بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: من حلف على يمين كاذبًا ليقتطع مال رجل

          120- قوله(1): قال رسول الله صلعم : «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ(2)...» / الحديث. [خ¦2676]
          ظاهر الحديث(3) يدلُّ على تحريم اليمين الفاجرة التي يُقطع بها مالُ المسلم، وتشديدُ الوعيد لمن حلفها ليقْطَع بها مال امرئ مسلم، ثم الكلام عليه مِن وجوه:
          الأوَّل: قوله ╕: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ(4) بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) ظاهره(5) أنَّه إذا كان ذلك لقطع(6) مال امرئ كافر فهو جائزٌ، وليس كذلك؛ لأنَّ(7) أهل الذِّمة يتنزلون(8) في معاملاتهم(9) منزلة المؤمنين، فعلى هذا يحتمل أن يكون: أطلق ◙ (10) ذلك على المؤمنين لكونهم أغلب؛ لأنَّ أهل الذِّمة بالنسبة إلى المؤمنين قليل، ويحتمل(11) أن يكون فعلُ ذلك مع الذِّميِّ عقابه أخفَّ مِن فِعْلِه مع(12) المؤمنين، لنقص حرمة الذِّميِّ عن حرمة المسلم، ويحتمل أن يكون فِعْلُ ذلك مع الذِّميِّ أشدَّ في العقاب؛ لأنَّه جمع فيه ما جمع(13) في المسلم، وزاد عليه خفرَه للذِّمَّة(14).
          الثَّاني: وهو يتقرَّر بسؤال وارد، وهو أن يقال: لِمَ خُصَّ فاعل هذا الذَّنب بالغضب دون غيره مِن أفعال الذُّنوب؟ لأنَّه جاء فيها مَن فَعَل كذا كان عليه(15) كذا وعوقب بكذا، كما قيل في الغادر: «يُنصب له لواء عند أُستِه بقدر غَدرته(16) ينادى عليه هذه غدرة فلان بن فلان»، وكما قيل في آكل أموال اليتامى: يأكل نارًا، إلى غير ذلك؟
          والجواب عنه(17): أنَّه إنَّما خصَّ صاحب هذا الفعل بالغضب، لكونه(18) ارتكب ثلاثة أشياء عظيمة محرَّمة: وهي اليمين الفاجرة وهي التي يعبِّر عنها الفقهاء(19) باليمين / الغموس، وردَّ الحقَّ باطلًا، وأخَذَ مال هذا بغير حقٍّ.
          الثَّالث: أنَّ غضب الله تعالى المذكور في الحديث ليس المراد به ما يُعهَد مِن الغضب في البشر؛ لأنَّ ذلك مستحيل في حقِّ الله تعالى، وإنَّما المراد به ما يصدُر عنه مِن شدَّة العقاب؛ لأنَّ الملِك إذا غَضب على أحد عاقبه(20) وشدَّد عليه، وكذلك أيضًا إذا رَضي عن(21) أحدٍ أحسنَ إليه، وزاد في الإحسان، والله ╡ مستحيل في حقِّه الصِّفة الواردة على البشر الموجبة للرضا والغضب، وهو الميل والتَّعلق والنُّفور والكراهية(22)، ومثاله في النقيض وهو طريق الإحسان قوله ╕: «يَضْحَكُ رَبُّكَ مِنْ ثَلاثٍ: القوم يَصْطَفُّونَ لِلْقِتَالِ(23)، والقوم يَصْطَفُّونَ(24) للصَّلاةِ، والرجل يقومُ في جَوْفِ الليلِ».
          والمراد بالضحك هنا كثرة الثَّواب لهم والإحسان إليهم.
          الرَّابع: إنَّ الغضب لا يتعلَّق إلَّا بمجموع الأوصاف المتقدِّم ذكرها، فإذا لم يبلغها كان عقابه غير الغضب، وكذلك أيضًا(25) إذا كان الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته؛ لأنَّ ذلك ليس بيمين شرعيٍّ، وإنَّما سمَّاه(26) الفقهاء يمينًا مجازًا(27)، ومثاله مَن حلف بالطَّلاق أو العِتاق أو المشي أو غير ذلك، فحاصله أنَّه علَّق فعله بشرط، فإذا(28) وقع الشرط منهم(29) وقع المشروط وبالله التوفيق.


[1] في (م): ((عن عبد الله قال)).
[2] قوله: ((لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)) زيادة من (م) على النسخ. و قوله بعدها: ((الحديث)) ليس في (م).
[3] العبارة في (ل): ((المفضال الجواد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصبه وسلم تسليما قوله قال صلعم من حلف على يمين وهو فيها فاجر الحديث ظاهر الحديث)).
[4] في (ط) و(م) و (ل): ((ليقطع)) والمثبت من (ج).
[5] في (ج): ((ظاهر)).
[6] في (ل): ((القطع)).
[7] قوله: ((ذلك لقطع مال امرئ كافر فهو جائزٌ، وليس كذلك، لأنَّ)) ليس في (م).
[8] في (م): ((يتناولون)).
[9] في (ج) و(م): ((معاملتهم)).
[10] في (م): ((فعلى هذا يكون ◙ أطلق)).
[11] في (م): ((ومحتمل)).
[12] في (م): ((على))، وبعدها في (ل): ((الذمي)).
[13] قوله: ((جمع)) ليس في (م)، وفي (ط): ((أجمع فيه ما أجمع)) وفي (ل): ((لأنه أجمع فيه ما اجتمع)) والمثبت من (ج).
[14] في (ج): ((الذمي))، وفي (م): ((حقره الذمة)).
[15] في (ل): ((له)).
[16] في (ج): ((غدره)).
[17] قوله: ((عنه)) ليس في (ج).
[18] في (ل): ((لأنه)).
[19] في (ط) و (ل): ((يعبرون عنها الفقهاء)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[20] في (ج) تصحيفاً: ((على قبة)).
[21] في (ط): ((على)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[22] في (م): ((والكراهة)).
[23] في (ل): ((للحرب)).
[24] في (ج) في الموضعين: ((يصفون)).
[25] قوله: ((أيضاً)) ليس في (م).
[26] في (ط) و (ل): ((سموه)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[27] زاد في (م): ((له)).
[28] في (م): ((إذا)).
[29] قوله: ((منهم)) زيادة من (ج) على النسخ.