بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى

          68- (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَرْسَلَتِ(1) ابْنَةُ(2) النَّبِيِّ صلعم (3)...)(4) الحديث. [خ¦1284]
          ظاهر الحديث يدلُّ على جواز بكاء الرحمة، وهو أيضًا دالٌّ عليها، والكلام عليه(5) من وجوه:
          منها: استحضار ذوي الفضل عند معالجة الموت، يُؤخَذُ ذلك من توجيه ابنته صلعم ليحضر(6) صلعم موت ابنها، وهو ╕ في وقته وفي كلِّ وقت أفضل العباد.
          وفيه دليلٌ على مراجعة صاحب المصيبة بالتصبُّر والتعزِّي. يُؤخَذُ ذلك من مراجعة النَّبي صلعم لها ♦ وقوله ◙ : «فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»
          وفيه دليل على جواز الكناية عن الشيء بما يدلُّ عليه. يُؤخَذُ ذلك من قولها ♦: (إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ) وهو في قيد الحياة بعدُ(7)، لكن لـمَّا(8) كان يعالِجُ(9) سكرات الموت كَنَتْ عنه بالموت.
          وفيه دليلٌ على أنَّ من السنَّة أن يُخبَر(10) الذي يُسْتَدعى لماذا يُراد؟ يُؤخَذُ ذلك من قولها: (إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَائْتِنا)، لأنَّها لم تطلب منه ╕ الإتيان(11) إلَّا بعد ما أخبرته بموت ابنها.
          وفيه دليلٌ على جواز القسم على الأفضل(12)، ويكون من باب الرغبة لا من باب الحلف واليمين. يُؤخَذُ ذلك من قوله: (تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا(13)).
          وهنا بحثٌ: هل كان مشيه ╕ في ثاني مرة من / أجل القسم، أو من أجل غيره، أو من أجله ومن أجل غيره معًا(14)؟ وكيف امتنع ╕ أوّلًا من المشي مع ما طُبِع عليه(15) من حسن الشيم والرحمة(16) للأباعد؟ فكيف للأقارب(17)؟
          فأمَّا(18) سبب امتناعه ╕ أوَّلًا فلوجهين:
          (أحدُهما): ما(19) يبين أنَّ هذه الدعوة ليست ممَّا هي واجبة الإجابة(20) بخلاف دعوة النكاح.
          و(الثاني): من أجل ممكن أن يتعلَّق قلبها لمكانته ╕ عند الله تعالى(21) أنَّه يدفع عن الطفل شيئًا فأخبرها ╕ أنَّ هذا أمرٌ ما لأحد فيه حيلة. يُؤخَذُ ذلك من قوله ◙ : «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى»، وهذا من المؤخَّر في اللفظ، المقدَّم في المعنى، كأنَّه ╕ يقول: ما أعطاكِ الله من الولد فهو له، وأَخْذِه أيضًا هو(22) له، فإنَّه لم يأخذ حتَّى أعطى، فلمَّا لم يكن في المعنى إلباس جاز التقديم والتأخير، كمَا قال ╡ في كتابه العزيز: {الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى. فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى:4- 5].
          ولا يكون غُثَاء حتَّى يكون أحوى، والغثاء هو اليابس، فلمَّا عُلِمَ أنَّه لا يكون يابسًا حتَّى يكون أخضرًا(23)، جاز التقديم لعدم الإلباس، وهذا في لسان العرب من الفصيح، ثمَّ أخبرها بحكم الله عليها في ذلك وهو الصبر والاحتساب(24).
          ويُذْكَر(25) أنَّ بعض(26) العلماء كانت له زوجة يحبُّها فلمَّا ماتت وَجَد عليها حتَّى احتجب عن الناس، وكان الناس محتاجين(27) إليه لعلمه وفضله فتأتيه المسائل فيدخل بها الخديم، ويخرج بالجواب عليها، فلمَّا طال ذلك به بلغ إحدى(28) المتعبِّدات حالُه فأتت الباب(29) وقالت للخديم: لي(30) ضرورة(31) ولا يمكن الكلام معه إلَّا(32) مشافهةً، فأبى الخديم من الدخول بها إليه، / فذهب الناس وبقيت المرأة لم تَبْرَحْ من مكانها، فطمع الخديم أن يصرفها عن(33) الباب فلم تفعل، وزعمت(34) أنَّها لا بدَّ لها من رؤيته.
