التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يقول إذا رجع من الغزو

          ░197▒ باب: ما يقولُ إذا رَجَعَ مِنَ الغَزْوِ.
          ذكر فيه ثلاثةَ أحاديثَ:
          3084- أحدها: حديثٌ عن عبد الله: أنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ إِذَا قَفَلَ كَبَّرَ ثَلَاثًا فقال: (آيِبُونَ إنْ شَاءَ اللهُ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لربِّنا حامِدُون، صَدَقَ الله وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ).
          3085- ثانيها: حديث أنسٍ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلعم مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ وَرَسُولُ الله صلعم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ...) الحديث وفيه: (فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ).
          ثالثها: عنه مثله.
          الشَّرح: قد سلف القول في التَّكبير عند الصُّعود والإشراف على المدن، والتَّسبيح عند الهبوط [خ¦2994].
          وفيه إرداف المرأة خلف الرَّجل، وسَترها عن النَّاس.
          وفيه ستر مَنْ لا يجوز رؤيته، وستر الوجه عنه.
          وفيه خدمة العالم والإمام، وخدمة أهله.
          وفيه اكتناف الإمام والاجتماع حوله عند دخول المدن، وتلقِّي النَّاس سنَّةٌ ماضيةٌ وأمرٌ جارٍ.
          وفيه حمد الله للمسافر عند إتيانه سالمًا إلى أهله، وسؤاله اللهَ التَّوبة والعبادة، وتقدير الكلام: نحن آيبون تائبون عابدون حامدون لربِّنا ساجدون، إن شاء الله، على ما رزقنا مِنَ السَّلامة والنَّصر وصدقِ الوعد، ولا تتعلَّق المشيئة بقوله: (آيِبُونَ) لوقوع الإياب، وإنَّما تتعلق بما في الكلام الَّذي لم يقع بعدُ، وفيه أنَّه يجوز للمتكلِّم أن يقدِّم المشيئة لله تعالى في أوَّل كلامه، ثُمَّ يصلَها بما يحبُّ إيقاعه مِنَ الفعل.
          وفيه أنَّ الرَّجل الفاضل ينبغي له عند ما يجدَّد له مِنْ نعمةٍ وسلامةٍ أن يقرَّ لله تعالى بطاعته، ويسأله أن يديم له حال تثويبه وعبادته له، وإنْ كان الشَّارع قد تقرَّر عنده أنَّه لا يزال تائبًا عابدًا ساجدًا حامدًا لربِّه لكن هو أدب الأنبياء أخذًا بقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الكهف:23-24] ولعلمهم بمواقع نعم الله عندهم، يعترفون له بها ويذعنون ويتبرَّؤون إليه مِنَ الحول والقوَّة، ويظهرون الافتقار إليه، مبالغةً في شكره تعالى، ولتقتديَ بهم أممهم في ذلك.
          فائدةٌ: قوله في حديث أنسٍ: (فَاكْتَنَفْنَا رَسُوْلَ الله صلعم) أي: أحطنا به.
          وفيه تغطية أبي طَلحة وجهه، وإصلاح الرَّجل للمرأة للضَّرورة.
          وفيه حجاب أمَّهات المؤمنين وإنْ كنَّ كالأمَّهات.
          وفيه علم الشَّارع بصلاح أبي طلحة، وإسقاط الغيرة.
          فائدةٌ أخرى: قوله: (مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ) هو وهمٌ نبَّه عليه الدِّمْياطيُّ الحافظ حيث قال: ذكرُ عُسْفان مع قصَّة صفيَّة وهمٌ، لأنَّ غزوة عُسْفان إلى بني لِحْيان كانت في سنة ستٍّ، وغزوة خَيبرَ في سنة سبعٍ، وإرداف صفيَّة مع رسول الله صلعم ووقوعها كان فيها.