثلاثون: قول جبريل ◙ حين سُئِل: (مَنْ مَعَهُ؟ فقال: مُحَمَّدٌ)، فيه دليل على أنَّ الأسماء أرفع مِن الكنى، لأنَّه أخبر باسمه ولم يخبر بكنيته، وهو ╕ مشهور في العَالَـمَيْنِ العُلوي والسفلي، فلو كانت(271) الكنية(272) أرفع مِن الاسم لأخبر بكنيته.
          الواحد والثلاثون: استفهام الملائكة بِقَوْلِهِم: (أوَقَدْ(273) أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟) فيه دليل على أنَّ أهل العالم العُلوي يعرفون رسالته ╕ ومكانته، لأنَّهم سألوا عن وقتها هل حَلَّ؟ لا عنها، ولذلك أجابوا(274) بِقَوْلِهِم: (مَرْحَبًا بِهِ ولَنِعْمَ المجيءُ جاءَ) وكلامهم بهذه الصيغة أدلُّ دليل على ما ذكرناه مِن معرفتهم بجلال مكانته ╕ وتحقيق رسالته، ولأن(275) هذا أجلَّ ما يكون مِن حسن الخطاب والترفيع على المعروف مِن عادة العرب، وقد قال بعض العلماء في معنى قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18]: / إنَّه رأى صورة ذاته المباركة في الملكوت فإذا هو عروس المملكة(276).
          الثَّاني والثلاثون: قول الملائكة: (مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ) مرحبًا أي: صادفت رَحْبًا وسَعة، ولنعم المجيء جاء احتمل وجهين:
          (أحدهما): أن يكونوا قالوا ذلك لِمَا عاينوا مِن بركاته ╕ التي سبقته للسماء مبشِّرة بقدومه، وهي الأنوار وما أشبهها.
          (الثَّاني): أن يكونوا قالوا ذلك لِمَا عاينوا له مِن الخير العظيم المدَّخر له هناك لوقته هذا، وقد يحتمل الوجهين معًا.
          الوجه الثَّالث والثلاثون: قَوْلُهُ ╕: (فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) فيه(277) دليل على أنَّ السُّنَّة في السَّلام أن يبدأ به المارُّ على القاعدِ، لأنَّه لَمَّا أن كان النَّبي صلعم مارًّا على آدم ╕ ابتدأه بالسلام.
          الرَّابع والثلاثون: فيه دليل على أنَّه لا يجوز في ردِّ السَّلام غير الصيغة المشروعة(278)، لأنَّه لم يقل له آدم ╕ (مرحبًا) إلا بعد ردِّ السَّلام عليه على ما جاء في رواية أخرى قال فيها: (فَرَدَّ ثم قالَ: مَرْحَبًا).
          الخامس والثلاثون: قول آدم ╕: (مَرْحَبًا بِكَ مِن ابْنٍ وَنَبِيٍّ) هل هذا اللفظ مِن آدم ╕ تأنيس للنَّبيِّ صلعم، لأنَّ الغريب أشدُّ أنسِه في غربته بلقاء الأبوة، أو ذلك سرور منه(279) بِقُرَّةِ عينه به؟
          احتمل الوجهين معًا، أمَّا في حقِّ آدم ╕ فظاهرٌ، / لأنَّ المرء أبدًا يفرح بزيارة ابنه عليه(280) فإنه له ومنه في الحقيقة، ولهذا قال تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء:11] قال(281) بعض المفسِّرين في معناه: لا تدرون مَن يكون يوم القيامة(282) أعلى درجة عند الله تعالى فيشفع في صاحبه حتَّى يبلغه معه، وهذه خصوصية بين الآباء والأبناء لا توجد في غيرهم، فترفيع أحدهما ترفيع للآخر، وقد حصل لآدم ╕ مِن هذا أوفرُ نصيبٍ، لأنَّه يكون يوم القيامة في أحد رِكابِي النَّبي صلعم حين إعطائه لواء الحمد، وإبراهيم ◙ يكون في الركاب الآخر فحصل لآدم وإبراهيم ╨ اللَّذين هما الأبوان(283) خصوصية في أوفرِ حظٍّ في هذه المنزلة ما لم تكن لغيرهما(284) مِن الأنبياء ‰، وأمَّا في حق النَّبي صلعم فلأن الأبوة(285) تقتضي الإدلال عليها، فكان ذلك تأنيسًا للنَّبي صلعم.
          الوجه السَّادس والثلاثون: قَوْلُهُ ╕: (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ(286) الثَّانِيَةَ) إلى قوله: (فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فسَلَّمتُ(287)، فقالاَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ) الكلام على الصعود إلى السماء الثانية واستفتاحها(288) وقول الملائكة: مرحبًا، كالكلام على السماء الأولى وقد(289) مرَّ، وبقي(290) الكلام هنا في قول عيسى ويحيى له: (مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ) وإنَّما(291) قالا له ذلك، لأنَّ الأنبياء ‰ كالأخوة كما أخبر ╕ حيث قال: / «لَا تُفَضِّلُوا الأَنْبِياءَ بَعْضَهُمْ(292) عَلَى بعضٍ، نحنُ جَمِيْعُ الأنبياءِ(293) أَوْلَادُ عَلَّاتٍ» وأَوْلَادُ عَلَّاتٍ في لغة العرب أن يكون الأب واحدًا والأمهات مختلفة، فنسبة الأب هنا أعني بين(294) الأنبياء ╫ هو اجتماعهم في درجة النبوة، ونسبة الأمهات بينهم هو اختلافهم في رفع المنازل واختلاف الشرائع.
          الوجه السَّابع والثلاثون: قَوْلُهُ ╕: (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ) إلى قوله: (فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ(295)) الكلام على ذلك كله كالكلام على السماء الأولى والثانية.
          وبقي هنا بحث في قَوْله ╕: (عَلَى السَّمَاءِ) معناه: (إلى السماء السادسة)(296) لأنَّه معلوم أنَّهم كانوا صاعدين إليها ولا تكون (عَلَى) هنا على بابها إلا أن لو(297) كانا نازلين(298) مِن السماء السابعة، فلمَّا أن كانا صاعدين كانت (على)(299) بمعنى (إلى) بالضرورة وهو سائغ في ألسنة العرب ومستعمل عندهم كثيرًا، فعلى هذا فيكون معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(300) [الأعراف:54] أي: أتى إلى(301) العرش استوى، واستوى إلى العرش، فيكون مثل قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] أي: عمد إلى خلقها، وكذلك هنا أي: عمد إلى خلق العرش، والذي عمد لذلك هو أمره ╡ كما تقدَّم في الحديث قبل هذا أن أمره ╡ هناك بمقتضى حكمته وإرادته، فبطل بهذا احتجاج أهل البِدَعِ والعناد إذ إنَّ ما قررناه / سائغ في ألسنة العرب، وهو في كلامهم كثير والقرآن بلغتهم نزل، وإنَّما ضلَّ مَن ضلَّ بسبب أنَّه يأخذ ألفاظ القرآن والحديث فيتأوَّلها بحسب لغته وفهمه فَيَضِلّ بالضّرورة، وإنَّما ينظر في القرآن بمقتضى لغة العرب التي بها(302) نزل.
          ولأجل هذا لم يستشكل قَطُّ أحدٌ مِن الصَّحابة شيئًا مِن ألفاظ القرآن ولا الحديث، ولا وقع لهم كلام(303) فيما وقع لمن بعدهم لمعرفتهم بمعناه ومقتضاه، فلا يحتاجون فيه إلى بيان ولا إلى سؤال، فلمَّا انتقلوا(304) إلى رحمة ربهم طاهرين قلَّت معرفة لغتهم عند بعض النَّاس فلم يتكلَّموا بها، فدخل عند ذلك الإشكال عند بعضهم وتوهَّموا الفساد لعدم المعرفة باللغة العربية، فمَن تأوَّل القرآن والحديث بمقتضى لغتهم انْتَفَتْ عنه تلك التَّوهُّمات، ورجع القرآن والحديث عنده كالشيء الواحد بعضه يبيِّن بعضًا.
          وقَوْلُهُ ╕: (فَأَتَيْتُ(305) مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ) والكلامُ(306) عليه كالكلام على الأنبياء قبله وقد مرَّ.
          الوجه(307) الثَّامن والثلاثون: قَوْلُهُ ╕: (فَلـمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يبكيكَ(308)، قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي(309)) يَرِد على هذا الفضل(310) ثلاثة أسئلة:
          الأَوَّل: أنْ يقال: لِمَ كان بكاء موسى ◙ ؟
          الثَّاني: / مَن هو الذي قال له: ما أبكاك؟ هل الملائكة أو الخالق(311) ╡ ؟
          الثَّالث: لِمَ قال موسى ╕: (هذا الغلام) ولم يقل غيرَ ذلك مِن الصِّيَغ؟
          والجواب عن الأَوَّل: أنَّ الأنبياء ‰ قد جعل الله تعالى في قلوبهم الرحمة والرأفة لأممهم(312) وركَّبهم على ذلك، وقد بكى النَّبي صلعم فَسُئِل عن بكائه، فقال: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ(313)، وَإِنَّمَا يرحمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» والأنبياء ‰ قد أخذوا مِن رحمة الله ╡ أوفر نصيب، فكانت الرحمة في قلوبهم لعباد الله أكثر مِن غيرهم، فلأجل ما كان لموسى ╕ مِن الرحمة واللُّطف بكى إذ ذاك رحمة منه لأُمَّته، لأنَّ هذا وقت إفضال وجود وكرم، فرجى لعلَّ أن(314) يكون وقت القبول والإفضال فيرحم الله تعالى أمته ببركة هذه الساعة.
          فإن قال قائل: كيف يكون هذا وأُمَّته لا تخلو مِن قسمين: قسم مات على الإيمان، وقسم مات على الكفر، فالذي مات على الإيمان لا بدَّ له مِن دخول الجنة، والذي مات على الكفر لم يدخل الجنة أبدًا(315)، فبكاؤه لأجل ما ذكرتم لا يسوغ، إذ إنَّ الحكم فيهم قد مرَّ ونفذ، قيل له(316): وذلك أن الله ╡ قدَرهُ على قسمين: بما شاءت حكمته فقدَرٌ(317) قدَّره، وقدَّر أن ينفذ على كل حال مِن(318) الأحوال، وقدَر قدَّره وقدَّر أن لا ينفذ ويكون رفعه(319) بسبب دعاء أو صدقة / أو غير ذلك.
          ومثل(320) ذلك دعاء النَّبيِّ صلعم بالثلاث دعوات لأمته، وهي: أن لا يُظهِر عليهم عدوًا مِن غيرهم، وأن لا يُهلِكهم بالسنين فأعطيهما(321)، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمُنِعَها ◙ ، فاستجيب له ╕ في اثنتين(322) ولم يستجب له في الثالثة، وقيل له: هذا أمر قد قدَّرتُه أي: أنفذته، فكانت الاثنتان مِن القدر الذي قدَّره الله ╡ ، وقدر أن لا ينفذ بسبب الدُّعاء، وكانت الدعوة الثالثة مِن القدر الذي قدَّره ╡ وقدَّر إنفاذه على كل الأحوال لا يرده رادٌّ، وسيأتي لهذا زيادة إيضاح في الكلام على آخر الحديث في فرض الصلاة خمسين.
          فلأجل ما رُكِّب موسى ╕ عليه مِن اللطف والرحمة بالأمة طَمِعَ لعلَّ أن يكون ما اتفق لأُمَّته مِن القدر الذي قدَّره الله ╡ ، وقدَّر ارتفاعه بسبب الدُّعاء والتضرع إليه وهذا وقت يرجى فيه التعطُّف والإحسان مِن الله تعالى، لأنَّه وقت أَسْرَى فيه بالحبيب ليخلع عليه خِلع القرب والفضل العميم فطمع الكليم لعلَّ أن يلحق لأمَّته نصيبًا(323) مِن ذلك(324) الخير العظيم، وقد قال ╕: ((إنَّ للهِ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ الله)) وهذه نفحة مِن النفحات فتعرَّض لها موسى ╕، فكان أمر قد قدر والأسباب لا تؤثر إلا بما سبقت القدرة بأنَّها فيه تؤثر(325)، وما كان قضاءً نافذًا لا تردُّه الأسباب فإنَّه(326) حتم قد لزم، كما(327) تقدَّم في الدعوة الثالثة مِن دعوات النَّبي صلعم لأمته.
          ومثل هذا(328) ما حكى الله ╡ في كتابه عن / عيسى ◙ حيث يقول يوم القيامة: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] وعيسى ◙ عالم بكفرهم إذ إنَّهم جعلوا(329) لله ولدًا وجعلوا لله صاحبة، وعالم(330) بأنَّ الكفار لا مدخل لهم في المغفرة لكن قال ذلك رجاءً لعل أن يكون ذلك مِن القدَر الذي قدَّره الله تعالى، وقدَّر أن لا ينفذ، فكان مِن القدر الذي قدَّره الله تعالى وقَدَّرَ إنفاذه على كل حال، فقال ╡ (331): {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة:119] أي: الأمر كذلك لكن سبقت إرادتي وحكمتي(332) ونفذ قضائي بأني لا أرحم اليوم إلا الصادقين دون غيرهم، فكان بكاء موسى ╕ مِن هذا القبيل.
          و(لوجه آخر) أيضًا(333) وهو البشارة للنَّبي صلعم وإدخال السرور عليه يشهد لذلك بكاؤه حين ولَّى النبيُّ صلعم عنه(334) وقبل أن يبعد منه لكي يسمعه، لأنَّه لو كان البكاء خاصًا بموسى ◙ على الوجه المتقدِّم لم يكن ليبكي حتَّى يبعد عنه النَّبي صلعم فلا يسمعه، لأنَّ بكاءه والنَّبيُّ صلعم يسمع فيه شيء ما مِن التشويش عليه، فلمَّا أن كان المراد بذلك(335) ما يصدر مِن البشارة له ╕ بسبب البكاء بكى والنبي صلعم منه بحيث يسمعه، والبشارة التي يتضمنها البكاء هي قول موسى ╕ الذي هو أكثر / الأنبياء أتباعًا: (أنَّ الذين يدخلون(336) الجنَّة مِن أُمَّة محمَّد صلعم أكثر ممَّا يدخلها مِن أُمَّة موسى صلعم).
          فإن قال قائل: لو كان بكاؤه ╕ لأجل هذا المعنى لصدر منه حين قدوم النَّبيِّ صلعم عليه(337)، قيل له: إنَّما لم يَبْكِ إذ ذاك، لأنَّ البكاء سبب للنفور والوحشة والقادم: السُّنَّةُ فيه أن يُبَشَّ إليه ويُكرم، فعمل(338) أوَّلًا سنَّةَ القدوم، فلمَّا أن انفصل مجلس البشاشة أعقبه ببكاء(339) البشارة.
          والجواب عن السؤال الثَّاني: وهو: هل المتكلِّم لموسى ◙ المخلوق أو الخالق؟
          الظاهر أنَّ ذلك مِن الله تعالى، يَدُلُّ عَلَى ذلك قوله في الجواب: يا ربِّ.
          والجواب عن الثَّالث: أنَّ العرب إنَّما تُطْلِق(340) على المرء: غلامًا إذا كان سيِّدًا فيهم، فلأجل ما في هذا اللفظ مِن الاختصاص على غيره مِن الألفاظ بالأفضلية ذكره موسى ╕ ولم يذكر غيره تعظيمًا للنَّبي صلعم وترفيعًا(341). وأنَّ(342) الغلام عند العرب هو الصغير السن وهو ╕ في عمره سيما في ذلك الوقت بالنسبة إلى أعمار مَن تقدَّمه مِن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، صغير السن ومع ذلك تقدَّم الجميع ورقى عليهم لِما خصَّه الله به مِن الرفعة والتعظيم وما أمدَّه(343) في الباطن وغذَّاه به مِن روح قدسه، فلأجل ذلك سمَّاه موسى ╕ بهذا الاسم دون غيره والله أعلم(344).
          الوجه التاسع والثلاثون: قَوْلُهُ ╕: (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ) إلى قوله: (مَرْحَبًا بِكَ مِن ابْنٍ وَنَبِيٍّ) الكلام عليه كالكلام على آدم ╕.
          وبقي هنا (سؤال) وهو أن يُقال: لِمَ كان هؤلاء الأنبياء ‰ في السماوات دون غيرهم مِن الأنبياء ‰؟ ولِمَ كان كل واحد منهم في سماء تخصه دون غيره؟ ولِمَ كان في السماء الثانية اثنان(345) وفي / غيرها واحد واحد؟
          والجواب عنه(346): أنَّه لا يخلو أن يكون ذلك مِن الله تعبُّدًا أو لمعنى ظاهر، ومعنى: (تعبُّد) أنَّه لا يَفهم البشر له حكمة، وأمَّا الفعل في نفسه فهو لحكمة لا بدَّ منها فيه والله ╡ يعلمها ومَن شاء أطلعه(347) عليها، وإن كان ذلك لمعنى ظاهر وهي الحكمة المفهومة مِن ذلك الترتيب فما هو(348)؟ فنقول:
          وجه الحكمة فيه والله أعلم أنَّه إنَّما كان آدم ╕ في سماء الدنيا، لأَنَّه أوَّل الأنبياء، وأول الآباء، وهو الأصل ومنه تفرَّع مَن بَعدَه مِن الأنبياء وغيرهم، فكان أوَّلًا في سماء الدنيا لأجل هذا المعنى ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة كما ذكرنا في الغربة.
          وأمَّا عيسى ╕ فإنما كان في السماء الثانية، لأنَّه أقرب الأنبياء إلى النَّبيِّ صلعم ولا امتحت(349) شريعة عيسى ╕ إلا بشريعة محمَّد صلعم، ولأنَّه ينزل في آخر الزمان لأمة النَّبيِّ صلعم بشريعته(350) ويحكم بها، ولهذا قال ╕ «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيْسَى» فكان في السماء الثانية لأجل هذا المعنى، وإنَّما كان يحيى ╕ معه هناك، لأنَّه ابن خالته وهما كالشيء الواحد، فلأجل التزام أحدهما بالآخر كانا هناك معًا.
          وإنَّما كان يوسف ╕ في السماء الثالثة، لأنَّ على حُسْنِهِ تدخل أمة النَّبيِّ صلعم الجنَّة، فأُرِي له هناك لكي يكون ذلك بشارة له ╕ / فيُسَرُّ(351) بذلك.
          وإنَّما كان إدريس ╕ في السماء الرابعة فلأنَّه(352) هناك توفي ولم تكن له تربة في الأرض على ما ذكر.
          وإنَّما كان هارون ╕ في السماء الخامسة فلأنَّه(353) ملازم لموسى ╕ لأجل أنَّه أخوه وخليفته في قومه فكان هناك لأجل هذا المعنى، وإنَّما لم يكن مع موسى ╕(354) في السماء السادسة، لأنَّ لموسى مزية(355) وحرمة وهو كونه الكليم، واخْتُصَّ بأشياء لم تكن لهارون ╕، فلأجل هذا المعنى لم يكن معه في السماء السادسة، ولأجل المعنى الأَوَّل كان في السماء الخامسة ولم يكن فيما دونها أو في(356) الأرض.
          وإنَّما كان موسى ╕ في السماء السادسة لأجل ما اخْتُصَّ به مِن الفضائل، ولأنَّه الكليم وهو أكثر الأنبياء أتباعًا بعد النَّبيِّ صلعم فكان فوق مَنْ(357) ذُكِر لأجل ما اختُصَّ به مِن الفضائل.
          وإنَّما كان إبراهيم ╕ في السماء السابعة، فلأنَّه(358) الخليل والأب الأخير، ولأنَّ النَّبيَّ صلعم يصعد مِن هناك إلى عالم آخر غير ما هو فيه الآن وهو اختراق الحجب فيحتاج إذ ذاك أن يتجدَّد له أُنسٌ أيضًا، لأنَّ الغربة زادت إذ ذاك، فكان إبراهيم ╕ هناك لأجل ما يجد النَّبي صلعم مِن الأُنْس به، وذلك لثلاثة معان: لكونه الأب الأخير، ولكونه أبًا مِن طريقين(359): بالنسب في الأبوة(360) وبالاتِّباع في الملَّة، كما قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج:78] / ولأنَّه الخليل كما تقدَّم، ولا أحد أفضل مِن الخليل إلا الحبيب، والحبيب ها هو قد علا ذلك المقام فكان الخليل(361) فوق الكل لأجل خُلَّتِه وفضله، وارتفع الحبيب فوق الكلِّ لأجل ما اختص به ممَّا(362) زاد به عليهم.
          يَدُلُّ عَلَى ما قرَّرناه الكتابُ والسنَّة، أمَّا الكتاب فقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة:253] وأمَّا السُّنَّة فقَوْلُهُ ╕: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فَخْر» وقَوْلُهُ ╕: «آدمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوائِي» فحصل لهم الكمال والدرجة الرفيعة وهي درجة الشفاعة(363) والنبوة، وَرُفِعُوا بعضُهم فوق بعض درجات بمقتضى الحكمة ترفيعًا للمرفوع دون تنقيص بالمتروك، والله ╡ أعلم(364).
