التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير

          ░131▒ باب: ما يُكره مِنْ رفع الصَّوت بالتَّكبير. /
          2992- ذكر فيه حديثَ أبي موسى: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ والأربعة، وشيخ البُخَاريِّ محمَّد بن يوسف هو الفِرْيابيُّ، كما نصَّ عليه أبو نُعَيْمٍ الحافظ.
          (ارْبَعُوا) براءٍ ساكنةٍ ثُمَّ باءٍ موحَّدةٍ مفتوحةٍ، قال الأَزهَريُّ عن يعقوب: رَبَع الرَّجل يربَع إذا وقف وتحبَّس. وقال اللَّيث: يُقال: اربَعْ على نفسك، واربَع على ظَلعِك، واربَعْ عليك، كل ذلك واحدٌ، ومعناه: انتظر. قال الخَطَّابيُّ: يريد: أمسكوا عن الجهر وقِفوا عنه.
          وقال صاحب «المطالع»: اعطفوا عليها بالرِّفقِ بها والكفِّ عن الشدَّة، ونقل ابن بَطَّالٍ عن كتاب «الأفعال»: رَبَعَ به: رَفَقَ به، ورَبَعَ عن الشَّيء: كفَّ عنه، ومنه قيل: ارْبَعْ على نفسك. وقال ابن التِّينِ: قيل: معناه: ارْفُقْ بنفسك، وقيل: انتظر، وقيل: قفْ، يُقال: رَبَعَ بالمكان إذا وقف عن السَّير وأقام به.
          وإنَّما نهاهم _والله أعلم_ عن رفع الصَّوت إبقاءً عليهم ورفقًا بهم، لأنَّهم كانوا في مشقَّة السَّفر، فأراد صلعم: اكلَفُوا مِنَ العمل ما تطيقون، وكان بالمؤمنين رحيمًا، ثُمَّ أعلمهم أنَّ الله يسمع خفيَّ كلامهم بالتَّكبير كما يسمع عاليَه؛ إذ لا مانعَ لأنَّه سميعٌ قريبٌ.
          وفيه كراهية رفع الصَّوت بالدُّعاء، وهو قول عامَّة السَّلف مِنَ الصَّحابة والتَّابعين، وروى قيس بن عُبَادٍ قال: كان أصحاب رسول الله يكرهون رفع الصَّوت عند ثلاثة مواطنَ: عند الذِّكر وعند القتال وعند الجنائز، وفي روايةٍ: كان أصحاب رسول الله صلعم يكرهون رفع الصَّوت ورفع الأيدي عند القتال و الدُّعاء. قال سعيدُ بن أبي عَروبة: حدَّثنا قَتَادة عن سعيد بن المسيِّب قال: ثلاثٌ ممَّا أحدث النَّاس: رفع الصَّوت عند الدُّعاء ورفع الأيدي واختصار السُّجود. وذُكر عن مجاهدٍ أنَّه رأى رجلًا يرفع صوته بالدُّعاء فحَصَبَه.