          فلمَّا طال جلوسها أخبر الخديم الشيخ بأمرها فأذن لها في الدخول،(35) فقالت: يا سيِّدي إنَّ جيرانًا لي استعرت منهم حليًّا أن أحضر به عرسًا فأعاروه لي، ثمَّ تركوه لي بعدُ زمانًا أتزيَّنُ به ثمَّ الآن قد طلبوه، ونفسي تأبى ردَّه فقال لها: لا يحلُّ لك حبسُه، فإنَّه عارِيَّة والعارِيَّة مؤدَّاة، حكمٌ من الله ╡ ورسوله صلعم، قالت: يا سيِّدي كان عن يوم وتركوه عندي(36) سنين، فقال: أحقُّ وأجدر أن تسارعي في ردِّه؛ لأنَّهم زادوك على المعروف معروفًا، فرامت به أن يفسح لها في ذلك في(37) شيء وهو يغلظ عليها، فقالت له(38): يا سيِّدي أوليس زوجتك أنت من جملة ما استعاركها الله وأخذ متاعه؟ فحزنك أنتَ واحتجابكَ عن الناس ممَّاذا(39)؟ فارتجع إلى نفسه، وشكر ذلك لها(40) وخرج من حينه.
          فكان جلوسُه(41) صلعم أوَّلًا لِيُقَعِّدَ الأحكام الشرعية مع القريب ومع البعيد(42) على حدٍّ سواء، وأمَّا مشيُه ╕ في ثاني مرَّة فإبرارٌ للقسم(43) وشفقة ورحمة كما جُبِل عليها وجَبْرٌ(44) لخاطرها لـمَّا أمن التوقع الأول، وفي هذا دليل لأهل الطريق الذين يقولون بجبر(45) القلوب.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الأجل لا يزيد ولا ينقص لقوله ◙ : «بِأَجَلٍ مُسَمًّى» / وهنا إشارة وهي أنَّ أهل الفضل لا يقطع الإياس من فضلهم وإن ردُّوا، يُؤخَذُ ذلك من ردِّها الرسول ثانية بعدما امتنع ╕ من المشي أوَّلًا هذا طمع في فضل مخلوق فكيف في فضل من ليس كمثله شيء؟
          ولذلك جاء عنه جلَّ جلالُه أنَّه يدعوه العبد المذنب فيعرض الله عنه، ويدعوه فيعرض الله عنه، فيدعوه(46) فيقول جلَّ جلالُه: «مَلَائِكَتِي أَمَا تَرَونَ عَبْدِي؟ يَعْلَمُ أَنَّه ليسَ لهُ مَنْ يَدْعُو غَيْرِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي(47) غَفَرْتُ لَهُ، وَقَبِلْتُ(48) دُعَاءَه».
          وقوله: (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ) فيه من الفقه جواز المشي إلى المآتم بغير إذن بخلاف الوليمة، يُؤخَذُ ذلك من مشي هؤلاء معه صلعم ولم يستدعهم ولا استأذنوا هم أيضًا(49).
          وفيه دليلٌ على تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم(50) له صلعم، يُؤخَذُ ذلك من كونه لـمَّا قام هو(51) صلعم قام معه من كان(52) هناك تعظيمًا له ╕.
          ويُؤخَذُ منه أنَّه لا يسمَّى من الجمع(53) إلَّا أعيانه، وذلك من الاختصار والإبلاغ في الفصاحة، يُؤخَذُ ذلك من كونه سَمَّى الأربعة لمكانتهم وأجمل الباقي(54) بلفظ: (رِجَالٌ).
          وقوله: (وَرُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم) الرفع(55) هنا احتمل معنيين:
          (أحدهما): أن يكون(56) بمعنى كشف له عنه كقوله / ◙ : «وَرُفِعَ ليَ البَيْتُ الْمَعْمُورُ» أي: أُظهِرَ(57) لي. و(الثاني): أن يكون بمعنى وُضِع في حِجْره، ومن(58) قولهم: رفعت زيدًا إلى الفراش أي: جعلته عليه، واحتملا معًا(59).