          الأربعون: رؤيته ╕ لهؤلاء الأنبياء ╫ احتملت وجوهًا:
          (الأَوَّل): أن يكون ╕ عايَنَ كلَّ واحد منهم في قبره في الأرض على الصورة التي أخبر بها مِن الموضع الذي ذكر أنَّه عاينه فيه، فيكون الله ╡ قد(365) أعطاه مِن القوة في البصر والبصيرة بما أدرك ذلك، يشهد لهذا الوجه قَوْلُهُ ╕: «رأيتُ الجَنَّةَ والنَّارَ في عُرْضِ هَذَا الحائطِ» وهو محتمل لوجهين (أحدهما): أن يكون ╕ رآهما مِن ذلك الموضع كما يقال: رأيت الهلال / في(366) منزلي مِن الطاق، والمراد(367): مِن موضع الطاق، (الوجه(368) الثَّاني): أن يكون مُثِّل له صورتهما في عُرْض الحائط، والقدرة صالحة لكليهما.
          (الثَّاني): أن يكون ╕ عاين أرواحهم هناك في صورهم.
          (الثَّالث): أن يكون الله ╡ لَمَّا أن أراد بإسراء نبيه ╕ رفعهم مِن قبورهم لتلك المواضع إكرامًا لنبيه ╕ وتعظيمًا حتَّى يحصل له مِن قِبَلِهم ما(369) أشرنا إليه مِن الأُنْس والبشارة وغير ذلك ممَّا لم نُشِرْ إليه ولا نعلمه نحن، وإظهارًا له ╕ للقدرة التي لا يغلبها شيء ولا تعجز عن شيء، وكلُّ هذه الوجوه محتملة ولا ترجيح لأحدها على الآخر إذ إنَّ القدرة صالحة لكلها.
          الواحد(370) والأربعون: فيه دليل لأهل الصُّوفَةِ(371) حيث يقولون بأنَّ الأعلى يكاشف مَن دونه في المقامات ولا يكاشفونه في مقامه الخاص، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لَمَّا أن كان أعلى الأنبياء ╫ مقامًا اطَّلَع على مقاماتهم حين صعوده، ولم يطلع أحد منهم على مقامه الخاص.
          الوجه الثَّاني والأربعون: قَوْلُهُ ╕: (فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ) معناه: أنَّه أري له، وقد يحتمل أن يكون المراد: الرَّفعَ(372) والرؤية معًا، لأنَّه قد يكون بينه وبين البيت عوالم حتَّى لا يقدر على إدراكه فرُفِعَ إليه وأُمِدَّ في بصره وبصيرته حتَّى رآه، وقد يحتمل أن(373) تكون تلك العوالم / التي كانت بينه وبينه أُزِيلت حتَّى أدركه ببصره(374)، وقد يحتمل أن يكون بقي(375) العالم على حاله والبيت على حاله وأُمِدَّ في بصره وبصيرته حتَّى أدركه وعاينه والقدرة صالحة للكلِّ(376) يشهد لذلك قَوْلُهُ ╕: «رُفِعَ لِي بَيْتُ الْمَقْدِسِ» على ما سيأتي، والتأويل فيه كالتأويل(377) في البيت المعمور.
          الثَّالث والأربعون: قَوْلُهُ ╕: (فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ ◙ ) فيه دليل على أنَّ أهل الفضل وإن تناهوا في السؤدد والرفعة إذا رأوا شيئًا لا علم لهم به فلهم أن يسألوا عنه مَن يعلم ذلك، وليس ذلك ممَّا يُخِلُّ بمنصبهم، لأنَّ النَّبيَّ صلعم في الفضل والسؤدد حيث قد علم، وفي هذا الحال قد كان تناهى ارتقاؤه حيث أخبر، لكن لَمَّا أن(378) رأى شيئًا لا علم له(379) به ووجد مَن يسأل عنه سأل.
          الوجه الرَّابع والأربعون: قوله: (هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي(380) فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ(381) آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ) فيه دليل على عظيم قدرة الله تعالى وأنَّه لا يعجزها شيء(382)، لأنَّ هذا البيت المعمور يصلِّي فيه كل يوم هذا العدد العظيم منذ خلق الله تعالى الخلق إلى الأبد(383)، ثمَّ طائفةٌ هذا اليوم لا ترجع إليه أبدًا، ومع أنَّه قد روي: ((أنَّه ليسَ في السَّمَاواتِ ولا في الأرضِ موضعَ شِبْرٍ، وقيل: قَدْرَ(384) أربعةِ(385) أصابعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ / جَبْهَتَهُ هناكَ سَاجِدٌ(386)، ثمَّ البحارُ مَا مِنْ قطرةٍ إِلَّا وَبِهَا مَلَك مُوكَّلٌ بها(387))) فإذا كانت السماوات والأرض والبحار هكذا، فهؤلاء الملائكة الذين يدخلون أين يذهبون؟ هذا مِن عظيم القدرة التي لا يشبهها شيء ولا تتوقَّف عن شيء.
          الخامس والأربعون: فيه دليل على أنَّ الملائكة أكثر المخلوقات، لأنَّه إذا كان سبعون ألف ملَك كل يوم يصلُّون(388) في البيت على ما تقدَّم، ثمَّ لا يعودون(389) آخر ما عليهم مع أنَّ الملائكة في السَّماوات والأرض والبحار على ما تقدَّم ذكره، فهم على هذا الظاهر أكثر المخلوقات، وقد رُوِيَ: «أنَّ للهِ مَلَكًا لهُ خَلْق عظيم يطولُ وصفه يَغْتَسِل كلَّ يوم ثمَّ ينتفض في ريشهِ، فكلُّ قطرةٍ تقطرُ منه يخلقُ الله ╡ منها مَلَكًا» وقد رُوِيَ: ((أنَّ ثَمَّ ملائكةً يسبِّحونَ اللهَ ╡ فيخلقُ اللهُ تعالى بكلِّ تسبيحةٍ مَلَكًا)) هَذَا ما عَدَا الملائكةِ التي خُلِقَتْ للتعبُّدِ، وما عَدَا الملائكةِ الموكَّلِينَ بالنَّباتِ والأرزاقِ والحَفَظَةِ، وقد رُوِيَ: ((أنَّ ما للهِ تعالى خلقٌ مِن المخلوقات من الحيوانات(390) وغيرها ما عَدَا بني آدم الذين(391) لهم الحَفَظة إلا ومعه مَلَكان، فأحدهما يَهديه إلى رزقهِ، والآخر إلى مصالحهِ)) فكانوا أكثر المخلوقات بمقتضى هذه الظواهر.
          السَّادس والأربعون: فيه دليل على أنَّ الصلاة أفضل العبادات، إذ إنها اشترك فيها _أعني جميعًا مكلَّفون بجنسها_ أهل العالَمين العُلوي والسفلي(392). /
          السَّابع والأربعون: فيه دليل على استغناء الله تعالى عن خلقه وأنَّه لا تنفعه طاعة الطائع ولا تضرُّه مخالفة المخالف، لأنَّه ╡ خلق هذا الخلق العظيم ووكَّل بعضهم بحفظ منافع بعض، ووكل بعضهم بفعل أشياء وإتقانها، والكلُّ ليس بيدهم في ذلك شيء ولا لهم على ما يفعلون قدرة، بل قدرة الله ╡ هي الحافظة لكلِّ ذلك والمصلحة له، وإنَّما ذلك مِن الله تعبُّدٌ يتعبَّد به(393) مِنْ خلقه مَنْ شاء، كيف شاء، بما شاء، ثمَّ إنَّه ╡ خلق الخلق وقسمهم على أقسام:
          فقومٌ خَلَقهم للسعادة لا غير، واختصَّهم بعبادته وجعل العبادة لهم قوتًا وعيشًا ويسَّرها عليهم وأجراها لهم كمِثل النَّفَس لبني آدم وهم الملائكة.
          وقومٌ خَلَقهم للشقاء والطرد والبعد وجعلهم أهلًا للشر وأسبابه وهم الشياطين.
          وقومٌ خَلَقهم وأدارهم بين هذين القسمين، شقيُّ وسعيدٌ، وجعل لهم الثواب على الطاعات، وجعل لهم العقاب على المخالفات وهم بنو آدم والجن.
          ثمَّ قسم بني آدم والجن على أقسام:
          فمنهم القسمان المتقدِّمان، وخلق منهم طائفة يعصون فيتوب عليهم لقَوْله ╕: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَأَتَى اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ويَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» وخلق منهم قومًا يعصون فلا يغفر لهم، ولا حيلة لهم في السعادة بعدها للمقدور الذي سبق عليهم، وخلق منهم قومًا فيهم نصيب للعذاب ونصيب للرحمة.
          فلو كان ╡ تنفعه طاعة / الطائع لخلقهم الكلَّ للطاعة، ولو كانت تضرُّه معصية العاصي لم يكن ليعفو عمن عصاه و(394)لعاقبه على كلِّ حالٍ، ولأجل هذه المعاني التي أشرنا إلى شيء منها قال ╕: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَة» وفي رواية: «خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ(395) الدَّهْرِ» لأنَّه(396) إذا تفكر المرء في شيء من هذه القدرة العظمى والحكمة الكبرى بان له الحقُّ واتَّضح، فأذعن عند ذلك لله وسلَّم له في مقدوره وازداد بذلك محبَّة في التعبُّد لمن له هذا الملك العظيم، إذ بالعبادة يتقرب إليه فأَنِس عند ذلك بها واستوحش مِن ضدها، وأَنِس بالخلوة عن الخلق لأجل فراغه للتعبد والنظر(397) فيما أشرنا إليه، واستوحش عند المخالطة لذهاب ذلك الوصف عنه.
          ولهذا المعنى لَمَّا أن دخل على بعض الفضلاء مِن أهل الصُّوفَةِ(398) وجده(399) وحده، قيل له: وحدك؟ قال ☺: الآن أنا وحدي، يعني أنَّه كان في خلوته مشتغلًا بشيء ممَّا أشرنا إليه، إمَّا من تعبُّد أو فكرة فأَنِس بذلك مع ربه، ثم لَمَّا أن جاءه(400) ذهب ذلك عنه وهو يجد منهم الوحشة فكان وحده لأجل هذا المعنى.
          ولهذا المعنى قال بعض الفضلاء: أوصيك بأن تُديم النظر في مرآة الفكرة مع الخلوة فهناك يبين(401) لك الحق.
          والتفكُّر في معاني هذا الحديث يزيد في الإيمان أضعاف أضعافه إذا رُزِقَ صاحبه التوفيق، وإنَّما تكلَّمنا على هذا المعنى إشارة ليتنبَّه(402) الطالب والمريد لِمَا عدا تلك / المعاني التي أشرنا إليها لعله تكون له سلَّمًا وسببًا إلى الارتقاء والفهم فيما عداها.
          الثَّامن والأربعون: قَوْلُهُ ╕: (وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى) الكلام عليه كالكلام على قوله: (وَرُفِعَ لِيَ(403) البَيْتُ المَعْمُورُ) وقد مرَّ، وإنَّما سُمِّيت بهذا الاسم، لأنَّ إليها تنتهي الأعمال(404)، ومِن هناك ينزل الأمر، وتتلقى الأحكام، وعندها تقف الحفظة وغيرهم ولا يتعدونها فكانت (منتهى)، لأنَّ إليها ينتهي ما يصعد مِن السفل وما ينزل مِن العالم العُلوي مِن أمر(405) العليِّ.
          التاسع والأربعون: قَوْلُهُ ╕: (فَإِذَا نَبقُهَا(406) كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ) النَّبْق هو الطعم الذي تُطْعِمُ هذه الشجرة، وقدره قدر قُلَّة هَجَر، وقُلَّة هَجَر أكبر أواني أهل الأرض مِن جنسها على ما كان أهل الحجاز يعهدون، وإنَّما شبه ╕ نَبْقَها بالقِلال وورقها بآذان الفُيول، لأنَّه ليس في الدنيا ما يُشْبِهُها مِن جنسها، فأشار إلى ذلك ليُعْلَم قَدْرُها، وأمَّا حسنها فلا يتوصل إليه إلا مَن أطلعه الله ╡ عليها أو يراها في الآخرة إن شاء الله تعالى له ذلك(407).
          الخمسون: قَوْلُهُ ╕: (فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ) هذا اللفظ يحتمل أن يكون على الحقيقة، ويحتمل أن يكون مِن باب تَسميةِ الشيء(408) بما قاربه، فإن كان على الحقيقة فتكون هذه الأنهار تنبع مِن أصل الشجرة نفسها، فتكون الشجرة / طعمها نَبْق وأصلها ينبع منه الماء، والقدرة لا تعجز عن هذا ولا عن شيء كان ما كان(409)، وإن كان مِن باب تسمية الشيء(410) بما قاربه(411) فتكون الأنهار تنبع قريبًا مِن أصل الشجرة.
          ثمَّ بقي احتمال: هل الشجرة مغروسة في شيء أم لا؟ محتمل للوجهين(412) معًا، لأنَّ القدرة صالحة لكليهما، فكما جعل ╡ هنا الأرض(413) للشجر مقرًا، كذلك يَجعلُ(414) الهواء لتلك مقرًا، وكما رجع النَّبيُّ صلعم يمشي في الهواء كما كان يمشي في الأرض، وكما كان جبريل ╕ جالسًا على كرسي بين السماء والأرض(415) والقدرة لا تَعْجِز عن هذا كلِّه ولا عن مثله وأمثاله إلى ما لا نهاية له، ولأن(416) بالقدرة استقرت الأرض وتهدَّنَت(417) مع أنَّها على الماء، لأنَّ الأرض بما فيها على الماء على ما جاءت الأخبار، فإمساكها بمن يمشي عليها أعظم في القدرة مِن إمساكها وحدها ومِن إمساك المخلوقات دونها، وإنَّما يتعاظم هذا لكون الله(418) ╡ أجرى العادة بالمشي على الأرض والاستقرار عليها ولم يُجرِ ذلك في الهواء، والقدرة ليست مرتبطة بالعادة الجارية، ولو شاء ╡ أن يجعل(419) الأمر بالعكس لفعل، ولو فعل ذلك لعظم أيضًا في أعين الناظرين مَن يمشي على الأرض لأجل العادة الجارية.
          وقد رُوِيَ أنَّ أنهار الجنَّة تجري في غير أُخْدود، فهي تجري في مواضع معلومة لا تتعدَّاها مِن غير شيء يمسكها ولا يردُّها، فمَن كانت هذه قدرته فكيف يقع الإنكار أن تكون شجرةٌ في الهواء / مع عظيم هذه القدرة، ويحتمل(420) أن تكون الشجرة مغروسة بأرض، وهو الأظهر بدليل قوله: (ونَهْرَانِ بَاطِنَانِ) ولا يُطْلَق هذا اللفظ وما أشبهه إلا على ما يفهم، والباطن لا بدَّ له بأن(421) يكون سريانه تحت شيء يستره وحينئذ يطلق عليه اسم الباطن، ثمَّ بقي الاحتمال في الأرض إذا قلنا بها: هل هي مِن تراب الجنة أو هي نوريَّة أو غير ذلك؟ محتملة(422) لكل ذلك.
          الواحد والخمسون: قَوْلُهُ ╕: (فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ ◙ ) الكلام عليه كالكلام على سؤاله ╕ قبل ذلك.
          الثَّاني والخمسون: قَوْلُهُ ◙ : «أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ(423)» فيه دليل على أنَّ الفرات والنيل ليسا مِن الجنَّة، لأنَّه ╕ أخبر أنَّ جبريل ╕ أخبره بأنَّ(424) هذه الأنهار منبعها مِن سِدرة المنتهى فيروح الباطنان إلى الجنة، والفرات والنيل ينزلان إلى الدنيا، وسدرة المنتهى ليست في الجنة حتَّى يُقال: إنهما يخرجان(425) منها بعد نبعهما مِن الشجرة، وهذا معارض لقَوْله ╕: «أَرْبَعَةُ أنْهَارٍ في الأرضِ مِنَ الجَنَّةِ» فذكر: «الفرات والنيل» وزاد: «سيحون وجيحون».
          والجمع بينهما والله أعلم أنَّه قد يكون الفرات والنيل منبعهما مِن سدرة المنتهى وإذا نزلا إلى الدنيا يسلكان أوَّلا على الجنة فيدخلانها، ثمَّ بعد ذلك ينزلان إلى الأرض، وفي المسألة خلاف ذكره العلماء(426).
          وهذا أدلُّ دليل على أنَّ الأشياء لا تؤثر بذواتها، وإنَّما القدرة هي المؤثرة في كلها إذ إنَّ الأخبار قد وردت بأنَّ مَن شرب مِن ماء الجنَّة لا يموت ولا يفنى، وأنَّه ليس له فضلة تخرج على ما يعهد في دار الدنيا، وإنَّما خروجه رشحان / مسك على البدن، فجعلت فيه هذه الخاصية العظمى، ثمَّ لَمَّا أن شاءت الحكمة(427) بنزوله إلى هذه الدار نزعت منه تلك الخصوصية وأُبْقِيَ جوهره بحاله، وكل الخواص مثله في هذا المعنى إن شاء الله ╡ أبقى لها الخاصية، وإن شاء سلبها مع بقاء جوهرها ليس لذوات الخواص تأثير، بل(428) الخاصية خَلقه والجوهر خلقه بدليل ما نحن بسبيله.
          الثَّالث والخمسون: فيه دليل على أنَّ الباطن أجلُّ مِن الظاهر، لأنَّه لَمَّا أن كان الباطنان أجلَّ جُعِلا في دار البقاء، ولَمَّا أن كان الظاهران أقلَّ أُخرِجا إلى هذه الدار، ولهذا قال ╕: «إنَّ اللهَ لا يَنْظُرْ إِلَى صُوَرِكُمْ، ولكنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» وإن كانا معًا مكلفين مقصودين، لكن جعل(429) المقصود هو الباطن كما قال ╕ في الحج: «الحجُّ عَرَفَة» يريد أنَّ معظم الحجِّ عرفة، ولأجل هذا فاق أهل الصُّوفَةِ(430) غيرهم، لأنَّهم عملوا على صلاح(431) الباطن فصلح منهم الباطن والظاهر، وأهل الدنيا عملوا في تعبُّدهم على صلاح الظاهر ولم يلتفتوا إلى الباطن(432) ففسد منهم الظاهر والباطن.
          الرَّابع والخمسون: قَوْلُهُ ╕: (ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً) يَرِد على هذا الفصل بحث دقيق وهو: لِمَ فُرِضَت الصلاة في هذا(433) الموطن دون واسطة، وغَيرُها مِن الفرائض لم يكن لها ذلك؟ ومما يندرج في هذا البحث أيضًا أن الشَّارع ╕ حضَّ عليها ما لم يحض على غيرها مِن / الفرائض وجعلها فرقًا بين الإيمان والكفر، وقال فيها: «مَوْضِعُ الصَّلَاةِ مِنَ الدِّينِ موضعُ الرَّأْسِ منَ الجَسَدِ» وقال فيها: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» وقال فيها: «أَرِحْنا بِهَا يَا بَلَال» إلى غير ذلك مِن الأحاديث المحضِّضة عليها.
          فنقول والله المستعان(434):
          إنَّه إن كان(435) ذلك تعبُّدًا فلا بحث، وإن كان لحكمة فعند ذلك يحتاج إلى البيان، والأصل كما قدَّمنا غير مرة أنَّ كلَّ متعبَّدٍ به إنَّما هو لحكمة، ومما يَدُلُّ عَلَى ذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:75] وقوله ╡ في صفة المؤمنين: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران:191] فإذا كانت السَّماوات والأرض لم تخلَق إلا لحكمة فكذلك كل ما فيها مِن المخلوقات، وما كُلِّفوا فيها مِن التكليفات(436) كل شيء مِن ذلك صادر عن حكمة وليس شيء منها عبثًا، لكن ما جهلنا الحكمة فيه لقِلَّة الفهم قُلْنَا عنه: (تَعَبُّدًا) أي: تعبَّدَنا الله بذلك، فعلى هذا(437) ففرض الصلاة هناك بغير واسطة، وتحضيض الشَّارع ╕ عليها بالأحاديث المذكورة لا بدَّ لذلك كله مِن حكمة، وإذا كان ذلك لحكمة فنحتاج أن نبحث فيه ونبيِّنَه بحسب ما يسَّر الله فيه مِن الفهم(438).
          فنقول والله المستعان: أمَّا(439) قَوْلُهُ ╕: «جُعِلَتْ(440) قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» وقَوْلُهُ ╕: «أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَال» / فالمعنى في ذلك ظاهر مِن وجوه:
          (الوجه(441) الأَوَّل): أنَّه ╕ يتذكَّر بها تلك المراجعات الجليلة وهي خمسة(442) مواطن كما ذكر في الحديث حين مراجعته ╕ مِن أوَّل الفرض إلى حين استقراره بين ربه ╡ وبين موسى ╕.
          (الثَّاني): أنَّه في تلك الليلة المباركة _أعني ليلة المعراج_ رأى ╕ تعبُّد الملائكة في العالم العلوي فمنهم قيام لا يلتفتون، ومنهم رُكَّعٌ لا ينحرفون، ومنهم سُجَّدٌ لا يرفعون على ما نُقِلَ عنه ╕ في الحديث الصحيح: «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيامَةِ قالُوا: بِأجمعهم سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ مَا عَبَدْناكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» فجمع(443) الله ╡ لنبيه ╕ ولأمته جميع تلك العبادات في ركعةٍ واحدةٍ في أقلِّ زمان وأقرب فعل وهو قدر اطمئنان الأعضاء على ما نقل عنه ╕ في حديث الأعرابي حيث قال له: «ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثم ارفع حتَّى تعتدل قائمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتَدِل قَائِمًا(444)».
