بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم

          224-قوله: (أَنَّ عَلِيًّا ☺ أَتَى(1) عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ(2)...) الحديث. [خ¦5615]
          ظَاهِرُ الحَدِيْثِ يَدُلُّ على جواز الشرب قائمًا وأنه مِن السُّنَّة(3)، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها: أنَّه ينبغي للعالِم إذا رأى ما يخالف السُّنَّةَ أن يبيِّن للناس السُّنَّة ما هي؟ وكيف هي؟ ويوضِّحه بالفعلِ(4) والقولِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِن فِعْل عليٍّ ☺ ما هو نصُّ الحديث.
          وَفِيْهِ دَلِيْلٌ أيضًا(5) على أنَّ عليه أَنْ يبالغ في التعليم ما أمكنه، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِن(6) فِعْل عليٍّ ☺(7) وقولِه، لأنَّه لم يجتز إلا بمجموعهما وذلك هو(8) الغاية في التعليم.
          ويؤخذ منه أنَّه ينبغي للعالِم / عند ظهور البدع أن يعلِّم قبل أن يُسأل، يؤخذ ذلك مِن فعل علي ☺ ذلك قبل أن(9) يسأل، وهو أحد الخلفاء الذين قال صلعم في حقِّهم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وعَضُّوا(10) عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(11).
          وَفِيْهِ دَلِيْلٌ على اتِّباعه ☺ في التعليم ِسُنَّةَ(12) رسول الله صلعم، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِن قوله: (إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ(13) يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ) ولم يسمِّ أحدًا، وكذلك كانت طريقة(14) رسول الله صلعم إذا قيل له عن أحدٍ شيئًا لا يعجبه يقول: «مَا(15) بَالُ أَقْوَامٍ يقولونَ كَذَا أَوْ يَفْعَلُونَ كَذَا» ولا يسمِّي(16) أحدًا، وهذه العادة اليوم قد كثرت في النَّاس أعني مِن(17) أنَّهُم يكرهون(18) الشربَ قائمًا، حتى إنَّ بعضَهم يتغالى في ذلك ويجعله مِن قبيل المحرَّم وهذا مخالفة لسُّنَّة رسول الله صلعم.
          وَفِيْهِ دَلِيْلٌ على أنَّ الصحابة ♥ كان شأنهم اتِّباع رسول الله صلعم في أفعاله وأقواله، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِن قول عليٍّ ☺: (وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ) ولم يذكر(19) عنه ◙ في ذلك قولًا.
          وَفِيْهِ دَلِيْلٌ على أنَّه(20) مهما كان مِن الشارع صلعم في شيء(21) فعلًا أو قولًا(22) فلا مجال للعقل والرأي أن(23) ينظر أو يجتهد، وليس له وظيفة إلا أن يتَّبع فقط، فلولا ما كان الشأن عندهم ذلك(24) ما فعل عليٌّ ☺ ما نصَّ / في الحديث عندما بلغه قول مَن ظهر له كراهية الشرب قائمًا.
          ومما يؤيِّد ذلك ما فعله معاذ بن جبل مع معاوية بالشام حين قال معاذ: قال رسول الله صلعم، قال معاوية: والرأي(25) عندي كَيْتَ وكَيْتَ، فقال معاذ: مَن يجيرني(26) مِن معاوية؟ أنا(27) أقول: قال رسول الله صلعم وهو يقول: رأيي، والله لا أقيم معك في بلد، فخرج وأتى عمرَ بنَ الخطاب ☺ فكتب عمرُ إلى معاوية أن يقف عندما قال له معاذ، وكيف لا يكون الأمر(28) كذلك والله ╡ يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران:31]
          والاتباعية ينبغي أن تكون عامَّة في الأقوال والأفعال، وقد أجمع(29) على ذلك أئمة الدين ومصابيح الهدى، غير أنَّهم اختلفوا هل ذلك وجوبًا أو ندبًا أو على ما دلَّ(30) الدليل عليه على كل قضيةٍ قضية بقرينة، فمنها واجب، ومنها مندوب، ولم يقل أحد منهم بالمخالفة أصلًا لا في فعل ولا في قول، ولكثرة ملاحظة أهل السلوك هذا الشأن سادوا على غيرهم وبلغوا المنازل المنيفة.
          وقد ذُكِر عن بعضهم أنَّه طرقه خَوفٌ مِن واقعةٍ(31) وقعت في الوجود بعدما امتثل فيها السُّنَّة، فقيل له في إحدى مُخاطباته على عادتهم(32) التي عوَّدهم مولاهم: أتفزع ونحن قد أعطيناك علم الأمان؟ قال: وما علم الأمان؟ قيل له: قد هديناك إلى اتِّباع السُّنة، فهناك سَكَنَ ما كان وجده مِن الخوف(33) ولم / يلقَ في تلك النَّازلة إلا كلَّ خير ونعمة، فالشأنُ لمن أريد به الخير الصدقُ مع الله تعالى واتباعُ السُّنة المحمَّدية، جعلنا الله مِن أهل هذا الشأن في الدارين بمنِّه وفضله.


[1] في (م): ((أتاه)).، وفي (المطبوع): ((أُتيَ)).
[2] في الأصل(ط) و (ج): ((الرحمة)) والمثبت من (م).
[3] قوله: ((وأنه من السنة)) ليس في (م) و (ج).
[4] العبارة في (م) و (ج): ((إذا رأى شيئا [قوله: ((شيئًا)) ليس في (ج)] ينكره الناس وهو جائز في السنة أن يبين ذلك ويوضحه بالفعل)).
[5] قوله: ((أيضا)) ليس في (م) و (ج).
[6] زاد في (م): ((دليل)).
[7] قوله: ((فعل علي ☺)) ليس في (ج).
[8] قوله: ((هو)) ليس في (م) و (ج).
[9] العبارة في (م) و (ج): ((قبل أن يسأل لأن عليا ☺ فعل ذلك قبل أن)).
[10] في (م): ((بعدي، عضوا)).
[11] زاد في (م): ((أو كما قال ◙)).
[12] في (ط) و(ج): ((لسنة)).
[13] قوله: ((أن)) ليس في (م) و(ج) وبعدها في (ج): ((شرب)).
[14] في (م): ((عادة)).
[15] زاد في (م): ((ما)) مكررة.
[16] العبارة في (م): ((يقولون كذا ويفعلون كذا ولا يسمون)).
[17] في (م): ((في)).
[18] في (ج): ((يكرهوا)).
[19] في (ج): ((أذكر)).
[20] في (م): ((أن)).
[21] قوله: ((في شيء)) ليس في (م).
[22] في (ج): ((شيء في قول أو فعل)).
[23] في (م) و (ج): ((بأن)).
[24] العبارة في (م) و (ج): ((فقط لأنه لو كان الشأن عندهم غير ذلك)).
[25] في (م): ((الرأي)) وفي (ج): ((الذي)).
[26] في (ج): ((من يجير)).
[27] قوله: ((أنا)) ليس في (م) و(ج).
[28] قوله: ((الأمر)) ليس في (م) و (ج).
[29] في (م) و (ج): ((وقد مضى)).
[30] في (ج): ((واجبا أو مندوبا وما دلَّ)).
[31] صورتها في (ج): ((قلقعةٍ)).
[32] في (م): ((مخاطباته على عادته)).
[33] قوله: ((من الخوف)) ليس في (ط) والمثبت من النسخ الأخرى.