          وقوله: (وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ(60)كَأَنَّهَا شَنٌّ) الشَّنُّ هو الزِّقُّ البالي إذا بَلِيَ يتقشَّر(61) ويتشقَّق فمن يأخذه يجد له صوتًا من كل نواحيه فشبه ذلك السِّياق الذي كان يسوق(62) الصبيَّ لشدَّته وكثرته بصوت هذه(63) القِرَب البوالي التي(64) لا ينفصل عنها ذلك الحال(65).
          وفيه دليلٌ على أنَّ شدَّة الموت وخفَّته ليس فيه علامة على السعادة ولا على الشقاوة، يُؤخَذُ ذلك من كون هذا الطفل(66) لا تكليف عليه وهو يشدَّد(67) عليه، بل هذه حكمة استأثر بها الله تعالى، وقد قال صلعم في موت الفجاة: «إنها(68) تعجيلٌ لأحد الدارين» وقد قال(69) ◙ : «أنَّ المؤمنَ تَبْقَى له مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، فَيُشَدَّدُ عليهِ الموتُ حَتَّى يبلغَ تلكَ المنزلةِ(70)».
          وقوله: (وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) يريد: عينا رسول الله صلعم بدموعه(71) المباركة بغير صوت وتلك الدمعة هي دمعة الرحمة كما أخبر هو(72) صلعم.
          وقوله: (فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذَا؟) هنا من الفقه وجوه:
          منها: أنَّ من أدب الدين أن يكون كبير القوم هو الذي يستفتح الكلام أوَّلًا، يُؤخَذُ ذلك من أنَّ هذا لمكانته(73) في الصحابة ☺ وعنهم هو الذي ابتدأ الكلام(74)، والكلُّ رأوا ما رأى هو فالتزموا الأدب بعضهم مع بعض وهو المعلوم / منهم أن يتكلم الذي هو أولى(75) أولًا.
          ومنها: أنَّ الأدب مطلوبٌ في السؤال، يُؤخَذُ ذلك من قول سعد: (مَا هَذَا؟) سؤال إرشاد لا إنكار، ويُؤخَذُ منه أنَّ الأدب مع الأكابر أن يقدَّم(76) ذكر أسمائهم أول الكلام، يُؤخَذُ ذلك من قوله: (يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذَا؟) فقدَّم اسمه ╕ أوَّلًا، ويُؤخَذُ منه أنَّ من حسن السؤال الإيجاز فيه، يُؤخَذُ ذلك من قوله: (مَا هَذَا؟) سؤال استرشاد(77) ولم يزد على ذلك شيئًا.
          وقوله صلعم : (هَذِهِ) يعني الدمعة؛ لأنَّها خرجت بغير صوت.
          وقوله ◙ : (رَحْمَةٌ(78) جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ) هنا من الفقه أنَّ الذي تكلَّم الناس فيه في شأن الدموع وما يوجبُها(79) أنَّه باطلٌ؛ لأنَّهم ذكروا فيها(80) نحو الخمسة أو الستة أقاويل، أو ما(81) يقرب من ذلك، فمِمَّا(82) استحسن منها أنَّه(83): عَرَق القلب من خجل الذنوب وبه يطرِّزون تلك الأقاويل، وقد أخبر هنا الصادق ╕ (أنَّها خَلْقٌ من خَلْقِ الله استودعها قلوب عباده الرحماء)(84).
          وقوله ◙ : «إِنَّمَا(85) يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»(86) دلَّ بهذا أنَّ هذه الدموع صادرةٌ عن الرحمة التي في قلوب(87) الذين جعلت الرحمة في قلوبهم، فكما الفهم في العلوم صادرة عن(88) النُّور الذي في قلوب العلماء، فكذلك هذه الدمعة صادرة عن المرحومين الذين جُعِلت الرحمة في قلوبهم حكمة حكيم.
          وقوله ◙ : (فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) هذا اللفظ محتمِل معنيين: (أحدُهما): أن يكون على ظاهره وهو منع / الرحمة ممَّا سوى الراحمين(89) فتكون(90) (إنَّما) على بابها لحصر الحكم في(91) المذكور ونفيه عن غيره، و(احتُمِل) أن تكون بمعنى(92) ثبوت الحكم المذكور ولا ينتفي عن غيره(93) كقولهم(94): إنَّما الجميل يوسف أثبتوا له الجمال ولم ينفوه عن غيره، وقد تكون(95) بمعنى الاستحقاق لهم بما فيهم من الأهليَّة كمعنى قوله(96) تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ(97) اللهِ} [البقرة:218] أي: يحقُّ لهم الرجاء لـما وعدوا، والآخرون يرجون لكن على غير سبب، احتمل الوجهين معًا.