          (الثَّالث): أنَّها فرضت أوَّلًا مثقَّلة ثم خُفِّفت وأُبْقِيَ الأجرُ على ما كان عليه.
          (الرَّابع): إنَّ الله ╡ جعل فيها جملة مِن المراتب السَّنِيَّة لنبيه ╕ ولأمَّته، لأنَّه(445) ╡ يقول على لسان نبيه ╕: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» فهي بالنظر إلى هذا النص على قسمين، وهي بالنظر إلى البحث في الحديث على خمس مراتب، لأنَّ الشَّارع ╕ أخبر / أنَّه «إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] يقول اللهُ: حَمِدَني عبدي، يقول العبد(446): {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] يَقُولُ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4] يَقُولُ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فهذه الآية بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ:{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6- 7] فَهؤُلاَءِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».
          فهذه خمس مراتب: ثلاثٌ منها لجانب المولى جلَّ جلاله وحقيقة النفع فيها للعبد، إذ إنَّ الله ╡ غنيٌّ عن عبادة الخلق إيَّاه، فهو ╡ قد رفع عبده في ثلاث مقامات مِن الرتب السَّنيَّة في هذه السورة، لأنَّ لكلِّ لفظ منها مَقامًا(447) يخصُّه، وقد ذكر الله ╡ ذلك(448) في كتابه حيث قال: {الْحَامِدُونَ} [التوبة:112] وقال: (الْذَّاكِرُونَ) وقال: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المعارج:26]. وقد جعل الشَّارع ╕ لكلِّ اسم وصفة مرتبةً بِحِدَتِها، فمَن حلف باسم أو بصفة(449) فعليه كفارة واحدة، فإن جمَع في اليمين أسماءً وصفاتٍ كانت عليه كفاراتٌ بعدد الأسماء والصفات أعني إذا أفرد كلَّ واحد مِن الأسماء والصفات.
          فجعل ╡ لكلِّ لفظة في كتابه وعلى لسان نبيه ╕ مِدْحة ومنزلة، فلمَّا أن كانت الثلاث(450) الأُوَل كلها ثناء على الله تعالى جعلها ╡ قسمًا واحدًا فأضافها إلى نفسه، ولَمَّا أن كانت الآية الرابعة إقرارًا له ╡ بالألوهية(451) وطلبًا منه الاستعانة(452) قال: هذا بيني وبين / عبدي، ولَمَّا كان(453) باقيها طلبًا(454) للعبد لا غير قال ╡ : لعبدي(455) ما سأل، فجعلها ╡ أوَّلًا على قسمين: بِقَوْلِهِ تعالى: (نصفها لي ونصفها لعبدي)، ثمَّ جعلها عند البيان على ثلاث مراتب: خاصٌّ به، وخاصٌّ بالعبد، ومشترك بينه وبين العبد، وهي بالتقسيم والنظر إلى البحث خمس كما قدَّمنا، وهذه الخمس أعني: جنس العدد كثيرًا ما يتردَّد في الصلاة على وجوه ومعان مختلفة:
          فمنها: أنَّ أفعالها خمس، وأقوالها خمس، وأحوالها خمس، وأسماءها خمس، ومراتبها خمس.
          فأما(456) الأفعال: ففي كل ركعة قيام، وركوع، وسجدتان، وجلوس.
          وأمَّا الأقوال: ففي كل ركعة تكبير(457)، وقراءة، وتحميد، وتعظيم، ودعاء.
          وأمَّا الأحوال: ففي كل ركعة تجلٍّ(458)، وترفيع، ومغفرة، وإجابة، وقُرْب، وتَدان(459).
          وأمَّا الأسماء: فكما سماها الشَّارع ╕ ظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، وصبح.
          وأمَّا المراتب: ففرضٌ، وسنَّةٌ، واستحبابٌ، ونَفلٌ، وترغيبٌ.
          أمَّا الأفعال: فظاهرة لا تحتاج إلى بيان.
          وأمَّا الأقوال: فالتكبير معلوم عند الإحرام وفي أركان الصلاة، والقراءةُ(460) مثل قراءة أمِّ القرآن وغيرها على ما ذكر في كتب الفقه.
          والتعظيم: خاصٌّ بالركوع لقَوْله ╕: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيْهِ الرَّبَّ» ونهى عن القراءة فيه والدعاء.
          والتسبيح(461) مشروع في السجود لقَوْله ╕ حين أنزل(462) عليه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1 / فقال: «اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ» وقَوْله ╕: «أَكْثِرُوا فِيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» أي: حقيق يعني في السجود.
          وأمَّا(463) الأحوال: فأولها التجلي وهو عند استفتاح الصلاة مرة وفي كلِّ ركعة مرة.
          وأمَّا(464) الاستفتاح: فمعلوم مِن الكتاب والسنة(465)، أمَّا الكتاب فقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} [البقرة:115] وأمَّا السُّنَّة فقَوْله ╕: «إِذَا دَخَلَ العَبْدُ في الصَّلَاةِ أقبلَ اللهُ عَلَيْهِ بوجههِ، فَإِذَا(466) التَفَتَ أَعْرَضَ عَنْهُ» وقَوْلُهُ ╕: «إذا كانَ أَحَدُكُم يُصَلِّي فَلَا يَبصُقْ قِبَلَ وجههِ، فَإِنَّ اللهَ تَبَاركَ وَتَعالَى قَبِلَ وجْهِهِ إذَا صَلَّى» وفي رواية: «فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ» أو «ربُّه بيْنَه وَبَينَ القِبْلَة». ولأجل هذا التجلِّي وهذه المناجاة وما أشرنا إليه في الصلاة مِن المقامات وما يأتي بعد جاء(467) العلماء رضوان الله عليهم بصيغ مختلفة لعلَّه أن يحصل للمصلي ممَّا أشرنا إليه شيء، (فمنها) ما قاله الغزالي ☼ في القيام(468) إلى الصلاة عند الإحرام بعد توفية تلك الشروط الخمس فيها، فقال: يُمثِّل الجنَّةَ عن يمينه، والنارَ عن شِماله، والصِّراطَ بين قدميه، واللهَ ╡ قُبَالة وَجهِه، وقال غيره: بل(469) يُحضِر جميعَ العوالم في خاطره، ثم يُحضِر نفسَه أنَّه بين يدي خالقها، والأقاويل في هذا المعنى متعددة.
          والموطن الثَّاني مِن(470) التجلِّي الذي هو في كلِّ ركعة هي: القراءة لمن قرأ بصدق وإخلاص، / لأنها تَحَلٍّ(471) بالصفة الجليلة، والصفة لا تفارق الموصوف.
          وأمَّا الترفيع ففي كلِّ ركعة مواطن منها: الركوع إذا قَصَد به الخضوعَ لله تعالى كما شرع له، لأنَّ في ضمن ذلك الترفيع لقَوْله ╕: «مَنْ تَواضَعَ للهِ رفَعَهُ الله» ومنها: السجود لقَوْله ╕: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنَ اللهِ(472) إِذَا كَانَ سَاجِدًا وَبَطْنُهُ جَائِعًا».
          وأمَّا المغفرة: ففي كل ركعة موطنان: عند قوله: (آمِينْ) بعد قوله: «وَلَا الضَّالِّينَ» لقَوْله ╕ في ذلك: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا(473) الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
          والموطن الثَّاني مِن المغفرة قوله: (ربَّنا ولكَ الحَمدُ) بعد قوله: «سمِع الله لِمَن حَمِدَه» لقَوْله ╕ فيه أيضًا: «مَنْ وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الملائكةِ غُفِرَ لَهْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وقد مرَّ(474) الكلام على الموافقة ما هي؟ هل هي(475) في الإخلاص أو في الزمان؟ عند ذكر الحديث نفسه وهو قَوْله ╕: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
          وأمَّا الاجابة ففي كلِّ ركعة موطنان: عند قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] إلى آخر السورة لقوله ╡ : «ولِعَبْدِي مَا سَأَلَ» كما تقدَّم.
          والموطن الثَّاني في السجود لقَوْله ╕: (أَكْثِرُوا فِيْهِ(476) مِنَ الدُّعَاءِ(477) فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) كما تقدَّم. /
          وأمَّا القرب والتداني: ففي كلِّ ركعة موطن واحد عند قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] لقوله ╡ : «فَهَذِهِ بَيْنِي وبينَ عَبْدِي» فسوَّى ╡ بينه وبين عبده دون ترفيع لذاته الجليلة، وهذا هو غاية التداني والقرب ِمن طريق المنِّ والإفضال.
          ولا يتوهَّمْ متوهمٌ أنَّ ما ذكرناه هنا معارِض لِمَا قدَّمناه مِن قَوْله ╕: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ إِلَى اللهِ إِذَا(478) كَانَ سَاجِدًا وَبَطْنُهُ جَائِعًا» لأنَّ بينهما فرق، وهو أنَّ ما أخبر به(479) ╕ ممَّا تقدَّم حالُ أوصاف العبودية، لأنَّ العبد لا يقدر على أكثرَ مِن هذا الحال وهو أن يجيع بطنه ويمرغ وجهه في التراب تذلُّلًا لمولاه.
          وأمَّا القرب والتداني فهو فيض الرُّبوبية، وفيض الرُّبوبية ليست مِن كسب العبودية(480) حتَّى يوصف العبد بها فتلك خاصة بكسب العبد(481) فيمدح عليها ويُذمَّ(482)، وهذه خاصة بفيض الرُّبوبية لا مِدْحَةَ(483) للعبد فيها.
          ولهذا المعنى الذي أشرنا إليه أعني في هذه الخمس مراتب التي ذكرنا في أم القرآن وما تضمَّنت مِن درر العلوم الثاقبة(484)، قال علي ☺: لو شِئتُ أن أُوقِر سبعين بعيرًا مِن تفسير(485) أم القرآن لفعلت، واغترافها مِن السورة(486) يظهر في هذه الخمس الكنوزٍ(487) التي أشرنا إليها.
          بيان ذلك أنَّه إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] يحتاج أن يُبَيِّن معنى الحمد، وما يتعلَّق به، والاسم الجليل الذي هو الله وما يليق به مِن التنزيه، / ثمَّ يحتاج إلى بيان العالم وكيفيته على جميع أنواعه وأعداده، وقد قال ╕: «إنَّ للهِ سَبْعَةَ(488) عَشَرَ ألفَ(489) عَالَمًا، السَّمَاواتُ السَّبعُ، والأَرضونَ السَّبْعُ وما فيهنَّ عالمٌ واحدٌ» وقد أخبر ╕: «أنَّ في هَذِهِ الأرض ألفَ عالَمٍ، أربعمائة في البرِّ، وستمئة(490) في البحر» فيحتاج إلى بيان ما أشرنا إليه كلَّه إذ اللفظ يحوي ذلك كله.
          فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] يحتاج أيضًا أن يبيِّن هذين الاسمين(491) الجليلين وما يليق بهما مِن الجلال، وما معناهما، ثمَّ يحتاج في ضمن هذا البيان إلى بيان جميع(492) الأسماء والصفات، ثمَّ يحتاج إلى بيان الحكمة في اختصاص هذا الموضع بهذين الاسمين الجليلين دون غيرهما مِن الأسماء، وسنذكر طرفًا مِن هذه الحكمة بعد إن شاء الله تعالى.
          فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] يحتاج إلى بيان ذلك اليوم، وما فيه مِن المواطن والأهوال، وكيفية ذلك العالم وما يخصُّ لكل عالم فيه وأين مستقرُّهُ.
          فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يحتاج إلى بيان المعبودِ وجلاله، والعبادةِ وكيفيتها، وصفتها وآدابها على جميع أنواعها، والعابدِ وصفتِهِ، والاستعانةِ وآدابها وكيفيَّتها.
          فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] إلى آخر السورة يحتاج إلى بيان الهداية ما هي، والصراط المستقيم وأضداده ما هي، ويبيِّن المغضوب عليهم والضالِّين، وصفاتِهم وما / يتعلَّق(493) بهذا(494) النوع، ويبيِّن المرضِيَّ عنهم وصفاتِهم وطريقهم.
          فعلى ما أبديناه مِن هذه الوجوه يكون ما قاله الإمام علي ☺ أو يزيد عليه، وبما أشرنا إليه يَبِينُ(495) معنى قَوْله ╕ في التارك لأم القرآن في صلاته: «فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ(496)» أي غير تمام، لأنَّ مَن فاتته تلك المراتب السَّنِيَّة التي أشرنا إليها فحقيق أن يكون عملُه غيرَ تمام.
          وأمَّا المراتب فهي على مذهب مالك ⌂ ومَن تبعه مِن العلماء خمس:
          فرض: وهي الخمس.
          وسنَّة: وهي الوتر، والعيدان، والاستسقاء، وكسوف الشَّمْس وما أشبه ذلك(497).
          وفضائل: وهي قيام رمضان، وقيام الليل، وسجود التلاوة(498)، وتحية المسجد، وكسوف القمر.
          ومختلف فيه هل سُنَّة أو مستحبٌّ: وهي ركعتا الفجر، ومتَّفق عليه أنَّه نافلة: وهي ركعتا الضحى، والركوع قبل صلاة الفرض وبعدها وما أشبه ذلك.
          ثمَّ نرجع الآن إلى(499) بيان كون الشَّارع ╕ جعلها فرقًا بين الإسلام والكفر، ومعنى ذلك ظاهر مِن وجوه:
          الأَوَّل: أن ذلك تنبيه للأمة على تعظيم هذا الشعار أكثر مِن غيره مِن الشعائر، لأنَّ ما فرض في ذلك المحل الجليل بغير واسطة أفضل ممَّا فرض في هذا المحل بالواسطة.
          الثَّاني: أنَّها صلة بين العبد وربه، لأنَّ اسمها مشتقٌّ مِن الصِّلة، فمَن / كان لا يُقبل على(500) هذه الصلة مع ما يعود عليه فيها مِن حسن(501) العائد، ولا يعظم منها ما عظم الله ╡ ، فجدير أن تُجْعَل حدًّا بين الإسلام والكفر، لأنَّها أوَّل فَرض فُرِض(502) على مَن ادعى الإسلام، فإذا لم يُوفِ ما فُرِض عليه(503) منها فيكون شبيهًا(504) بالارتداد(505) عمَّا ادَّعى مِن الاستسلام والانقياد، ولهذا المعنى قال عمر ☺: فمَن ضيَّعها فهو لِمَا سواها أَضيَع _يعني الصلاة_.
          الثَّالث: أنَّ فيها مِن الترفيع للنَّبيِّ صلعم والتأنيس ما ليس في غيرها، وأمته يندرجون معه في ذلك.
          فأما (الترفيع): فلكونه ╕ خُصَّ بالارتقاء لتلك المنزلة العليا لفرض الصلاة هناك عليه صلعم بغير واسطة، وذلك لم يُفعل مع غيره مِن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، ثمَّ ترداده ╕ خمسًا بين ربه ╡ وبين موسى ╕ زيادة(506) له في الترفيع كما تقدَّم.
          وأمَّا (التأنيس): فلِمَا فيها مِن شَبَه الحال(507) وهو ما ذكرناه مِن الأحوال الخمس، فالتجلِّي في الصلاة مقابله التجلي هناك، والترفيع مقابله الترفيع هناك في العالم العلوي وخرق الحجب ورؤية الآيات العظام، والإجابة هنا(508) تقابلها الإجابة هناك وهي قضاء الحاجة في الشفاعة، والمغفرة مقابلها العفو هناك عن خمس وأربعين مِن الفرض الأَوَّل وهو(509) الخمسون وإبقاء أجر الخمسين في الخمس، والقرب والتداني مقابله هناك {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9] / مع نفي التكييف والتحديد.
          ولهذا المعنى قال ╕: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُوْنُسَ بنِ مَتَّى» يعني بذلك(510) نفي التكييف والتحديد على ما قاله الإمام أبو المعالي(511) لأنَّه قد وجدت(512) الفضيلة بينهما في عالم الحسِّ(513)، لأنَّ النَّبيَّ صلعم أُسْرِي(514) به إلى فوق السبع الطباق ويونس ╕ نُزِل به إلى قعر البحار(515)، وقد قال ╕: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» وقال ╕: «آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» وقد اختُصَّ ╕ بالشفاعة الكبرى التي لم تكن لغيره مِن الأنبياء ‰، فهذه الفضيلة قد وجدت بالضرورة فلم يَبْقَ أن يكون قَوْله ╕: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونسَ بنِ مَتَّى» إلا بالنسبة إلى القرب مِن الله تعالى سبحانه والبعد(516).
          فمحمَّد ╕ وإن أُسْرِيَ به لفوق السبع الطِّباق واخترق الحجب، ويونس ╕ وإن نُزِل به لقعر(517) البحار فهما بالنسبة إلى القرب والبعد مِن الله(518) سبحانه على حدٍّ واحد، والمراد بِقَوْلِهِ ╡ : {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9] أنَّه لو كان(519) لله ╡ مسافة يُمشى إليه فيها لكان النَّبيُّ صلعم منه بذلك القرب إشارة منه ╡ إلى قرب نبيه ╕ وتشريفه إيَّاه.
          فتحصَّل مِن(520) هذا أنَّ ليلة الاسراء كانت خيرًا خاصًا به ◙ ، وفرض الصلاة فيها عليه وعلى أُمَّته مشترك بينه وبين أمته، وذلك مثل ما كان للخليل / ╕ حين ابتُلِيَ بذبح ابنه ليُظهِر الله ╡ بذلك(521) رفع منزلته في تحقيق الخُلَّة بالرضا والتسليم في ذلك الأمر العظيم الذي لم يفعل مع غيره، ثم فُدي(522) بالذِّبح العظيم وجُعِلت سُنَّة له ╕ ولأُمَّة النَّبيِّ صلعم {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:78]، وقد قال النَّبيُّ صلعم : «أُمِرْتُ بالذَّبْحِ وَهُوَ لَكُمْ سُنَّة»، فكان الخليل ╕ في كل عيد يتجدَّد له أجر تلك المحنة بامتثال هذه المنَّة.
          وجدير لمن تشبه بمقام الخُلَّة في امتثال هذه السُّنَّة(523) أن يكون مسيره عليها إلى الجنَّة، وقد قال ╕: «تَنَافَسُوا فِي أَثْمَانِهَا(524) فَإِنَّهَا مَطَايَاكُمْ إِلَى الجَنَّةِ» فخصَّ الخليل وحدَه بتلك المحنة لعظيم قدره في الخُلَّة واشترك هو وغيره في الْمِنَّة التي هي شَبَهٌ بتلك المحنة، فكذلك النَّبيُّ صلعم خُصَّ بهذه الرفعة واشترك مع غيره من المؤمنين بالشبهِ بها مِن رحمة.
          ومثل ذلك أيضًا البيت المعمور في السماء والكعبة في الأرض، فالبيت المعمور خاصٌّ بالملائكة وهم أهل العالم العلوي على ما تقدَّم في الحديث حيث قال صلعم : «يُصَلِّي فِيْهِ كلَّ يومٍ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» والكعبة مشتركة بين بني آدم والملائكة، لأنَّه يطوف بها كلَّ سنة عدد معلوم مِن بني آدم والملائكة(525)، فما نقص مِن بني آدم مِن ذلك / العدد أكمله الله ╡ مِن الملائكة.
          ومثل ذلك أيضًا ما(526) جاء عن الملائكة حين قال لهم ╡ : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، فقالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ(527)} [البقرة:30] فغضب الله ╡ عليهم ثم تداركهم ╡ بالعفو والإفضال، فألهمهم إلى الطواف بالعرش فطافوا به أسبوعًا، وتابوا واستغفروا فتاب الله عليهم وغَفَرَ لهم، ثمَّ أمرهم: أن يبنوا في الأرض بيتًا لبني آدم فيطوفون به فأتوبُ عليهم كما تُبتُ عليكم وأغفِرُ لهم كما غفرت لكم.
          فما مِن خير في العالم العلوي ولا لسيِّد مِن السادة الخواص إلا وقد جعل الله ╡ شبَهًا منه لهذه الأمَّة ليُجزِل لهم النصيب مِن تلك النعمة، فكان ذلك تصديقًا لقوله ╡ : {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:46] لأنَّه قد ذكر في معنى هذا الموضع أنَّ النَّبيَّ صلعم أكثر بالدعاء لأمته لِمَا جَبَله الله تعالى عليه مِن الشفقة والرحمة لهم، فأجابه ╡ بأن قال: يا محمَّد {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [القصص:46] وقد ذكر العلماء أنَّ هذا النداء كان مِن الله ╡ بجانب الطور قبل أن يَخْلُقَ الخلق بألفي عام، فقال: «يَا أُمَّةَ(528) محمَّدٍ أَرْحَمُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَرْحِمُونِي وأَغْفِرُ لَكُمْ قَبْلَ أنْ تَسْتَغْفِرُونِي، / وَأُعْطِيْكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي» فما ذكرناه مِن النعم المتقدِّمة وما أشبهها تضمَّن(529) ذلك كله هذا النداء، أوزعنا الله شكر نعمه وأتمَّها علينا في الدنيا والآخرة بمنِّه.
          فعلى ما قدَّمناه مِن النعم وما أشرنا إليه مِن تلك المراتب السنية، فيجتمع في الصلاة المفروضة في اليوم والليلة مع ركعتي الفجر والوتر مِن مواطن المغفرة والإجابة والترفيع والتجلَّي والقرب والتداني مئتا موطن وتسعة وأربعون موطنًا على التقسيم المتقدِّم.
