التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}

          ░45▒ (بابُ: مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله لِقَوْلِهِ _تعالى_: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60]).
          2853- وذكر فيه حديث أبي هريرة: (قالَ رسولُ الله _صلعم_: مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِيمَانًا بِاللهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
          الشَّرح: هذا الحديث أخرجه البُخاريُّ مِنْ حديث طلحة بن أبي سعيدٍ عن المَقْبُريِّ عنه، وفي الباب عن أسماءَ بنتِ يزيدَ وعليٍّ وزيدِ بن ثابتٍ وسهلِ بن الحَنْظَلِيَّة وسَوَادة بن الرَّبِيع.
          أخرج الأوَّل أحمد بلفظ: ((مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ احْتِسَابًا، كَانَ شِبَعُهُ وَجُوعُهُ وَرِيُّهُ وَظَمَؤُهُ، وَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ، فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا رِيَاءً وَسُمْعَةً، كَانَ ذَلِكَ خُسْرَانًا فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وأخرج الثَّانيَ ابن بنت مَنِيعٍ مِنْ حديث الحارث عنه بلفظ: ((مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله فَعَلَفُهُ وَأَثَرُهُ فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، والثَّالثَ عبدُ بن حُميدٍ في «مسنده» بإسنادٍ فيه ضعفٌ بلفظ: ((مَنْ حبسَ فرَسًا في سبيلِ الله كانَ سترةً مِنَ النَّارِ))، والرَّابعَ ابْنُ أبي عاصمٍ مِنْ حديث المُطْعِم بن المِقْدَام عن الحسن عن سهلٍ بلفظ: ((مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ كانتِ النَّفَقَةُ عليهِ كالمادِّ يَدَهُ بصدقةٍ لا يقبضها))، والخامسُ أخرجه أيضًا بلفظ: ((ارتَثُّوا الخيل)) وأخرج مثله مِنْ حديث يزيدَ بن غَرِيبٍ المُلَيكيِّ عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا، ومِنْ حديث محمَّد بن عُقبة القاضي عن أبيه عن جدِّه عن تميمٍ الدَّاريِّ مرفوعًا: ((مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله فَعَالجَ عَلَفَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةٌ)).
          إذا تقرَّر ذلك فالحديث دالٌّ على أنَّ الأحباس جائزةٌ في الخيل والرِّباع وغيرها لأنَّه إذا جاز في الخيل للمدافعة عن المسلمين وعَن الدِّين والنَّفع لهم بجرِّ الغنائم والأموال إليهم، فكذلك تجوز في الرِّباع المثمرة لهم، نبَّه عليه الْمُهَلَّب، وما وَصفه مِن الرَّوث وغيره إنَّما يريد ثوابه لا أنَّ الرَّوث هو الموزون، بل أجره، ولا نقول: إنَّ زنة الأجر زنةُ الرَّوث، بل أضعافه إلى ما شاء الله تعالى.
          وفيه أن النِّيَّة قد يُؤجر الإنسان بها كما يؤجر العاملُ لأنَّ هذا إنَّما احتبس فرسه ليقاتل عليه ويغير، فعوَّض مِنْ أجر العمل المعدوم في ترك استعماله فيه بعدِّ نفقاته وأرواثه أجرًا له، مع أنَّه في رباطه نافعٌ لأنَّ الإرهاب بارتباطه في نفس العدوِّ وسماعهم عنه نافعٌ، وفيه أنَّ الأمثال تُضرب لصحَّة المعاني وإن كان فيها بعضُ المكروهاتِ الذِّكْرِ.