          والأظهر أنَّها لتخصيص الحكم بالمذكورين ولا ينفي(98) ذلك عن غيرهم بدليل أنَّه قد جاء: «إنَّ للهِ نَفَحَاتٌ مِنَ الرَّحْمَةِ يُصِيْبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ممَّنْ فيه رحمةٌ وغيره»، وقد جاء: «أنَّه تشفعُ الرُّسلُ والأنبياءُ والملائكةُ ‰ والعُلَمَاءُ والصَّالِحُونَ، ثمَّ يقولُ ╡ : شَفَعَتِ الأنبياءُ، شَفَعَتِ الملائِكةُ، شفعَتِ(99) الصالحونَ، وبقيتْ(100) شفاعةُ أرحمِ الراحمينَ، فيخرج منَ النَّارِ قبضة ممَّنْ قَدْ حَبَسَهُمُ القرآنُ».
          اللَّهُمَّ إلَّا إنْ جعلنا هذه الرحمة بمعنى الإيمان، ويكون المراد به الإيمان الكامل فهؤلاء هم أهل الرحمة حقيقة فيكون(101) فيه دليلٌ على(102) أنَّ هذه الرحمة لا يُخَصُّ بها إلَّا أهل الإيمان المذكورين وهي(103) سبب الخشوع، وقد أثنى ╡ عليهم(104) في كتابه حيث قال: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] فتكون على بابها لتعلُّق الحكم بالمذكورين / ونفيها عن غيرهم مـمَّن خالف الإيمان على عمومه لا على خصوصه إلَّا(105) في إيجاب الرحمة لهم لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].
          وهنا بحثٌ: وهو أنَّه يعارضنا في حديث غير هذا قوله ◙ (106): «إذا استكملَ نفاقُ المرءِ كانَتْ عَيْنَاهُ بحكمِ يده يُرْسِلُهُمَا(107) مَتَى شَاءَ» فهل بينهما فرق أم لا؟
          فالجواب: أمَّا الظاهر فالتعارض فيه موجود؛ لأنَّ هذه دمعةٌ خارجةٌ مِن(108) عالم الحسِّ وهذه مثلها، وإذا نظرنا إلى الشروط بان الحقُّ وظهر، ولم يبقَ بينهما تعارض.
          والشرط الذي بينهما أنَّ التي هي صادرة عن استكمال النِّفاق يكون خروجها باختيار النفس بغير موجب.
          وقد يمسكها عند الموجب كما يشاهد هذا(109) الناس على مرور الزمان من هؤلاء الغرباء الذين يقعدون(110) ويطلبون الناس ويصفون عن أنفسهم أنَّهم كانوا وكانوا، وذلك(111) كلُّه كذبٌ يَعْلَمُ ذلك منهم من يعرفهم أصلًا وفرعًا، فإذا جاءوا عند مُعَظِّمِ وصفِهم ذلك(112) الكذب يبكون وتجري الدموع من أعينهم مثل القطر يظنُّ الرائي لهم أنَّ ذلك حقٌّ فتشفق النفوس لهم ويُتصَدَّق(113) عليهم، وهذا مرويٌّ(114) عنهم كثيرًا(115) ولو لم يكن في هذا إلَّا الكتاب الذي ينسب إلى بني ساسان ووصف أحوالهم لكان كافيًا فكيف(116) والناس يرون ذلك منهم معاينة؟
          وأمَّا الدمعة التي هي كما أخبر الصادق ╕ فتخرج كما خرجت / منه صلعم وذلك عند الموجب مثل(117) تذكار الموت أو الشفقة مثل مارأى ╕ من تلك النسمة وما كانت تعالج من سكرات الموت مع صغرها، أو من خشية من الله ╡ ، أو ما يكون مثل ذلك من فكرة فيه كما روي عنه صلعم (أنَّه دخل يومًا على فاطمة ♦ وهي تبكي(118) بكاءً كثيرًا فسألها صلعم فقالت في معنى كلامها: أنَّه ما أبكاها شيء إلَّا فكرها في القبر وما فيه)، فهذا كلُّه نوع واحد يقتضيه حقيقة الإيمان الكامل.