          فإن كانت الصلاة في جماعة زادهم خمسَ مواطنَ مِن أرفع المراتب، لقَوْله ╕: «يَضْحَكُ اللهُ لثَلاثٍ» وعدَّ فيهم: «القومُ يَصْطَفُّونَ للصَّلاةِ» والضحك مِن الله تعالى كناية عن ترفيع(530) العبد وإعظام الأجر له لا مِن قبيل الولوع(531) والطرب، وقد أكَّد ╕ هذا المعنى وبينه بِقَوْلِهِ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً» ثمَّ يزداد إلى هذه المواطن مِن مواطن المغفرة والرحمة في الطهارة للصلاة أربعة مواطن في كل طهر:
          أحدها: عند إسباغ الوضوء لقَوْله ╕: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، فَمَضْمَضَ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَجْفَانِ(532) عَيْنَيْهِ، / فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ(533) خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ».
          الثَّاني: قول المتوضئ عند إسباغ وضوئه: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لهُ الْمُلْكُ ولَهُ الحمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيْرٍ» لقَوْله(534) ╕ في قائل ذلك بعد الوضوء: «فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الجنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
          الثَّالث: عند الخروج إلى المسجد لقَوْله ╕: «فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ، وَتُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ» يعني في الخُطا إلى المسجد.
          الرَّابع: عند الخروج من المسجد والرجوع إلى البيت، لأنَّ له في ذلك مِن الأجر مثل ما كان له(535) أوَّلًا في الخروج، وذلك إذا لم يُرِد به غير الصلاة ولم يشرك(536) معها غيرها لقَوْله ╕: «لَا يُرِيْدُ غَيْرَ ذَلِكَ(537)» يعني في الخروج إلى المسجد.
          فجميع ما ذكرناه مِن هذه المواطن المباركة مئتا موطن وأربعة وسبعون موطنًا، فإن زاد على ذلك مِن النوافل مثل ركعتي الضحى فله في كلِّ ركعة مثل ما ذكرنا مِن أعداد تلك المراتب السنية في كلِّ ركعة وزيادة صدقة بقدر أعضاء جسده لقَوْله ╕: «عَلَى كُلِّ عُضْوٍ صَدَقَةٌ(538)» قالوا: فإن لم يجد(539)، فذكر(540) لهم أشياء حتَّى / قال(541): «رَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِىءُ عَنْهُ» فإن بلغها إلى اثنتي عشرة زاده على هذه المواطن قَصْرًا في الجنَّة لقوله صلعم : «مَنْ صَلَّى الضُّحَى اثْنتَي(542) عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ».
          فإن زاد على ذلك أربع ركعات قبل الظهر وأربعًا بعدها، وأربعًا قبل العصر، وأربعًا قبل العشاء(543)، وأربعًا بعدها كان له في كلِّ ركعة مثل ما تقدم مِن عدد تلك المواطن الجليلة، وزاد له على ذلك بركة دعاء النَّبيِّ صلعم له(544) بالرحمة، لأنَّه ╕ قال: «رَحِمَ اللهُ امْرَأً صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ أربعٍ، وأَرْبَعًا بَعْدَ أَرْبَعٍ».
          فإن زاد على ذلك ركعتين بعد المغرب كان له في كل ركعة مثل ما تقدَّم ذكره مِن المواطن العَلِيَّة، وزاد له على ذلك بركة اتباع السُّنَّة فيها، فإنَّه كان ◙ يداوم على(545) فعلها، ولتحريض الشارع ╕ أيضًا بالقول عليها، لأنَّه ╕ قال: «أَسْرِعُوا بِهَا فَإِنَّهَا تُرفع مَعَ الفريضةِ» ولا يؤكِّد ╕ على شيء ويحضُّ عليه بالفعل والقول إلا لعظيم الأجر(546) فيه.
          فإن زاد على ذلك صلاة الأوابين _وهي بين المغرب والعشاء_ وأجملها(547) اثنتي عشرة ركعة، كان له في كلِّ ركعة مثل ما تقدَّم مِن تلك المواطن الرفيعة، وزاد على ذلك قصرًا في الجنَّة لقَوْله ╕: «مَنْ صَلَّى بَيْنَ المغربِ والعِشَاءِ اثْنَتِي عَشْرَةَ ركعةً / بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا في الجَنَّةِ».
          فإن زاد على ذلك تهجُّدًا بالليل كان له في كل ركعة مثل ما تقدَّم من تلك المواطن السَّنيَّة، وزاد له(548) على ذلك أربعة منازل: ثلاثة في الحال وواحدة في القبر، فأما التي في الحال فأولها ما رُوِي عنه ╕ أنَّه قال: «يَضْحَكُ اللهُ لِثَلَاثَةٍ» وعدَّ فيهم القائم بالليل، الثاني والثالث: ما رُوِيَ عنه ╕ أنَّه قال: «قيامُ اللَّيلِ يُذِهبُ الذُّنوبَ ويُصِحُّ البَدَنَ» فهذه هي الثلاثة الحالية. وأمَّا التي في القبر فَلِمَا روي عنه ╕ أنَّه قال: «صَلَاةُ اللَّيلِ تُنَوِّرُ القبرَ(549)».
          فإن بلغ بتهجُّده إلى اثنتي عشرة ركعة زاد له على(550) ما تقدَّم قصرًا في الجنَّة، لقَوْله ╕: «مَنْ قَامَ في اللَّيلِ بِاثْنَتي عَشْرَةَ ركعةً بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا في الجَنَّةِ» وزاد له(551) على ذلك الوعدَ الجميلَ بمقتضى التنزيل الذي لا تحصره العقول، وهو قوله ╡ في كتابه(552): {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16- 17]
          فمبلغ هذه المواطن في هذه النوافل المذكورة ستُّ مئة موطن وثلاثة وأربعون موطنًا، وزيادة تنوير القبر(553)، وثلاثة قصور في الجنَّة، والوعد المذكور في التنزيل الكريم(554)، فيجتمع بين النوافل المذكورة / والفرائض المتقدِّمة الذِّكْر مِن هذه المواطن الجليلة تسعُ مئةِ(555) موطنٍ وسبعةَ عشر موطنًا عدا القصور المذكورة(556)، وتنوير القبر، والوعد الجميل، فطوبى لمن أَشْغَل(557) باله بتحصيلها وكان مِن الوافين فيها، ولهذا المعنى قال ╕: «كَفَى بِالعِبَادَةِ شُغلًا» فإنْ وقعت الغفلة عنها خسر تلك المواطن الجليلة ويا لها من خسارة، أعاذنا الله مِن ذلك، وكان مِن أحد الأقسام الثلاثة المذمومة، لأنَّ المصلِّي قد قسمه الفقهاء إلى أربعة أقسام: وافٍ، وساهٍ، ولاهٍ، وجافٍ.
          فالوافي: هو الذي وفى ما أُرِيد منه مِن الأقوال والأفعال والأحوال على ما تقدَّم.
          والسَّاهي: هو الذي يعملها ويسهو عنها لتعلُّق قلبه بغيرها.
          واللاهي: هو الذي يلهو عنها بغيرها وهو مع ذلك يعلم أنَّه فيها، ومثاله ما رُوِي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه رأى رجلًا يعبث في لحيته وهو يصلي(558)، فقال ╕: «لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ».
          والجافي: هو الذي يخلُّ بأركانها ومثاله ما روي عنه ╕ في حديث الأعرابي المشهور الذي أخلَّ بأركان الصلاة، فقال له ╕: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» وقد حضَّ ╡ على توفيتها والمحافظة عليها في كتابه الكريم(559) _أعني على توفيتها بما(560) فرضَ الله تعالى / فيها وسَنَّ وشَرَع_، فقال عزَّ من قائل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة:238] والمحافظة عليها هي توفيتها بما شُرع فيها مِن الآداب والقراءة والحضور وغير ذلك ممَّا قد ذكر، وقد قال ╕ في المضيِّع لها أو لبعض(561) ما فيها ممَّا أشرنا إليه: «أَسْوَأُ السَّرِقَةِ الذي يَسْرِقُ صَلَاته» وقال(562) ╕ في الالتفات فيها: «تلكَ خُلْسةٌ يَخْتَلِسَها الشيطانُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ» وهذا الالتفات على ضربين: حسي ومعنوي.
          فالحِسِّيُّ هو الالتفات إلى شيء يشغل عن الصلاة، كما حكي عن بعض الصَّحابة حين كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لهُ، فطَارَ دُبْسِيٌّ، فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ، يَلْتَمِسُ(563) مَخْرَجًا، فَأَعْجَبَهُ ذلِكَ، فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلاَتِهِ(564) فَإِذَا هُوَ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى؟ فقال: لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هذَا فِتْنَةٌ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم، فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ صَدَقَةٌ للهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ.
          ومثل هذا حكي(565) عن غيره أيضًا في زمان عثمان ☺، فهؤلاء عرفوا ما ضَيَّعوا فجبروا الضَّياع الذي طرأ عليهم بأن خرجوا عن حوائطهم وجعلوها صدقة لله ╡ ، وأمَّا اليوم فقد كثر الضياع بغير جبر للجهل بما قد ضُيِّع.
          والمعنويُّ: على ضربين: ماضٍ ومستقبل، / فالالتفات إلى الماضي أعظم خسارة مِن الماضي، لأنَّ بالالتفات إليه تقع خسارة الحال فيكون خسران ثانٍ(566)، ومع ذلك فإن ما مضى(567) لا يرجع، والالتفات إلى المستقبل تضييع حاصل لممكن(568) قد يكون وقد لا يكون، والاشتغال بالحال وترك الالتفات حسًّا ومعنى مِن كل الوجوه المتقدِّمة يحصل منه ثلاث فوائد، وهي: جبر الماضي، واغتنام الحاصل، وصلاح في المستقبل. أعاننا الله على ذلك بمنِّه.
          ثمَّ نرجع الآن لبيان ما اشترطنا أن نذكره أخيرًا مِن بيان الحكمة في اختصاص الاسمين الجليلين مِن بين سائر الأسماء الجليلة في هذه السورة في هذا الموضع المخصوص(569) بهما وهما (الرَّحمن الرحيم) فنقول والله المستعان: اختصاصهما بذلك لوجوه:
          الأَوَّل: أنَّ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] إذا فُهِمَ على ما قدمناه يقتضي الهيبة والإعظام، و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] يقتضي الخوف والإرهاب، و{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] أحد الاسمين منهما يقتضي الإجابة عند السؤال، والآخر يقتضي الغضب إن ترك السؤال على ما ذكره العلماء، ففصَل الله ╡ بهذين الاسمين الجليلين اللذين هما أبلغ شيء في الرجاء بين الاسمين الجليلين المتضمنين(570) للهيبة والإعظام والخوف والإرهاب، رفقًا(571) منه ╡ بعبيده ولطفًا بهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، لأنَّه لو كان / ذانك الاسمان الجليلان اللذان للهيبة(572) والإعظام متصلين بذكر الاسمين(573) اللذين للخوف والإرهاب لكان(574) للضعيف الحاضر سَبَبٌ لأحد أمرين مُتلِفَين: إمَّا أن يتفطَّر كبِدُه من شدة الخوف، وقد رُوِي أنَّ كثيرًا مِن الفضلاء ماتوا مِن عظيم الخوف الذي توالى عليهم، وإمَّا أن يسبق للخاطر شيء مِن القنط لعظيم أمر ما يدلُّ عليه معنى ذَينك(575) الاسمين، وذلك مِن أكبر الخطر لقوله ╡ إخبارًا على لسان نبيه ╕: «لَوْ كُنْتُ مُعَجِّلًا عُقُوبَةً لَعَجَّلتُها عَلَى القَانِطِيْن مِنْ رَحْمَتي».
          الوجه(576) الثَّاني: أنَّ المقصود مِن العبيد الخوف والرجاء معًا لقَوْله ╕: «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمنِ ورجَاؤُهُ تساويا(577)» فاسمان يوجبان الخوف واسمان(578) يوجبان الرجاء، فيحصل بمتضمنهما حقيقة ما أريد مِن كمال الإيمان، وهو تساوي الخوف والرجاء على ما تقدَّم، فكان الابتداء أوَّلًا بالتعظيم والإجلال لحقِّ الرُّبوبية الذي يقتضي التقديم، ثم عقَّب بالرحمن الذي يقتضي الرجاء، ثمَّ بالرحيم(579) مبالغة في قوة الرجاء لطفًا بالعبد لاستقبال ما يَرِد عليه مِن الخوف(580) لمقتضى الاسم الآتي بعد مع التذكار بيوم(581) الدين.
          الثَّالث: أنَّ حقيقة وصول الرحمة للطالب إنَّما يتحقق وصولها إليه بقوة مِن الراحم حتَّى يمنعه أذى ما قبلها وأذى ما بعدها، فكان توسُّط الاسمين الجليلين بين الاسمين العظيمين(582) تحقيقًا في إيصال / الرحمة لطالبها، لأنَّ ربَّ العالمين لعظيم قدرته يمنعه كل ضرر في هذا العالم، ومالك يوم الدين لعظيم سلطانه يمنعه كل ما في ذلك اليوم مِن الأذى، فتحقَّق بذلك منع الأذى أوَّلًا وآخرًا، يشهد لذلك قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء:217]
          الرَّابع: أنَّه لَمَّا أن(583) أُرِيد مِن العبيد حقيقة الإخلاص والصدق عند قولهم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] جعل هذا الاسم الجليل أثر هذا الاسم العظيم(584) لكي يحصل منهم عند النطق بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] حقيقة الإخلاص، لأنَّه يأتي أثر الإرهاب، والإرهاب مؤثر(585) للخوف، والخوف موجب للصدق والإخلاص، ولو كان أثر الرحمة لكان كثير مِن النَّاس لا يحصل منهم الإخلاص في هذا الموضع، لأنَّ الرحمة توجب الرجاء والطمأنينة، وقد يكون معها الغفلة للقليل الحضور، لأنَّه لا يثبت عند الرحمة والنعمة إلا الفاذُّ، وقد قال علي بن أبي طالب ☺: ابتُلينا بالضَّرَّاءِ فصَبَرنا، وابتُلينا بالسَّرَّاءِ فلم نصبر، لأنَّ الغالب مِن النَّاس إذا ابتلوا بالضرَّاء رجعوا إلى الله تعالى بالصدق والإخلاص واللَّجَأ والضراعة، فإن ابتلوا بالسَّرَّاءِ قلَّ الواقف(586) منهم هناك على ما أُريد منه مِن صدق اللَّجَأ والإخلاص، ومَن وقف في ذلك المقام فهو الصِّدِّيق الذي لا شكَّ فيه.
          الخامس: أنَّه لَمَّا أن كان الاسمان الجليلان أحدهما يقتضي الإجابة إذا سُئِلَ، والآخر يقتضي الغضب إذا لم يُسْأل، وعلم ╡ أنَّ(587) في عبيده مِن الضعف بحيث أن تقع / منهم(588) الغفلة غالبًا في هذا الموطن إمَّا لخوفٍ أو لرغبة، أو لرجاء، أو لتسليم، أو لغفلة، جعل ╡ الدُّعاء متلوًا، وأقامه مقام الدُّعاء الحقيقي ثم أجاب(589) ╡ عليه، فقال: ((وَلِعَبدي ما سَأَل)) لئلا يفوتهم هذا الخير العظيم ولئلا يتناولهم الغضب لعدم سؤالهم، فانظر إلى هذا اللُّطف العظيم والنعمة الشاملة.
          وقد قال النَّبيُّ صلعم : «مَنْ أُلْهِمَ الدُّعَاء فَقَدْ فُتِحَتْ له أبوابُ الرَّحْمَةِ» فلم يَكِل الله ╡ هذه الأمَّة لنفسها في فتح هذا الخير العظيم، بل فتحه لهم بفضله ثمَّ بعد هذه التلاوة شرع الشَّارع ╕ خيرًا ثانيًا بقَوْلِ العَبيد(590): (آمينْ) بعد ختم السورة فزادهم دعاء حقيقيًا وضمن لهم بالشرط الذي فيه المغفرة، لأنَّ كلَّ مُؤَمِّنٍ في اللغة داع.
          ثمَّ بعد هذا نحتاج أن نشير إلى شيء مِن فضائل هذه السورة، ولِمَ فُضِّلت على غيرها مِن السور؟ ولمَ سُمِّيَتْ بأسماء جملة وغيرها مِن السور(591) باسم واحد؟
          فنقول والله المستعان: إنَّما سُمِّيت(592) بأسماء جملة، لأنَّ لها مِن الخصائص والأفضلية(593) ما ليس لغيرها فكانت أسماؤها عديدة(594) دون غيرها، لأنَّ كثرة الأسماء تدلُّ(595) على فضل المسمَّى إمَّا مطلقًا أو على جنسه، ولذلك سُمِّي النَّبي صلعم بخمسة أسماء، وقد قال بعض العلماء: إذا تُتُبِّعَ القرآنُ وما جعل الله تعالى له ◙ / فيه مِن الأسماء والحديثُ، وما جعل هو(596) صلعم لنفسه فيه مِن الأسماء: إنَّها تبلغ إلى نحو المِئةِ اسم(597)، وغيره من الأنبياء ‰ ليس لهم غير اسم واحد، لأنَّه ╕ صاحب اللواء والمقام المحمود، فكانت كثرة أسمائه لأجل عظيم قدره، وكذلك أيضًا كثرة أسماء الله ╡ ، لأنّه ليس كمثله شيء فكانت أسماؤه لا يشبهها شيء لكثرتها وعظمها.
          يشهد لذلك ما روي في الأثر مِن الدُّعاء حيث قال: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بَاسْمِكَ الأَعْظَمْ، وبكلِّ اسْمٍ سَمَّيت به نفسكَ، أو أَنْزَلْتَهُ في كتابٍ مِنْ كتبكَ، أو حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِكَ، أو علَّمتَه(598) أحدًا منْ خَلْقِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بهِ في مَكْنُونِ غَيْبِكَ»(599)، فدلَّ بمقتضى(600) هذا أنَّه لَمَّا أن كانت الذات الجليلة لا تلحقها الأوهام فكذلك كثرة أسمائه تعالى لا يلحقها الأوهام، ولا يتوهَّم متوهِّم أنَّ هذا معارض لقَوْله ╕: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» لأنَّ إحصاء هذا العدد المعلوم جُعِل سببًا(601) في دخول الجنَّة لا أنَّه ليس ثَمَّ مِن الأسماء غيرها فلا تعارض.
          ثم نرجع إلى ذكر أسمائها ونُبيِّنَ(602) معانيها فنقول: قد سُمِّيَت بأم القرآن، والفاتحة، والحمد، والسبع المثاني، والقرآن العظيم.
          فأما تسميتها بأمِّ القرآن فلوجوه:
          الأَوَّل: أنَّ لفظها على قسمين: إفراد لله تعالى بالألوهية(603)، ورحمة مِن الله لعبده المؤمن، وإذا عظم(604) العبد مولاه فهو رحمة مِن الله له(605) لقوله ╡ : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] / والذِّكْر مِن الله تعالى لعبده رحمة كما تقدَّم، وقد قال ╡ على لسان نبيه ╕: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْر مِنْهم(606)» فإذا نطق فيها باللفظ الذي يقتضي الإلهية والعبادة فهو إقرار لحقِّ الله تعالى على عباده، وإذا وقع هذا الإقرار على حقيقته وجبت إذ ذاك الجنَّة لصاحبه بمقتضى الوعد الجميل، لأنَّ النَّبي صلعم قال: «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ثمَّ(607) قال: «وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ(608) أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» لكن بين حق الرُّبوبية وحق العبودية فرق: وهو أنَّ حقَّ الرُّبوبية واجب حتم قد لزم، وحقَّ العبودية حقُّ تفضل لا وجوب.
          وباقي السورة وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم فدعاء مَرْجُوُّ الإجابة لمقتضى الوعد الجميل، لقوله ╡ على لسان نبيه ╕: «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» فكانت خيرًا كلَّها، والله ╡ يقول في كتابه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فالرحمة قد تقدَّم بيانها والشفاء قد ذكر في الحديث وهو حين رَقَى أحدُ الصَّحابة بها فشُفِيَ المَرقيُّ بها، فلمَّا أن(609) أخبر الراقي بها(610) النَّبيَّ صلعم قال له النَّبيُّ صلعم : «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟»(611) وليس فيها ذكر للكفار ولا للمنافقين ولا للوعيد / ولا للعقاب لفظ منطوق به إلا خيرًا كلها، والقرآن إنَّما أنزل رحمة للمؤمنين فاستحقَّت هذا الاسم بمقتضى ما تضمَّنت مِن اشتقاق اسم الرحمة، لأنَّ الأم توصف بالرحمة ولذلك أعطيت لها الحضانة ولم تعطَ للأب.
          الثَّاني: أنَّها تضمَّنت بمضمونها جميع ما في الكتاب العزيز مِن الوعد والوعيد والأمثال وغير ذلك، بيان ذلك أنَّ لفظ (الحمد) يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب العزيز مِن(612) التحميد والشكر، لأنَّ الحمد أعم مِن الشكر على الصحيح مِن الأقوال(613)، فأتى باللفظ العام الذي(614) يَدُلُّ عَلَى هاتين الصيغتين حيث وُجدتا، ولفظ {اللهُ} يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب مِن أسماء الترفيع والتعظيم، لأنَّه قيل: إنَّه اسم الله الأعظم، ولفظ(615) {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب(616) مِن ذكر(617) باقي أسمائه سبحانه، ويَدُلُّ عَلَى مافي الكتابِ من(618) العوالم على اختلافها وخالقها والمتصرِّف فيها وإظهار ما فيها مِن الحكمة والأمثال(619) وغير ذلك.