          وممَّا يدلُّ على أنَّه إنَّما عنى هو(119) صلعم النوع لا الجنس بقوله: (هَذِه) وأشار إلى الدمعة كونه ╕ قسم الإيمان(120) في غير هذا الحديث على قسمين(121) فقال: «الإيمانُ إيمانانِ: إيمانٌ لا يَدخلُ صاحِبُهُ النَّارَ _وهو الإيمانُ معَ(122) الأمرِ والنهي وهو الإيمانُ الكامل(123)_ وإيمانٌ لا يُخَلَّدُ(124) صَاحِبُهُ في النَّارِ، وهو الإيمانُ(125) الذي معه بعض المعاصي».
          وممَّا يقوِّي ذلك أنَّ المتكلِّم وهو سعد ومن كان حاضرًا معه(126) لم تدمع لأحد منهم عين إلَّا عينه صلعم وذلك لكمال(127) الإيمان هناك؛ لأنَّه ╕ بالإجماع أكمل الناس إيمانًا، ولذلك قال عند موت ابنه إبراهيم: «تدمعُ العَيْنُ، ويَحْزَنُ القلبُ، ولا نقولُ مَا يُسْخِطُ الربَّ» لأنَّ الدمع والحزن هما عند الموجبات من الإيمان كما أنَّ ترك ما يسخط الربَّ من الإيمان أيضًا(128).
          وفيه دليلٌ لأهل الطريق(129) في كثرة بكائهم؛ لأنَّ النَّبي صلعم / قد جعل ذلك عَلَمًا على الرَّحمة التي في القلوب، وقد روي عن بعضهم أنَّه كان كثير(130) البكاء فرمدت عيناه فأتوا له بالطبيب(131) فقال(132) له: نداويك على شرط(133) أنَّك لا تبكي مادام بعينيك رمدٌ، فقال ☺: وأيُّ فائدة في عين لا يُبكَى(134) بها؟ والله لا ألتزم هذا الشرط ولا حاجة لي بدوائكم، بل أموت في البكاء، وهل راحة الشجيِّ إلَّا في أدمعه؟!
          وفائدةُ هذا الحديث(135) هي تذكار هذا(136) الأمر العظيم الحتم(137) الذي لا هربَ لأحد منه، والأخذ(138) في الاستعداد لذلك قبل هجومه إذ وهذا السيِّدُ عليه أفضل الصلاة(139) والسلام لا يقدر في دفع هذا الأمر عن أحد من أهله ولا عن نفسه المكرَّمة فما بالك بالغير؟ تصديقًا(140) لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]. وقد قال بعض الحكماء في شعر له(141):
ولو(142) كانتِ الدُّنيا تدومُ لأهلها                      لكانَ رَسُولُ اللهِ حيًّا وباقيًا
فحسبُكَ [يا هذا] إذا كنت عاقلًا                      مَقيلٌ(143) وكن فيها(144) لزادك واعيًا
واحذر هجمات الحِمام بلا زاد                      ويدك(145) مِن التقوى خالية(146)
وكن عبدًا مطيعًا، فالحِمام                      لا بُدَّ لك(147) مفاجيًا(148)


[1] في (ج) و(م) و(ل): ((الموجود..قوله أرسلت)).
[2] في (ج) و(م): ((بنت)).
[3] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((تسأله)).
[4] لم يذكر في (ج) و(م) و(ل) راوي الحديث وابتدأ بقوله: ((قوله: أرسلت))، ثم زاد في النسخ المذكورة كلمة: ((تسأله)) في هذا الموضع، وقد ذكر في حاشية (ل) تتمة الحديث: ((إنَّ ابنًا قُبض فأتنا فأرسل يقرأ السلام ويقول إنا لله ما أخذ وله ما أعطا وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إلى رسول الله صلعم الصبي ونفسه تتقعقع قال حسبت أنه قال كأنها شنٌّ وفاضت عيناه، فقال سعد: يارسول الله ماهذا؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنَّما يرحم الله من عباده الرحماء)).