          ولفظ(620): {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب العزيز(621) مِن المغفرة والرحمة والإنعام والعَفو والإفضال وما أشبه ذلك، ولَفظُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب من ذكر الآخرة وما فيها، وتلك الأهوال والنعيم والعقاب، ولفظ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب مِن أنواع التعبُّدات(622)، والإفراد(623) لله ╡ بالإلهية، والإذعان لجلاله، ولفظ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب مِن طلب الاستعانة، وذكر الاضطرار واللَّجَأ والمسكنة والافتقار وما أشبه ذلك.
          ولفظ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب مِن طلب الهداية إلى سبل(624) الخير والإرشاد إليها وما أشبه ذلك، ولفظ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب من ذكر الخصوص، والمرضيِّ عنهم، والمعفوُّ عنهم، وأهل السعادة وطرقهم ومآلهم وحالهم(625) وما أشبه ذلك.
          ولفظ: / {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] يتضمَّن كلَّ ما في الكتاب من أنواع الكفر والمخالفات ومآلهم وحالهم وما أشبه ذلك، فاستحقَّت أن تُسَمَّى أمًّا لِمَا بيَّنَّاه في هذا الوجه وفي ما قبله(626)، فكان أمُّ الشيء أصله(627).
          والثَّالث: أنَّها تنوب في العبادة عن غيرها ولا ينوب غيرها عنها لقَوْله ╕: «كُلُّ ركعةٍ(628) لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ» فاستحقَّت أن تسمَّى بالأم، لأنَّها تنوب في الصلاة عن غيرها ولا ينوب غيرها عنها(629)، فهي أعلى كما يقال: أمُّ الرأس أي: أعلى الرأس.
          الرَّابع: أنَّها أُنْزِلَت أوَّلًا على بعض الأنبياء والرسل أحدهما نوح والآخر فيما أظنُّ أنَّه آدم ◙ (630)، ثمَّ رُفِعَتْ حتَّى أُنْزِلَتْ على النَّبيِّ صلعم، فاستحقَّت أن تُسَمَّى بالأمِّ لأجل نزولها أوَّلًا، كما سُمِّيت(631) مكَّة أمَّ القرى لأجل أنَّها خُلِقت أوَّلًا، ثمَّ دُحِيَتِ الأرضُ مِن تحتها، فاستحقَّت هذه أن تُسمَّى بالأمِّ لأجل خلقها أوَّلًا، واستحقَّت هذه أن تُسمَّى بالأمِّ لأجل نزولها أوَّلًا.
          وأمَّا تسميتها بالفاتحة(632) فلوجوه:
          الأَوَّل: أن بها استفتح الكتاب العزيز في التلاوة بمقتضى وضع المصحف.
          الثَّاني: أن بها استفتحت(633) تلك الخمس(634) كنوز ونِيل ما(635) فيها مِن الخير على ما أشرنا إليه قبل.
          الثَّالث: أنَّها فاتحة لِظُلَم القلوب وشرح الصدور لِمَا فيها مِن الحِكَم والعِبَر لمن اعتبرها وما يحصل بها مِن قوة الإيمان / عند تلاوتها مع تدبُّرها.
          الرَّابع: أنَّها فتح مِن الله ╡ على نبيه ╕ وعلى أمته لقَوْله ╕: «وَهِيَ السُّورةُ التي أُعطِيتُ» أي: فُتِح عليَّ بها.
          الخامس: أن بها تُستفتح الصلاة لقَوْله ╕ لأُبيٍّ: «كيفَ تَقْرَأُ إِذَا اسْتَفْتَحْتَ(636) الصَّلَاةَ؟ قالَ(637): فقرأتُ عليهِ {الحَمْدُ لله رَبِّ العالَمِينَ} حَتَّى أَتيتُ عَلَى آخِرِهَا».
          وأمَّا تسميتها بالحمد فلوجوه:
          الأَوَّل: أن أولها: (الحَمْدُ) فَسُمِّيَت بما اسْتُفْتِحَت به، فأشبهت في هذا الاسم غيرها مِن السور(638) كـ(سَبَّحَ) و(ص) و(ق) وما أشبه ذلك.
          الثَّاني(639): أنَّ كل آية منها نعمة على ما بيَّناه، والنعمة توجب الشكر، وأعلى الشكر: الحمد على الصحيح فَسُمِّيَتْ حمدًا لمقتضى الحمد عليها.
          الثَّالث(640): أنَّ تلاوتها توجب للعبد الحمد عند مولاه، لقوله ╡ على لسان نبيه ╕: «حَمِدَني عَبْدِي»
          الرَّابع: أنَّ العامل بمقتضاها يكون محمودًا حالُه في الحال والمآل.
          وأمَّا تسميتها بالسبع المثاني(641) فلوجوه:
          الأَوَّل: أنَّها سبع آيات، وكلُّ آية منها خير بذاته، كما(642) تقدَّم الكلام عليه لقوله ╡ على لسان نبيه ╕: «حَمِدَنِي عَبْدِي، وأَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ومَجَّدَنِي عَبْدِي(643)، وَهَذا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ(644)» جوابًا منه ╡ لكل آية منها، فكانت خيرًا ثُنِيَ سبع مرات أي: أُعيد(645) خيرًا على خير سبعَ مرات.
          الثَّاني: أنَّ كل آية منها مثناة، لأنَّ العبد يثني على المولى / والمولى يثني على العبد وهي سبع آيات، ووقعت التثنية لتلك السبع آيات(646) بين العبد ومولاه بمقتضى الحديث.
          الثَّالث: أنَّها سبع مقسومة بين اثنين على مقتضى الحديث(647) لقوله ╡ على لسان نبيه ╕: (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي).
          الرَّابع: أن تاليها(648) كان الخير له مَثْنَى على طريقين: مِن طريق الثناء عليه، ومِن طريق الإحسان إليه، فأمَّا الثناء فلقوله ╡ : (حَمِدَنِي عَبْدِي) إلى آخر الحديث، وأمَّا الإحسان إليه، فلأن الله ╡ إذا حمده(649) عبده على شيء أثابه عليه، فالثناء مِن الله تعالى دالٌّ على الإحسان، فكان الخير فيها مَثْنَى بالقول والفعل.
          الخامس: فإن(650) قراءتها في الصلاة مثنية(651) أي: تُعَاد في كل ركعة.
          وأمَّا تسميتها بالقرآن العظيم فلوجوه:
          الأَوَّل: أنَّ(652) فيها التعظيم مِن وجهين: تعظيمٌ للرب(653)، وتعظيمٌ لمنزلة العبد(654)، فأمَّا تعظيم الرب سبحانه فلِما فيها مِن الحمد والثناء والتعظيم والتَّمجيدِ له(655) ╡ وهو أهل لذلك، وأمَّا تعظيم منزلة العبد فلِما نال بتلاوتها مِن كثرة الأجر ورفع المنزلة عند الرب ╡ .
          الثَّاني: أنها دلَّت مع قلة آياتها على ما تقدَّم مِن تلك الكنوز ومعاني الكتاب العزيز كله على ما تقدَّم بيانه.
          الثَّالث: أنَّ الله ╡ قد أعدَّ لقارئها مِن الخير والنعمة ما لا / يكيَّف بمقتضى(656) الحديث المتقدم، لأنَّه إذا كان الله ╡ يثني على عبده فأي نعمة وخير(657) أعظم مِن ذلك؟ وقد نص ╡ على ذلك على لسان نبيه ╕ حين يقول لأهل الجنة: «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: يا رَبَّنَا وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ ╡ : أُعْطِيكُمْ(658) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، وَمَا هو أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ ╡ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» والله ╡ إذا أثنى على العبد فقد رضي عنه ولا أفضل مِن ذلك بمقتضى الحديث، فاستحقَّت أن تكون عظيمة لأجل ذلك.
          الرَّابع: أنَّه ليس في القرآن سورة أقوى في الرجاء(659) منها بسبب ما تضمَّنه قوله ╡ : (وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) فمن أُعطِي(660) الإعانة والهداية إلى الصراط المستقيم بإخبار الشَّارع ╕ والخبر لا يدخله نسخ، فحقيق(661) أن يكون عظيمًا.
          الخامس: أنَّ ما فيها مِن الحمد لله والصفات بتعظيم الله ╡ وما فيها مِن طلب الهداية والاستعانة، ومنَّةِ الله تعالى بذلك على عبده دالٌّ على تعظيم الرب ╡ ، فكان نصفها تعظيمًا بالنص وباقيها تعظيم بالضمن، لأنَّ مَن عطاؤُه هذا(662) القَدْرُ مع استغنائه عن المعطَى له وعن غيره دالٌّ على تعظيمه(663) فاستحقَّت ذلك الاسم لأجل هذا المعنى.
          ثمَّ نرجع الآن نبيِّن لمن هذا الخير كله / مِن العبيد؟ أعني ما تضمنته السورة مِن الخير العظيم(664) الذي أشرنا إليه وما تضمَّنه قوله ╡ : (لِعَبْدِي(665) مَا سَأَلَ) هل هو على العموم أو على الخصوص؟ فظاهره العموم ومعناه الخصوص، بدليل أنَّه لو كان ما تقدَّم لكل مُصَلٍّ ما دخل أحد مِن المصلِّين النَّار، وقد صحَّ أنَّهم يدخلونها لقَوْله ╕: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ لَمْ تَزِدْهُ(666) مِنَ اللهِ إِلاَّ بُعْدًا» ولقَوْله ╕: «الصَّلَاةُ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ مَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَت الكَبَائرُ» ولقَوْله ╕: «إنَّ النَّارَ تَأْكُلُ ابنَ آدمَ كُلَّه إِلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ» فدلَّ بمجموع ذلك أنَّ بعض المصلِّين يدخلون النَّار، والأحاديث(667) في هذا المعنى كثيرة فدلَّ ذلك على أنَّ اللفظ المتقدِّم، والخير على الخصوص لا على العموم.
          وإذا كان على الخصوص فنحتاج أن نبيِّن صفة هذا العبد الذي يطلق عليه اسم الخصوص فنقول: قد بيَّنه ╡ في كتابه حيث قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42] فصاحب هذه الصفة له(668) الخيرات المذكورة كلها وغيرها(669)، وعلامته اتباع الكتاب والسنة لقوله ╡ : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156- 157] / وضِدُّه ليس له فيها نصيب لقَوْله ╕: (لَمْ تَزِدْهُ مِنَ اللهِ إلَّا بُعْدًا).
          وبقي الثَّالث وهو المتوسط وهو الذي شابَ عمَلَه، يدخل في عموم قوله ╡ في كتابه الكريم(670): {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة:102] ولهذا(671) الصنف كانت وصية النَّبيِّ صلعم حين طُلِبت منه الوصيةُ، فقال ╕: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ» لأنَّ الخصوص المتقدِّم(672) الذِّكر في كل حال هم حاضرون بائنون(673)، والمختلط هو الذي يحضُّ(674) على الحضور والإقلاع عما(675) كان بسبيله والإقبال بكلِّيته على مولاه، وقوة الرجاء في فضله، لأنَّ المودِّعَ ببدنه(676) مع أهله وكُلِّيته حيث هو مُتَوَجِّه، فلذلك ندبه الشَّارع ╕، لعلَّ أن تحصل له هذه الصفة هنا فيوافق قوله قول الملائكة في الصدق والإخلاص، فينال المغفرة بمتضمن الوعد الجميل، لقَوْله ╕: (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) جعلنا الله ممَّن مُنَّ عليه بالمغفرة وأسبابها وألحقنا بالخواص مِن عباده بلا محنة، فلأجل ما احتوت عليه هذه العبادة ممَّا أشرنا إليه خصت(677) بالفرض هناك والله أعلم.
          ثمَّ نرجع الآن إلى استنباط / الأحكام مِن لفظ الحديث على ما قررناه أوَّلًا:
          الوجه الخامس والخمسون: فيه دليل على فضل النَّبيِّ صلعم وعلوِّ منزلته عند ربه ╡ إذ إنَّه فرضت عليه الصلاة في موضع لم يطأه مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسل، وقد جاء في رواية أخرى: «أنَّ جبريلَ ╕ لـمَّا أَنْ وصلَ مَعَهُ إِلَى مَقَامِه الخاصِّ بهِ قالَ لَهُ: يا محمَّدُ، هَذَا مَقَامِي لَا أَتَعَدَّاهُ، هَا أَنْتَ وَرَبُّكَ، فَزُجَّ ╕ في النُّورِ زَجَّةً، واخْتَرَقَ مِنَ الحُجُبِ مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى وانْتَهَى حَيْثُ أُرِيْدَ مِنْهُ» وهذه مزية لم تكن لغيره مِن المخلوقين.
          السَّادس والخمسون: فيه دليل أنَّ(678) النَّبي صلعم كان متيقظًا في ليلته تلك ولم يكن بين النائم واليقظان كما أخبر به أوَّلًا، لأنَّ الصلاة قد فُرِضَت عليه هناك ولم يَتَعَبَّد الله ╡ هذه الأمَّة بالمرائي، أعني: إذا وقعت الرؤيا لغير نبي مِن الأنبياء ╫، وأمَّا إن كانت مِن نبي فيتعيَّن التعبُّد بها(679)، لأنَّ رؤياهم وحيٌ، إذ إنَّهم معصومون في المنام عصمتهم(680) في اليقظة(681)، ولا كان(682) النبيُّ صلعم ممن يوحى إليه في النوم(683)، وإنَّما قال النَّبيُّ صلعم أوَّلًا: إنَّه كان بين النائم واليقظان ليبيِّن الحالة(684) التي كان ╕ فيها حين أتته الملائكة، لا أنَّه بقي كذلك حين الإسراء به.
          يشهد لذلك إنكار المشركين عليه صلعم وطلبهم منه صفة بيت المقدس(685) حين أخبرهم بأنَّه سارَ إليه، فلو كان إخباره ╕ بأنَّه رأى رؤيا لم يقع منهم الإنكار لمَا أخبرهم به، ولا كان يكون له فيه معجزة / إذ إنَّ سائر النَّاس يكون نائمًا ببلد وسِرُّه يجول في بلد آخر، فلمَّا أن وقع مِن المشركين الإنكار(686) وطلبوه بالدليل على ما ادَّعاه أجابهم ╕ عما سألوا عنه بغير زيادة ولا نقصان، وقال للمؤمنين: إنَّه رُفِع إليَّ بيت المقدس فكنت حين(687) يسألوني عنه أنظر إلى البيت وأقول لهم، لأنَّه ╕ لم يكن مُضِيُّه إلى البيت لنظر جزئياتٍ فيه وإنَّما كان لوجهٍ ما كما أخبر به، ثم سأله المشركون عن جزئيات(688) لم يكن ╕ التفت إليها فَرُفِعَ إليه حتَّى عاين كلَّ ماُ سِئل عنه وأجاب به، ورَفْعُ البيت إليه يحتمل(689) وجوهًا وهي مثل الوجوه التي تقدَّمت في البيت المعمور.
          السَّابع والخمسون: فيه دليل على أنَّ الله ╡ إذا أراد ظهور الحقِّ جعل مِن خلقه مَن يعانده ويريد إخماده حتَّى يكون ذلك سببًا لظهوره وإيضاحه، لأنَّه لَمَّا أن أخبر النَّبي صلعم بالإسراء صدَّقه المؤمنون ابتداءً مِن غير بحث ولا سؤال، كما قال أبو بكر ☺ حين قيل له: إن صاحبَك ادَّعى أنَّه عُرِج به البارحة إلى مكان كذا وكذا، فقال: أَوَ قالها؟ فقالوا: نعم، فقال: الأمرُ كذلك، فلو بقي الأمر كذلك لكان الشك يدخل على(690) بعض المتأخِّرين مِن المؤمنين الذين ليست لهم تلك القوة في الإيمان.
          فلمَّا أن أراد الله ╡ إظهار ذلك حتَّى لم يبق فيه تَوهُّمٌ / ولا احتمال جعل الأعداء سببًا للبيان والإيضاح، لأنَّ بسؤالهم(691) حصل العلمُ القطعيُّ أنَّ ما رأى ╕ في اليقظة لا في المنام، لأنَّهم سألوا عن جزئيات في بيت المقدس كانوا يعلمونها وهم يعلمون أنَّه ╕ لم يكن قَطُّ دخل بيت المقدس، فلمَّا أن(692) أعلمهم بها تحقَّقوا أنَّه أُسْرِي(693) به الى بيت المقدس، فتصحيح البعض دالٌّ على تصحيح الكلِّ، وهو باقي الإسراء فكان ذلك سببًا لتقوية إيمان المؤمنين ولمن(694) ختم الله ╡ له بالسعادة مِن المشركين، فبان له الحقُّ بتلك الآية فنَزَع عن شِرْكه وأسلم.
          ومن هذا القبيل أيضًا طلبهم منه ◙ انشقاق القمر، ومثل ذلك طلب فرعون مِن(695) موسى ╕ الآية وكذلك جميع الأنبياء ╫ مع أممهم، هذه عادة أجراها الله تعالى أبدًا لهم يظهر الحقَّ على أيديهم ويوضحه بسبب أعدائهم، وهذا فيما ظهر مِن حكم العادة الجارية مِن الله ╡ مع أنَّه ╡ (696) قادر على إظهار الحق وبيانه مِن غير منازع فيه ولا متوقِّف.
          الثَّامن والخمسون: لقائل أن يقول: لِمَ(697) أُسري(698) به ╕ مِن بيت المقدس ولم يُسْرَ به مِن مكة التي هي أشرف البقع بمقتضى الأحاديث؟
          والجواب عنه(699): أنَّه إن قلنا: إنَّ ذلك مِن الله تعالى لحكمة استأثر بها، فيجب(700) الإيمان به كما ورد الخبر به مِن / غير تعليل، وإن قلنا: إنَّ الحكمة في ذلك معقولة فحينئذ نحتاج إلى إبدائها فنقول: والله أعلم هي كما ذكرناه(701) آنفًا، وهو أن يكون ذلك دالًا على صدق النَّبيِّ صلعم، لأنَّه لو عُرِجَ به ╕ مِن مكة لكان الكفار ينكرون ما يدَّعيه، ولا يَجِد ما(702) يَستدِل عليهم ويَلحق بسبب ذلك لمن ضَعُف إيمانُه الشكُّ، فلمَّا أن أُسرِي(703) به ╕ لذلك الموضع وسأله الأعداء المنكرون عن جزئيات فيه كانوا يعلمونها، وهو ╕ لم يدخله قطُّ حتَّى يعلم الجزئيات التي(704) فيه، ثمَّ أخبرهم ╕ في الحال بكل ما سألوا عنه(705)، فكان ذلك أكبرَ آية(706) على تصديقه ╕ فيما ادَّعاه بخلاف أن لو كان الإسراء به ╕ مِن موضعه الذي كان فيه، لأنَّ البشر ليس لهم(707) معرفة بالعالم العلوي حتَّى يعلموا ما فيه فيسألوا عنه.
          ولوجه ثانٍ أيضًا(708) وهو أنَّ بيت المقدس هو(709) القِبلة الأُوْلى، وهو مِن أحد المواضع الذي تُعْمَلُ(710) المَطِيُّ إليها فجُمِع له الإسراءُ مِن القبلتين واجتمعت له فيه(711) الفضيلتان.
          التاسع والخمسون: قَوْلُهُ ╕: (فَأَقْبَلْتُ حَتَّى(712) جِئْتُ مُوسَى) إلى آخر الحديث فيه وجوه:
          الأَوَّل: فيه دليل على أنَّ علم التجربة علم زائد على العلوم ولا يُقْدَر على تحصيله بكثرة / العلوم ولا يُكْتَسَب إلا بها _أعني بالتجربة_، لأنَّ النَّبيَّ صلعم أعلمُ النَّاس وأفضلُهم سيَّما الآن الذي هو قريب عهد(713) بالكلام مع ربِّه ╡ ، وواردٌ مِن موضع لم يطأه مَلَكٌ مقرَّبٌ ولا نبي مُرْسَل، ثمَّ مع هذا الفضل العظيم قال له موسى ╕: أنا أعلم بالناس منك، ثم أعطاه العِلَّة التي لأجلها(714) كان أعلم منه بِقَوْلِهِ: (عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ) فأخبره بأنَّه(715) أعلم منه في هذا العلم الخاص الذي لا يُؤخذ ولا يُدرَك إلا بالمباشرة وهي التجربة.
          الثَّاني: فيه دليل(716) على جواز الحكم بما أجرى الله ╡ بحكمته مِن ارتباط(717) العوائد، لأنَّ موسى ╕ حكم على(718) هذه الأمَّة بأنَّها لا تطيق ذلك(719)، بسبب ما أخبر به وهو أنَّه عالج بني إسرائيل، ومَن تقدَّم أقوى وأجلد ممَّن يأتي بعدُ كما أخبر ╡ بِقَوْلِهِ: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم:9] فرأى موسى ╕ أنَّ ما لا يحمله(720) القويُّ فمِن باب أَوْلَى(721) لا يحمله الضعيف بعد، فحكم بآثار الحكمة في ارتباط العادة مع أنَّ القدرة صالحة لأنْ يحمل الضعيف ما لا يحمل القوي.
          الثَّالث: فيه دليل على فضلِ النَّبيِّ صلعم وعلوِّ شرفه، إذ إنَّ موسى ╕ في الأنبياء ‰ على ما يُعْلَمُ مِن / الفضل وعُلُوِّ المقام، وكلامهٌ هنا خدمةٌ للنَّبيِّ صلعم ولأمَّته(722).
          الرَّابع: فيه دليل على أنَّ بكاء موسى ╕ أوَّلًا حين صعود النَّبيِّ صلعم عليه لم يكن إلا للوجه الذي أبديناه لا لغيره، لأنَّه لو كان لغير ذلك لبكى حين رجوع النَّبيِّ صلعم إليه، أو لسكت، ولكنه قام في الخدمة والنصيحة للنَّبيِّ صلعم ولأمَّته، فلمَّا أن كان بكاؤه أوَّلًا للوجه الذي ذكرناه ولم يصادف ما أشرنا إليه، وإنَّما كانت هذه النفحة مِن النفحات الخاصة بالنَّبيِّ صلعم وبأمَّته بمقتضى الحكمة والإرادة تعرض أيضًا لهذه الأمَّة بطلب التخفيف فصادف تعرضه النفحة(723) في موضعها، إذ إنَّها خاصة بهذه الأمَّة وتكلَّم هو(724) ╕ في حقِّها فأسعف فيما أراد، فخفَّف ╡ إذ ذاك وردَّ الخمسين إلى خمس، وزاد بالإفضال فجعل الحسنة عشرًا في الثَّواب عليها، فأزال ╡ عن(725) الأمَّة فرض تلك الصلوات وأبقى لهم ثوابها تفضلًا(726) منه ╡ وإحسانًا.
          الخامس: فيه دليل على أنَّ حقَّ الرُّبوبية أن تَعْبُدَ فلا تَغْفُل، لأنَّه ╡ فرض أوَّلًا خمسين صلاة، والخمسون أن لو كانت لاستغرقت زمان اللَّيل والنهار، فكان الفرض(727) أوَّلًا بمقتضى ما يجب مِن حق الرُّبوبية، ثم ردَّها(728) / ╡ بلطفه وحكمته إلى ما يقتضيه ضعف حال البشرية.
          السَّادس:(729)فيه دليل على رفع قدر النَّبيِّ صلعم عند ربه ╡ إذ إنَّه لو شاء ╡ أن يخفِّف أوَّلًا ما خفَّف في الخمس المرات(730) لفعل، ولكن لَمَّا أن كان الخطاب والمراجعة يزداد بها(731) النَّبيُّ صلعم شرفًا فعل ╡ ذلك بمقتضى حكمته تشريفًا لنبيه ╕ وترفيعًا، لأنَّ ترداد العبودية إلى المَوَالية وعَطْفَ الموالية(732) عليها بقضاء حاجتها(733) دالٌّ على ترفيعها لديها، لأنَّه لو طلب ╕ أوَّلًا في التخفيف حدًّا محدودًا لأُسعِف فيه وأُجيب، وإنَّما طلب نفس التخفيف مجملًا فأُسعِف في طلبه، ففي كل مرَّة قُضيَت له حاجة فتكرار قضاء الحاجات دالٌّ على رفع المنزلة، ودالٌّ أيضًا على(734) فضل الرُّبوبية التي لا يشبهها فضل أحد، لأنَّ مَن له فضل مِن المخلوقين(735) قد يسْأَم عند تكرار السؤال، وأجلُّ العبادات كثرة السؤال إلى الله ╡ ، وقد نصَّ الشَّارع ╕ على ذلك حيث قال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّيْنَ في الدُّعَاءِ».
          وقد تقدَّم الكلام في معنى اسمه ╡ بالرحمن الرحيم وذلك(736) لا يليق إلا بجلاله تعالى، فأعطي ╕ في هذا المقام الذي هو أجلُّ المقامات أجلَّ(737) العبادات وهو تكرار السؤال.
          السَّابع: فيه دليل(738) على / أنَّ مَن طلب مِن الله تعالى حاجة فقضيت(739) له فلا يستحيي مِن طلب غيرها، لأنَّ النَّبيَّ صلعم تكرر خمسَ مرات يسأل وفي كل مرة قضيت له حاجة(740) بنفسها كما تقدَّم، ولأنَّ المحلَّ قابل لقضاء الكل وتكراره في طلب الحوائج قربة إلى الله تعالى وتعبُّد كما ذكرناه(741) آنفًا.
          وفي هذا دليل لأهل الصُّوفَةِ(742) حيث يقولون(743): إنَّ النعمة الكبرى في نفس السؤال، ومَن لم يرَ عندهم النعمة إلا في قضاء الحاجة فذلك واقف مع حظٍّ مِن الحظوظ لم ينفذ بعد، لأنَّ النعمة العظمى في لجأ العبودية إلى الموالية، وعطف الموالية عليها فقضَاء(744) الحاجة عندهم تابعة لهذه النعمة.
          الثَّامن: فيه دليل على أنَّ المرشد لوجه مِن وجوه(745) المصلحة لا يلزمه فيه التحديد، لأنَّ موسى ╕ لَمَّا أن أرشد النَّبيَّ صلعم لطلب التخفيف لم يحدَّ له في ذلك شيئًا، لاختلاف أحوال الناس في ذلك(746)، ومنه قوله ╕: «الْمُنْبَتُّ(747) لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى» فأشار إلى الأخذ بالتخفيف ولم يحدَّ فيه شيئًا(748) لاختلاف أحوال النَّاس في ذلك، ولو أشار ╕ إلى حدٍّ في التخفيف لكان في حقِّ بعض النَّاس غير تخفيف بالنسبة إلى حالهم فعمَّ ولم يحدَّ.
          التاسع: فيه دليل على أنَّه إذا تعارض حقَّان: حقٌّ لله تعالى وحقٌّ لمخلوق فالسُّنَّة فيه أن يقدم حقُّ الله تعالى ويترك غيره، لأنَّ النَّبيَّ صلعم / في الخمس المراتب(749) غَلَبَ عليه ما طبع عليه مِن الرأفة والرحمة بأمَّته، فلم يزل يتردَّد في طلب التخفيف لهم، فلمَّا عَرَض له في السادسة إعظامُ الرُّبوبية والانقيادُ لِما صدر منها قال: (رَضِيْتُ) وترك حق الغير وهو طلب زيادة التخفيف لِمَا عارضه هناك كما تقدَّم.
          ولا يعترض على هذا بالوجه الذي قدمناه وهو كثرة الإلحاح، لأنَّ كثرة الإلحاح(750) فيه قربة مع(751) بقاء أوصاف البشرية والنظر إلى الاحتياج وكثرة الإفضال مِن الله تعالى والإحسان وعدم السآمة هناك للفضل العميم، وهذا هو حال البسط، فشأن صاحبه السؤال والطلب، فإن وقع الالتفات إلى العظمة والجلال لم يبق إذ ذاك إلا حال التسليم والهيبة والحياء كما ورد على(752) النَّبيِّ صلعم في المقام السَّادس.
          ولهذا المعنى كان ╕ إذا رأى سحابة يَحْمَرُّ ويَصْفَرُّ ويدخل ويخرج فإذا أمطرت سُرِّيَ عنه، فقيل له(753) في ذلك، فقال: أقوام(754) رأوا سحابة فظنوا أنَّها مطر فكانت بلاء(755)، وكيف يخاف ╕ مِن نزول البلاء وقد أخبر ◙ أنَّه أمان لأصحابه ما بقي بينهم، فقال ╕: «أَنَا أَمَانٌ لِأَصْحَابِي مَا دُمْتُ فِيْهِمْ، وَأَصْحَابِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي» فلم يبقَ أن يكون خوفه ╕ إلا مِن الصفة(756) القائمة بالذات الجليلة، لأنَّ مِن أسمائه ╡ المنتقم والجبار،فكان / ╕ إذا رأى أثر ما انتُقِم به(757) مِن غيرهم تفكَّر(758) في تلك الصفة فخافها لذاتها الجليلة، ولذلك(759) كان ╕ إذا رأى المطرَ سُرِّي عنه، لأنَّ المطر دالٌّ على صفة الرحمة فسُرَّ بلحظه لتلك الصفة الجليلة، وهذا(760) مقامه ╕ ومقام الخواص مِن(761) التابعين له.
          وفيه وجه آخر: وهو الذي يعمُّ الخواصَّ وغيرَهم أنَّ ذلك على وجه التعليم(762) أن يعظِّم آيات الله ويفزع عند ظهورها فإن الله ╡ (763) يقول: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] فعلى هذا فالناس إذًا على قسمين: أصحاب أحوال وغيرهم، فأصحاب الأحوال مخاطَبون في كل حالٍ بما يَرِد(764) عليهم وبما يليق بحالهم(765) الذي أُقِيموا فيه في(766) وقتهم ذلك كما كان النَّبيُّ صلعم في أحواله المباركة كما تقدَّم، ومَن كان عَرِيًّا عن الأحوال فحكمه(767) ما ذكرناه آنفًا وهو دوام السؤال والإلحاح، ولأجل هذا يقول أهل الصُّوفةِ(768): مَن حالُه التعظيمُ والإجلالُ فشأنُه التسليمُ والإطراق، ومَن حالُه المحبةُ والشوقُ فشأنه السرور والالتفات، وكل هذه المقامات لها علامات لا يعرفها إلا أربابها، وكلها مأخوذة مِن هذا الأثر(769) الجليل على ما قررناه.
          العاشر: فيه دليل على أنَّ مَن تَرَك حقَّ الغير وآثر حقَّ الله تعالى أنَّه يعود عليه وعلى الغير خير ممَّا ترك، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لَمَّا وقع له حال / الحياء والهيبة فسلَّم ولم يطلب المزيد في التخفيف أُبدِل له مِن ذلك تضعيفُ الحسنات بعشر أمثالها والهدايةُ إلى الاستعانة بالله ╡ في نفس هذه العبادة، لأنَّه ╡ جعل مِن مشروعيتها في كلِّ ركعة فاتحةَ الكتاب وفيها مِن الخير والفضل والإحسان ما قد أشرنا إليه و(770) يزيد عليه(771).
          الحادي عشر: فيه دليل على شرف النَّبيِّ صلعم وعلوِّ قدْره عند ربه ╡ إذ إنَّه ╕ ما دام يطلب التخفيف أُسعِف وأُجِيب، فلمَّا أن وقع منه التسليم أمضى الله ╡ فريضته فصادف اختياره ╕ ما أراد الله تعالى إنفاذَه وإمضاءَه، وقد نصَّ ╡ على ذلك في كتابه حيث قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء:80] فكل ما يأمر به ╕ أو يشير به إنَّما هو عن الله تعالى صادر كان بواسطة أو بغير(772) واسطة، قال تعالى في حقِّه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3- 4]
          الثَّاني عشر: فيه دليل على أنَّ قَدَرَ(773) الله تعالى على قسمين كما قدَّمناه، فالقدر الذي قدَّرَه وقدَّر أن لا ينفُذ بسبب واسطةٍ أو دعاءٍ مثل ما هو فرضه هنا للخمسين صلاة، لأنَّه ╡ لَمَّا أن أَمَرَ بالخمسين أوَّلًا(774) وسَبَقت إرادتُه أن لا ينفُذ ذلك جعل بحكمته(775) موسى ╕ هناك سببًا لرفع ذلك، والقَدَر الذي قَدَّره ╡ وقَدَّرَ إنفاذه ولا يردُّه رادٌّ هو فرضه / للخمس الصلوات(776)، لأنَّه ╡ لَمَّا أن أمر بها وسبقت إرادته(777) بإمضائها لم ينفع كلام موسى ╕ إذ ذاك، إذ إن ذلك كان مِن القَدَرِ المحتوم.
          ولهذا المعنى أخذ الفضلاء مِن أهل الصُّوفَةِ(778) في المسارعة إلى أفعال البر على كلِّ الأحوال(779) مع إذعانهم واستسلامهم لربهم ╡ رجاءً منهم لعلَّ(780) أن تكون تلك(781) الأعمال سببًا لرفع ما كان نازلًا بهم مِن القَدَر الذي يرجِع بالسبب، واستسلموا وأذعنوا للقِسم الآخر الذي ليس لهم فيه حيلة إلا الرضا والتسليم وهو القدر المحتوم، وقد نصَّ القرآن والحديث على ما قررناه واستنبطناه(782)، أمَّا الكتاب فقوله ╡ : {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43] فأخبر ╡ أنهم لو تَضرَّعوا إليه(783) واضطُروا لرفع البلاء الذي كان قُدِّر عليهم، وقد رفع ╡ ذلك عمن صدر منه ما نصَّ عليه في هذه الآية(784) وهم قوم يونس ╕، فإنَّهم لَمَّا أن أتاهم العذاب وأيقنوا بالهلاك رجعوا إلى ربهم ╡ بصدق وإخلاص فدعوه واضطروا إليه، فصرف الله ╡ عنهم بسبب اضطرارهم ما كان نازلًا بهم مِن المقدور.
          وأمَّا الحديث فقَوْلُهُ ╕: «الصَّدَقَةُ تَزِيْدُ في العُمُرِ» وهذا يفسِّره ما روي أنَّ الله ╡ لَمَّا أن خلق الخلق جعل عمرهم على قسمين: إن كان / طائعًا فعمره كذا، وإن كان عاصيًا فعمره كذا، فإذا بادر المرء إلى الأعمال الصالحات بورك في عمره وزِيْدَ فيه وكان له(785) أطول العمرين، فإن كان العمر الذي قدَّر الله تعالى به إن كان مِن أهل المعاصي أزالته الصدقة وفعل الخير إن وفق لذلك، وقد عاين هذا كثير مِن الفضلاء يطول تَتبُّع حكاياتهم في ذلك، وإن لم يفعل شيئًا مِن ذلك كان عمره أقلَّهما، ولهذا المعنى كان بعض الفضلاء يقول: إذا نزلت بي نازلة فَأُلْهِمْتُ فيها للدعاء فلا أبالي بها فإنما(786) هي رحمة.
          الثَّالث عشر: لقائل أن يقول: لِمَ لَمْ يَصْدُر الكلام مِن إبراهيم ╕ وهو أقرب من ثلاثة أوجه: لخُلَّته، ولأُبوته، ولقرب موضعه؟
          والجواب عنه(787): أن مقام الخُلَّة إنَّما هو الرضا والتسليم، والكلام في هذا الشأن ينافي ذلك المقام، وموسى ╕ هو الكليم، والكليم أُعْطِيَ الإدلال والانبساط فكلامه هنا(788) بالنسبة إلى حاله قربة(789).
          الرَّابع عشر: فيه دليل لأهل الصُّوفَةِ(790) حيث يقولون: حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين، لأنَّ إبراهيم ╕ لم يتكلَّم في هذا الشأن بسبب أنَّ مقامه أعلى مِن الكلام، فلو تكلَّم لكان ذلك في حقِّه ╕ سيئةً بالنسبة إلى مقامه الخاص، وموسى ╕ كان كلامه(791) ممَّا يتقرَّب به بالنسبة إلى مقامه الخاص(792)، كلٌّ منهما(793) له مقام خُصَّ به لا يتعدَّاه.
          ومما يشهد لهذا مِن حالهم / أعني أهل الصُّوفَةِ(794) ما حكي عن بعض(795) فضلائهم أنَّه أصاب الناسَ قحط، واشتدَّ الأمر عليهم، فتضرَّعَ إلى الله تعالى وابتهلَ في تفريج الكُربة، فلم يزد الأمر، إلا شدة، فلمَّا رأى(796) ذلك أرسل إلى أخ له يسأله الإعانة في الدُّعاء للمسلمين، فقال المرسَل إليه للرسول: قل له: لو علمتُ أنَّه يخرج مني نَفَس لغير الله لقتلتُ نفسي، فكان الدعاء في حقِّ هذا ممَّا يتقرب به بنسبة مقامه، وكان في حقِّ الآخر خطيئة بنسبة مقامه.
          ولهذا المعنى يقول المتحقِّقون(797) منهم: (الصوفي إذا تناهى لم يَبْقَ فيه غير قلب ورب)، ومعناه: أنَّ الصوفي إذا تناهى أذعن لِمَا يصدر عليه مِن المقدور، واستسلم إليه راضيًا بذلك مِن غير اعتراض، وذهبت عنه الفكرةُ في الدنيا وهمومها والفكرةُ في الآخرة ونعيمها وعذابها بسبب الرضى والتسليم، وبقي بين يدي ربه مستسلمًا كالميت بين يدي الغاسل يقلِّبه كيف شاء، هذا هو حال المتحقِّقين منهم بعد توفية الاجتهاد في كلِّ أنفاسهم وخواطرهم في كلِّ أنواع التعبُّدات.
          الخامس عشر: فيه دليل لأهل الصُّوفَةِ(798) حيث يقولون: (بأنَّ الحال حامل لا محمول)، لأنَّ النبيَّ صلعم لِمَا أن ورد عليه حال الإشفاق / على أُمَّته بادر إلى طلب التخفيف عنهم ولم ينظر لغير ذلك، ثمَّ لَمَّا أن وَرَدَ عليه حال الحياء مِن الله ╡ لم يلتفت لأمته إذ ذاك ولا طلب شيئًا.
          السَّادس عشر: فيه دليل على أنَّ الله ╡ إذا أراد سعادةَ عبدٍ جعل اختياره في مرضاة ربه، لأنَّه لَمَّا أن كان النبيُّ صلعم بتلك المنزلة العليا التي أشرنا إليها جعل ╡ اختياره وإيثاره(799) لِمَا أراد الله ╡ إنفاذه وإمضاءه، وهو فرض الخمس الصلوات(800)، وذلك تكريمًا(801) له ╕ وترفيعًا(802) لقدره(803)، لأنَّه لو رجع ╕ يطلب التخفيف فلم يُتْحَف(804) به كما أُتْحِفَ أوَّلًا(805) لكان اختياره مخالفًا(806) للمقدور، فلمَّا أن اختار وأُسعِف في اختياره كان ذلك دليلًا على ما استدللنا عليه وعلى علوِّ منزلته ╕ إذ إنَّه ما دام ╕ يطلب التخفيف أُسعِف، فلمَّا أن رضي أُسعِف في رضاه، ففي كلِّ حالٍ مِنْ طلبٍ ومِنْ(807) عدم طلبٍ كان اختياره ╕ موافقًا للمقدور، أعادَ اللهُ علينا بَرَكته، وجعلَنا من خيرِ أُمَّتِه(808).
          اللهُمَّ واجعل ما أنعمتَ به علينا في هذا الحديث الجليل الذي أظهرته على يَدَي محمَّد نبيك الكريم مِن باهر عظيم قُدرتك، وما أبدَيته لنا من أنوار سرِّ حكمتك فيما تعبَّدت به عبادك المؤمنين نورًا في قلوبنا، وتوفيةً في إيماننا، وثلجًا في يقيننا، وتزكيةً في أعمالنا، وبلِّغْنا به الزُّلْفى وحسن المآب، إنك أنت الكريم الوهاب، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا(809).


[1] في (م): ((والله المستعان حديث الإسراء قوله قال رسول الله صلعم)).
[2] قوله: ((أنا)) ليس في (ج).
[3] عبارة: ((- وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلًا)) من الصحيح، وهي مهمة لتمام المعنى.
[4] قوله: ((بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ... عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا)) ليس في (ط) و(م) والمثبت من (ج).
[5] في (ج): ((هذا)).
[6] قوله: ((إلا)) ليس في (م).
[7] في (ط) (ج): ((فيها)).
[8] في (ط): ((وعيي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[9] في (ج): ((والطاعة سائغ)).
[10] في (م): ((صحت)).
[11] قوله: ((مثل)) ليس في (ج) و (م).
[12] في (م): ((أحدهم)).
[13] في (ج) و (م): ((الذي)).
[14] في (ج): ((نومته)).
[15] في (ج) و (م): ((ذكرناها)).
[16] في (ج): ((والطاعة)).
[17] في (ط): ((ومن ذلك))، وقوله: ((من ذلك)) ليس في (م)، والمثبت من (ج).
[18] في (ط): ((وفيه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[19] في (ج): ((للصدقة)) وفي (م): ((للصدق)).
[20] قوله: ((في المقال)) ليس في (ج).
[21] قوله: ((هنا التدقيق)) ليس في (م).
[22] في (م): ((يقظان)).
[23] في (م): ((كان)).
[24] في (م): ((يطلق)).
[25] في (ج): ((إذ قاربها)). وفي (م): ((أو قاربها)).
[26] في (ج) و (م): ((فالظاهر)).
[27] قوله: ((رفعا للمجاز)) ليس في (م).
[28] في (م): ((تواضع النبي صلعم)).
[29] في (ط): ((مرتبة) والمثبت من النسخ الأخرى.
[30] في (م): ((مليئا)).
[31] في (ج): ((أوتي)).
[32] في (م): ((من ذهب والطست الذهب في)).
[33] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م). وبعدها في (ج): ((إنما)).
[34] في المطبوع: ((الجالب)).
[35] في (م): ((لامعاني)).
[36] في (م): ((يملأ الإناء الأجسام)).
[37] في (ج): ((بخلاف)).
[38] في (م): ((وهذا نص منه ◙ بخلاف ما ذهب إليه بعض)).
[39] في (م): ((للخواص)).
[40] في (ط): ((حقيقية)).
[41] في (م): ((لأن العقل والإجماع)).
[42] في (م): ((ذكر)).
[43] في (م): ((يقول)).
[44] زاد في (م): ((لأن الصادر عن هذه الجواهر التي ذكر الشارع ◙ في الحديث ولم يكن للعقل قدرة أن يصل إلى هذه الحقيقة التي أخبر بها ◙ فيكون الجمع بينهما أن يكون يقال ما قاله المتكلمون حق)).