[5] قوله: ((عليه)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[6] قوله: ((ليحضر)) ليس في (ج).
[7] في (ج): ((بقدر)).
[8] في (م) و(ل): ((لما)).
[9] في (ج): ((لما كان معالج)).
[10] في (ج): ((نخبر)).
[11] في (ج): ((الإتيان ◙)).
[12] في (ج) و(م): ((الفاضل)).
[13] في (ج): ((ليأتيها)).
[14] قوله: ((أو من أجل غيره أو من أجله ومن أجل غيره معاً)) ليس في (ط) و(م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[15] زاد في (ج): ((السلام)).
[16] في (ج) و(م) و(ل): ((الرحمة)).
[17] في (م): ((الأقارب)).
[18] في (ج) و(م) و(ل): ((أما)).
[19] في (ج) (م) و(ل): ((أن)).
[20] قوله: ((الإجابة)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[21] قوله: ((عند الله تعالى)) ليس في (ج).
[22] في (ج): ((فهو)).
[23] في (ج) و(ل): ((أخضر)).
[24] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((ويذكر)).
[25] في المطبوع: ((وروى مالك في موطئه)).
[26] زاد (ل): ((عن بعض)).
[27] زاد (ل): ((محتاجون)).
[28] في النسخ: ((أحد)) ولعل المثبت هو الصواب وهو مطابق للمطبوع.
[29] في (م): ((للباب)).
[30] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((إليه)).
[31] في (ج) صورتها: ((ضاجووره)) ولعله تصحيف.
[32] في (ج): ((إلا معه)).
[33] في (م): ((من)).
[34] في (م) و(ل): ((وعزمت)).
[35] قوله: ((الدخول)) ليس في (ج).
[36] قوله: ((عندي)) ليس في (م).
[37] قوله: ((في)) ليس في (م).
[38] قوله: ((له)) ليس في (ج).
[39] زاد (ل): ((فماذا)).
[40] في (م): ((لها ذلك)).
[41] في (ج) و(م) و(ل): ((جلوس النَّبي)).
[42] في (ج): ((مع القرب والبعد)).
[43] في (م) و(ل): ((القسم)).
[44] في (م): ((وجبل)).
[45] في (ج): ((يحيي)).
[46] العبارة في (ج) و(م) و(ل): ((المذنب فيعرض عنه ثمَّ يدعوه فيعرض عنه ثمَّ يدعوه)).
[47] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((قد)).
[48] في (م): ((وأجبت)).
[49] في (ج) و(م) و(ل): ((ولا هم أيضًا استأذنوا)).
[50] في (ج): ((═)).
[51] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[52] زاد في (ج): ((معه)).
[53] في (م): ((الجميع)).
[54] في (م): ((الباقين)).
[55] في (ل): ((الرفوع)).
[56] قوله: ((يكون)) ليس في (ط)، وقوله: ((أحدهما أن يكون)) ليس في (م) والمثبت من النسخ الأخرى.
[57] في (م): ((ظهر)).
[58] في (ج) و(م) و(ل): ((من)) بلا واو.
[59] في (م): ((معان)).
[60] في (ج) و(م) و(ل): ((تقعقع)).
[61] في (م): ((يتقشقر)).
[62] في (ج) و(م) و(ل): ((يسوقه)).
[63] في (م): ((هذا)).
[64] في (ط): ((الذي)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[65] قوله: ((الحال)) ليس في (ج).
[66] في (ج) و(م) و(ل): ((طفل)).
[67] في (ج): ((شدة)).
[68] في (ل): ((وأنها)).
[69] في (ج) و(م) و(ل): ((أخبر)).
[70] قوله: ((حتى يبلغ تلك المنزلة)) ليس في (م).
[71] في (ج): ((دموعه)).
[72] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م).
[73] في (ج): ((المكاتبة)).
[74] في (ج): ((بالكلام)).
[75] قوله: ((أولى)) ليس في (ج).
[76] في (ج): ((تقدم)).
[77] في (ط) و(ل): ((إرشاد)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[78] قوله: ((رحمة)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[79] في (ج) و(م) و(ل): ((موجبها)).
[80] في (ج): ((منها)).
[81] في (م): ((وما)).
[82] في (ج): ((فمنها))، وفي (م): ((فمتى)).