[45] في (ج): ((الجواهر)).
[46] قوله: ((الجمع)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[47] في (ج) و (م): ((و)).
[48] في (ط): ((فيعرفوه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[49] في (ج): ((منها هنا معانٍ)) وفي (م): ((منها هنا معاني)).
[50] في المطبوع: ((المقامات)).
[51] في (ط): ((جوهر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[52] في (ج) و (م): ((حتَّى يكون يعاين باطن قلبه)).
[53] في (ج): ((يعاينوا فيها)) وفي (م): ((يعاينوها)).
[54] في (م): ((عين)).
[55] في (م): ((ينبع)) والموضع الذي بعده.
[56] في (ج): ((بتذكر)).
[57] في (ج) و (م): ((سبباً لموتهم)).
[58] في (م): ((وكلمه)).
[59] في (ط): ((عليهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[60] في (ج): ((فقال)).
[61] قوله: ((عائد)) ليس في (م).
[62] في (ج): ((في وسطها)).
[63] زاد في (م): ((الذي يوضع فيه الفتيل)).
[64] في (م): ((صدر)).
[65] في (ج) و (م): ((التحقيق)).
[66] قوله: ((وهو شيخ الجنيد)) ليس في (م).
[67] في (ج): ((ثم رجع بعد ذلك)).
[68] في (م): ((كتبها هي أنه قدر عليه بأن تنصر ثم رجع بعد ذلك إلى الإسلام)).
[69] في (ط): ((ويوعظ)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[70] قوله: ((بعفوه وإفضاله)) ليس في (م).
[71] في (ج): ((قاله)).
[72] قوله: ((وكرمه)) ليس في (ط) و (م) وهو مثبت من (ج).
[73] في (م): ((إنه ولي ذلك)).
[74] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[75] في (ج) و (م): ((موافقة منه)).
[76] في (ط): ((ذكر)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[77] في (م): ((أن)).
[78] في (م): ((وقد مثله بعضهم بماء)).
[79] في (ج): ((جاء)).
[80] زاد في (م): ((فيه)).
[81] في (ج): ((يقول)).
[82] زاد في (م): ((في)).
[83] في (م): ((إلينا)) وكتب فوقها: ((لنا)).
[84] قوله: ((أن من)) ليس في (ج).
[85] زاد في (م): ((علم)).
[86] في (م): ((علم)).
[87] في (ج): ((فلا يعتنى)).
[88] في (ط): ((لا يخصص إلا بالقرآن)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[89] في (ج): ((وكذلك اختلفوا في أخبار الآحاد هل تخصص عموم القرآن أم لا؟ على قولين))، وبعدها في (ج): ((واتفقوا على...)).
[90] في (م): ((وكذلك اختلفوا في أخبار الآحاد هل تخصص عموم القرآن أم لا على قولين أيضا واتفقوا)).
[91] في (ط): ((لا يخصص إلا بالحديث)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[92] قوله: ((► في عمل أهل المدينة إذا وجد الحديث بخلافه، فقال مالك)) ليس في (م).
[93] في (ط): ((ومجموع)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[94] في (ج): ((فلم يتبدل)).
[95] في (ج) و (م): ((لأهل)).
[96] قوله: ((رأوا النور)) ليس في (ج).
[97] زاد في (م): ((هذين)).
[98] في (ج): ((لعظم)).
[99] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[100] في (م): ((المزيد في هذه الحكمة وجوه)).
[101] في (ج): ((بظواهر)).
[102] في (م): ((لرفع)).
[103] في (ج): ((الإيمان)).
[104] في (ج): ((فيحتج)).
[105] في (م): ((ولم يحتج لرؤية)).
[106] في (ط): ((شاءت القدرة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[107] في (م): ((به للعالم)).
[108] قوله: ((وهم مشاهدون لأشياء لا يشاهدها أهل هذا العالم)) ليس في (ج) و (م).
[109] في (م): ((النبي)).
[110] في (ج): ((بالحسي)).
[111] في (ج) و (م): ((أعلى أهل ذلك العالم)).
[112] في (م): ((الثواب)).
[113] في (ج) و (م): ((ووجوه)).
[114] في (ج): ((تعدد)).
[115] في (ج): ((لما)).
[116] في (ط): ((ولهذا قال)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[117] في (م): ((الحكماء)).
[118] في (ج): ((قالوا)).
[119] في (ج): ((بعضهم)).
[120] في (ج): ((فهل)).
[121] في (ج): ((و)).
[122] قوله: ((مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ، فقد شهد له ╕ بالإيمان والحكمة)) ليس في (ج).
[123] في (ج): ((فهو)).
[124] في (ج): ((النبي)).
[125] في (ج) و (م): ((وكذلك أيضاً أخذوه)).
[126] قوله: ((السن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[127] في (م): ((قدر)).
[128] في (ج) و (م): ((العلم)).
[129] في (ج) و (م): ((شيء)).
[130] في (ج) و (م): ((مربوطة)).
[131] قوله: ((إلا حيث شاءت القدرة)) ليس في ((ج)) و (م).
[132] في (ج): ((بأن)).
[133] في (ط): ((واندمل)).
[134] في (ط): ((ومات)).
[135] قوله: ((على)) ليس في (ج).
[136] في (ج) و (م): ((وقد شق بطنه المكرم)).
[137] في (ج) و (م): ((وهو صغير السن)).
[138] قوله: ((ولم يندمل)) ليس في (ج) و (م).
[139] في (ج) و (م): ((أراد ╡)).
[140] زاد في (ط): ((أو)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[141] في (م): ((بطلت)).
[142] في (ج) و (م): ((في)).
[143] في (ج) و (م): ((يري)).
[144] في (ط): ((أرمي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[145] في (ط): ((وكل جميع الخواص)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[146] في (ج): ((بمثل هذه)).
[147] قوله: ((يوجد)) ليس في (ج).
[148] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[149] قوله: ((أنه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[150] في (ج) و (م): ((لما أن أعطي)).
[151] في (ج): ((قرب)).
[152] في (م): ((الإيمان)).
[153] في (ج): ((وبالمشاهدة)) وفي (م): ((التصديق بالمشاهدة)).
[154] في (ج) و(م): ((أنا النبي ولا كذب أنا ابن عبد المطلب)).
[155] في (م): ((كان)).
[156] في (ج): ((من)).
[157] في (ج) و (م): ((يتقى)).
[158] في (ط): ((تحليه)) وفي (م): ((تخيله)) والمثبت من (ج).
[159] في (ج) و (م): ((زيادة له في الشدة)).
[160] قوله: ((حديث)) ليس في (م).
[161] في (م): ((تخيله)) وفي (ط): ((تخليه)) والمثبت من (ج).
[162] في (م): ((الأخذ بالأعمال الصالحة)).
[163] في (ج): ((النوائب)).
[164] في (ج): ((يرد)).
[165] في (ج) و (م): ((الكدرات)).
[166] في (ج) و (م): ((الكدرات)).
[167] قوله: ((له)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[168] في (ج) و (م): ((الكدرات)).
[169] في (ج) و (م): ((في ذلك المحل الشريف)).
[170] في (ج): ((ذلك ومن يعظم)).
[171] في (ج) و (م): ((الوجه السابع عشر)).
[172] في (م): ((أخص)).
[173] في (م): ((المقام)).
[174] قوله: ((◙)) ليس في (ط).
[175] في (م): ((وغيرها)).
[176] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[177] في (م): ((يقدره)).
[178] في (ج): ((يستمتع)).
[179] في (ج) و (م): ((زيادة له في التشريف)).
[180] في (ط): ((لأعطي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[181] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[182] قوله: ((في التشريف والتعظيم ولو كان ركوبه ╕)) ليس في (م).
[183] في (م): ((في الركوب على البراق)).
[184] في (ط): ((فأعطيه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[185] قوله: ((عند الله تعالى مكاناً حتَّى أنه يأتي وهو راكب فيكون ذلك له بشارة بالخير والحظوة عند ربه)) ليس في (ج).
[186] قوله: ((عند)) ليس في (م).
[187] في (م): ((محسوس)).
[188] زاد في (م): ((علو)).
[189] في (ط): ((يأتون والمؤمنون)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[190] في (ج): ((نوق اللحم والدم)) وفي (م): ((راكب فوق اللحم والدم)).
[191] قوله: ((هو)) ليس في (ج).
[192] في (م): ((فوق)).
[193] في (ج): ((المشاهد)).
[194] في (ط):((دواب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[195] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[196] في (ج) و (م): ((ملئت بطنه المكرمة)).
[197] في (ج) و(م): ((طار في الهواء)).
[198] في (ط): ((والحقيقة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[199] في (ج) و (م): ((وفي الحقيقة القدرة هي حاملة)).
[200] في المطبوع: ((يفلت)).
[201] زاد في (م): ((أمرت أن أحدثكم عن أحد حملة العرش ما بين شحمة أذني أحدهم مسيرة الطائر ألف سنة، و)).
[202] قوله: ((كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[203] في (ط): ((غلظ)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[204] في (ج) و (م): ((ذلك)).
[205] في (ط): ((الصوفية)).
[206] في (ج): ((السماء)).
[207] في (ج) و (م): ((يعنون)).
[208] في (م): ((أن من الله عليه)).
[209] في (ج): ((سري)).
[210] في (م): ((سري به من سماء الدنيا إلى السماء الثالثة إلى قاب)).
[211] في (ط) و (م): ((بأذن)) والمثبت من (ج).
[212] زاد في (ج): ((النبي الكريم على ربه)). وقوله بعدها: ((السيد)) ليس في (ج).
[213] في (م): ((سنة هذا السيد الكريم على ربه صاحب)).
[214] في (ج): ((سري)).
[215] في (م): ((وأنفاسه سري بسره إلى سماء قاب قوسين)).
[216] في (ج) و (م): ((هنا)).
[217] في (م): ((سري)) والموضع الذي بعده.
[218] في (ج): ((سري)).
[219] في (ج): ((ولهذا)).
[220] في (ج): ((وما)).
[221] في (ج): ((من)).
[222] قوله: ((الشيء الذي وَقَر في صدره)) ليس في (ط) و(م) والمثبت من (ج).
[223] في (ج): ((زدت)).
[224] في (ط): ((الصوفية)).
[225] في (ج): ((تخل إلا تحل)).
[226] في (م): ((المبارك)).
[227] قوله: ((به)) ليس في (م).
[228] في (م): ((من سره أن لا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئا)).
[229] في (ط): ((التجلي)).
[230] قوله: ((العظيم)) ليس في (ط) و (م) والمثبت من (ج).
[231] في (م): ((الوجه الواحد)).
[232] في (ط): ((كان)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[233] في (ط): ((إلا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[234] في (م): ((فلذلك)).
[235] قوله تعالى: ((ذلك)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[236] في (ط): ((فكل)).
[237] في (ط): ((والتجلي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[238] في (ج): ((الثالث)).
[239] في (م): ((لهم)).
[240] في (م): ((يغتسل)).
[241] قوله:((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[242] في (ج): ((ينزل)).
[243] في (ج): ((بالأصل)).
[244] قوله: ((ومنها أنَّه خص بما لم يخص... أم إسماعيل ╕)) ليس في (م).
[245] في (م): ((بواسطة)) والموضع الذي بعده.
[246] في (ج): ((وكان)).
[247] في (م): ((أصلاً مباركاً)).
[248] قوله: ((في)) ليس في (ج) و (م).
[249] في (ج): ((أبيك)).
[250] في (ج): ((أبيك)).
[251] في (م): ((قد)).
[252] في (م): ((من)).
[253] قوله: ((ممكن)) ليس في (م).
[254] في (ج) و (م): ((أتينا)).
[255] في (م): ((أن)).
[256] قوله: ((قد)) ليس في (ط) و (م) والمثبت من (ج).
[257] في (ط): ((دواب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[258] في (ط): ((شاءت القدرة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[259] في (ط): ((تبدي ما شاءت عند وجودها)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[260] قوله:((على)) ليس في (ج) و (م).
[261] في (ط): ((مشتغلاً)) وفي (م): ((مستقبلا)) والمثبت من (ج).
[262] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[263] في (م): ((يعجزه)).
[264] في (ط): ((ممكن)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[265] في (م): ((لا يصعدون)).
[266] في (م) و (ج): ((بحسب ما شاء لأنهم)).
[267] في (م): ((الذي)).
[268] قوله: ((ما شاءت كيف شاءت)) ليس في (ج) و (م).
[269] في (ج) و (م): ((يسألوه)).
[270] في (م): ((فسألوه)).
[271] في (م): ((كان)).
[272] في (ط): ((الكناية)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[273] في (ج) و (م): ((وقد)).
[274] في (م): ((هل حل أم لا وكذلك أجابوا)).
[275] في (ج) و (م): ((لأن)).
[276] في (ط): ((الملائكة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[277] قوله: ((فيه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[278] في (ط): ((المشروطة))والمثبت من النسخ الأخرى.
[279] في (م): ((منه سرور)) بتقديم وتأخير.
[280] زاد في (م): ((السلام)).
[281] في (م): ((وقال)).
[282] قوله: ((قال بعض المفسرين في معناه: لا تدرون من يكون يوم القيامة)) ليس في (ج).
[283] في (ط): ((الأبوين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[284] في (ط): ((لغيرهم)).
[285] في (ج): ((النبوة)).
[286] في (ط): ((للسماء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[287] قوله: ((فسلمت)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[288] في (ج): ((واستفهامها)).
[289] في (ج): ((قد)).
[290] في (م): ((وقد مر وقد بقي)).
[291] في (م): ((إنما)).
[292] في (ج): ((بعضها)).
[293] قوله: ((الأنبياء)) ليس في (ج).
[294] في (م): ((من)).
[295] في (ج): ((الثالثة)).
[296] قوله: ((السادسة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[297] قوله: ((لو)) ليس في (ج).
[298] في (ط): ((كانوا نازلين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[299] قوله:((على)) ليس في (ج).
[300] قوله: ((وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ})) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[301] قوله: ((أتى إلى)) ليس في (م).
[302] قوله: ((بها)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[303] في (م): ((كلامهم)).
[304] في (ج): ((انقلبوا))، وفي (م): ((فلما أن انتقلوا)).
[305] زاد في (ج): ((على)).
[306] في (م): ((الكلام)).
[307] قوله: ((الوجه)) ليس في (م).
[308] في (م): ((ما أبكاك)).
[309] في (م): ((أفضل ما يدخل الجنة من أمتي)).
[310] في (ط): ((الفصل))، والمثبت من النسخ الأخرى.
[311] في (م): ((الحق)).
[312] في (ط) و (م): ((لأمتهم)) والمثبت من (ج).
[313] قوله: ((جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[314] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[315] قوله: ((أبدا)) ليس في (م).
[316] قوله: ((له)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[317] في (م): ((بما شاء فقدر)).
[318] قوله: ((حال من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[319] في (ط): ((وقوعه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[320] في (م): ((ومثال)).
[321] في (ط): ((وأعطيها))، وفي (م): ((فأعطيها)) والمثبت من (ج).
[322] في (م): ((الاثنتين)).
[323] في (ج) و(م): ((نصيب)).
[324] في (ط): ((خلل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[325] في (م): ((مؤثرة)).
[326] قوله: ((فإنه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[327] زاد في (م): ((قد)).
[328] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[329] في (م): ((جعلوه)).
[330] في (م): ((وعلم)).
[331] زاد في (م): ((عند ذلك)).
[332] في (م): ((وحكمي)).
[333] قوله: ((أيضا)) ليس في (م).
[334] قوله: ((عنه)) ليس في (ج).
[335] قوله: ((بذلك)) ليس في (ج).
[336] في (م): ((الذي يدخل)).
[337] قوله: ((عليه)) ليس في (م).
[338] في (م): ((مُعمِلٌ)).
[339] في (م): ((بكاؤه)).
[340] في (ط): ((يطلقون)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[341] قوله: ((أن العرب إنما تطلق على المرء... تعظيماً للنَّبي صلعم وترفيعاً)) ليس في (ج) و (م).
[342] في (م) : ((أن)).
[343] زاد في (م): ((به)).
[344] قوله: ((وأن الغلام عند العرب هو الصغير... بهذا الاسم دون غيره والله أعلم)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[345] في (ط): ((اثنين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[346] قوله: ((عنه)) ليس في (م).
[347] في (ط) و (م): ((إطلاعه)) والمثبت من (ج).
[348] في (ج) و(م): ((هي)).
[349] في (ج): ((ولا امتحنت)).
[350] في (ج): ((بشريعة)).
[351] في (م): ((فبشر)).
[352] في (م): ((لأن)).
[353] في (م): ((لأنه)).
[354] قوله: ((ملازم لموسى ╕ لأجل أنَّه... لم يكن مع موسى ╕)) ليس في (ج).
[355] في (ط): ((مرتبة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[356] في (ج): ((وفي)).
[357] في (م): ((ما)).
[358] في (ج) و (م): ((لأنه)).
[359] في (م): ((طرفين)).
[360] في (ج): ((في الأبوية)).
[361] قوله: ((والحبيب ها هو قد علا ذلك المقام فكان الخليل)) ليس في (ج).
[362] في (م): ((ما)).
[363] في (م): ((الرسالة)). وقوله: ((الشفاعة)) ليس في (ج).
[364] قوله: ((والله ╡ أعلم)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[365] قوله: ((قد)) ليس في (ج).
[366] في (ط): ((من)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[367] في (ج): ((المراد)).
[368] في (م): ((والوجه)).
[369] زاد في (م): ((قد)).
[370] في (ج): ((الحادي)).
[371] في (ط): ((الصوفية)).
[372] في (ط) و(ج): ((المرفوع)).
[373] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[374] في (ج): ((بصره)).
[375] في (ط): ((بقاء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[376] في (ج): ((لكلٍ)).
[377] قوله: ((فيه كالتأويل)) ليس في (ج).
[378] قوله: ((أن)) زيادة من (ج) على النسخ.
[379] في (ج): ((لهم)).
[380] في (ط): ((ويصلي)).
[381] قوله: ((إليه)) ليس في (ج) و (م).
[382] في (ط): ((ممكن)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[383] قوله: ((إلى الأبد)) ليس في (م).
[384] في (ط): ((مرقد)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[385] في (م): ((أربع)).
[386] في (ط): ((ساجداً)).
[387] قوله: ((بها)) ليس في (ط) و(م) والمثبت من (ج).
[388] في (ج): ((يصلي)).
[389] في (ط): ((يعودوا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[390] في (م): ((خلق من المخلوقات الحيوانات)).
[391] قوله: ((الذين)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[392] في (ج): ((أهل العالمين العلوي والسفلي أعني أنهم مأمورون بجنسها)) وفي (م): ((أفضل العبادات إذا بها اشترك فيها أهل العالمين العلوي والسفلي أعني أنهم مأمورون بجنسها)).
[393] قوله: ((به)) ليس في (ج) و (م).
[394] في (ج): ((أو)).
[395] قوله: ((سَنَة. وفي رواية: خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ)) ليس في (ج).
[396] قوله: ((لأنه)) ليس في (ج).
[397] في (م): ((وللنظر)).
[398] في (ط) و (م): ((الصوفية)).
[399] في (ج): ((فوجد))، وفي (م): ((فوجده)).
[400] في (م): ((جاوره)).
[401] في (م): ((يتبين)).
[402] في (ج): ((لينتبه)).
[403] في (ط) و(ج): ((إلي)).
[404] في (ج): ((المعالي)).
[405] في (م): ((الأمر)).
[406] في (م): ((بنبقها)).
[407] قوله: ((له ذلك)) ليس في (ج) و (م).
[408] في (ط): ((التسمية بما)) وفي (م): ((من باب تسمية الشيء)).
[409] قوله: ((ولا عن شيء كان ما كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[410] في (ج): ((التسمية للشيء)).
[411] في (م): ((يقاربه)).
[412] في (م): ((يحتمل الوجهين)).
[413] قوله: ((لأنَّ القدرة صالحة لكليهما فكما جعل ╡ هنا الأرض)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[414] في (م) و (ج): ((يحتمل)).
[415] قوله: ((والأرض)) ليس في (م).
[416] قوله: ((كله ولا عن مثله وأمثاله إلى ما لا نهاية له، ولأن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[417] في (المطبوع):((وتمهدت)).
[418] في (ج) و (م): ((لكون أن الله)).
[419] في (ط): ((لجعل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[420] في (ج): ((ويشتمل)).
[421] في (ج): ((أن)).
[422] في (ج) و (م): ((محتمل)).
[423] في (ج): ((فالفرات والنيل)) وفي (م): ((الفرات والنيل)) بتقديم وتأخير.
[424] في (ج) و (م): ((أن)).
[425] في (ج): ((إليهما يجريان)).
[426] قوله: ((وفي المسألة خلاف ذكره العلماء)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[427] في (ج): ((ثم لما أن شاء الله تعالى)) وفي (م): ((ثم لما أن شاء الله ╡)).
[428] قوله: ((بل)) ليس في (ج).
[429] في (ج) و (م): ((جلّ)).
[430] في (ط): ((الصوفية)).
[431] في (ج): ((إصلاح)).
[432] قوله: ((ولم يلتفتوا إلى الباطن)) ليس في (م).
[433] قوله: ((الفصل بحث دقيق وهو لم فُرِضَت الصلاة في هذا)) ليس في (م).
[434] في (م): ((والله أعلم المستعان)).
[435] قوله: ((كان)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[436] في (م): ((التكلفات)).
[437] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[438] قوله: ((من الفهم)) ليس في (م).
[439] في (م): ((إن)).
[440] في (ج) و (م): ((وجعلت)).
[441] قوله: ((الوجه)) ليس في (م).
[442] في (م): ((خمس)).
[443] في (ط): ((فأجمع)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[444] في (ج): ((ثم ارفع حتَّى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتَّى تطمئن ساجداً)) وقوله: ((ثم ارفع حتى تعتدل قائما)) ليس في (م).
[445] قوله: ((لأنه)) ليس في (ج).
[446] قوله: ((العبد)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[447] في (م): ((مقام)).
[448] قوله: ((ذلك)) ليس في (ج).
[449] في (م): ((صفة)).
[450] في (ج) و (م): ((الثلاثة)).
[451] في (ج) و (م): ((بالالهية)).
[452] في (ج): ((بالاستعانة)).
[453] في (ج): ((كانت)).
[454] قوله: ((الاستعانة قال هذا بيني وبين عبدي ولما كان باقيها طلباً)) ليس في (م).
[455] في (ج) و (م): ((ولعبدي)).
[456] في (ج): ((وأما)).
[457] في (ج): ((تكبيرة)).
[458] في (ط): ((تجلي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[459] في (ط) و(ج): ((وتداني)) والمثبت من (م).
[460] في (ج): ((والقرآن)).
[461] زاد في (م): ((والدعاء)).
[462] في (ج): ((أنزلت)).
[463] في (ج): ((أما)).
[464] في (م): ((أما)).
[465] قوله: ((والسنة)) ليس في (ج).
[466] في (م): ((فإن)).
[467] في (ط): ((حام))، وصورتها في (م): ((جاه)) والمثبت من (ج).
[468] في (ج) و (م): ((القائم)).
[469] في (م): ((قيل)).
[470] قوله: ((من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[471] في (ج) و (م): ((تجلي)).
[472] في (م): ((من ربه)).
[473] في (م): ((فوافق أحدهما)).
[474] قوله: ((مرَّ)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[475] قوله: ((هل هي)) ليس في (ط)، وقوله: ((هي)) ليس في (م) والمثبت من (ج).
[476] قوله: ((فيه)) ليس في (م).
[477] في (ط): ((بالدعاء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[478] في (م): ((العبد من ربه اذا)).
[479] في (م): ((فرقا لأن ما أخبر به)).
[480] في (م): ((فهو فيض الربوبية ليس من كسب العبودية)).
[481] قوله: ((فتلك خاصة بكسب العبد)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[482] قوله: ((ويذم)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[483] في (ج): ((لا راحة)).
[484] في (ج): ((الباقية)).
[485] قوله: ((تفسير)) ليس في (ج).
[486] في (ج): ((السور)).
[487] في (ط): ((كنوز)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[488] في (ج) و (م): ((وقد ورد أن لله ╡ ثمانية)).
[489] قوله: ((ألف)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[490] في (ج): ((والستمئة)).
[491] في (ج): ((الاثنين)).
[492] في (ج): ((بيان إلى جميع)).
[493] في (ج): ((وما يفعلوا)).
[494] في (م): ((هذا)).
[495] في (م): ((يتبين)).
[496] قوله: ((فهي خداج)) الثالثة ليس في (ج) و (م).
[497] قوله: ((وما أشبه ذلك)) ليس في (ج) و (م).
[498] قوله: ((وقيام الليل وسجود التلاوة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[499] في (م): ((والركوع قبل الظهر وبعدها وقبل العصر وبعد المغرب، ثم نرجع الآن إلى)). (ج): ((والركوع قبل الظهر وبعدها وقبل العصر وبعد المغرب ونرجع الآن إلى)).
[500] قوله: ((على)) ليس في (ط) و(م) والمثبت من (ج).
[501] في (ج): ((جنس)).
[502] قوله: ((فُرض)) ليس في (ج).
[503] في (م): ((ما فرض الله عليه)).
[504] في (ج): ((شبهاً)).
[505] في (ط): ((منها فهو ارتداد)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[506] في (ج): ((ثم زاده)).
[507] في (ج): ((شبهة الحلال)).
[508] قوله: ((هنا)) ليس في (ج) و (م).
[509] في (ج): ((والفرائض للأول وهي)).
[510] في (ج): ((ذلك)).
[511] في (ط): ((قاله ابن خطيب الري)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[512] في (م): ((وقعت)).
[513] في (ج): ((الجنس)).
[514] في (م): ((سري)) والموضع الذي بعده.
[515] في (م): ((البحر)) والموضع الذي بعده.
[516] في (ج): ((بن متى إلا المسافة))، وفي (م): ((بن متى إلا بالنسبة إلى المسافة)).
[517] في (ج): ((نزل إلى قعر)).
[518] في (ج): ((من القرب إلى الله)) وفي (م): ((إلى القرب من الله)).
[519] في (ج): ((أي أنه)) وفي (م): ((أي أنه لو كان)).
[520] في (ج): ((في)) وفي (م): ((فحصل من)).
[521] في (ج): ((ذلك)).
[522] قوله: ((فُدي)) ليس في (ج).
[523] في (ج): ((فامتثل هذا للسنة)).
[524] صورتها في (م): ((إتمامها)).
[525] قوله: ((لأنَّه يطوف بها كل سنة عدد معلوم من بني آدم والملائكة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[526] قوله: ((ما)) ليس في (ج).
[527] قوله تعالى: ((ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)) ليس في (ج).
[528] قوله: ((أمة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[529] في (ج): ((تضم)).
[530] زاد في (م): ((أجر)).
[531] في (ج): ((قبل الولوع)).
[532] في (ج): ((أشفار)) وفي (م): ((فإذا استنثر خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار)).
[533] صورتها في (م): ((بدنه)) والموضع الذي بعده.
[534] في (م): ((اسباغ وضوئه أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الحديث لقوله)).
[535] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[536] في (م): ((ولم يشترك)).
[537] في (م): ((لا يزيد على ذلك)).
[538] في (ج): ((في كل تنفل من الناس عليه صدقة)).
[539] قوله: ((فإن لم يجد)) ليس في (ج).
[540] في (م): ((لقوله ◙ كل سلامى من الناس عليه صدقة فذكر)).
[541] قوله: ((فذكر لهم أشياء حتَّى قال)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[542] في (ط): ((اثني))، وفي (ج): ((اثنا))، والمثبت من (م).
[543] قوله: ((وأربعاً بعدها وأربعاً قبل العصر وأربعاً قبل العشاء)) ليس في (م).
[544] قوله: ((له)) ليس في (م).
[545] في (م): ((فإنه ◙ كان يداوم على)).
[546] قوله: ((الأجر)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[547] قوله: ((وأجملها)) ليس في (ج) و (م).
[548] قوله: ((له)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[549] في (م): ((القلب)).
[550] في (م): ((عشرة ركعة أو له على)).
[551] قوله: ((له)) ليس في (ط) و (م) والمثبت من (ج).
[552] قوله: ((في كتابه)) ليس في (ج).
[553] في (م): ((القلب)).
[554] قوله: ((الكريم)) ليس في (ط)، والمثبت من النسخ الأخرى.
[555] في (ج): ((سبعمائة)).
[556] قوله: ((المذكورة)) ليس في (ج).
[557] في (م): ((اشتغل)).
[558] في (ج): ((وفي الصلاة)).
[559] قوله: ((الكريم)) ليس في (م).
[560] في (ج): ((ما)).
[561] في (ج): ((بعض)).
[562] في (ج): ((قال)).
[563] في (م): ((فصفق فتردد يلتمس)).
[564] في (ج): ((إلى الصلاة)).
[565] في (م): ((هذا ماحكي)).
[566] في (م): ((خسرانا ثانيا)).
[567] في (ط): ((ماضي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[568] في (ج): ((الممكن)).
[569] قوله: ((المخصوص)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى، وبعدها في (م): ((بها)).
[570] قوله: ((الجليلين اللذين هما أبلغ شيء في الرجاء بين الاسمين الجليلين المتضمنين)) ليس في (ج). وعدها في (ج): ((بين الهيبة)).
[571] في (ج): ((ترفقاً)).
[572] في (ط): ((لأنَّه لو كانت تلك الاسمين الجليلين اللَّذين للهيبة))، وفي (ج): ((لأنه لو كانت ذلك الاسمان الجليلان اللذان للهيبة))، والمثبت من (م).
[573] في (ج) و (م): ((بالذكر بالاسمين)).
[574] في (ط): ((لكانا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[575] في (ط): ((تلك)).
[576] قوله: ((الوجه)) ليس في (م).
[577] في (م): ((لاستويا)).
[578] قوله: ((يوجبان الخوف واسمان)) ليس في (ج).
[579] في (ج): ((الرحيم)).
[580] في (ج): ((والخوف)).
[581] في (ج) و (م): ((يوم)).
[582] في (ط): ((المعظمين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[583] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[584] في (ط): ((المعظم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[585] في (ج): ((مثير)) وفي (م): ((تمييز)).
[586] في (م): ((المواقف)).
[587] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[588] في (م): ((فيهم)).
[589] في (م): ((أقام)).
[590] في (ط) و(ج): ((يقول إذا قال العبد)).
[591] زاد في (م): ((سمي)).
[592] في (ج) و (م): ((يحتمل أن يكون سميت)).
[593] في (ج) و (م): ((والفضيلة)).
[594] في (ج): ((كثيرة)).
[595] في (ج) و (م): ((دالة)).
[596] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و (م).
[597] زاد في (ج): ((ولذلك النبي صلعم بخمسة أسماء)).
[598] في (م) و (ج): ((أو أنزلته في كتابك أو علمته)).
[599] زاد في (م) و (ج): ((أو كما قال ╕)).
[600] في (م): ((بمتضمن)).
[601] في (م): ((سبب)).
[602] في (ج) و (م): ((وتبيين)).
[603] في (م): ((بالإلهية)).
[604] في (ج): ((علم)).
[605] قوله: ((له)) ليس في (م).
[606] في (م): ((منه)).
[607] قوله: ((ثم)) ليس في (ج).
[608] زاد في (م): ((إذا فعلوا ذلك)).
[609] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[610] قوله: ((بها)) ليس في (م).
[611] في (ط): ((مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا أَنَّهَا لَرُقْيَة)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[612] قوله: ((من)) ليس في (ج).
[613] قوله: ((من الأقوال)) ليس في (ط) والمثبت من (ج).
[614] قوله: ((أعم من الشكر على الصحيح من الأقوال فأتى باللفظ العام الذي)) ليس في (م).
[615] في (م): ((ولفظة)).
[616] قوله: ((من أسماء الترفيع والتعظيم... كل ما في الكتاب)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[617] قوله: ((ذكر)) ليس في (ج) و (م).
[618] قوله: ((ما في الكتاب من)) ليس في (ط) و(ج).
[619] في (ج): ((الامتثال)).
[620] في (م): ((ولفظة)).
[621] قوله: ((العزيز)) ليس في (ج) و (م).
[622] في (ج): ((التعبد)).
[623] صورتها في (م): ((والإقرار)).
[624] في (ج): ((طريق)) وفي (م): ((سبيل)).
[625] في (م): ((ومالهم)) والموضع الذي بعده.
[626] في (م): ((الوجه وبما قبله)). وفي (ج): ((الوجه وما قبله)).
[627] قوله: ((فكان أم الشيء أصله)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[628] قوله: ((كل ركعة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[629] قوله: ((لأنها تنوب في الصلاة عن غيرها ولا ينوب غيرها عنها)) ليس في (ج).
[630] قوله: ((أحدهما نوح والآخر فيما أظن أنه آدم ◙)) ليس في (ج) و (م).
[631] في (ج): ((ولذلك)).
[632] في (م): ((الفاتحة)).
[633] في (ط): ((استحقت)) والمثبت من (ج).
[634] في (م): ((أن بهذا استحقت تلك الخمسة)).
[635] قوله: ((ما)) ليس في (ج).
[636] في (ج) و (م): ((افتتحت)).
[637] في (ج): ((فقال)).
[638] في (ط): ((الكنوز)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[639] في (ج): ((والثاني)).
[640] في (ج): ((والثالث)).
[641] في (ط): ((بالمثاني)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[642] زاد في (م): ((قد)).
[643] قوله: ((عبدي)) ليس في (ج).
[644] زاد في (ج) و (م): ((وهذه لعبدي ولعبدي ما سأل)).
[645] في (ج): ((عيد)).
[646] في (ط): ((الآيات)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[647] قوله: ((الثَّالث أنها سبع مقسومة بين اثنين على مقتضى الحديث)) ليس في (م).
[648] قوله: ((أن تاليها)) ليس في (ج).
[649] في (ج) و (م): ((حمد)).
[650] في (م): ((أن)).
[651] في (م): ((مثناة)).
[652] قوله: ((أن)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[653] في (ط): ((الرب)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[654] في (م): ((للمنزلة للعبد)).
[655] في (ط): ((التحميد إليه)).
[656] في (م): ((بمتضمن)).
[657] في (م): ((وأي خير)).
[658] في (ج) و (م): ((ألا أعطيكم)).
[659] في (ج): ((من الرجاء)).
[660] في (ج): ((أعطيه)) وفي (م): ((قوله ╡ لعبدي ما سأل فمن أعطيه)).
[661] في (م): ((فتحقق)).
[662] في (ج): ((هذه)).
[663] في (م): ((وعن غير ذلك دل على تعظيمه)).
[664] قوله: ((العظيم)) ليس في (ج).
[665] في (ج) و (م): ((ولعبدي)).
[666] في (م): ((يزدد)) والموضع الذي بعده.
[667] في (ج): ((فالأحاديث)).
[668] قوله: ((له)) ليس في (م).
[669] زاد في (م): ((له)).
[670] قوله: ((الكريم)) ليس في (م).
[671] في (ج): ((وهذا)).
[672] في (ج) و (م): ((المتقدمين)).
[673] في (المطبوع): ((تائبون)).
[674] في (ج): ((يحتض)).
[675] في (م): ((على ما)).
[676] في (ج) و (م): ((بدنه)).
[677] زاد في (م): ((هذه العبادة)).
[678] في (ج): ((على أن)).
[679] قوله: ((بها)) ليس في (ج).
[680] قوله: ((في المنام عصمتهم)) ليس في (م).
[681] قوله: ((أعني إذا وقعت الرؤيا لغير نبي... عصمتهم في اليقظة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[682] في (م) و (ج): ((ولم يكن)).
[683] في (ج): ((مما لا يوحى إليه إلا في النوم)) وفي (م): ((ممن لا يوحى إليه إلا في النوم)).
[684] في (ج): ((ليبين لهم الحالة)).
[685] في (ج): ((البيت المقدس)).
[686] في (ج): ((من المشركين به إنكار)).
[687] قوله: ((حين)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[688] قوله: ((فيه وإنَّما كان لوجهٍ ما كما أخبر به ثم سأله المشركون عن جزئيات)) ليس في (م).
[689] في (م): ((محتمل)).
[690] في (ج) و (م): ((مع)).
[691] في (ج): ((سؤالهم)).
[692] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[693] في (ج) و (م): ((سري)).
[694] في (م): ((ومن)).
[695] قوله: ((من)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[696] قوله: ((مع أنه ╡)) ليس في (ج).
[697] قوله: ((لِمَ)) ليس في (ج).
[698] في (ج) و (م): ((سرِّي)).
[699] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[700] في (ط): ((فيوجب)) وفي (م): ((استأثرها فيجب)) والمثبت من (ج).
[701] في (ج): ((هي والله أعلم لما ذكرنا)) وفي (م): ((هي والله أعلم لما ذكرناه)).
[702] في (ط) و(ج): ((بما)).
[703] في (ج) و (م): ((سري)).
[704] قوله: ((التي)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[705] في (ج): ((عن كل ما سألوه عنه)) وفي (م): ((بكل ما سألوه عنه)).
[706] قوله: ((آية)) ليس في (ج).
[707] في (ط): ((له)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[708] قوله: ((أيضا)) ليس في (م).
[709] في (ط): ((هي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[710] تحرفت في (ط) إلى: ((تصل)).
[711] في (م): ((فيها)).
[712] قوله: ((حتى)) ليس في (م).
[713] في (ج): ((العهد)).
[714] قوله: ((لأجلها)) ليس في (م).
[715] في (ج) و (م): ((أنه)).
[716] قوله: ((دليل)) ليس في (ج).
[717] في (ج): ((من حكمته بارتباط)).
[718] في (م): ((في)).
[719] في (ج) و (م): ((وذلك)).
[720] في (ط): ((ما لم يحمل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[721] زاد في (م): ((أن)).
[722] قوله: ((ولأمته)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[723] في (ط): ((اعتراضه لنفحة))، وفي (ج): ((فصار تعرضه النفحة)) والمثبت من (م).
[724] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و (م).
[725] قوله: ((عن)) ليس في (ج).
[726] في (ج): ((وفضلاً)).
[727] في (ج): ((للفرض)).
[728] في (ط): ((رده)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[729] زاد في (م): ((أن)).
[730] في (ط): ((مراتب))، و في (ج): ((مرات)) والمثبت من (م).
[731] في (ج): ((يزاد بها)).
[732] في (ط): ((المولية وعطف المولية)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[733] في (ج): ((صاحبها)).
[734] في (م): ((دال على رفع المنزلة وذلك أيضا دال على)).
[735] في (ط): ((المخلوق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[736] في (ج): ((بالرحمن والرحيم ذلك)).
[737] في (م): ((وأجل)).
[738] في (ج): ((ذلك)).
[739] في (ط): ((قضيت)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[740] في (ج): ((تكرر خمس مرات قيل وفي كل مرة قضيت له حاجة)).
[741] في (م): ((ذكرنا)).
[742] في (ط): ((الصوفية)).
[743] في (ج): ((قالوا)).
[744] في (م): ((بقضاء)).
[745] في (ج) و (م): ((الوجوه)).
[746] قوله: ((لاختلاف أحوال الناس في ذلك)) ليس في (ج) و (م).
[747] في (ج) و (م): ((إن المنبت)).
[748] قوله: ((شيئاً)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[749] في (ط): ((الخمس مراتب))، والمثبت من (م).
[750] قوله: ((لأنَّ كثرة الإلحاح)) ليس في (ج).
[751] في (م): ((وهو كثرة الإلحاح في السؤال لا كثرة الإلحاح فيه قربة مع)). وبعدها في (ج): ((إبقاء)).
[752] في (م): ((عن)).
[753] قوله: ((له)) ليس في (ط) و(ج) والمثبت من (م).
[754] في (م): ((قوم)).
[755] في (ج) و (م): ((عذاباً)).
[756] في (م): ((أخبر ◙ إنه أمان لأصحابي ما دمت فيهم وأصحابي أمان لأمتي فلم يبق إلا أن يكون خوفه ◙ من الصفة)).
[757] في (ج): ((أثر ما انتقم الله به)).
[758] في (م): ((يتفكر)).
[759] في (ج): ((كذلك)).
[760] في (ج) و (م): ((فهذا)).
[761] قوله: ((من)) ليس في (ج) و (م).
[762] في (ج): ((التعظيم)).
[763] زاد في (م): ((من وجه التعليم أن نعظم آيات الله ونفزع عند ظهورها فإن الله ╡)).
[764] في (ج): ((بما ورد)).
[765] في (ج): ((حالتهم)).
[766] في (م): ((من)).
[767] في (م): ((فحكم)).
[768] في (ط): ((الصوفية)).
[769] قوله: ((الأثر)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[770] في (ج) و (م): ((أو)).
[771] قوله: ((عليه)) ليس في (م).
[772] في (ج): ((غير)).
[773] في (ج): ((قدرة)).
[774] قوله: ((أولاً)) ليس في (ج).
[775] في (م): ((لحكمته)).
[776] في (ط): ((صلوات)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[777] في (ج): ((إرادتها)).
[778] في (ج) و (م): ((الصوفية)).
[779] في (م): ((حال)).
[780] قوله: ((لعل)) ليس في (م).
[781] في (ج): ((أن يكون ذلك)).
[782] قوله: ((واستنبطناه)) ليس في (ج) و (م).
[783] قوله: ((إليه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[784] قوله: ((الآية)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[785] قوله: ((له)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[786] في (ج): ((فإنها)).
[787] قوله: ((عنه)) ليس في (ج) و (م).
[788] في (ج) و (م): ((هذا)).
[789] في (ج): ((حاله قريب)).
[790] في (ط): ((الصوفية)).
[791] قوله: ((فلو تكلم لكان ذلك في حقه... الصلاة والسلام كان كلامه)) ليس في (ج).
[792] زاد في (م): ((به)).
[793] في (ط): ((منهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[794] في (ط): ((الصوفية)).
[795] قوله: ((بعض)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[796] في (ج) و (م): ((فلما أن رأى)).
[797] في (م): ((المحققون)).
[798] في (ط): ((الصوفية)).
[799] في (ج): ((إبراره)).
[800] في (ط): ((صلوات)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[801] في (م): ((تكريم)).
[802] في (م): ((ترفيع)).
[803] قوله: ((لقدره)) ليس في (ج) و (م).
[804] في (ج): ((فلم يتخفف)).
[805] في (ج): ((كما أتحف به أولاً)).
[806] في (ج): ((مخالفة)).
[807] في (م): ((أو من)).
[808] قوله: ((أعاد الله علينا بركته وجعلنا من خير أمته)) ليس في (ط) و(ج).
[809] قوله: ((اللهم واجعل ما... وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً)) ليس في (م) و (ج).