[83] في (ل): ((أنه)) مكرر.
[84] قوله: ((الرحماء)) ليس في (ج) و(م).
[85] في (م) و(ل): ((فإنَّما)).
[86] قوله: ((وقوله ◙: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[87] زاد في (ج) و(م): ((المؤمنين)).
[88] في (ج): ((صادر على))، وفي (م) و(ل): ((صادر عن)).
[89] في (ط) و(ل): ((المرحومين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[90] في (م): ((فيكون)).
[91] قوله: ((في)) ليس في (ج).
[92] في (م): ((معنى)).
[93] قوله: ((واحتمل أن تكون بمعنى ثبوت الحكم المذكور ولا ينتفي عن غيره)) ليس في (ط). وقوله: ((ونفيه عن غيره، واحتمل أن تكون بمعنى ثبوت الحكم المذكور ولا ينتفي عن غيره)) ليس في (ج). والمثبت من النسخ الأخرى.
[94] في (ج): ((كقوله)).
[95] في (ج): ((يكون)).
[96] في (م): ((الأهلية كقوله)).
[97] في (م): ((رحمة)).
[98] في (م) و(ل): ((ينتفي)).
[99] في (ج) و(ل): ((شفع)).
[100] في (ج): ((وبقي)).
[101] في (م): ((فيكون حقيقة)).
[102] قوله: ((فيه دليل على)) ليس في (م).
[103] في (ج): ((وهو)).
[104] في (ط): ((عليه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[105] قوله: ((إلا)) ليس في (م) و(ل).
[106] في (ج) و(م) و(ل): ((يعارضنا قوله ╕ في حديث غير هذا)).
[107] في (ج): ((يرسلها)).
[108] في (ج) و(م): ((في)).
[109] قوله: ((هذا)) ليس في (ج) و(م) و(ل).
[110] زاد في (ج): ((الخلق))، وفي (م) و(ل): ((يعقدون الحلق)).
[111] في (ج): ((وكذلك)).
[112] في (م) و(ل): ((لذلك)).
[113] في (ج) و(م) و(ل): ((فيتصدق)).
[114] في (م): ((يروى)).
[115] في (ج): ((كثير)).
[116] قوله: ((فكيف)) ليس في (م).
[117] قوله: ((مثل)) ليس في (ج).
[118] قوله: ((تبكي)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.
[119] قوله: ((هو)) ليس في (ج) و(م)، وفي (ل): ((ومما يدل عليه أنه عنى)).
[120] في (ج) و(ل): ((كونه ╕ قسم الإيمان)).
[121] في (ج): ((الحديث إيمان)).
[122] زاد في (ج): ((الإيمان اتباع))، وزاد في (م): ((اتباع)).
[123] في (ج): ((وهو على قسمين الكامل)).
[124] في (ج): ((يدخل)).
[125] قوله: ((الإيمان)) ليس في (ج) و(م).
[126] في (ل): ((كان معه حاضراً)).
[127] في (ل): ((إكمال)).
[128] قوله: ((ومما يقوي ذلك أن المتكلم... من الإيمان أيضا)) ليس في (ج) و(م).
[129] في (ج) و(م) و(ل): ((الصوفة)).
[130] في (م): ((يكثر)).
[131] في (ج) و(م): ((بالطبيب)).
[132] في (م): ((فقالوا)).
[133] في (م): ((نداويك بشرط)).
[134] في (م) و(ل): ((يُبكى)).
[135] زاد في (م) و(ل): ((هي)).
[136] قوله: ((هذا)) ليس في (م).
[137] في (م): ((الجسيم)).
[138] في (ج): ((والأصل)).
[139] قوله: ((الصلاة)) ليس في (ج).
[140] في (ج): ((قصد))، وفي (م) و(ل): ((وهذا تصديق)).
[141] في (ج): ((في شعرا)).
[142] في (م) و(ل): ((لو)) بلا واو.
[143] في (ج) و(ل): ((مقبل)).
[144] قوله: ((فيها)) ليس في (م) و(ل).
[145] في (ج): ((ويديك))، وفي (م): ((ويداك)).
[146] في (ط) و(م): ((خاليا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[147] قوله: ((لك)) ليس في (م).
[148] في (ج) و(ل): ((مفاجئ))، وقوله: ((لك)) ليس في (م).